المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (7- 14) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 7 الى 14] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٣

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (47- 54) [سورة فصلت (41) : الآيات 47 الى 54]

- ‌42- سورة الشورى

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 12) [سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 16) [سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 20) [سورة الشورى (42) : الآيات 17 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 26) [سورة الشورى (42) : الآيات 21 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 35) [سورة الشورى (42) : الآيات 27 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 43) [سورة الشورى (42) : الآيات 36 الى 43]

- ‌الآيات: (44- 50) [سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 53) [سورة الشورى (42) : الآيات 51 الى 53]

- ‌43- سورة الزخرف

- ‌مناسبة السورة لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 19) [سورة الزخرف (43) : الآيات 9 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 25) [سورة الزخرف (43) : الآيات 20 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 35) [سورة الزخرف (43) : الآيات 26 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 44) [سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 56) [سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 65) [سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 73) [سورة الزخرف (43) : الآيات 66 الى 73]

- ‌الآيات: (74- 83) [سورة الزخرف (43) : الآيات 74 الى 83]

- ‌الآيات: (84- 89) [سورة الزخرف (43) : الآيات 84 الى 89]

- ‌44- سورة الدخان

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 33) [سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 48) [سورة الدخان (44) : الآيات 34 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 59) [سورة الدخان (44) : الآيات 51 الى 59]

- ‌45- سورة الجاثية

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 11) [سورة الجاثية (45) : الآيات 6 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 15) [سورة الجاثية (45) : الآيات 12 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 22) [سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 22]

- ‌الآيات: (23- 35) [سورة الجاثية (45) : الآيات 23 الى 35]

- ‌الآيتان: (36- 37) [سورة الجاثية (45) : الآيات 36 الى 37]

- ‌46- سورة الأحقاف

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 14) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 7 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 20) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 15 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 28) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 35) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 35]

- ‌47- سورة محمد

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 15) [سورة محمد (47) : الآيات 10 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 19) [سورة محمد (47) : الآيات 16 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 30) [سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 30]

- ‌الآيات (38- 31) [سورة محمد (47) : الآيات 31 الى 38]

- ‌[الجهاد.. والحرب النفسية]

- ‌48- سورة الفتح

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (3- 1) [سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 3]

- ‌الآيات (7- 4) [سورة الفتح (48) : الآيات 4 الى 7]

- ‌الآيات (14- 8) [سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 14]

- ‌الآيات (17- 15) [سورة الفتح (48) : الآيات 15 الى 17]

- ‌الآيات (26- 18) [سورة الفتح (48) : الآيات 18 الى 26]

- ‌الآيات (29- 27) [سورة الفتح (48) : الآيات 27 الى 29]

- ‌49- سورة الحجرات

- ‌مناسبتها للسورة قبلها

- ‌الآيات (1- 5) [سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات (13- 6) [سورة الحجرات (49) : الآيات 6 الى 13]

- ‌الآيات (18- 14) [سورة الحجرات (49) : الآيات 14 الى 18]

- ‌50- سورة «ق»

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (11- 1) [سورة ق (50) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات (26- 12) [سورة ق (50) : الآيات 12 الى 26]

- ‌الآيات (37- 27) [سورة ق (50) : الآيات 27 الى 37]

- ‌الآيات (45- 38) [سورة ق (50) : الآيات 38 الى 45]

- ‌51- سورة الذاريات

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (14- 1) [سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 32) [سورة الذاريات (51) : الآيات 15 الى 23]

- ‌الآيات (30- 24) [سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 30]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (7- 14) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 7 الى 14]

«إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ» (14: فاطر) .

وفى التعبير عن عدم الاستجابة بالغفلة، إشارة إلى استخفاف هذه المعبودات بعابديها، وأنها لا تلتفت إليهم، ولا تأبه لدعائهم، حتى ولو كان من شأنها أن تسمع وتعقل.

قوله تعالى:

«وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ» .

أي وليس هذا الذي تلقى به هذه المعبودات عابديها، من استخفاف بهم، وشغل عنهم- ليس هذا كل ما هنالك.. بل إن لهذا الحساب بقية فى الآخرة، حيث تنتظر هذه المعبودات من عبدوها فى موقف الحساب والجزاء، وهناك تقف منهم موقف العداوة والخصومة، حيث تشهد عليهم بأنهم كانوا كافرين بالله، مفترين عليها بتأليهها، وعبادتها، وجعلها أندادا لله سبحانه.. وهذه جريمة شنيعة، ألصقها هؤلاء المشركون بتلك المعبودات، وإن من حق هذه المعبودات أن تطلب القصاص من عابديها، الذين عرضوها فى معرض البهتان والضلال..

‌الآيات: (7- 14)[سورة الأحقاف (46) : الآيات 7 الى 14]

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)

وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (12) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (14)

ص: 264

التفسير:

قوله تعالى:

«وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ» .

أي أن هؤلاء المشركين الذين انكشف لهم ما عليه آلهتهم التي يعبدونها من دون الله، من ضعف وعجز عن أن تملك لهم ضرا أو نفعا- لم يكن لهم من العقل والرأى ما يحولهم عن موقفهم هذا الذي جمدوا عليه مع آلهتهم، وحتى إنهم إذا تليت عليهم آيات الله بينة بيان الصبح، مشرقة إشراق الضّحى، خدعوا أنفسهم عنها، وقالوا هذا سحر

ص: 265

مبين.. إذ لم يستطيعوا أن ينكروا سلطان هذه الآيات، أو يدفعوا حجتها القائمة عليهم، إذ كان سلطانها أكبر من أن يدفع، وكانت حجتها أقوى من أن ترد- فكان هروبهم منها وفرارهم من بين يديها، مستندا إلى هذا الادعاء الباطل، بأن هذه الآيات من السحر المبين، الذي يملك «محمد» من أعاجيبه وحيله، مالا يملكون..

وفى إظهار الضمير فى «عليهم» «وآياتنا» كشف للحقيقة المنطوية فيهما.. فضمير المشركين، يطوى تحت كيانه وجها منكرا من وجوه الناس، هم «الَّذِينَ كَفَرُوا» .. وضمير الآيات البينات، يضم تحت جناحيه، الحق المبين..

وفى قوله تعالى: «قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ» - إشارة إلى أن هذا الحق الذي طلع على المشركين من تلك الآيات البينات التي تليت عليهم- كان من الظهور والبيان بحيث يرونه رأى العين، حتى إنه ليتمثل لهم منه كائن شخصى، عاقل، يجىء إليهم، ويخاطبونه، ويشيرون إليه قائلين «هذا سِحْرٌ مُبِينٌ» .

قوله تعالى:

«أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ.. قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» .

هو إضراب عن مقولتهم عن القرآن، هذا سحر مبين» وعدول عن هذا القول إلى قول آخر، إذ لم يطمئنوا إلى هذا القول فى القرآن.. فهو آيات بينة المعنى، واضحة القصد، وكلمات محددة الدلالة، صريحة المعنى، فمن أين يكون بينها وبين السحر جامعة تجمعها به، والعهد بالسحر، أنه

ص: 266

خفايا وأسرار، تطلع من وراء ستر محجبة، لا يعرف الطريق إليها إلا أصحابها، الذين يخيّلون للناس منها ما يخيلون..

فالقول بأن هذا القرآن مفترى على الله أقرب إلى القبول فى باب الجدل والمراء من القول بأنه سحر.. ولكن هذا القول لا يلبث أن ينكشف زيفه وبطلانه إذا وضع موضع الاختيار، إذا قيل لقائليه: ما لكم لا تأتون بعشر سور مثله مفتريات، أو بسورة واحدة مفتراة؟ وماذا يحول بينكم وبين الافتراء، والمجال فيه متسع فسيح لمن يشاء أن يرد موارده؟.

وقد ردّ الله سبحانه وتعالى على مقولتهم تلك، فى غير هذا الموضع من القرآن الكريم، فقال تعالى:«أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ» (13: هود) ..

وهنا، فى هذا الموقف يلقاهم، رد آخر فى قوله تعالى:«قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» .. وهذا الرد يتجه إلى الافتراء من حيث هو كذب على الله، وعدوان عليه سبحانه وتعالى، وأن من افترى على الله فقد تعرض لسخطه ونقمته، وأنه لا أحد يدفع عن المفترى على الله سخط الله، وعذاب الله! فلم يفترى النبي على الله، ولم يعرض نفسه لهذا البلاء؟

وما الثمن الذي أخذه من وراء هذه المجازفة؟.

وقوله تعالى: «هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ» هو تهديد للمشركين بقولهم هذا الذي يقولونه فى كلمات الله وآياته..

وأفاض فى الحديث: توسع فيه، وأكثر منه.. حتى يجاوز الحدود، ويخرج عنها، كما يفيض السائل من الإناء، ويسيل فى كل مسيل..

وإفاضة القوم فى القرآن، هو مقولاتهم الكثيرة فيه، وهى مقولات

ص: 267

باطلة لا حدود لها، وهذا يعنى أن مقولاتهم فى القرآن مقولات باطلة، تتسع لكل قول.. ولو أنهم قالوا قولا حقا، لما كان لهم إلا قولة واحدة، هى أن هذا القرآن من عند الله، وأنه الحق من ربهم..

وقوله تعالى: «كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ» .. تهديد ووعيد آخر للمشركين، وأنهم فى موضع الحساب والمسألة من الله تعالى، وأنهم مأخوذون بما يقولون من مفتريات على آيات الله، وعلى رسول الله.

وقوله تعالى: «وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» - دعوة إلى هؤلاء المشركين أن ينظروا إلى أنفسهم، وأن يطلبوا النجاة من هذا الموقف المهلك الذي هم فيه، وأن يفرّوا إلى الله، وأن يطلبوا المغفرة والرحمة من رب غفور رحيم..

وفى هذه الدعوة- إشارة إلى أن الرسول الكريم، إنما جاء رحمة للناس من ربه، وأنّ ربه غفور رحيم، يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات.. وأن هؤلاء المشركين فى معرض المغفرة والرحمة، إذا هم طلبوا مغفرة الله ورحمته..

قوله تعالى:

«قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ» ..

هو دعوة أخرى إلى هؤلاء المشركين، أن يعيدوا النظر فى هذا النبىّ، وفيما يدعوهم إليه.. إنه بشر مثلهم، شأنه فى هذا شأن المرسلين من قبله إلى أقوامهم.. وهو إنما يبلغ ما يتلقاه من ربه، شأنه فى هذا أيضا شأن كل رسول قبله.. فهو ليس بدعا من الرسل، أي ليس على صورة غريبة، خارجة عما

ص: 268

جاء عليه الرسل من قبله، سواء فى شخصه، أو فى مضمون ما أرسل به.. فماذا ينكر القوم منه؟

وفى قوله تعالى: «وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ» .. هو تقرير لبشرية الرسول، وأنه ليس إلا عبدا من عباد الله، لا يعلم الغيب، ولا يملك لنفسه، ولا لأحد ضرّا ولا نفعا، إلا ما شاء الله..

«قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (188: الأعراف) ..

قوله تعالى:

«قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» ..

هو تحريض للمشركين من قريش على أن يسبقوا إلى هذا الخير الذي يدعوهم النبىّ إليه، وأن يسارعوا إلى أخذ حظهم منه، قبل أن يسبقهم إليه غيرهم من أهل الكتاب الذين يعرفون أنه الحقّ من ربهم، وأن بعضا منهم- ممن لا يستبد به الحسد، ولا تغلبه شقوته- سيؤمن بهذا القرآن، ويهتدى بهديه..

وتحرير معنى الآية.. ماذا يكون موقفكم أيها المشركون، إذا كان هذا القرآن من عند الله، وقد كفرتم به، على حين أن بعضا من اليهود قد عرف وجه الحق فيه، ورأى من آيات الحقّ منه، مثل ما رأى فى الكتاب الذي معه، فآمن بالله، وصدق بهذا القرآن واستكبرتم أنتم حين عرفتم الحقّ ولم تؤمنوا- ماذا يكون موقفكم، وقد فاتكم هذا الخير الذي أعطيتموه ظهركم؟

ص: 269

ألا يكون منكم إلّا الانطلاق فى هذا الضلال الذي أنتم فيه إلى غاياته؟ إن ذلك عدوان منكم على الحق، وظلم مبين منكم لأنفسكم، والله لا يهدى القوم الظالمين، الذين يرون الحقّ، ويأبون أن يأخذوا طريقهم معه! هذا، وقد كاد يكون إجماع من المفسرين على أن هذه الآية قد نزلت فى عبد الله ابن سلام، وهو من اليهود الذين دخلوا فى الإسلام، ويأتون على هذا بأخبار ومرويات من الأحاديث فى كتب الصحاح كالبخارى ومسلم، وغيرهما..

والسورة مكية، وليس هناك شاهد قوىّ يشهد بأن هذه الآية مدنية- كما يقول بذلك الذين يذكرون سبب نزولها- بل إن هناك أكثر من شاهد بأنها مكية..

فأولا: أن السياق متصل، بحيث يجعل الآية فى مواجهة هؤلاء المشركين الذين يخاجون النبىّ ويرمونه بالكذب والافتراء وفى هذه المواجهة يرى المشركون أن موقفهم من الرسول، ومن القرآن، سينتهى بهم إلى أن يسبقهم أهل الكتاب إلى هذا الرسول الذي كانوا يتمنون على لله أن يكون لهم كتاب مثل أهل الكتاب.. وكانوا يقولون ما حكاه القرآن عنهم:«لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ» (157: الأنعام) وها هم أولاء قد جاءهم الكتاب، ويوشك أن يفلت من أيديهم وثانيا: أن فى هذه لآية المكية، دعوة غير مباشرة إلى أهل الكتاب أن يؤمنوا بهذا الرسول، وبالكتاب الذي أنزل إليه من ربه وفى هذه الدعوة إرهاص بالمواجهة التي سيواجه فيها الرسول والقرآن أهل الكتاب، فيما بعد، وهذا أسلوب من أساليب القرآن فى دعوة أهل الكتاب إليه، وهو فى الطريق إليهم، قبل أن يلقاهم لقاء مباشرا

ص: 270

وإذن فليس هناك داعية إلى القول بأن هذه الآية مدنية، وبالتالى أنها نزلت فى عبد الله بن سلام أو غيره.. وإن الذي ينظر فى الأحاديث والمرويات، التي ذكرت فى هذا المقام، يرى فيها اختلافا، وتضاربا، بحيث ينقض بعضها بعضها، ويهدم بعضها بعضا مما يجعل مجاوزتها والعدول عنها، أولى من الوقوف عندها، وأخذ شىء منها..

قوله تعالى:

«وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ» ..

أي ومن الشّبه والضلالات التي أضلت المشركين عن الإيمان بالله والاستجابة للرسول- أن كثيرا من الذين سبقوهم إلى الإيمان بالله، والاستجابة للرسول، كانوا من الفقراء، والمستضعفين، كبلال، وعمار، وصهيب، وغيرهم ممن سبقوا إلى الإسلام.. وهذا عند المشركين من الأدلة الناطقة بأن هذا الذي يدعو إليه محمد، ليس مما تهفو إليه نفوس أصحاب الجاه، والمنزلة.. فى الناس، وأنه لو كان كذلك لما سبق إليه الأرقاء والمستضعفون فيهم وكيف.. وهم السابقون إلى عايات السيادة والمجد، يسبقهم عبيدهم وإماؤهم إلى أمر، ثم يكونون هم وراءهم، يأخذون مكانهم فى الصفوف المتأخرة فيه؟ وإذن فهذا الذي يدعو إليه محمد ليس إلا إفكا مفترى، ولهذا كان المنخدعون به، هم أولئك الأرقاء والأدلاء من بينهم وهكذا تأمرهم أحلامهم، وتسوّل لهم أنفسهم!! قوله تعالى:

«وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ» ..

ص: 271

هو رد على مقولة المشركين فى القرآن بأنه إفك قديم. أي أن هذا القرآن ليس إفكا قديما كما يدعون.. فلقد سبقه كتاب موسى، الذي هو إمام أي هدى يهتدى به الناس، ورحمة من الله إليهم.. وهذا القرآن هو مصدق لما فى كتاب موسى، لينذر هؤلاء المشركين الذين ظلموا أنفسهم بالإعراض عنه، ويبشر المحسنين، الذين أحسنوا إلى أنفسهم بهذا الخير الذي ساقوه إليها من هذا الكتاب..

وفى قوله تعالى: «لِساناً عَرَبِيًّا» مقابلة لقوله تعالى عن كتاب موسى «إِماماً وَرَحْمَةً» .. أي أنه إذا كان كتاب موسى إماما ورحمة، فإن هذا للكتاب لسان عربى، ومن هذا اللسان العربي يتفجر ينابيع الهدى والرحمة..

وفى هذا تنويه باللسان العربي، من حيث هو لغة، فكيف إذا كان هذا اللسان يحمل آيات الله البينة، وكلمات الله المعجزة؟

قوله تعالى:

«إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ» ..

هو بيان للمحسنين، ولما يحمل إليهم القرآن الكريم من بشريات..

وقد جاء هذا البيان على تلك الصورة التقديرية المؤكدة، إظهارا لمزيد الاعتناء بهم والتنويه بشأنهم، وبشأن الجزاء الكريم الذي أعده الله سبحانه وتعالى لهم.. فالمحسنون، هم الذين قالوا ربنا الله، أي آمنوا به، ثم استقاموا على شريعة الله، فامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه.. فهؤلاء هم المحسنون، وهم الذين لا خوف عليهم مما يخيف أهل الشرك والضلال يوم القيامة، وهم الذين لا يحزنون يوم تمتلىء قلوب أهل الشرك والضلال حزنا وكمدا على ما فرطوا

ص: 272