الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففى قوله تعالى: «عَلى عِلْمٍ» ردّ على من لا يعرف قدر الله سبحانه وتعالى، ولا يعنو لجلاله وعظمته، فيسوء ظنّه بالله، حين يرى آثام بنى إسرائيل، وشناعاتهم، ومفاسدهم فى الأرض، ثم يرى كثرة الرسل الذين بعثهم الله فيهم، وكثرة الآيات التي جاءوهم بها، مما لم يكن لأمة من الأمم، أو شعب من الشعوب..
فكان قوله تعالى: «عَلى عِلْمٍ» ردّا على من يظن هذا الظن فى الله، ويرى- عن جهل- أن اختيار الله سبحانه لهؤلاء القوم، واختصاصهم بالرسل والشرائع والمعجزات، لم يكن واقعا موقعه الصحيح، إذ لم يثمر إلا هذا الثمر النكد الخبيث!! وكلا.. ثم كلا.. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا..
فقد كان اختيار هؤلاء القوم لرسالات السماء ابتلاء لهم وامتحانا، وتجربة للإنسانية، تعمل فيها السماء أسلحتها فى النفس البشرية، لتخرج منها ما كمن فيها من آفات وعلل.. وقد تخيرت السماء لهذه التجربة أخبث ما فى الإنسانية من نفوس، وأرذلها من جماعة، فبعثت بالأطباء والأساة يحملون الدواء لكل داء.. فلم تتقبل نفوسهم الخبيثة أي دواء، ولم تستجب له.. فعاشت بدائها..
وماتت به! ..
الآيات: (34- 48)[سورة الدخان (44) : الآيات 34 الى 50]
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (34) إِنْ هِيَ إِلَاّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (37) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (38)
ما خَلَقْناهُما إِلَاّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلَاّ مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43)
طَعامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)
التفسير:
قوله تعالى:
«إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ» .
الإشارة هنا «هؤُلاءِ» إلى مشركى قريش، الذين استمعوا إلى هذا الحديث من أمر فرعون وموسى، وما كان من استكبار فرعون وعتوّه، وما أخذه الله به من عذاب ونكال.. ثم ما كان من إحسان الله سبحانه إلى بنى إسرائيل وفضله عليهم، ثم مكرهم بآيات الله، وتكذيبهم لرسله..
فكان أن لعنهم الله، ومزّق شملهم، وفرق جماعتهم.. وقطّعهم فى الأرض أمما..
وهؤلاء المشركون.. ماذا هم فاعلون مع رسول الله، وما يحمل إليهم من آيات ربه؟ فهذا سؤال يسأله الذين استمعوا إلى هذا الحديث الذي
تحدث به القرآن عن فرعون وموسى، وعن بنى إسرائيل وآيات الله إليهم..
فكان الجواب:
«إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ» - هذا هو الداء المتمكن من القوم، وهو إنكارهم للبعث، والحساب والجزاء، وذلك لاستبعادهم أن تعود الحياة مرة أخرى إلى الموتى، بعد أن يصيروا عظاما ورفاتا.. إنهم على يقين من أنهم لم يبعثوا، وإنهم ليقولون لمن يحدثهم عن البعث:«إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ» .. أي ما هى إلا موتة واحدة، لا حياة بعدها.. وهم بهذا يردّون على تصور خاطئ للبعث- ففى تصورهم هذا، أن البعث بعقبه موت.. لأنه حياة بعد موت، وهذه الحياة- فى تصورهم- سيعقبها موت.. ثم حياة.. ثم موت، وهكذا.. ولهذا جزموا بأنه لا موت بعد أن يموتوا، بمعنى أنه لا بعث، ولا موت بعد البعث. إن كان هناك بعث!! وفى التعبير عن الحياة بعد الموت بالنشر، تشبيه للموت بأنه طىّ لحياة الإنسان، كما تطوى الصحف على ما ضمّت عليه من كلمات.. فإذا أريد النظر فى هذه الكلمات مرة أخرى، نشرت هذه الصحف، بعد طيّها..
فالموت ليس إلا طيّا لصفحة الحياة، مع بقاء الحياة كامنة فى هذه الصحف المطوية، ونشر الصحف بعد طيّها أمر هين، لا يحتاج إلى عناء ومعالجة، كما أنه لا يدعو إلى استبعاده وإنكاره!!.
قوله تعالى:
«فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» .
هو من تحدّيات المشركين المنكرين للبعث، لمن يحدثونهم عن البعث، ويدعونهم إلى الإيمان.. إنهم يؤكدون أنه لا موت إلا الموتة الأولى، التي تنهى حياتهم تلك، ثم لا حياة ولا موت بعد هذا.. ثم إن لهم على هذا شهودا من الواقع.. فهؤلاء آباؤهم الذين أودعوهم القبور، لم يعد أحد منهم. فإن كان الذين يقولون بالبعث على يقين من هذا القول، فليأتوا على هذا ببرهان، وذلك بأن يجيئوا لهم بآبائهم هؤلاء الذين ذهبوا.. فإذا لم يرجع هؤلاء الذين ذهبوا، فكيف يرجعون هم إذا ذهبوا؟ ذلك منطقهم الذي جعل البعث عندهم أبعد من أن يتصوّر..
إنهم كانوا يؤمنون بأن لهذا الوجود ربّا قائما عليه، هو الذي خلقه، وهو الذي يدبر أمره، وإن كان هذا الإيمان قد اختلط بشوائب كثيرة أو قلبلة من الأهواء الفاسدة..
ولكن الشيء الذي لا يتصورونه، ولا يصدقون به، هو البعث..
وهو الداء الذي أفسد عليهم إيمانهم بالله، وأقامهم فى هذه الدنيا مقاما قلقا مضطربا، بتهددهم فيه الفناء الأبدى المطلّ عليهم من كل وجه..
وهذا قسّ، بن ساعدة الإيادى، من حكماء العرب، وخطبائهم المعدودين وقد نسب إليه أنه كثيرا ما كان يخطب فى الناس فيقول:
ومن هذا العبارات وأمثالها يقيم قسّ الأدلة والبراهين على وجود إله قائم على هذا الكون.. فإذا جاء إلى الموت لم ير فيه إلا حكما واقعا على الأحياء، وأنه سفر بلا عودة، وذهاب ولا إياب.. وينسب إليه أنه كان يقول:
فى الذاهبين الأولين من القرون لنا بصائر لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومى نحوها
…
يمضى الأكابر والأصاغر
أيقنت أنى لا محا
…
لة حيث صار القوم صائر
لا يرجع الماضون لا
…
ولا يبقى من الباقين ناظر
فهو- كما ينطق هذا الشعر- لا يرى عودة للموتى، وإن كان يرى أن لا بقاء لحىّ فى هذه الحياة.!
قوله تعالى:
هو تهديد لهؤلاء المشركين المكذبين برسول الله، وبما يتلو عليهم من آيات الله،. وأنهم ليسوا أحسن حالا من قوم تبع الذين أهلكهم الله وبدد شملهم، فلم يغن عنهم ما كانوا فيه من عزة وقوة ومنعة..
وقوم تبع، هم الذين كانوا يسكنون اليمن، قبل أن يشملها الخراب والدمار، بانهيار سدّ مأرب.. وتبّع هو الجدّ الأعلى لقومه..
وقد ذكر القرآن الكريم فى موضع آخر ما أخذ الله به هؤلاء القوم- قوم تبع، من نكال وبلاء، بعد أن كفروا بنعمة الله، وبطروا معيشتهم..
(15- 17: سبأ) .
وليس قوم تبع إلا جماعة من تلك الجماعات الكثيرة التي أهلكها الله سبحانه وتعالى، وأخذها بعذابه الأليم فى الدنيا، ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون..
فمن قبل قوم تبّع، أهلك الله قوم نوح، وأهلك عادا، وثمود، وأصحاب مدين وقوم لوط.. وهؤلاء ممن ذكر القرآن أخبارهم.. وهناك كثيرون من الأفراد والجماعات لم يذكروا.. إذ ليس المقصود من الذكر إلا العبرة والعظة. وفى هذا القليل الذي ذكر، عبرة وعظة لأولى الألباب..
قوله تعالى:
مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآيات السابقة، ذكرت إنكار المشركين للبعث، وما لهم على هذا الإنكار من حجج باطلة.. وقد تهددهم الله سبحانه وتعالى وتوعّدهم بالهلاك فى الدنيا، كما أهلك الظالمين المكذبين قبلهم..
وهذه الآية، والآية التي بعدها، هى تعقيب على ما هدّد له به المكذبين من
بلاء.. وذلك أن الله سبحانه أقام هذا الوجود على الحق، كما خلقه بالحق الذي ينتظم كل ذرة فى هذا الوجود.. ولهذا فقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يجعل سلطان الحق قائما على هذا الوجود، وأن يقطع دابر الباطل إذا هو طاف بحمى الحق، واعترض سبيله.. وهذا ما يشير إليه القرآن الكريم فى أكثر من موضع، فيقول الله سبحانه وتعالى:«بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ» (18: الأنبياء) ويقول سبحانه: «وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ» (7- 8: الأنفال) وإذن، فهذه الضربات التي تنزل بأهل الباطل، فى هذه الدنيا، هى وقاية للحق من أن يغتاله الباطل.. فإذا كانت الآخرة، كان القضاء المبرم على الباطل وأهله جميعا.. وفى هذا اليوم ينطق الوجود كله بحمد الله، أن قضى على الباطل والشر والضلال، وكل ما من شأنه أن يخرج على طريق الحق..
«وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (75: الزمر) قوله تعالى:
الميقات: اسم زمان، والمراد به وقت الموعد الذي يكون فيه الحساب والجزاء.. وهو يوم القيامة.
ففى هذا اليوم- يوم القيامة- يصفّى حساب الناس جميعا.. فيجمع أهل الباطل على مختلف صورهم، ويلقى بهم فى جهنم ليكونوا حطبا لها.. وبهذا يتخلص الحق من كل ما علق به من شوائب.. وفى هذا اليوم يتعرّى أهل
الضلال من كل سلطان يدفع عنهم هذا المصير، الذي هم صائرون إليه.. إنه لا ناصر لهم من دون الله، يخلصهم من هذا العذاب الأليم..
وقوله تعالى: «إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ» هو استثناء من الضمير فى قوله تعالى:
«وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ» .. أي لا ناصر لأحد فى هذا اليوم، ولا مخلّص له من عذابه إلا من رحمه الله من عباده، فهذاه إلى الإيمان، ووفقه لطاعته..
فكل من زحزح عن النار وأدخل الجنة، فذلك برحمة من الله وفضل وإحسان.. وفى هذا يقول النبي الكريم:«لا يدخل أحد الجنة بعمله» (قيل ولا أنت يا رسول الله) قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته» وقوله تعالى: «إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» .. فهاتان الصفتان من صفات الله، التي يتجلى بها الله سبحانه وتعالى على أهل المحشر يوم القيامة.. فبعزته- سبحانه- يملك أمر هذا اليوم، ويقضى فيه بما شاء فى الظالمين، وأهل البغي والعدوان، فلا يكون لهم مع سلطان الله سبحانه سلطان، ولا مع عزته عزة.. وبرحمته- سبحانه- يدخل من يشاء من عباده الجنة، ويصفى عليهم ما يشاء من فضله وإحسانه.. كما يقول سبحانه:«يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً» (31: الإنسان) .
قوله تعالى:
تحدّث هذه الآيات عن صورة من صور العذاب الذي أعد للظالمين، يوم
القيامة.. وقد جاءت هذه الصورة من العذاب، مفردة، حيث تحصر فى إطارها إنسانا ظالما، باغيا، من هؤلاء الظلمة الباغين.. فيبدو فى هذه الصورة وكأن العذاب الجهنّمى قد احتواه وحده، وفى شخصه هذا يرى كل ظالم أثيم أنه هذا الإنسان الشقي المنكود، يتقلب وحده فى هذا العذاب الذي تقشعر من هوله الجبال!.
وشجرة الزقوم، كما وصفها القرآن الكريم هى شجرة:«تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ» .. وإن شجرة تغتذى من جهنم، وتمتد أصولها وفروعها بين جمرها ولهيبها، لهى شجرة أقوى من جهنم، وأعتى من النار.. فكيف بثمرها هذا الذي تختصر وجودها كله فيه؟ إن هذا الثمر هو طعام الأثيم!! .. وإنه كالمهل، أي خثارة الزيت بعد غليانه..
وقوله تعالى: «خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ» - هو تنكيل بهذا الأثيم، ومضاعفة لما يلقى من ذلة وهو ان فى هذا اليوم، حيث يساق إلى جهنم بين زبانيتها سوقا عنيفا، ثم يعتل عتلا، ثم لا يلقى به حيث يقع، بل يدفع به دفعا حتى يبلغ سواء الجحيم، أي وسطها، ومركز دائرتها..
وبهذا يتلّقى من العذاب أقساه وأشده..
وقوله تعالى: «ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ» - هو عذاب إلى هذا العذاب، الذي يأكل هذا الأثيم أكلا، ثم يلفظه، ثم يأكله..
وهكذا.. وما يصبّ فوق رأسه ليس ماء، وإنما هو عذاب.. ولكنه من حميم، أي من ذوب جهنم، ونضيج عرقها!! ..
والحميم: الماء الحار الذي يغلى.. ومنه الحمّى، لاشتداد حرارة المريض بها..
وقوله تعالى: «ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ» - هو مما يساق إلى هذا الأثيم، من ألوان العذاب.. فهو إذ يشوى بنار جهنم، يصبّ فوق رأسه ما ينضح عليه من لهيبها من عرق، ليتبرّد به. ثم يلقى فى أذنه بهذه التحايا التي كان يتلقاها فى دنياه من ندمائه وأتباعه.. وإنها لتحايا تملأ قلبه حسرة وكمدا.. «ذُقْ» ! وأي شىء يذوق؟ مهلا يغلى فى بطنه، وحميما يصبّ فوق رأسه، ونارا تقطّع له منها أثواب فوق أثواب!.
هذا هو نعيمه الذي ينعم به، وتلك هى التحايا التي يحيّا بها، والكؤوس التي يتناولها من يد السقاة والندمان!! وإنه مع هذا هو العزيز الكريم.. يحضره فى هذا البلاء المشتمل عليه- ما كان له فى دنياه من عزة ومنعة فى قومه، وما كان له من كرامة فيهم، وإكرام منهم.. فهذان شاهدان من أهله- عزته وكرامته- يشهدان هوانه، وذلته.. وإنه ليس أشد إيلاما للنفس، ولا إزعاجا للفؤاد، من أن يفتضح المرء فى أهله، وأن يعرّى على أعينهم، مع ما كان له فيهم من عزة وكرامة..
قوله تعالى:
«إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ» .
عاد الخطاب إلى الجماعة، بعد أن شهدوا أنفسهم فردا فردا، فى شخص هذا العتلّ الأثيم، الذي تجرع كئوس العذاب والهوان ألوانا مترعة.. فهذا العذاب، هو الذي كان يمترى فيه، أي يجادل فيه هؤلاء الضالون، الذين كانوا يجادلون من يحدثهم عن اليوم الآخر، ويحذرهم من لقاء ربهم فيه، على ما هم عليه من شرك وضلال..