المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات (38- 31) [سورة محمد (47) : الآيات 31 الى 38] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٣

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (47- 54) [سورة فصلت (41) : الآيات 47 الى 54]

- ‌42- سورة الشورى

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 12) [سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 16) [سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 20) [سورة الشورى (42) : الآيات 17 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 26) [سورة الشورى (42) : الآيات 21 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 35) [سورة الشورى (42) : الآيات 27 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 43) [سورة الشورى (42) : الآيات 36 الى 43]

- ‌الآيات: (44- 50) [سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 53) [سورة الشورى (42) : الآيات 51 الى 53]

- ‌43- سورة الزخرف

- ‌مناسبة السورة لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 19) [سورة الزخرف (43) : الآيات 9 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 25) [سورة الزخرف (43) : الآيات 20 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 35) [سورة الزخرف (43) : الآيات 26 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 44) [سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 56) [سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 65) [سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 73) [سورة الزخرف (43) : الآيات 66 الى 73]

- ‌الآيات: (74- 83) [سورة الزخرف (43) : الآيات 74 الى 83]

- ‌الآيات: (84- 89) [سورة الزخرف (43) : الآيات 84 الى 89]

- ‌44- سورة الدخان

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 33) [سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 48) [سورة الدخان (44) : الآيات 34 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 59) [سورة الدخان (44) : الآيات 51 الى 59]

- ‌45- سورة الجاثية

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 11) [سورة الجاثية (45) : الآيات 6 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 15) [سورة الجاثية (45) : الآيات 12 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 22) [سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 22]

- ‌الآيات: (23- 35) [سورة الجاثية (45) : الآيات 23 الى 35]

- ‌الآيتان: (36- 37) [سورة الجاثية (45) : الآيات 36 الى 37]

- ‌46- سورة الأحقاف

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 14) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 7 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 20) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 15 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 28) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 35) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 35]

- ‌47- سورة محمد

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 15) [سورة محمد (47) : الآيات 10 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 19) [سورة محمد (47) : الآيات 16 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 30) [سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 30]

- ‌الآيات (38- 31) [سورة محمد (47) : الآيات 31 الى 38]

- ‌[الجهاد.. والحرب النفسية]

- ‌48- سورة الفتح

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (3- 1) [سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 3]

- ‌الآيات (7- 4) [سورة الفتح (48) : الآيات 4 الى 7]

- ‌الآيات (14- 8) [سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 14]

- ‌الآيات (17- 15) [سورة الفتح (48) : الآيات 15 الى 17]

- ‌الآيات (26- 18) [سورة الفتح (48) : الآيات 18 الى 26]

- ‌الآيات (29- 27) [سورة الفتح (48) : الآيات 27 الى 29]

- ‌49- سورة الحجرات

- ‌مناسبتها للسورة قبلها

- ‌الآيات (1- 5) [سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات (13- 6) [سورة الحجرات (49) : الآيات 6 الى 13]

- ‌الآيات (18- 14) [سورة الحجرات (49) : الآيات 14 الى 18]

- ‌50- سورة «ق»

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (11- 1) [سورة ق (50) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات (26- 12) [سورة ق (50) : الآيات 12 الى 26]

- ‌الآيات (37- 27) [سورة ق (50) : الآيات 27 الى 37]

- ‌الآيات (45- 38) [سورة ق (50) : الآيات 38 الى 45]

- ‌51- سورة الذاريات

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (14- 1) [سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 32) [سورة الذاريات (51) : الآيات 15 الى 23]

- ‌الآيات (30- 24) [سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 30]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات (38- 31) [سورة محمد (47) : الآيات 31 الى 38]

‌الآيات (38- 31)[سورة محمد (47) : الآيات 31 الى 38]

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (32) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (35)

إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (36) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (37) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (38)

التفسير:

قوله تعالى:

«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ» ..

الواو: واو القسم.. والابتلاء: الاختبار..

ومناسبة هذه الآية لما قبلها، هى الآيات السابقة أشارت إلى أن هناك فى المجتمع الإسلامى منافقين، وأصحاب قلوب مرضى، وأن الله سبحانه لو شاء أن يكشف عنهم، ويفضح مستورهم لفعل، إذ لا شىء يصادم إرادته، أو يعطّل مشيئه- ولو شاء سبحانه- لأهلك هؤلاء المنافقين، أو لهداهم إلى الإيمان وقتل هذه الآفات الخبيثة التي ترعى كل نبتة خير فيهم.. ولكنه سبحانه لم يقدّر هذا

ص: 370

ولم يشأه، بل كان مما قضت به حكمته أن يجعل إلى الناس أنفسهم مشيئة عاملة، وإرادة نافذة، وأن يكون لهم بتلك الإرادة، وهذه المشيئة رسالة يؤدونها فى هذه الحياة، وهى إصلاح الفاسد، وإقامة المعوج، ولا يكون ذلك إلا إذا كان فى الناس الفاسدون، والمعوجون.. وهنا يكون الابتلاء والامتحان، وحين يتصادم المصلحون والمفسدون، ويتلاقى المستقيمون والمعوجّون..

فقوله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ» - هو خبر مؤكد من الله سبحانه وتعالى إلى المؤمنين بأنهم لم يتركوا هكذا، يتحلون بحلية الإيمان، وينزلون منازل المؤمنين دون أن يوضعوا موضع الامتحان والابتلاء.. فهذا الامتحان هو الذي يكشف عن حقيقة الإيمان فى قلوب المؤمنين، وهل هو إيمان صادق، انشرح به الصدر، واطمأن به القلب، أم هو مجرد صورة من الشارات والمراسم..؟

«أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ» (2: العنكبوت) وقوله تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ» ..

حتى غاية لهذا الامتحان أو الابتلاء.. بمعنى أنكم أيها المؤمنون واقعون- لا محالة- فى مواقع ابتلاء، وأنكم لن تتركوا حتى تدخلوا فى هذا الابتلاء، وتتجرعوا كؤوسه المرّة، فإن صمدتم فى هذا الابتلاء، وصبرتم على ما تلقون من بأساء وضراء، فقد أثبتم أنكم مؤمنون.. وهذا حسبكم من إيمانكم.

وقدم الجهاد على الصبر، لأنه أعم منه.. فقد يكون فى المجاهدين من لا صبر له على الجهاد، فلا يثبت للأعداء إذا رأى الخطر محدقا به، ولا يقدم على القتال والهجوم إذا رأى الموت دانيا منه.. إنه مجاهد فى حواشى المجاهدين،

ص: 371

وفى مؤخرتهم.. ومع هذا فلا يحرم أن يدخل تحت هذه الكلمة، التي تخلع على صاحبها خلعا سنية، من الرضا والرضوان.. وفى هذا دليل على شرف الجهاد، وعلى علوّ منزلة المجاهدين، وأن أقلهم فى الجهاد منزلة، وأبخسهم فى المجاهدين حظا- هو من المجاهدين، الذين لا يحرمون شرف الجند، وثواب المجاهدين..

أما الجهاد الذي يكون معه الصبر، فهو الجهاد الكامل، الذي تم عقده وتوثيقه، بين الله سبحانه، وبين المجاهدين، وفى هذا العقد يقول الله تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ.. وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (111: التوبة) .

وفى قوله تعالى: «وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ» - إشارة إلى أن الأفعال هى التي عليها المعوّل فى الكشف عن إيمان المؤمنين وصبر الصابرين.. فابتلاء الله سبحانه لأخبار المؤمنين، إنما هو ابتلاء لهم، وتعرف على أحوالهم، من أخبارهم، التي هى حكاية لأعمالهم، وتصوير لها.. وهذا يشير أيضا إلى أن للأعمال آثارها فى الحياة، وفى الناس، وأنها تقع تحت حكم الناس عليها والإخبار عنها بما يرضيهم أو يسخطهم منها.. وهذا يشير مرة أخرى إلى أن المجتمع الإنسانى له وزنه وله قدره، فى الحكم على أعمال الناس، وأن حكمهم على عمل بأنه حسن غير حكمهم عليه بأنه سيء.. فلهذا وزنه، ولذلك وزنه عندهم، وعند الله كذلك..

قوله تعالى:

«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ

ص: 372

ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ» .

هو حديث إلى أولئك المنافقين، مرة أخرى، بعد أن تهددتهم الآيات السابقة بفضح نفاقهم..

فهذا وعيد للمنافقين، الذين يمسكون بما معهم من نفاق.. إنهم كفروا بعد أن آمنوا، وصدّوا أنفسهم عن سبيل الله بعد أن وردوا عليه، وشاقّوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى.. هكذا المنافق، لا تستقيم له على سبيل الإيمان طريق، ولا تثبت له فيه قدم! وقوله تعالى:«لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً» هو خبر عن هؤلاء المنافقين، الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، أي أنهم بفعلهم هذا، وخروجهم من الإيمان إلى الكفر والنفاق- لن يضر الله شيئا من الضر، كما أن إيمان المؤمنين لن ينفعه شيئا من النفع..

وقوله تعالى: «وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ» أي يفسد تدبيرهم، ولا يقبل لهم أي عمل، ولو كان من الأعمال الحسنة فى ذاتها..

قوله تعالى:

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» ..

هو دعوة كريمة، والتفاتة رحيمة، من رب كريم رحيم، إلى عباده المؤمنين، وقد طال وقوفهم مع حديث الله سبحانه وتعالى إلى المنافقين، فشاقهم أن أن يسمعوا حديثا من الله سبحانه عنهم.. فناداهم الحق جل وعلا، واستدناهم منه، ثم أسمعهم ما فيه رشدهم، وصلاحهم، وفوزهم.. فى الدنيا والآخرة.. فقال سبحانه:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.. الآية»

ص: 373

«أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» ..

«وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ..»

فطاعة الله وطاعة الرسول، شرط أول من شروط المؤمن، فإنه لا إيمان بغير طاعة، وتسليم، وانقياد..

وإن عصيان الله وعصيان رسوله، لا يبقى على إيمان، إذ لا يجتمع إيمان وعصيان..

وإذا أخلى الإيمان مكانه من القلوب، لم يبق غير الكفر، وغير بطلان العمل، لمن تبدل الكفر بالإيمان..

فالآية دعوة للمؤمنين أن يحفظوا إيمانهم، ويوثقوه، بالطاعة لله ورسوله..

وفى الآية تهديد للمؤمنين الذي لا يلتفتون إلى أنفسهم ولا يحرسونها من النفاق، أن يدخل عليهم فيطرد الإيمان من قلوبهم، ثم لا يكون لهم بعد هذا عمل إلا بطل وفسد! ..

وقوله تعالى:

«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ» .

هو دعوة إلى هؤلاء المنافقين الذين كفروا بعد إيمانهم- أن يتوبوا إلى الله من قريب، وأن يؤمنوا بالله، حتى تنالهم مغفرته.. فإن هم أبوا إلا أن يمضوا على كفرهم إلى أن يموتوا، فإنهم يموتون على الكفر، ومن مات منهم على الكفر فلن يغفر الله له..

قوله تعالى:

«فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ» .

ص: 374

فلا تهنوا، أي لا تضعفوا، وتتخاذلوا.. وهو من الوهن، أي الضعف..

ولن يتركم أعمالكم: لا يبطلها كما أبطل أعمال المنافقين والكافرين..

وأصله من الوتر، وهو الفرد.. ومعنى هذا أنه لا يقطع أعمالكم عنكم، بل هى فى صحبتكم، تجدونها حاضرة يوم الجزاء.

والآية تعود إلى أولئك المؤمنين الذي أسمعهم الله سبحانه وتعالى. قوله:

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» ..

ثم تركهم فى هذا الموقف. حتى يتدبروا هذا القول ويأخذ كل منهم موقفه منه.. إنهم مدعوون إلى أن يسمعوا ويطيعوا.. أما ما يدعون إلى أن يسمعوه ويطيعوه، فهو آت، ولكن بعد أن يأخذ هذا القول مكانه من العقول والقلوب..

وفى فترة الانتظار هذه، يسمع المؤمنون هذا الوعيد الذي يتهدد الله سبحانه وتعالى به أهل الكفر والنفاق.. «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ» .. إنها صورة كريهة للإنسان، ونهاية محزنة، تلك التي ينتهى إليها من يكفر بالله، ويموت على الكفر.. ومن هذا الوعيد يتدسس إلى مشاعر المؤمنين التي دخلت عليهم من قوله تعالى:

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» - يتدسس إلى هذه المشاعر ما يدفع بها بعيدا عن مزالق الكفر.. ولن يكون ذلك إلا بالسمع والطاعة لله ورسوله..

وهنا يلقاهم قول الله تعالى: «فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ» .

وكأن هذا الخطاب وارد على سؤال سأله الله سبحانه وتعالى المؤمنين، بعد

ص: 375

أن أمرهم بطاعته وطاعة رسوله، وبعد أن تركهم وقتا يتدبرون فيه ما أمرهم به.. وتقدير السؤال هو:

هل سمعتم ما أمرتم به؟ وهل أنتم على السمع والطاعة؟ وهل اختبرتم ما فى قلوبكم من إيمان؟ ..

إذن: «فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ..»

فهذا أمر من الله إليكم، وهو ألا تهنوا، أو تتخاذلوا فى موقفكم من العدو، وألا تطلبوا السلم.. فإن طلب السلم لا يحمله أعداؤكم إلّا أنه ضعف منكم وشعور بالهزيمة، وهذا من شأنه أن يغرى العدو بكم، ويشدد وطأته عليكم، ولا يجيبكم إلى السلم الذي تدعون إليه، لأنه يراكم غنيمة ليده..

هذا ويلاحظ أن ما طلبه الله سبحانه وتعالى من المؤمنين فى قوله سبحانه:

«فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ» - لم يلقهم سبحانه به لقاء مباشرا، بل جاء هذا الطلب إلى المؤمنين، بعد وقفة طويلة معهم على مجتمع الكافرين والمنافقين، حيث يرمو من الله بنذر من رجوم البلاء والهلاك، ثم بعد دعوتهم إلى أن يجعلوا إيمانهم بالله قائما على الطاعة والولاء لله ورسوله، وكان هذا كله تمهيدا لأن يتلقى المسلمون قوله تعالى:«فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ» ، وأن يستجيبوا له..

فلا يقع منهم فى ميدان القتال فتور أو تخاذل، وبهذا يحاربون، وقلوبهم على إيمان بالنصر الذي وعد الله المؤمنين، فلا يمدون أيديهم مستسلمين للعدو أبدا.

وهذا الأسلوب الذي جاء عليه الطلب فى قوله: «فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ» - يدل على مزيد من العناية بهذا الطلب، وإلفات المخاطبين به إلى ما لهذا المطلوب من قدر وخطر..

ص: 376

والحق أن قوله تعالى: «فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ» هو دعوة إلى ما لا يقوم الإيمان إلّا به، ولا تقوم للمؤمنين دولة إلا عليه، وهو الجهاد فى سبيل الله ومواجهة أعداء الله وأعداء المؤمنين- مواجهتهم بالقوة التي تردّ بأسهم، وتبطل كيدهم، حتى يسلم المؤمنون منهم، ومن أن يكونوا تحت يدهم، فيفتنوهم فى دينهم..

وإنه ليس هناك عدو يستطيع أن يقف فى وجه المسلمين المجاهدين فى سبيل الله، إذا هم أعطوا الجهاد حقه.. مهما كان قليلا عددهم وعدتهم، بالنسبة إلى عدد عدوهم وعدّته..

وحق الجهاد، هو أن يقوم على نية القتال والقتل فى سبيل الله.. ومن كان من المجاهدين على تلك النية، فإنه لا ينظر إلى كثرة العدو، ولا يقيم موازنة بين جيش المسلمين وجيش العدوّ، على أساس العدد والعتاد، فإن ذلك إن وقع فى شعور المجاهد، حارب بنفس متخاذلة، وبقلب يخفق خفقات الهزيمة.. فذلك كله يجب ألا يكون فى حساب المجاهد شىء منه.. فهو يجاهد، ويقاتل فى سبيل الله، ولن تبرأ ذمته من أداء هذه الأمانة- أمانة الجهاد- إلا إذا رجع من جهاده بإحدى الحسنيين، إما النصر على العدوّ، والفوز بالغنائم، وإما الموت والفوز بالشهادة.. فالمؤمنون بهذه المشاعر هم الأعلون دائما..

إن المجاهد- حقّ المجاهد- هو الذي يقاتل العدوّ بكل ما لديه من قوة، وأن يكون وجهه للعدو، ولأسلحة العدو، يضرب ويضرب، وينفذ ضرباته فى العدو، ويتقى ضربات العدو له، غير مبال إن وقع على الموت أو وقع الموت عليه..!

ص: 377