المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (13- 16) [سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 16] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٣

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (47- 54) [سورة فصلت (41) : الآيات 47 الى 54]

- ‌42- سورة الشورى

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 12) [سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 16) [سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 20) [سورة الشورى (42) : الآيات 17 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 26) [سورة الشورى (42) : الآيات 21 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 35) [سورة الشورى (42) : الآيات 27 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 43) [سورة الشورى (42) : الآيات 36 الى 43]

- ‌الآيات: (44- 50) [سورة الشورى (42) : الآيات 44 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 53) [سورة الشورى (42) : الآيات 51 الى 53]

- ‌43- سورة الزخرف

- ‌مناسبة السورة لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 19) [سورة الزخرف (43) : الآيات 9 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 25) [سورة الزخرف (43) : الآيات 20 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 35) [سورة الزخرف (43) : الآيات 26 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 44) [سورة الزخرف (43) : الآيات 36 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 56) [سورة الزخرف (43) : الآيات 46 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 65) [سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 73) [سورة الزخرف (43) : الآيات 66 الى 73]

- ‌الآيات: (74- 83) [سورة الزخرف (43) : الآيات 74 الى 83]

- ‌الآيات: (84- 89) [سورة الزخرف (43) : الآيات 84 الى 89]

- ‌44- سورة الدخان

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 33) [سورة الدخان (44) : الآيات 17 الى 33]

- ‌الآيات: (34- 48) [سورة الدخان (44) : الآيات 34 الى 50]

- ‌الآيات: (51- 59) [سورة الدخان (44) : الآيات 51 الى 59]

- ‌45- سورة الجاثية

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 11) [سورة الجاثية (45) : الآيات 6 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 15) [سورة الجاثية (45) : الآيات 12 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 22) [سورة الجاثية (45) : الآيات 16 الى 22]

- ‌الآيات: (23- 35) [سورة الجاثية (45) : الآيات 23 الى 35]

- ‌الآيتان: (36- 37) [سورة الجاثية (45) : الآيات 36 الى 37]

- ‌46- سورة الأحقاف

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 14) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 7 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 20) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 15 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 28) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 35) [سورة الأحقاف (46) : الآيات 29 الى 35]

- ‌47- سورة محمد

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 9) [سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 15) [سورة محمد (47) : الآيات 10 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 19) [سورة محمد (47) : الآيات 16 الى 19]

- ‌الآيات: (20- 30) [سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 30]

- ‌الآيات (38- 31) [سورة محمد (47) : الآيات 31 الى 38]

- ‌[الجهاد.. والحرب النفسية]

- ‌48- سورة الفتح

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (3- 1) [سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 3]

- ‌الآيات (7- 4) [سورة الفتح (48) : الآيات 4 الى 7]

- ‌الآيات (14- 8) [سورة الفتح (48) : الآيات 8 الى 14]

- ‌الآيات (17- 15) [سورة الفتح (48) : الآيات 15 الى 17]

- ‌الآيات (26- 18) [سورة الفتح (48) : الآيات 18 الى 26]

- ‌الآيات (29- 27) [سورة الفتح (48) : الآيات 27 الى 29]

- ‌49- سورة الحجرات

- ‌مناسبتها للسورة قبلها

- ‌الآيات (1- 5) [سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات (13- 6) [سورة الحجرات (49) : الآيات 6 الى 13]

- ‌الآيات (18- 14) [سورة الحجرات (49) : الآيات 14 الى 18]

- ‌50- سورة «ق»

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (11- 1) [سورة ق (50) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات (26- 12) [سورة ق (50) : الآيات 12 الى 26]

- ‌الآيات (37- 27) [سورة ق (50) : الآيات 27 الى 37]

- ‌الآيات (45- 38) [سورة ق (50) : الآيات 38 الى 45]

- ‌51- سورة الذاريات

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (14- 1) [سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 14]

- ‌الآيات: (15- 32) [سورة الذاريات (51) : الآيات 15 الى 23]

- ‌الآيات (30- 24) [سورة الذاريات (51) : الآيات 24 الى 30]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (13- 16) [سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 16]

المقاليد: جمع مقلد، وهو ما يحيط بالشيء، ومنه القلادة، لأنها تحيط بالعنق.

أي أن الله سبحانه وتعالى، له السلطان القائم على السموات والأرض، وبيده سبحانه تصريفهما، لا يملك أحد معه من الأمر شيئا.

‌الآيات: (13- 16)[سورة الشورى (42) : الآيات 13 الى 16]

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَما تَفَرَّقُوا إِلَاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ (16)

التفسير:

قوله تعالى:

«شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا

ص: 26

بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» .

أي ومن نعم الله سبحانه وتعالى، الذي خلقكم وجعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من الأنعام أزواجا- أنه شرع لكم دينا هو دينه الذي ارتضاه، وهو الدين الذي وصّى به نوحا، وهو الذي جاءكم به نبيكم محمّد، وحيا من ربه، وهو ما وصى به الله سبحانه الأنبياء، إبراهيم وموسى، وعيسى، عليهم السلام.

وقوله تعالى: «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» هو بيان لما وصى الله سبحانه به أنبياءه عليهم السلام، وهو أن يقيموا الدين، وأن يبلّغوه أقوامهم، وأن يكونوا جميعا على هذا الدين، دين الله الذي ارتضاه لهم جميعا، والّا يتفرقوا فيه، فيكون لكل نبى، ولكل قوم دين.. إن دين الله واحد، هو الإسلام، كما يقول سبحانه:«إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» (19: آل عمران) وكما يقول سبحانه: «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» (153: الأنعام) .. وكما يقول جل شأنه فيما أخذه من ميثاق على الأنبياء جميعا: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ» . (81: آل عمران) وكما يقول النبي الكريم: «الأنبياء أبناء علّات، أمهاتهم شتّى ودينهم واحد» .

وهذه الوصاة للأنبياء، هى وصاة ملزمة لأقوامهم باتباع دين الله هذا، وهو الإسلام الذي كمل به الدّين، والذي أدركوه وبين أيديهم بعض منه..

ومطلوب من أهل الكتاب- اليهود والنصارى- أن يؤمنوا بهذا الدين كلّه، وألا يتفرقوا فيه، فيذهب كل فريق ببعض منه، فيكون لكل جماعة دين من دين الله الواحد.

ص: 27

وهنا سؤال، وهو: لماذا اختلف النظم فى هذا المقطع من الآية الكريمة، فلم يجر على نسق واحد؟ فقال تعالى:«ما وَصَّى بِهِ نُوحاً» ثم قال سبحانه:

«وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى» ولم يجىء النظم هكذا: «وما وصّيناك به» بل جاء هكذا: «وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ» ..

فما سر هذا؟

الجواب: - والله أعلم- من وجوه: فأولا أن ما أوحى الله به سبحانه وتعالى إلى النبي من آياته وكلماته، لم يكن مجرّد وصاة.. بل إنه يحمل مع هذه الوصاة المعجزة التي تدلّ على أنه كلام الله، على حين أن ما كان يوحى إلى الأنبياء من وصايا لم يكن كلاما يحمل فى طياته معجزة متحدية.. وهذا هو بعض السر فى كلمة «أَوْحَيْنا» المقابلة لكلمة «وَصَّيْنا» .. إذ أن الوحى فيه إشارات، ولطائف، لا تنكشف إلا لذوى البصائر والأفهام، على خلاف الوصاة فإنها تجىء صريحة واضحة الدّلالة، تعطى كلماتها كلّ ما فيها مرة واحدة.

وثانيا: أن هذا الوحى يحتاج إلى عقل بتدبّر هذه الكلمات الموحى بها، وهذا يعنى أن المبلّغ إليهم هذا الوحى، ينبغى أن يتدبروه ويعقلوه، وأن يستخلصوا منه مواقع العبر والعظات، وأن يأخذوا منه الأدلة والبراهين على ما يدعوهم إليه من الإيمان بالله، واليوم الآخر، والتصديق برسوله، وملائكته وكتبه ورسله..

وهذا يعنى- من جهة أخرى- أن المبلّغين برسالات الرسل السابقين لم يكونوا مطالبين باستخلاص الدليل والبرهان على صدق الرسول، وعلى صدق ما جاءهم به من وصايا، إذ كان مع الرسول آية صدقه التي بين يديه من المعجزة أو المعجزات المادية، التي يمكّن الله سبحانه وتعالى له منها..

ص: 28

وثالثا: فى الوحى بالشيء رفق ولطف بالموحى إليه، ومخاطبته بالإشارة دون العبارة.. وهذا يعنى أن الذين يخاطبون بهذا الوحى هم فى درجة من الفطنة والذكاء وكمال العقل، بحيث لا يؤخذون بالزجر والقهر، وإنما يقادون بالحكمة، والمنطق، وهذا ما يتفق والرسالة الإسلامية، التي كمل بها دين الله، والتي من شأنها أن تلتقى بأوفر الناس حظّا من الكمال الإنسانى..

وسؤال آخر..

وهو: لماذا لم يجىء ذكر الأنبياء على نسق فى الترتيب الزمنى، فجاء ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد نوح، وقبل إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام؟ ..

ثم لماذا وقد سبق ذكره- صلوات الله وسلامه عليه- إبراهيم وموسى وعيسى-لماذا لم يسبق نوحا أيضا؟

والجواب- والله أعلم- من وجوه كذلك:

فأولا: قدّم النبىّ صلوات الله وسلامه عليه، على إبراهيم وموسى وعيسى، لأن رسالته هى مجمع رسالات الأنبياء عليهم السلام، وكتابه الذي أنزل عليه هو المهيمن على الكتب السماوية.. إذ قد جمعت الرسالة الإسلامية ما تفرق فى الرسالات السابقة، فكان الإسلام هو الدين كلّه، دين الله الذي كان لكل نبى نصيب منه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» (19: آل عمران) وقوله سبحانه: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» (33: التوبة) وقوله سبحانه: «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ

ص: 29

مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً»

(68: المائدة) وقوله تبارك وتعالى: «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ» (85: آل عمران) .

وهذا يعنى أن من آمن بالرسالات السابقة، وأقامها على وجهها، لا بد أن يسلمه ذلك إلى الإيمان بالإسلام، لأنها من الإسلام، مادة وروحا.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ» (48: المائدة) .

وثانيا: قدم نوح- عليه السلام لأنه أول الأنبياء أصحاب الرسالات، وقد كانت له دعوة إلى الله، وكان له قوم يدعوهم إلى الله، وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما كما ذكر القرآن.. وبهذا تعتبر رسالته مفتتح الرسالات إلى دين الله، وهو الإسلام.. فكان تقديمه لازما لهذا الاعتبار..

وثالثا: أن تقديم نوح لم يكن إلا لمجرد الإشارة إلى أن دعوة الإسلام دعوة قديمة قدم الإنسانية، يوم بلغت الإنسانية مبلغ الخطاب والتكليف، ولم يكن لنوح حين جاء الإسلام، قوم أو كتاب، حتى يكون لتقديم الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- على دعوة نوح حجة على قومه، وهيمنة على كتابه، على خلاف من هم من أتباع إبراهيم وموسى وعيسى، فقد كانوا بمشهد من عصر النبوة، وبمسمع من دعوة النبي، وهم لهذا مطالبون باتباع هذا النبي والإيمان به، وبكتابه المهيمن على ما فى صحف إبراهيم، وعلى التوراة والإنجيل.. فقد كان اليهود أتباع موسى، وكتابه التوراة، وكان النصارى أتباع عيسى، وكتابه الإنجيل، وكان المشركون على دين

ص: 30

إبراهيم، وإن كانوا جميعا قد تنكّبوا الطريق السّوىّ للدين الذي يدينون به..

وقوله تعالى: «كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ» - هو نحس للمشركين وتبكيت لهم، وازدراء لغرورهم الذي أراهم فى أنفسهم هذا الذي باعد بينهم وبين كتاب الله، ورسول الله، فأنفوا أن يستجيبوا لبشر مثلهم، وأن يتناولوا من يده الدواء الذي يشفى عللهم، ويذهب بأسقامهم..

لقد كبر عليهم هذا، ورأوه مما ينزل بقدرهم وينال من مكانتهم.. وإنه لعجيب غاية العجب، أن يكون هذا موقفهم من كتاب هو المهيمن على الكتب السماوية كلها، ومن رسول هو خاتم الرسل، ورسالته خاتم رسالات السماء، ومن دين هو مجتمع دين الله؟ «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» .. فهذا هو الدين الذي شرعه الله سبحانه وتعالى لهم. واصطفى لحمله إليهم صفوة أنبيائه، وخاتم رسله.. فكيف يستقبلون هذه المنّة العظيمة بهذا الكبر الأحمق، وهذا الغرور السفيه؟.

وقوله تعالى: «اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» ..

هو تعقيب على موقف هؤلاء المشركين من دعوة الله سبحانه وتعالى، التي يدعو بها رسوله الناس إلى الله.. إذ ليس كلّ مدعوّ مستجيبا لهذه الدعوة، ولكن الله سبحانه وتعالى يختار من بين المدعوين من يدخلهم فى ضيافتهم، ويأخذ بيدهم إلى رحاب كرمه وإحسانه، فيستجيبون للداعى مسرعين، فى غير تردّد أو إبطاء، وهناك آخرون من بين المترددين والمبطئين سوف يلحقون بهؤلاء السابقين، ويدخلون فى ضيافة الله سبحانه، إذا هم نزعوا أقدامهم من هذا الموقف المتردد الذي هم فيه، وأخذوا طريقهم

ص: 31

إلى الله.. إن الله سبحانه- سيهديهم إليه، وبيسر لهم سبل الوصول إلى رحاب فضله وإحسانه.. «وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ» .. وهكذا تختلف منازل الناس عند الله.. فأناس يجتبيهم ويختارهم، ويحملهم حملا على مطايا الفضل ومراكب الإحسان.. وأناس ينتظر بهم حتى يكون منهم سعى إليه، واتجاه إلى مواقع رحمته.. وعندئذ تلقاهم عناية الله على أول الطريق، فتقودهم إليه، وتنزلهم منازل رضوانه.. وأناس قعدوا حيث هم فأركسوا فى ضلالهم.. إنهم لم يكونوا من أهل الاجتباء، فتخف بهم مراكب اللّجا إلى الله، ولم يكونوا من ذوى القدرة على السباحة والعوم، الذين تمسك أيديهم بحبل الله، فيسلمهم ذلك الحبل إليه.. بل كانوا من غير هؤلاء وأولئك، ممن لم يرد الله لهم النجاة، فكانوا من المغرقين.

«أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ» .

قوله تعالى:

«وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ» .

أي أن أهل الكتاب- من اليهود والنصارى- كانوا على حال واحدة من الكفر والضلال، قبل مبعث الرسل إليهم، فلما بعث الله فيهم الرسولين الكريمين- موسى وعيسى- وجاءهم العلم على يديهما، وبيّنا لهم الهدى من الضلال- تفرقوا شيعا، فكانوا يهود ونصارى، وما كان اليهود: مؤمنين، وكافرين، ومنافقين، وكان النصارى: مؤمنين وكافرين ومشركين.. وهكذا تنازع القوم أمرهم، وفرقوا دينهم، كما يقول الله سبحانه وتعالى فيهم:«إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ.. ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ» (159: الأنعام) .

ص: 32

وقوله تعالى: «وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ» ..

أي ولولا ما سبق من قضاء الله، فى أن يؤخر حساب هؤلاء المختلفين من أهل الكتاب، إلى أجل مسمّى، موقوت لهم، وهو يوم القيامة- لولا هذا الذي سبق من قضاء الله «لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ» ، أي لفصل بينهم، وأخذ كل منهم بما يستحق من جزاء فى هذه الدنيا، فنجّى الذين آمنوا، ووقع بأس الله بالقوم الظالمين.

وقوله تعالى: «وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ» - الضمير فى «مِنْهُ» يعود إلى «الدِّينِ» فى قوله تعالى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً» وهو دين الإسلام، الذي يدعو إليه رسول الله بالكتاب الذي أنزل إليه من ربه..

والذين أورثوا الكتاب من بعدهم، هم أهل الكتاب، من اليهود والنصارى، الذين عاصروا الدعوة الإسلامية، فهؤلاء الذين يدينون باليهودية والنصرانية، هم الذين أوتوا الكتاب من بعد آبائهم الذين أورثوهم- مع هذا الكتاب الذي فى أيديهم- فرقة فيه، واختلافا عليه، وهم لما ورثوا من فرقة وخلاف فى دينهم- فى شك وارتياب من هذا الدين الإسلامى الذي يدعون إليه، إذ كان دينهم الذي هو من هذا الدين، قد تغيرت معالمه، وطمست وجوهه، فلما التقى بدين الله الذي يردّ أصل دينهم إليه- لم يجدوه ملتئما معه، ولا آخذا سبيله، فكان ذلك الشك المريب منهم فى دين الله! قوله تعالى:

«فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ، وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ

ص: 33

اللَّهُ مِنْ كِتابٍ، وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ، اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ، لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ، لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ، اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» .

«الفاء» فى قوله تعالى: «فَلِذلِكَ» - للسببية، والإشارة إلى هذا الخلاف الذي وقع بين أهل الكتاب فى دينهم، والذي أدى بهم إلى الشك والارتياب فى النبي وفيما يدعو إليه من دين الله..

أي فلأجل هذا فلا تلتفت إلى أهل الكتاب، ولا تقف طويلا معهم، إذ كانوا وتلك حالهم من الشك والارتياب.. «فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ» أي فقم بدعوتك، واصدع بما تؤمر، مستقيما عليه، غير ناظر إلى ما يجىء إليك من القوم من جدل ومراء.. «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ» فإن ما يجادلون به، هو أهواء وضلالات.. «وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ» أي قل آمنت بهذا الكتاب، وبما أنزل الله من كتاب سماوى سابق لهذا الكتاب الذي بين يدىّ.

كما يقول الله تعالى لنبيه الكريم: «قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (84: آل عمران) .

وتنكير الكتاب فى قوله تعالى: «مِنْ كِتابٍ» وجرّه بمن الدالة على الاستغراق- للإشارة إلى أن النبي مؤمن بكل كتاب نزل من عند الله.

قوله تعالى: «وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ» أي أمرت لأدعوكم إلى دين الله، بالعدل والإحسان، لا أكرهكم عليه، ولا أجادلكم إلا بالتي هى أحسن.

وقوله تعالى: «اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ» أي أن الرب الذي أدعوكم إليه ليس ربىّ وحدى، حتى يكون لى مصلحة خاصة فى دعوتكم إليه، فهو سبحانه ربكم كما هو ربى.. وفى هذا تعريض باليهود الذين يجعلون الله سبحانه وتعالى ربّا لهم وحدهم، يؤثرهم بما عنده من خير وإحسان، فيسمونه ربّ إسرائيل،

ص: 34

ويسمونه رب الجنود، ويجعلونه قائدا لجيشهم فى الحرب، كما تصرح بذلك التوراة التي فى أيديهم، فى أكثر من موضع منها..

وقوله تعالى: «لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ» أي أن ما نعمله من خير أو شر، هو لنا وحدنا، ومجزيّون به، على الخير خيرا والسوء سوءا.. وكذلك ما تعملونه أنتم، هو لكم، تجزون به، إن خيرا فخير وإن شرا فشر.. «كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» (38: المدثر) .

وقوله تعالى: «لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ» أي لا جدل بينا وبينكم حتى تحاجونا ونحاجّكم.. «لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ» .

وقوله تعالى: «اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» أي أن الله سبحانه وتعالى، هو الذي يقضى فيما بيننا وبينكم من خلاف، يوم يجمع بيننا جميعا، يوم القيامة، فيقضى بالحق، ويجزى كلّا بما هو أهل له.. «وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» والمرجع..

قوله تعالى:

«وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ، حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ، وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ» .

«الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ» أي يجادلون فى دينه، وفى كتابه الذي أنزله على رسوله.. «مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ» أي يجادلون فى دينه من بعد أن استجاب له الناس، وآمنوا به، واطمأنوا إلى دين.. فهذا الجدل وإن كان قد يقبل من غير المؤمنين بالله، فإنه غير مقبول من المؤمنين به، المستجيبين له من أهل الكتاب إذ لا يتفق إيمان بالله، وجدل فيه.

واليهود هم المقصودون بهذا الحديث، وهم الذين وقع عليهم غضب الله فى الدنيا، والعذاب الشديد فى الآخرة.. فهم مؤمنون بالله، ولكن إيمانهم هذا مشوب بالباطل والضلال، بما بدلوا وحرفوا فى دين الله..

ص: 35