المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (84- 89) [سورة الزخرف (43) : الآيات 84 الى 89] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٣

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (47- 54) [سورة فصلت (41) : الآيات 47 الى 54]

- ‌42- سورة الشورى

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 12) [سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 16) [سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 20) [سورة الشورى (42) : الآيات 17 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 26) [سورة الشورى (42) : الآيات 21 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 35) [سورة الشورى (42) : الآيات 27 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 43) [سورة الشورى (42) : الآيات 36 الى 43]

- ‌الآيات: (44- 50) [سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 53) [سورة الشورى (42) : الآيات 51 الى 53]

- ‌43- سورة الزخرف

- ‌مناسبة السورة لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 19) [سورة الزخرف (43) : الآيات 9 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 25) [سورة الزخرف (43) : الآيات 20 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 35) [سورة الزخرف (43) : الآيات 26 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 44) [سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 56) [سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 65) [سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 73) [سورة الزخرف (43) : الآيات 66 الى 73]

- ‌الآيات: (74- 83) [سورة الزخرف (43) : الآيات 74 الى 83]

- ‌الآيات: (84- 89) [سورة الزخرف (43) : الآيات 84 الى 89]

- ‌44- سورة الدخان

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 33) [سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 48) [سورة الدخان (44) : الآيات 34 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 59) [سورة الدخان (44) : الآيات 51 الى 59]

- ‌45- سورة الجاثية

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 11) [سورة الجاثية (45) : الآيات 6 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 15) [سورة الجاثية (45) : الآيات 12 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 22) [سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 22]

- ‌الآيات: (23- 35) [سورة الجاثية (45) : الآيات 23 الى 35]

- ‌الآيتان: (36- 37) [سورة الجاثية (45) : الآيات 36 الى 37]

- ‌46- سورة الأحقاف

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 14) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 7 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 20) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 15 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 28) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 35) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 35]

- ‌47- سورة محمد

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 15) [سورة محمد (47) : الآيات 10 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 19) [سورة محمد (47) : الآيات 16 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 30) [سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 30]

- ‌الآيات (38- 31) [سورة محمد (47) : الآيات 31 الى 38]

- ‌[الجهاد.. والحرب النفسية]

- ‌48- سورة الفتح

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (3- 1) [سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 3]

- ‌الآيات (7- 4) [سورة الفتح (48) : الآيات 4 الى 7]

- ‌الآيات (14- 8) [سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 14]

- ‌الآيات (17- 15) [سورة الفتح (48) : الآيات 15 الى 17]

- ‌الآيات (26- 18) [سورة الفتح (48) : الآيات 18 الى 26]

- ‌الآيات (29- 27) [سورة الفتح (48) : الآيات 27 الى 29]

- ‌49- سورة الحجرات

- ‌مناسبتها للسورة قبلها

- ‌الآيات (1- 5) [سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات (13- 6) [سورة الحجرات (49) : الآيات 6 الى 13]

- ‌الآيات (18- 14) [سورة الحجرات (49) : الآيات 14 الى 18]

- ‌50- سورة «ق»

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (11- 1) [سورة ق (50) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات (26- 12) [سورة ق (50) : الآيات 12 الى 26]

- ‌الآيات (37- 27) [سورة ق (50) : الآيات 27 الى 37]

- ‌الآيات (45- 38) [سورة ق (50) : الآيات 38 الى 45]

- ‌51- سورة الذاريات

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (14- 1) [سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 32) [سورة الذاريات (51) : الآيات 15 الى 23]

- ‌الآيات (30- 24) [سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 30]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (84- 89) [سورة الزخرف (43) : الآيات 84 الى 89]

قوله تعالى:

«فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ» ..

هو استصغار لأحلام هؤلاء المشركين، وأنهم أشبه بالأطفال، يخوضون ويلعبون، فلا معتبر لما يقولون.. لأنهم يرمون بالكلام على عواهنه، دون أن يكون لعقولهم نظر فيه، أو تقدير له، ولهذا فإن الأولى بالنبي- صلوات الله وسلامه عليه- أن ينصرف عنهم، وأن يدعهم لما هم فيه من لهو ولعب، حتى تقع بهم الواقعة، ويأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون..

‌الآيات: (84- 89)[سورة الزخرف (43) : الآيات 84 الى 89]

وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88)

فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)

التفسير:

قوله تعالى:

«وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» .

هو بيان لقدرة الله، وجلاله، وعظمة ملكه، واقتدار سلطانه..

ص: 171

فهو سبحانه، المتفرد بالألوهة فى السماء.. لا شريك له فيها.. وبهذا يدين له أهل السماء بالعبودية..

وهو سبحانه، المتفرد بالألوهة فى الأرض.. لا شريك له فيها.. وبهذا يدين له أهل الأرض بالولاء ويخصّونه بالعبادة.. وأنه إذا كان فى الناس من ضلّ وغوى، فانحرف عن هذا الوضع الذي يتخذه أهل السماء والأرض، فإنهم- مع هذا- مقهورون لله، واقعون تحت سلطانه.. طوعا أو كرها، كما يقول سبحانه:«إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً» (93: مريم) وكما يقول جل شأنه، «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً» (15: الرعد) .

وقوله تعالى: «وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ» - إشارة إلى الصفتين الكريمتين اللتين يتجلّى الله سبحانه وتعالى بهما على ملكه فى السموات والأرض.. وهما:

الحكمة والعلم فكل ما خلق الله سبحانه، موزون بميزان الحكمة، مقدر بقدرها.. وكل ما فى السموات والأرض، واقع فى علم الله «لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ» (3: سبأ) وهكذا كل أمر- صغر أو كبر- إنما ملاكه الحكمة والعلم.. فبالحكمة يقوم الأمر، وبالعلم تضبط مصادره وموارده، ولهذا كان مما طلب به «يوسف» القيام على تدبير خزائن الأرض- أنه حفيظ عليم، فقال للملك:«اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ.. إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» (55: يوسف) والحفظ شعبة من شعب الحكمة!.

قوله تعالى:

«وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» .

ص: 172

هو تسبيح بحمد الله وتقديس لجلاله، بلسان كل مخلوق فى السموات والأرض.. فهو سبحانه- المتفرد بالألوهة فى السماء، والأرض.. ومن ثمّ كان كل من فى السموات والأرض لسان حمد لله، وتسبيح لله، وولاء لجلاله.

وفى قوله تعالى: «وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» تذكير للناس- وهم يشهدون جلال الله، وعظمته فى هذا الملك العظيم الذي له وحده- تذكير لهم بيوم الحساب والجزاء، الذي لا يعلمه إلا هو.. وذلك يوم يرجعون إلى الله، ويجزى كل امرئ بما عمل..

قوله تعالى:

«وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» المراد بالمدعوّين من دون الله هنا، هم الملائكة، الذين يعبدهم المشركون فى هذه الأصنام التي سموها بأسماء أطلقوها على بعض الملائكة، مثل اللات، والعزى، ومناة، وغيرها، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى» (27: النجم) وهؤلاء الملائكة الذين يعبدهم المشركون فى تلك الأصنام التي يتمثلونها فيهم- وبتلك الأسماء التي يسمونهم بها- هؤلاء الملائكة، لا يملكون الشفاعة لأحد، كما يتوهم هؤلاء المشركون إذ يقولون عنهم:«ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى» (3: الزمر) ويقولون فيهم: «هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ» (18: يونس) .

وقوله تعالى: «إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ» هو استثناء من عموم النفي الواقع على شفاعة الملائكة.. أي أن الملائكة لا يشفعون إلا لمن شهد بالحق، فآمن بالله، ويرسل الله، وباليوم الآخر.. كما يقول الله تعالى:«لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ» (78: الزخرف) .. فهؤلاء الذين كرهوا

ص: 173

الحق وأنكروه ليس للملائكة شفاعة فيهم.. وهم أكثر المشركين.. أما من شهد بالحق من هؤلاء المشركين- وهم أقلية- وآمنوا بالله، وأخلصوا دينهم لله له، فإن للملائكة شفاعة فيهم، تنال العاصين منهم.. وتلك الشفاعة، هى الاستغفار لهم كما يقول الله تعالى:«وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ» (7: غافر) . فهذا من شفاعة الملائكة للعصاة من المؤمنين.. وهى شفاعة مقبوله عند الله سبحانه وتعالى..

وقوله تعالى: «وَهُمْ يَعْلَمُونَ» يمكن أن يكون حالا من الاسم الموصول «الذين» أي أن الملائكة لا يملكون الشفاعة إلا لمن شهد بالحق.. وهم يعلمون هذا.. أي يعلمون أنهم لا يملكون الشفاعة إلا لمن شهد بالحق.

ويمكن أن يكون حالا من الاسم الموصول «مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ» أي لا تشفع للملائكة إلا لمن شهد بالحق، أي شهادة قائمة على علم، يملأ القلب إيمانا واطمئنانا، لا مجرد شهادة ينطق بها اللسان دون أن تقع من القلب موقعا..

قوله تعالى:

«وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ» .

أي أن هؤلاء المشركين إذا سئلوا عمن خلقهم، لما وجدوا بين أيديهم إلا جوابا واحدا، وهو أن الله هو الذي خلقهم.. إنهم لا يستطيعون أن يقولوا إن الملائكة الذين يعبدونهم، هم الذين خلقوهم، وخلقوا من فى السموات والأرض..

بل إنهم ليعلمون أن الملائكة من خلق الله، وإن كانوا أبناء لله عندهم.

ومع هذا الإقرار منهم بخلق الله لهم، فإنهم لا يعبدون رب السموات والأرض، الذي خلقهم ويعبدون خلقا من خلقه.. وهذا منطق معكوس، لا يلتقى أوله مع آخره.. ولذا جاء قوله تعالى:«فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ» منكرا على هؤلاء

ص: 174

المشركين هذا الإفك والافتراء الذي جعلوا منه دينا يدينون به، ولا مستند له من منطق، حتى منطقهم هم الذي ينتزع قضاياه من الوهم والضلال..

قوله تعالى:

«وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ» .

القيل: معناه القول.. والضمير المضاف إليه هذا القول، هو للنبى صلوات لله وسلامه عليه.. ومقول القول هو قوله تعالى:«يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ» .

وهو مثل قوله تعالى: «وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً» (30: الفرقان) وقد اختلف المفسرون اختلافا كبيرا فى الربط بين هذه الآية وما قبلها.. كما اختلف القرّاء فى قراءة «وَقِيلِهِ» فقرىء بفتح اللام، وقرىء بكسرها، وقرىء بضمها.. ولكل قراءة تأويل تؤول عليه..

ولا نريد أن نعرض لهذه المقولات، فهى مبسوطة فى كتب التفاسير، يرجع إليها من شاء مزيدا من العلم، أو الرياضة الذهنية..

والذي نراه فى تأويل هذه الآية، ونرجو أن يكون بتوفيق الله صوابا، هو- والله اعلم- أن الواو فى قوله تعالى:«وَقِيلِهِ» .. هى بمعنى «مع» ..

وعلى هذا تكون الآية مرتبطة بقوله تعالى: «فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ؟» .. فهذا الاستفهام ينكر عليهم أن يعبدوا غير الله، وأن ينصرفوا إلى غير خالفهم وخالق السموات والأرض، الذي شهدت له بذلك ألسنتهم.. ومع هذا فهم يعبدون غير الله، بشهادة الواقع الذي هم فيه، وبشهادة الرسول الذي خبر حالهم، وعرف الداء المتمكن منهم، فقال شاكيا إلى ربه:«يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ..»

ص: 175

وتحرير المعنى، هو: إلى أين ينصرف هؤلاء المشركون، مع شركهم الذي هم فيه، ومع ما يرى الرسول من حالهم فى المستقبل، وأنهم ممن لا يرجى صلاحهم، أو يتوقّع شفاؤهم من هذا الداء الذي معهم؟.

ولهذا جاء قوله تعالى بعد ذلك:

«فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» .

- جاء رداّ على قول النبي: «يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ» وداعيا له إلى الرفق بهم، ومقابلة جهلهم بالحلم، وسفاهتهم بالمغفرة والصفح.. وأنهم كلما قالوا فحشا وهجرا قال لهم سلاما ومغفرة، كما يقول سبحانه فى وصف عباد الرحمن:«وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً» (63: الفرقان) وكما يقول جل شأنه لنبيه الكريم: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ» (199:

الأعراف) .

وفى هذا ما يشير إلى أن هؤلاء المشركين ينتظر منهم خير كثير، وسيكون منهم بناة الإسلام، ومادة دولته التي ستظهر عما قريب.. وقد كان، فدخل كثير من هؤلاء المشركين فى دين الله، حتى أنه إذا جاء يوم الفتح لم يبق مشرك من قريش- خاصة- لم يدخل فى الإسلام.

وفى قوله تعالى: «فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» أي أنهم هم الآن على جهل يزيّن لهم هذا الباطل الذي هم فيه، ويغذيهم بهذا السفه الذي ترمى به أفواههم..

ولكنهم مع الزمن، ومع ما يأخذهم به الرسول الكريم من حلم، وصفح ومغفرة، سيعلمون بعد جهل، ويؤمنون بعد كفر.. ويصبحون جندا من جنود الله، ورايات من رايات الإسلام التي تخفق فى آفاق الأرض.. وليس هذا من الوعيد، كما يذهب إلى ذلك جمهور المفسرين.. فإن السورة قد ختمت بهذا الختام الذي يدعو النبي إلى الصفح والمغفرة والمسالمة.. ولا يتفق مع هذا

ص: 176

أن يلقى النبىّ المشركين بالصفح والمسالمة، ثم يلقاهم الله سبحانه بعد ذلك بالوعيد..

هذا، والله اعلم.

ونود هنا، بعد ختام هذه السورة أن نشير إلى أمر كان ملفتا للنظر..

فقد كثر فى هذه السورة ذكر الاسم الكريم «الرَّحْمنِ» الذي تكرر فى سبعة مواضع من السورة هى:

«وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا

» الآية: (17) «وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً

» الآية: (19) «وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ

» الآية: (20) «وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ

» الآية (33) «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ

» الآية: (36)«وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ..» (45) .

«قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ

» الآية: (81) ولذكر «الرَّحْمنِ» موقعه فى الآية التي ذكر فيها، كما له حكمته التي تلتمس من هذا الذكر فى هذا الموضع.. فحيث ذكر «الرحمن» جلّ وعلا، كانت تجليات الرحمة، ورحمات الرحمن، مبسوطة لكل طالب، طالبة لكل

ص: 177

معرض فمن فاته حظه من رحمة الله فى هذا المقام فهو الشقي المحروم من كل خير..

ولكن الذي نريد أن نقف بين يديه موقف النظر والاعتبار، هو هذا الإكثار من ذكر هذا الاسم الكريم فى تلك السورة..

وبادىء ذى بدء، فإن تكرار هذا الذكر للاسم الكريم «الرَّحْمنِ» هو تأكيد لتلك الدعوة التي يدعو إليها الرحمن عباده، ويبسط بها يده تبارك وتعالى إليهم بالرحمة، يلقاهم بها على كل طريق من طرق الغواية والضلال التي يركبونها.. فهذا الذكر نداءات متتابعة، إلى موارد هذه الرحمة الواسعة..

وهذا التكرار فى ذاته، هو رحمة من رحمة الله..

ثم إنه- من جهة أخرى- كانت السورة كلها معرضا لمواجهة المشركين بعبادتهم الملائكة، على أنهم أبناء الله، وأنهم كانوا يعرفون الله تعالى، ويعترفون بأنه خالق السموات والأرض- كما أنه كان من أكثر أسماء الله عندهم هو اسم «الرَّحْمنِ» ولهذا كان الحديث إليهم عن الله باسم (الرحمن) إشارة إلى أنه هو الإله لذى يدعون إلى عبادته، وأن اسمه «الرَّحْمنِ» وأنه ليس له ولد.. ولهذا أنكروا أن يكون الرحمن الذي يعرفونه، هو الرحمن الذي يدعوهم النبي إلى عبادته، كما يقول الله سبحانه:«وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ؟. أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا؟ وَزادَهُمْ نُفُوراً» (60: الفرقان) إن الرحمن فى تصورهم هو أب لقبيلة كبيرة، هى الملائكة!!.

ومن جهة ثالثة، فإن موقف هذه السورة من المشركين، هو موقف ملاطفة، وموادعة، على مسيرة لدعوة التي كثرت فيها القوارع التي يقرع بها

ص: 178

القرآن عناد المشركين، ويسفّه أحلامهم، ويفضح جهلهم.. فكانت هذه السورة أشبه بالهدنة التي يراجع فيها المتحاربون موقفهم، وقد ينتهى الأمر إلى الصلح، والسلام.. ومن أجل هذا كثر فى السورة ذكر الرحمن الذي يذكّر بالرحمة التي ينبغى أن تكون بين النبي وأهله.. ولهذا دعى النبي إلى أن يصفح عنهم، وأن يلقاهم بالموادعة والسلام، وقد وعد بأنهم سيعلمون بعد الجهل، ويؤمنون بعد الكفر، فكان ختام السورة قوله تعالى:«فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ.. فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» ..

ص: 179