المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (66- 73) [سورة الزخرف (43) : الآيات 66 الى 73] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٣

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (47- 54) [سورة فصلت (41) : الآيات 47 الى 54]

- ‌42- سورة الشورى

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 12) [سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 16) [سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 20) [سورة الشورى (42) : الآيات 17 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 26) [سورة الشورى (42) : الآيات 21 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 35) [سورة الشورى (42) : الآيات 27 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 43) [سورة الشورى (42) : الآيات 36 الى 43]

- ‌الآيات: (44- 50) [سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 53) [سورة الشورى (42) : الآيات 51 الى 53]

- ‌43- سورة الزخرف

- ‌مناسبة السورة لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 19) [سورة الزخرف (43) : الآيات 9 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 25) [سورة الزخرف (43) : الآيات 20 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 35) [سورة الزخرف (43) : الآيات 26 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 44) [سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 56) [سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 65) [سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 73) [سورة الزخرف (43) : الآيات 66 الى 73]

- ‌الآيات: (74- 83) [سورة الزخرف (43) : الآيات 74 الى 83]

- ‌الآيات: (84- 89) [سورة الزخرف (43) : الآيات 84 الى 89]

- ‌44- سورة الدخان

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 33) [سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 48) [سورة الدخان (44) : الآيات 34 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 59) [سورة الدخان (44) : الآيات 51 الى 59]

- ‌45- سورة الجاثية

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 11) [سورة الجاثية (45) : الآيات 6 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 15) [سورة الجاثية (45) : الآيات 12 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 22) [سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 22]

- ‌الآيات: (23- 35) [سورة الجاثية (45) : الآيات 23 الى 35]

- ‌الآيتان: (36- 37) [سورة الجاثية (45) : الآيات 36 الى 37]

- ‌46- سورة الأحقاف

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 14) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 7 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 20) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 15 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 28) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 35) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 35]

- ‌47- سورة محمد

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 15) [سورة محمد (47) : الآيات 10 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 19) [سورة محمد (47) : الآيات 16 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 30) [سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 30]

- ‌الآيات (38- 31) [سورة محمد (47) : الآيات 31 الى 38]

- ‌[الجهاد.. والحرب النفسية]

- ‌48- سورة الفتح

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (3- 1) [سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 3]

- ‌الآيات (7- 4) [سورة الفتح (48) : الآيات 4 الى 7]

- ‌الآيات (14- 8) [سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 14]

- ‌الآيات (17- 15) [سورة الفتح (48) : الآيات 15 الى 17]

- ‌الآيات (26- 18) [سورة الفتح (48) : الآيات 18 الى 26]

- ‌الآيات (29- 27) [سورة الفتح (48) : الآيات 27 الى 29]

- ‌49- سورة الحجرات

- ‌مناسبتها للسورة قبلها

- ‌الآيات (1- 5) [سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات (13- 6) [سورة الحجرات (49) : الآيات 6 الى 13]

- ‌الآيات (18- 14) [سورة الحجرات (49) : الآيات 14 الى 18]

- ‌50- سورة «ق»

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (11- 1) [سورة ق (50) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات (26- 12) [سورة ق (50) : الآيات 12 الى 26]

- ‌الآيات (37- 27) [سورة ق (50) : الآيات 27 الى 37]

- ‌الآيات (45- 38) [سورة ق (50) : الآيات 38 الى 45]

- ‌51- سورة الذاريات

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (14- 1) [سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 32) [سورة الذاريات (51) : الآيات 15 الى 23]

- ‌الآيات (30- 24) [سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 30]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (66- 73) [سورة الزخرف (43) : الآيات 66 الى 73]

دعوته التي جاءهم بها، فكانوا فى ذلك أحزابا وشيعا.

ففريق منهم بهته وكذبه، ورماه وأمه بالفحش والزور من القول..

وقالوا إنه ابن زنى، وإن أمه جاءت به من سفاح! وفريق غالى فيه، ورفعه إلى مقام الألوهية.. فقالوا إنه الله تجسد فى مريم، وجاء على صورة المسيح! وهكذا هلك الفريقان فيه..

وبين هذين الفريقين فرق أخرى كثيرة، بعضها مبالغ، وبعضها مقتصد..

وفى قوله تعالى: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ» وعيد لهذه الفرق المنحرفة جميعها.. فكلّ جائر، حائد عن طريق الحقّ فى المسيح، وفى المفهوم الذي فهموه عليه.. فهو ليس إلها ولا ابن إله، كما زعم أنصاره وأتباعه.. وهو ليس ابن زنى، ولا كذابا، ولا دجالا، كما رماه بذلك المفترون الضالون من اليهود.. وإنما هو كما قال الله سبحانه وتعالى:«إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائِيلَ» .

‌الآيات: (66- 73)[سورة الزخرف (43) : الآيات 66 الى 73]

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَاّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَاّ الْمُتَّقِينَ (67) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)

يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (73)

ص: 157

التفسير:

قوله تعالى:

«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ» .

هو عودة بالخطاب إلى المشركين، بعد أن ضرب لهم المثل بالمسيح بن مريم، وبما كان منهم من شغب فى هذا المثل، وما كان من بنى إسرائيل من خلاف فى شأنه.. وفى هذا الخطاب الاستفهامى تهديد للمشركين بما سيحل بهم، إذا هم أمسكوا بما هم عليه من شرك وضلال.. فماذا ينتظرون؟ إنه ليس وراء هذا الانتظار إلا أن يموتوا على شركهم، وإلا أن يجدوا أنفسهم فجأة، وعلى غير توقع منهم- أنهم بين يدى عذاب الله، الذي أعدّ للضالين المكذبين..

قوله تعالى:

«الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ» الأخلاء: جمع خليل.. وهو الصاحب الذي اتصل الودّ بينه وبين صاحبه..

والمعنى: أنه فى يوم القيامة يشغل كل إنسان بأمر نفسه، لما يرى من أهوال هذا اليوم.. «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ» (34- 37: عبس) .. هذا شأن الناس جميعا..

أما أهل الضلال، وإخوان السوء، فإن لهم إلى هذا الشأن شأنا آخر.. وهو أنهم

ص: 158

يترامون بالتهم، ويتقاذفون باللعنات.. كل منهم يلقى باللأئمة على صاحبه ويقول له أنت الذي دعوتنى إلى كذا وكذا من المعاصي، وأنت الذي زينت لى كذا وكذا من الشرور، كما يقول الله سبحانه على لسان المستضعفين، ونقمتهم على سادتهم وكبرائهم:«رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ» .

(38: الأعراف) .

وكما يقول سبحانه عن أهل الضلال جميعا: «ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ» (25: العنكبوت) ..

وقوله تعالى: «إِلَّا الْمُتَّقِينَ» استثناء من هذا الحكم العام: «الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ» .. فليس كل الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو.. وإنما هذا الحكم واقع على إخوان السوء، وأهل الضلال.. أما أهل الإيمان، والتقوى، المتحابون فى لله، المجتمعون على ذكره وطاعته- فهؤلاء يلقى بعضهم بعضا بالحمد والثناء، حيث كان بعضهم لبعض ناصحا وهاديا..

قوله تعالى:

«يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» ..

هو دعاء من رب كريم، لعباده المتقين، الذين استخلصهم سبحانه من بين هذه الجموع المتخاصمة الملاعنة من أهل الفسق والضلال..

فأهل المحشر جميعا بعضهم عدو لبعض إلا المتقين، الذين ينادون من قبل الرحمن بقوله تعالى:«يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» ..

ص: 159

وفى نداء المتقين من بين هذا المعترك الصاحب من حولهم، وفى إضافتهم إلى الله سبحانه وتعالى:«يا عِبادِ» لطف من لطف الله بهم، حيث تسكن بهذا النداء الكريم نفوسهم المضطربة، وتطمئن قلوبهم الواجفة، لما يرون من تناهش أهل الضلال حولهم، وتراميهم بالعداوة والشنآن.. فإذا سمعوا هذا النداء الكريم بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون أمنوا من خوف، واطمأنوا من فزع.. إنهم ناجون وحدهم من بين الركب الذي تتخبط به السفينة فى متلاطم الأمواج، وتوشك أن تهوى إلى القاع!.

قوله تعالى:

«الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ» .

هو وصف لهؤلاء العباد، الذين ناداهم الحق جل وعلا بقوله:«يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» .. فهم إنما استحقوا هذا التكريم من الله سبحانه وتعالى، بندائهم، وبإضافاتهم إلى ذاته جل وعلا..

لأنهم آمنوا بآيات الله.. وكانوا مسلمين..

وفى وصفهم بالإيمان، ثم وصفهم بأنهم كانوا مسلمين قبل أن يكونوا مؤمنين- فى هذا إشارة إلى أنهم قبل أن يؤمنوا على يد الرسل، ويصدّفوا بآيات الله التي فى أيديهم- كانوا مسلمين، أي على فطرتهم السليمة، التي لم تفسدها الأهواء الموروثة، لقل كانوا على السلامة والبراءة، حتى إذا التقوا برسل الله، ونظروا فيما معهم من آيات، استجابوا لدعوة الحق، وآمنوا بآيات الله.. أشبه بالأرض الطيبة، التي احتفظت بكل ما فيها خير، حين لم تجد الماء الذي يحيى مواتها، حتى إذا غائها الغيث، اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج كريم.. وليس كذلك الأرض الخبيثة، فإنها حين

ص: 160

لا تجد الماء، حيث تنضح بكل ما فيها من خبث، فتصبح منبتا للحسك والشوك، ومأوى للآفات والهوام..

وقوله تعالى:

«ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ» .

بعد أن يجتمع المؤمنون على هذا النداء الكريم من ربهم، يدعوهم الله سبحانه وتعالى إلى ضيافته فى الجنة.. «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ» أي حيث تلقون المسرة والحبور مع أزواجكم اللاتي آمنّ معكم..

وبهذا يكمل أنسهم، ويتم نعيمهم..

قوله تعالى:

«يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ» ..

فى الانتقال من الخطاب فى قوله (أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ) إلى الغيبة، فى قوله تعالى:«يُطافُ عَلَيْهِمْ» بدلا من «يطاف عليكم» - فى هذا إلفات للأنظار إلى هذا النعيم الذي يساق إلى عباد الله المتقين، الذين استضافهم سبحانه وتعالى فى رحاب كرمه، وأنزلهم منازل رضوانه.. وفى هذا ما يبعث فى قلوب المكذبين والضالين، من حسرات، إلى ما هم فيه من آلام، وأحزان، كما أنه يضاعف من نعيم أهل هذا النعيم، حيث ينظرون إلى أنفسهم وإلى ما هم فيه من عافية، وحيث يلقى غيرهم صنوف البلاء والهوان..

وفى قوله تعالى: «بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ» - إشارة إلى الطعام

ص: 161

وهو فى آنية الطعام، وهى الصحاف، جمع صحفة.. وإلى الشراب وهو فى آنية الشراب، وهى الأكواب: جمع كوب.. وهى جميعا من ذهب..

وقوله تعالى: «وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ» - إشارة أخرى إلى أن وراء هذه الأطعمة والأشربة التي يطاف على أهل الجنة بها- وراء هذه الأطعمة كل ما تشتهى الأنفس من طيبات.. فلا يطلب أحد شيئا إلا وجده حاضرا بين يديه، كما يقول الله تعالى:«وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ»

(31: فصلت) ..

وقوله تعالى: «وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ» - إشارة ثالثة إلى ما للأعين من متع خاصة، تجدها فيما ترى من آيات الله، وبديع صنعه فى هذه المنازل الكريمة، التي استضافهم الله سبحانه وتعالى فيها..

هذا، وقد تأول بعض المفسرين قوله تعالى:«وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ» بأنه النظر إلى الله سبحانه وتعالى، حيث لا يكمل نعيم أهل الجنة إلا بالنظر إلى الله سبحانه، فيتجلى الله سبحانه وتعالى على أهل الجنة، فيكون لهم من ذلك ما لا يحيط به الوصف من رضا ورضوان..

هذا وقد أشرنا فى أكثر من موضع إلى أن هذه الأوصاف الحسية التي يذكرها القرآن لنعيم الجنة، من ألوان الطعام والشراب، وأنواع اللباس والحلىّ- كلها مما يساق إلى أهل الجنة، الذين كانوا يشتهون هذه الأمور فى الدنيا، ثم تقصر أيديهم عنها، أو كانوا يحرمون أنفسهم منها، ابتغاء مرضاة الله!.

فكان من تمام إكرامهم، أن يجدوا بين أيديهم كل ما كان من نعيم الدنيا، الذي فاتهم حظهم منه.. عجزا، أو استعلاء..

ص: 162

قوله تعالى:

«وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ» .

الإشارة إلى الجنة هنا، هى دعوة لأهلها إلى أن يزفّوا إليها، وأن ينالوا منها ما يشاءون.. فقد أصبحت ملكا لهم، يتصرفون فيها تصرف المالك فيما ملك..

وقد عبّر القرآن عن الملك بالميراث، لأمرين:

أولا: أن الوارث لا يبخل على نفسه بالتمتع بكل ما ورث، حيث لا يشتد حرصه عليه، لأن ما ورثه قد جاء إليه من غير عناء.. وفى هذا دعوة إلى أهل الجنة أن ينالوا من هذا النعيم الموروث ما يشاءون، غير مضيقين على أنفسهم فى شىء..

وثانيا: أن هذه الجنة التي نزل المؤمنون رحابها، وورثوا نعيمها- هى فضل من فضل الله عليهم، وإحسان من إحسانه إليهم، وأن أعمالهم الصالحة التي عملوها فى الدنيا ليست هى الثمن الذي يكافىء هذا النعيم العظيم..

وأن هذه الأعمال لم تكن إلا سببا ووسيلة يتوسلون بها إلى مرضاة الله..

كما يتوسل الوارث إلى مورثه بسبب من قرابة ونسب، فتكون هذه القرابة سببا لميراث ما يرث، وإن لم يكن له فيما ورثه من عمل..

أما قوله تعالى: «بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» - فهو لتحقيق أمرين كذلك..

أولهما: الاحتفاء بالأعمال الصالحة، والإشارة بقدرها، وإلى أنها تثمر ثمرا طيبا.. وأن من يغرس فى مغارسها لا بد أن يجنى منها ثمرا طيبا مباركا..

ص: 163