الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات: (1- 12)[سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 12]
بسم الله الرحمن الرحيم
حم (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
التفسير:
قوله تعالى:
«حم عسق.»
هذه أحرف خمسة بدأت بها السورة الكريمة.. وذلك العدد هو غاية ما بدىء به من حروف مقطعة، على حين قد بدئت بعض السور بحرف واحد مثل «ص» و «ق» و «ن» كما بدئت بعض السور بحرفين مثل:«طه» و «طس» و «يس» و «حم» وبعضها بثلاثة أحرف مثل: «الم» و «الر» و «طسم» وبعضها بأربعة أحرف مثل «المص» و «المر» ..
ومما يلفت النظر فى هذا، أن الكلمة العربية قد تبنى على حرف واحد، مثل «ق» فعل أمر من «وقى» أو حرفين مثل «قل» فعل أمر من قال، أو ثلاثة أحرف.. مثل «قرأ وسجد» أو أربعة أحرف مثل «بعثر» وزلزل أو خمسة أحرف مثل «تلعثم» ..
وعلى هذا يمكن أن ينظر إلى هذه الحروف المقطّعة على أنها أفعال، أو أسماء، ذات دلالات خاصة، يعرفها النبىّ ويرى فى أضوائها ما لا يراه غيره وقد يشاركه فى هذه الرؤية بعض المؤمنين الراسخين فى العلم منهم..
وفى هذه الرؤية ينكشف كثير من الأسرار والمعارف، التي تحويها هذه الأحرف فى كيانها.. فهى أشبه بصناديق مغلقة على كنوز من الأسرار والمعارف، يأخذ منها النبىّ ما شاء، على حين لا تأذن بشىء منها إلا لذوى البصائر من عباد الله الصالحين المقرّبين، ثم تظل مغلقة على أسرارها دون من ليسوا من أهلها..
وعلى هذا الفهم، نستطيع أن نردّ الإشارة فى قوله تعالى:«كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» .. إلى هذه الأحرف، وأن
الله سبحانه وتعالى قد أوحى إلى نبيه الكريم بهذه الأحرف التي تحمل فى كيانها دلالات يعرف النبىّ تأويلها، بما آتاه الله من علم، شأنه فى هذا شأن الأنبياء من قبله، الذين أوحى الله سبحانه وتعالى إليهم بمثل ما أوحى إليه به من هذه الأحرف، التي هى رموز إلى أمور يعرفون هم تأويلها، ويشاركهم بنسب مختلفة فى المعرفة بعض أتباعهم وحواريهم، من الراسخين فى العلم.
فالمراد- والله أعلم- بما يوحى به الله سبحانه وتعالى إلى النبىّ هنا، هو بعض ما يوحى إليه، لا كلّه، وهو تلك الحروف المقطعة التي بدئت بها بعض السور، لا كلّ ما أوحى به إليه.
وفى قوله تعالى: «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ» .. إشارة إلى أن هذا الوحى الذي تلقى به النبىّ صلوات الله وسلامه عليه هذه الأحرف، لم يكن عن طريق الملك الذي اعتاد أن يلقاه، فيتلقّى منه ما أذن الله بوحيه إليه من آياته وكلماته.
وإنما كان كلاما من ربّه، على تلك الصفة التي أشار إليها سبحانه فى قوله:
«وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً» .. أي إلهاما منه سبحانه، حيث يجد الرسول كلمات ربّه قائمة فى صدره، مستولية على كيانه كلّه.. وهذا ما يشير إليه الرسول فى قوله:«إن روح القدس نفخ فى روعى» ..
ومن هنا كان لهذه الأحرف هذا المقام الكريم، فى كتاب الله الكريم، فكانت تلك الأحرف على رأس السّور التي نزلت معها..
هذا، وسنزيد الأمر بيانا فى آخر السورة، عند تفسير قوله تعالى:«وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ» .
قوله تعالى:
«لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ» .. إشارة إلى ما لقدرة الله سبحانه وتعالى، من سلطان قاهر، يخضع له كل موجود فى هذا الوجود.. فهو- سبحانه- الخالق المالك المدبّر لكل ما فى السموات وما فى الأرض.. وهو «الْعَلِيُّ» الذي يعلو بسلطانه على كل سلطان..
العظيم الذي تذل لعظمته كل عظمة، وكل عظيم..
قوله تعالى:
أي إنه لجلال الله سبحانه ولعظمته ورهبوته، تكاد السماوات يتفطرن من «فَوْقِهِنَّ» أي يتشققن ويسقطن من علوّهن، فيقع بعضهن على بعض.
فالضمير فى «فَوْقِهِنَّ» يعود إلى السموات.. أي أنها تكاد تسقط من عليائها، هيبة وجلالا لله سبحانه.. وان الانفطار، وهو التشقق، هو من الخشية والجلال لهذا القرآن الموحى به إلى النبي، والذي لا يتأثر به هؤلاء المشركون، أصحاب القلوب القاسية.. وأن التشقق الذي يكاد يفتت السماوات، لا يقع- وحسب- من الجهة المواجهة للأرض، لما نزل عليها من كلام الله، بل يبلغ أقطارها العليا، وينفذ إلى أعلى سماء فيها..
وقوله تعالى: «وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ» أي أن الملائكة وهم من عالم السماء. - عالم النور والطهر-. يسبحون بحمد ربّهم، ويتقربون إليه، ويبتغون مرضاته، بالعبادة والتسبيح:«يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ» ..
«وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ» .
وقوله تعالى: «وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ» .. أي أن من عبادة الملائكة وتسبيحهم لله، استغفارهم لمن فى الأرض.. إذ كان أهل الأرض متلبسين بالخطايا والذنوب.. فهم النقطة السوداء فى هذا الوجود النورانى، المشّع ولاء وخضوعا لله رب العالمين..
والمراد بمن فى الأرض هم المؤمنون، كما يقول الله سبحانه وتعالى فى آية أخرى:«وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ» (5: الشورى) وكما يقول سبحانه: (يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا)(7: غافر) وقوله تعالى: «أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» .. أي أنه سبحانه يقبل استغفار الملائكة لمن يستغفرون لهم من المؤمنين، فيغفر الله سبحانه وتعالى لهم، فهو سبحانه «الْغَفُورُ» أي كثير المغفرة «الرَّحِيمُ» ، أي واسع الرحمة، تسع رحمته كل شىء.
قوله تعالى:
هو معطوف على محذوف مفهوم من قوله تعالى: «أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» - أي أنه سبحانه يغفر للذين تابوا وآمنوا، وأما الذين أشركوا بالله، واتخذوا من دونه أولياء، ولم يدخلوا فى دين الله، ولم يتوبوا إليه- فالله «حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ» أي ممسك بهم، قائم عليهم، متول حسابهم وجزاءهم.. وليس النبي بمسئول عنهم بعد أن بلغهم رسالة ربه.. «فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ» (40: الرعد) .
قوله تعالى:
فى هذه الآية إشارة إلى أن هناك وحيا من نوع آخر، غير الوحى الأول الذي جاء فى مطلع السورة فى قوله تعالى:«كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» ..
وقد قلنا- حسب فهمنا- إن الوحى الذي أشار إليه قوله تعالى:
«كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» هو وحي من الله بدون وساطة ملك، وأنه المشار إليه فى قوله تعالى:«وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ، إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ» فهذا الوحى، وحي من الله بدون وساطة.. وقلنا إن هذا الوحى من الله سبحانه، هو واقع على الحروف المقطعة التي بدئت بها بعض سور القرآن الكريم.. أما الوحى بوساطة الملك فقد أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله:«وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا» .. وهذا يشمل القرآن الكريم كلّه، عدا تلك الحروف المقطعة.. ولهذا وصف بأنه قرآن عربى، أي يقرأ ويفهم عند من يحسن العربية ويفهم لغتها.. ولهذا أيضا اتبع بالعلة التي من أجلها كان وحي هذا القرآن، وهى التبليغ والإنذار:«لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى» أي أهل مكة «وَمَنْ حَوْلَها» أي ومن حولها من أهل القرى والخيام..
ووصف مكة بأنها أم القرى، إشارة إلى أنها ستكون قبلة المسلمين فى صلاتهم، ومجتمعهم فى حجّهم..
وقوله تعالى: «وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ» .. أي وتنذر الناس بلقاء ربهم «يَوْمَ الْجَمْعِ» أي يوم القيامة، حيث يبعث الله الناس من قبورهم، ويحشرون إلى ربهم، فيجتمعون جميعا، لا يغيب فرد واحد منهم.
وقوله تعالى: «لا رَيْبَ فِيهِ» الجملة حال من يوم الجمع، أي أن هذا اليوم آت لا شك فيه..
وقوله تعالى: «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» أي أن هذا الجمع الذي يضم الناس جميعا، سينقسم هناك إلى فريقين: فريق فى الجنة، وفريق فى السعير.. فلينظر الإنسان إلى نفسه، وإلى أىّ فريق من الفريقين ينتسب.. فإن كان من المؤمنين المصدّقين بالله وبرسوله، وباليوم الآخر- فهو من فريق أهل الجنة، وإن كان من المكذبين الضالين، فهو فى الفريق المدعوّ إلى السعير..
قوله تعالى:
أي أن الله سبحانه وتعالى، قد قضى فى عباده أن يكون فريق منهم فى الجنة، وفريق فى السعير، كما يقول سبحانه:«هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» (2: التغابن) .. هكذا كانت مشيئة الله فى عباده..
ولو شاء الله سبحانه لجعل الناس أمة واحدة، ولأدخلهم يوم القيامة مدخلا واحدا..
وقوله تعالى: «وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ» أي أنّ من أراد الله سبحانه بهم خيرا، هداهم إلى الإيمان، وأدخلهم فى رحمته،
وأنزلهم منازل جناته ورضوانه.. فضلا منه وإحسانا، وكرما.. جعلنا الله منهم..
وقوله تعالى: «وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ» .. اختلف فيه النظم، فجاء على غير ما يقتضيه ظاهر المقام، الذي يقضى بأن يكون المعادل لقوله تعالى:«وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ» - هو: «ويحرم من يشاء منها» ..
فما سرّ هذا؟
السرّ- والله أعلم- هو أن الله سبحانه، هو صاحب المشيئة المطلقة التي لا معقب لها، وهو سبحانه بهذه المشيئة يفعل ما يشاء فى خلقه، فيعذّب من يشاء، ويرحم من يشاء.. «مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (39: الأنعام) ..
تلك هى مشيئة الله المطلقة الغالبة «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» (68: القصص) ..
ومع هذه المشيئة الغالبة المطلقة لله سبحانه، فقد جعل جلّ شأنه للإنسان- فضلا منه وكرما- مشيئة، تقود فطرته، لتلقى مع مشيئة الله، وتجرى فى محيطها العام المتدفق..
ولكن الإنسان- وبمشيئة الله الغالبة- أفسد فطرته، فجمعت به إرادته عن أن يستقيم على سواء السبيل، فكان بهذا ظالما، جائرا عن قصد السبيل القويم.. فالظالم هو الوصف الذي يرد على كل إنسان عاقل رشيد مريد، إذا هو كان فى موقع انحرف فيه عن طريق الحق الذي قام عليه الوجود كلّه..
وهذا الانحراف، هو بمشيئة لله سابقة غالبة، ولكنّ للإنسان كسبا فى هذا الانحراف، ومشيئة متلبسة به..
فالأمر فى ظاهره، هو: أن هذا الظلم والانحراف من كسب الإنسان، وهو فى باطنه بمشيئة غالبة لله، وقدر سابق! ولله سبحانه الأمر من قبل ومن بعد:«لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ» (23: الأنبياء) ..
قوله تعالى:
أي أن هؤلاء الظالمين، قد اتخذوا من دون الله أولياء يرجون نصرهم..
ويبتغون العزّة عندهم.. «فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ» وحده، لا يملك معه أحد نصرا، ولا عزّا.. «هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً» (44: الكهف) .
وقوله تعالى: «وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى» إشارة إلى البعث، وأنه حقيقة مقررة، وأن إنكار المنكرين لا ينفعهم من لقاء هذا اليوم، ولا يصرفه عنهم، بل إنهم مبعوثون، ومحاسبون حسابا عسيرا.. «أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ» (8: هود) .
وقوله تعالى: «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» تأكيد للبعث، وأن إحياء الموتى واقع فى قدرة الله التي لا يعجزها شىء.
قوله تعالى:
هو معطوف على قوله تعالى: «وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .. الذي هو من صفات الله سبحانه وتعالى، الذي يحيى الموتى، وبقدر على كل شىء، وإليه مردّ الحكم فيما اختلفتم فيه.. فهو سبحانه الذي يقضى فى هذا الاختلاف الذي خرجتم به أيها الظالمون عن دعوة الحقّ، وعن طريق الإيمان.
وقوله تعالى: «ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» .. أي قل لهم أيها النبي: ذلكم المتصف بتلك الصفات، هو ربى الذي آمنت به، والذي أدعوكم إليه، الذي عليه توكلت، فجعلت ولائى له، ومعتمدى عليه، والذي إليه أرجع فى كلّ أمورى، وأتوب إليه من كل ذنب.
قوله تعالى:
هو من عطف البيان على قوله تعالى: «ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي» .. أي ربى الذي عليه توكلت وإليه أنيب، هو «فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ، أي خالقهما، وموجدهما ابتداء، على غير مثال سبق.. ومنه الفطرة، وهى أصل الخلقة.
ويمكن أن يكون هذا وما بعده من قول الرسول الكريم، استكمالا لقوله:«ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» .. ويمكن أن يكون من كلام الله سبحانه وتعالى، تعقيبا على إقرار الرسول بوحدانية ربّه، وتوكّله عليه.. أي أن هذا الرّبّ الذي اتّخذه الرسول ربّا له، وتوكّل عليه، وأناب إليه- هو فاطر السماوات والأرض.
وقوله تعالى: «جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً» أي هذا الربّ الذي خلق السموات والأرض، هو الذي خلقكم، وهو الذي «جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً» أي جعل لكم من جنسكم، ومن طبيعتكم أزواجا
لتسكنوا إليها، وتألفوا الحياة معها، كما أنه سبحانه قد جعل لكم من الأنعام أزواجا، ذكرا وأنثى لتتوالد، وتتكاثر، وتنتشر بينكم، وتتسع لحاجتكم منها، ركوبا، وحملا، وطعاما.
وقوله تعالى: «يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ» .
الذّرء: إظهار عوالم المخلوقات، التي كانت مكنونة فى علم الله سبحانه وتعالى ومنه الدّرأة، وهى بياض الشيب، لأنه ظهر بعد خفاء.
ومعنى الآية الكريمة، أن الله سبحانه بهذا التزاوج بين الرجل والمرأة، كثرّ نسل الإنسان، وأظهر به ما قدّر من مخلوقات بشرية، من أصلاب الآباء، وأرحام الأمهات.
والضمير فى «فِيهِ» يعود إلى مصدر مفهوم من قوله تعالى: «أَزْواجاً» أي تزاوجا بين الذكر والأنثى، فى عالم الأحياء، من إنسان وحيوان.. فكأن هذا التزاوج هو الظرف، أو الوعاء الذي تتشكل فيه عوالم الأحياء، أي يكثّركم فى هذا التزاوج..
وقوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» .
هو مبالغة فى نفى المثلية عن الله سبحانه وتعالى، وذلك ينفى المثلية عن مثله- تعالى الله سبحانه أن يكون له مثل.. فإذا انتفت المثلية عن المثل، وهذا المثل- أيا كان- لا يساوى من يماثله- فإن انتفاءها عن الأصل الذي يقاس عليه المثل- أولى- بمعنى أنه ليس كمثل مثل الله شىء فى هذا الوجود، فما بالك بمن يطلب ليكون مثل الله ذاته؟ ذلك مستحيل بعد مستحيل..
قوله تعالى: