الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الدّمار والهلاك الذي حلّى بها وبساكنيها.. يراه من كان يمر عليها بعد هذا العذاب الذي نزل بها، ثم بقي لها بعد ذلك ذكر سيّىء فى صحف التاريخ، وفى الكتب السماوية التي نزلت على رسل الله بعد هذا..
وفى هذا وذاك آية، الذين يؤمنون بالله، ويخافون العذاب الأليم يوم القيامة، فيرون فى تلك الآية سلطان الله وقدرته، وأخذه الأليم الشديد لمن يخرجون عن صراطه المستقيم..
الآيات: (38- 46)[سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 46]
وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (46)
التفسير:
قوله تعالى:
هو معطوف على قوله تعالى: «وَتَرَكْنا فِيها آيَةً» - أي وتركنا كذلك آية فيما كان بين موسى وفرعون..
والسلطان المبين الذي أرسل به موسى إلى فرعون، هو ما كان معه من آيات معجزة متحدية، كالعصا، واليد..
وقوله تعالى: «فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ» أي أعرض عن النظر فى هذه الآيات، معتزا بركنه، أي قوته وسلطانه.. والركن: ما يركن إليه الإنسان فى الملمات، ويحمى ظهره به، كما يقول تعالى على لسان لوط، مخاطبا قومه:«لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ» (80: هود) .. والجارّ والمجرور حال من الفاعل المستتر وهو «فرعون» ..
وقوله تعالى: «وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ» - حال أخرى من فرعون ساعة توليه وإعراضه عن دعوة الحق، التي يدعوه إليها موسى، أي تولى معتزّا بركنه وقوته، قائلا هذا القول الآثم فى موسى:«ساحر أو مجنون» .. وساحر خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو، أي موسى.. ولم يذكر موسى ظاهرا أو مضمرا، حماية له من أن يقال هذا القول المنكر فيه..
وقوله: «ساحر أو مجنون» - إشارة إلى أن هذا القول لم يكن من فرعون عن علم، وإنما هو رمية من رميات طائشة، يرمى بها من غير حساب أو تقدير..
فهو متردد فى الحكم الذي يحكم به على موسى.. ولكن لا بد من أن يصدر حكما، وبقول قولا..
وهذا شأن أهل الضلال، حين يقهرهم الحق، وتسقط من بين أيديهم الحجة على دفعه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى هذه السورة عن المشركين الذين قالوا مثل هذا القول فى رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه: «كَذلِكَ
ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ»
(الآيتان: 52- 53) ..
َأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ»
..
المراد بالأخذ هنا، الأخذ الذي يرد بصاحبه موارد الهلاك، وأخذ الله سبحانه لا يكون إلا حيث تقع نقمه، وينزل بلاؤه.. مثل قوله تعالى لفرعون:«فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى» (25: النازعات) ..
وقوله تعالى: َنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ»
أي ألقيناهم فى اليم، أي البحر، ونبذ الشيء، طرحه وإلقاؤه دون مبالاة..
وقوله تعالى: َ هُوَ مُلِيمٌ»
جملة حالية، تصف الحال التي كان عليها فرعون، حين نبذ هو وجنوده فى اليم..
والمليم. المستحق للّوم، وفعله: ألام: أي أوقع نفسه فيما يلام عليه..
وفى عود الضمير على فرعون وحده فى قوله تعالى: َ هُوَ مُلِيمٌ»
- إشارة إلى أنه هو وحده الذي يحمل وزره ووزر قومه، إذ كان هو داعيتهم إلى هذا الضلال.. أما قومه فإن كلا منهم يحمل وزر نفسه، لمتابعته الداعية الذي دعاه إلى هذا الضلال..
«وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ» ..
معطوف على قوله تعالى: «وَفِي مُوسى» - فهو عطف حدث على حدث..
والريح العقيم، هى الريح التي فسدت طبيعتها، فلا تلد خيرا أبدا، بل تلد الهلاك والدمار لمن تشتمل عليه، وتلفّه فى كيانها، والأصل فى الريح أنها
تجىء محمّلة بالخير، بل والحياة للأحياء كلها، إذ منها يتنفّس كل حى أنفاس الحياة.. ولكن هذه النعمة قد صارت نقمة على القوم الضالين..
وقوله تعالى: «ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ» - هو بيان لما تترك هذه الريح العقيم من آثار ومخلّفات وراءها.. إنها لا تترك شيئا تمرّ عليه إلّا دمّرته، وحطمته، وأتت على كل صالحة فيه، فيتحول إلى كيان بال متفتت.
والرميم: العظام البالية، والرّمة: الحبل البالي، والرّمّ: إصلاح الشيء البالي..
قوله تعالى:
هو معطوف كذلك على قوله تعالى: «وَفِي عادٍ» - عطف حدث على حدث، وقصّة على قصة..
أي وفى ثمود آية.. بما أخذهم الله به من نكال وعذاب..
فلقد كان القوم فى نعمة ظاهرة، وقوة متمكنة، إذ بوّأهم الله الأرض، وملّكهم القدرة على إثارتها وعمرانها، فاتخذوا القصور فى سهولها، ونحتوا البيوت فى جبالها، كما يقول سبحانه على لسان نبيهم «صالح» إذ يقول لهم:«وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً» (74: الأعراف) ..
وفى قوله تعالى: «إذ قيل لهم تمتعوا» - إشارة إلى هذه النّعم التي كان القوم فيها، وأنها تتيح لهم التمتع بحياة طيبة فيها، لو أنهم رعوها حق
رعايتها، ولم يلبسوا بها ثوب الغرور والجهالة، ولم يتخذوا منها سلاحا يحاربون به الله، ويحادّون رسوله..
ولم يقل لهم أحد تمتعوا، ولكنه لسان الحال إذ ما سيقت إليهم هذه النعم إلا ليعيشوا فيها، وليتمتعوا بها إلى أن تحين آجالهم..
وقوله تعالى: «حَتَّى حِينٍ» بيان للغاية التي يكون تمتع القوم فيها بهذه النعم، وأنها لا تنقطع عنهم حتى يحين أجلهم المقدور لهم عند الله..
وقوله تعالى: «فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ» العتوّ: التمرد والاستعلاء..
وقوله تعالى: «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ» - هو تعقيب على عتوّهم، وخروجهم عن أمر الله.. وأن هذا العذاب الذي أخذوا به، إنما هو لعتوّهم، وتمردهم على الله، وكفرهم به..
وقوله تعالى: «فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ» - أي حين نزل بهم العذاب، بهظهم، وكظم أنفاسهم.، ولم يجدوا معه قدرة على أن يقوموا لدفعه، والهروب من وجهه..
وقوله تعالى: «وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ» - أي وما كانوا منتصرين على هذا العذاب لو أنهم قاموا له، وتلقّوه بكل ما معهم من حول وحيلة..
قوله تعالى:
«وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ» ..
هو معطوف على المفعول به فى قوله تعالى: «فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ» ..
أي وكذلك أخذ العذاب قوم نوح من قبل هؤلاء الذين أخذهم الله سبحانه بعذابه.. «إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ» أي خارجين عن أمر ربهم، متجاوزين حدوده..