المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (29- 49) [سورة الطور (52) : الآيات 29 الى 49] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٤

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌(الآيات: (31- 37) [سورة الذاريات (51) : الآيات 31 الى 37]

- ‌الآيات: (38- 46) [سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 46]

- ‌الآيات: (47- 60) [سورة الذاريات (51) : الآيات 47 الى 60]

- ‌52- سورة الطور

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[البعث.. وعلى أية صورة يكون

- ‌الآيات: (17- 28) [سورة الطور (52) : الآيات 17 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 49) [سورة الطور (52) : الآيات 29 الى 49]

- ‌53- سورة النجم

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 18) [سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 30) [سورة النجم (53) : الآيات 19 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 55) [سورة النجم (53) : الآيات 31 الى 55]

- ‌[الّلمم.. والمعفوّ منه]

- ‌الآيات: (56- 62) [سورة النجم (53) : الآيات 56 الى 62]

- ‌54- سورة القمر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[النبي.. وانشقاق القمر]

- ‌الآيات: (9- 42) [سورة القمر (54) : الآيات 9 الى 42]

- ‌الآيات: (43- 55) [سورة القمر (54) : الآيات 43 الى 55]

- ‌55- سورة الرحمن

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 13) [سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الرحمن.. ونظمها]

- ‌الآيات: (14- 32) [سورة الرحمن (55) : الآيات 14 الى 32]

- ‌الآيات: (33- 61) [سورة الرحمن (55) : الآيات 33 الى 61]

- ‌الآيات: (62- 78) [سورة الرحمن (55) : الآيات 62 الى 78]

- ‌56- سورة الواقعة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (1- 26) [سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 40) [سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 56) [سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 74) [سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 96) [سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 96]

- ‌57- سورة الحديد

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 11) [سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 15) [سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 20) [سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 24) [سورة الحديد (57) : الآيات 21 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 29) [سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[المسيحية رأفة ورحمة.. ثم ماذا؟] أمريكا والمسيح

- ‌58 سورة المجادلة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 10) [سورة المجادلة (58) : الآيات 7 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 13) [سورة المجادلة (58) : الآيات 11 الى 13]

- ‌الآيات: (14- 22) [سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 22]

- ‌59: سورة الحشر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 10) [سورة الحشر (59) : الآيات 6 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 17) [سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 17]

- ‌الآيات: (18- 24) [سورة الحشر (59) : الآيات 18 الى 24]

- ‌(أسماء الله الحسنى)

- ‌60- سورة الممتحنة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 3) [سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌الآيات: (4- 9) [سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 13) [سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 13]

- ‌61: سورة الصّفّ

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 14) [سورة الصف (61) : الآيات 7 الى 14]

- ‌62- سورة الجمعة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 4]

- ‌الآيات: (5- 8) [سورة الجمعة (62) : الآيات 5 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 11) [سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌63- سورة «المنافقون»

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 11) [سورة المنافقون (63) : الآيات 7 الى 11]

- ‌64- سورة التغابن

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 4]

- ‌الآيات: (5- 10) [سورة التغابن (64) : الآيات 5 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 18) [سورة التغابن (64) : الآيات 11 الى 18]

- ‌65- سورة الطلاق

- ‌الآيات: (1- 7) [سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 12) [سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌66- سورة التحريم

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 9) [سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 12) [سورة التحريم (66) : الآيات 10 الى 12]

الفصل: ‌الآيات: (29- 49) [سورة الطور (52) : الآيات 29 الى 49]

‌الآيات: (29- 49)[سورة الطور (52) : الآيات 29 الى 49]

فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (33)

فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (38)

أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)

وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)

وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (49)

ص: 570

التفسير:

قوله تعالى:

«فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ» .

مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآيات السابقة، عرضت مشاهد القيامة وما يلقى المكذبون الضالّون هناك من عذاب وهوان، وما يتلقّى المؤمنون المتقون من رضوان الله، وجنات لهم فيها نعيم مقيم..

وهنا تجىء الآية الكريمة، والآيات التي بعدها، لتواجه الناس جميعا مرة أخرى، بالدعوة الإسلامية، وبرسولها الكريم الذي يدعو بها، بعد أن نقلتهم فى لمحة خاطفة إلى الدار الآخرة وأرتهم منازلهم هناك، وما يجزون به عن أعمالهم، من محسنين ومسيئين.

ولا شك أن مواجهة الناس هنا بالدعوة الإسلامية، بعد هذه المشاهد التي شهدوها من يوم القيامة- لا شك أن هذه المواجهة ستلقى الناس على حال غير الحال التي كانوا عليها من قبل، وقد رأوا النار وسعيرها، والجنة ونعيمها.

وقوله تعالى: «فذكّر» هو دعوة للنبى أن يواجه الناس بدعوته، وأن يتلو عليهم آيات ربه، وأن يؤذّن فيهم بقوله تعالى:«قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» (158: الأعراف) .. فهذا هو موقف النبي دائما لا يتحول عنه، ولا يعدل به عن مقامه فيه، ما يلقى من أذى وضرّ، وما يسمع من سفاهة السفهاء، وجهل الجاهلين.. «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ، (55:

الذاريات) .

وقوله سبحانه. «فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ» أي فما أنت

ص: 571

بما أنعم الله به عليك بهذا الكتاب الذي بين يديك بكاهن ولا مجنون كما يتخرض بذلك المتخرصون، ويفترى المفترون، فيقولون فيك هذا القول الفاجر الآثم.. والكاهن: من يدعى التنبؤ بعلم الغيب، وبما سيقع فى مستقبل الأيام فالباء فى قوله تعالى:«بِنِعْمَةِ رَبِّكَ» - للسببية، كما فى قوله تعالى:«قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ» (17. القصص) .

قوله تعالى:

«أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ» .

هو إضراب عن مقولات المشركين فى النبي، بأنه شاعر، أو كاهن، وانتقال إلى مقولة أخرى يقولونها فى النبي، وهو قولهم «شاعر» .. فهم يلقون بهذه الأباطيل من غير أن يقوم عندهم دليل عليها، وإنما هى رميات طائشة عمياء، يلقون بها بلا حساب أو تقدير.. شأن من يحارب عدوّا متوهما، فيرمى بكل ما يقع ليده إلى كل اتجاه، فرارا من هذا الخطر المتوهم، سواء أصابت هذه الرميات عدوّا، أم صديقا..

وقوله تعالى: «نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ» هو أمنية من تلك الأمانى التي يعيش بها المشركون مع النبي، وتعلّة يتعللون بها، وهى أن ينتظروا به موتا يختطفه من بينهم، ويريحهم منه.. فتلك أمنية يتمنونها، ويعلقون آمالهم بها.

وقوله تعالى: «قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ» - هو ردّ على ما ينتظرون فى النبي من موت يريحهم منه.. «تربصوا» أي انتظروا: «فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ» أي منتظر لما تأتى به الأيام فىّ وفيكم.. فالأمر فى هذا على سواء بينهم وبينه، إذ للموت حكم واقع عليهم وعليه. والله سبحانه وتعالى يقول:«وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ؟» (34: الأنبياء) ويقول سبحانه «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ» (30: الزمر) .

ص: 572

قوله تعالى:

«أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ» .

هو استفهام يراد به تسفيه عقول هؤلاء الذين يقولون هذا القول الأحمق، الذي لا يقبله عقل، ولا ينطق به عاقل، وهو التربص والانتظار للموت الذي يتمنونه للنبى.

وفى التعبير عن معطيات عقولهم، بالأمر، وبأنها تملى عليهم هذا القول وتأمرهم به- إشارة إلى أنهم كيان منفصل عن تلك العقول، التي تفيض بالوساوس والأوهام، وأن كل ما يطرقهم من أوهام هذه العقول ووساوسها، لا يجد منهم إلا ألسنة تردد هذه الأوهام وتلك الوساوس، دون أن يكون لهم سلطان عليها، أو تحكّم فيها، وذلك على غير ما يفعل العقلاء الذين يتدبرون أمرهم بينهم، وبين خطرات نفوسهم، ووساوس عقولهم.

وقوله تعالى: «أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ» هو إضراب عليهم، وعلى عقولهم جميعا، وأنهم كيان من الطغيان، يندفع كما تندفع الحمر المستنفرة، فرّت من قسورة، لا إرادة معها، ولا اختيار لها فى الوجهة التي تأخذها فى فرارها.

قوله تعالى:

«أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ.. بَلْ لا يُؤْمِنُونَ» .

استفهام آخر، يكشف عن جريمة أخرى من جرائمهم، ويواجههم بضلالة من ضلالاتهم، وهى قولهم فى النبي: إنه افترى هذا القول الذي يحدّثهم به، ويقول لهم عنه إنه كلام الله!!.

وقوله تعالى: «بَلْ لا يُؤْمِنُونَ» - حكم عليهم بأنهم لن ينتفعوا بهذا القرآن، ولا يهتدون به، ولا يكونون فى المؤمنين أبدا.. وهذا حكم واقع

ص: 573

على أولئك الذين أدركهم الإسلام من المشركين، ومانوا على شركهم، محادّين لله ورسوله.. ومنهم قتلى بدر، الذين بلغوا سبعين قتيلا..!. وهذا من أنباء الغيب التي حملت آيات الله كثيرا منها.

قوله تعالى:

«فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ» .

هو ردّ متحدّ لهؤلاء المشركين، الذين يتهمون النبي بالكذب والتقوّل على الله، وذلك بأن يأتوا بحديث مفترى، مثل هذا القرآن، إن كانوا صادقين فى دعواهم تلك.. فإن يفعلوا- ولن يفعلوا- فذلك هو مقطع القول بينهم وبين النبي.

قوله تعالى:

«أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ» .

هو انتقال بالقضية التي تتصل بالقرآن، وبمقولاتهم فيه، بعد أن دعاهم إلى التحدّى فلم يقوموا له- انتقال إلى ميدان آخر من ميادين المحاجّة.. فليدعوا هذا القرآن، وليدعوا ما يحدّثهم به النبي منه.. ثم لينظروا فى أنفسهم، وليجيبوا على هذا السؤال: أخلقوا من غير شىء؟ فمن أين إذن جاءوا إلى هذه الدنيا؟

ومن صوّرهم على تلك الصورة التي هم فيها؟ أخلقوا هم أنفسهم؟ أصوروا هذه النّطف التي بدأت بها مسيرتهم فى الحياة فى أرحام أمهاتهم؟ إنه لا جواب إلا الصمت المطبق والوجوم الحائر! قوله تعالى:

«أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ.. بَلْ لا يُوقِنُونَ» .

وإذا لم يكن لهم أن يقولو إنهم خلقو أنفسهم، فهل لهم أن يقولوا إنهم

ص: 574

خلقوا السموات والأرض؟ ذلك أبعد وأغرب..!

وقوله تعالى: «بَلْ لا يُوقِنُونَ» - هو استدراك على سؤال يرد على قوله تعالى:

«أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ؟» وهذا السؤال هو: وهل ينكر المشركون أن الله هو الذي خلق السموات والأرض؟ وكيف والله سبحانه وتعالى يقول عنهم: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ» (9: الزخرف) فكيف يسألون هنا هذا السؤال الذي فيه اتهام لهم بالقول بأن للسموات والأرض خالقا غير الله؟ فكان قوله تعالى: «بَلْ لا يُوقِنُونَ» دافعا لهذا الذي يقع فى الوهم من تعارض بين سؤالهم سؤال المتهم، فى قوله تعالى:«أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ» وبين إقرارهم بما يدفع هذه التهمة عنهم فى قوله تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ» .

(25: لقمان) وذلك أن قوله تعالى: «بَلْ لا يُوقِنُونَ» يكشف عن حقيقة إقرارهم بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض.. فهو إقرار لا يقوم على استدلال وبحث، ونظر.. ومن ثمّ فلا يقع منهم موقع اليقين.. فلم يكن إقرارهم بما أقروا به، إلّا عن قهر واضطرار، إذ لم يجدوا بدّا من التسليم بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض! أمّا هذا الخالق، وقدرته، وعلمه وحكمته وسلطانه، فلم يكن له مفهوم واضح يقوم على إدراك سليم عندهم.. ولو كان هذا الإقرار قائما على إدراك صحيح، وفهم سليم، لكانوا مؤمنين به، مصدقين لرسوله، مؤمنين بآيات الله التي بين يديه.. وهكذا كل قول لا يقوم على علم لا يبعث فى صاحبه يقينا بمفهوم هذا القول، ولا يحدث فى نفسه أثرا يثير وجدانه، ويحرك مشاعره، ويؤثر فى منازعه.. فهذا هو كلام الله، يمسك بالحقائق من أطرافها جميعا:«وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً» (82: النساء) .

ص: 575

قوله تعالى:

«أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ» .

سؤال آخر، يسأله المشركون، وهم فى موقف الاتهام بالشرك بالله، وضلالهم الطريق إليه..

والسؤال هنا عمّا يمكن أن يكون لهم من دعوى يدّعونها فيما بين يدى الله من خزائن ملكه، ومن تصرّفه فيما تضم هذه الخزائن من منن وعطايا، ومن رحمة وإحسان.

أعندهم مفاتح هذه الخزائن؟ أهم المسيطرون عليها، المتصرفون فيها؟ وإذا لم يكن لهم شىء من هذا، فلم إذن ينكرون على الله أن يمنّ بفضله على من يشاء من عباده؟ ولم إذن ينكرون أن يكون لله سبحانه الخترة فى اصطفاء من يصطفى من خلقه للسفارة بينه وبين الناس؟ ولم يقولون هذا القول المنكر فى النبي.. «أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا؟ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ» ؟ (25: القمر) وكيف تبلغ بهم الجرأة أن يقولوا: «لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ؟» وقد رد الله سبحانه قولهم هذا بقوله: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ؟» (31، 32 الزخرف) .

قوله تعالى:

«أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ» .

وسؤال اتهام أيضا.. يقال لهم فيه: من أين جئنم بهذه المقولات الباطلة التي تقيمون منها دينا تدينون به، فتجعلون من الملائكة، والجنّ، والنجوم، والكواكب- آلهة تعبدونها من دون الله؟ أمعكم بهذا كتاب من عند الله؟

أم كان لكم سلم وصل بينكم وبين الملأ الأعلى، فتلقّيتم منه هذه المقولات التي

ص: 576

تقولونها؟ إن يكن أحد منكم فعل هذا، فليأت بحجة بين يدى دعواه تلك، وإلّا فهو الكاذب المفترى.. أما من يقول لكم هذا كلام الله أتلوه عليكم، وهذه رسالته أبلغكم إياها، ثم يقدم لكم مع قوله هذا، الدليل الناطق، والحجة الدامغة، فهو الصادق الأمين:«وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ» (117: المؤمنون) .

قوله تعالى:

«أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ؟» .

وهذا سؤال اتّهام كذلك، لهؤلاء المشركين:

إذا كان قد صحّ لديكم أن الملائكة بنات الله، وأنكم إنما تعبدون بنات الله تقربا إلى الله، ليكونوا شفعاء لكم عنده- فهل نسبتكم البنات إلى الله، مما يتفق مع منطقكم الذي تعيشون به، والذي تقيمون فيه البنات عندكم على ميزان شائل، تخفّ به كفتهم إزاء كفة البنين، بل إنه لا يكاد يقام لهم ميزان أصلا عند كثير منكم؟ أفلا كان يقضى عليكم منطقكم هذا- إذا كنتم تريدون لله توقيرا- أن تجعلوا الملائكة- وقد نسبتموهم إلى الله نسبة بنوة- ذكورا لا أناثا، وبنين، لا بنات؟ وفى هذا يقول سبحانه:«وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى.. لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ» (62: النحل) .

قوله تعالى:

«أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ» ؟

وتهمة أخرى يسألون جوابهم عنها:

ماذا يضيرهم من هذه الدعوة التي يدعوهم الرسول إليها؟ وماذا

ص: 577

يضارّون به من هذه الرحمة المرسلة إليهم؟ أيسألهم الرسول على ذلك أجرا يثقل به كاهلهم، ويجوز على ما فى أيديهم من مال أو متاع؟ إنه لا جواب..

فما سألهم الرسول شيئا من حطام الدنيا، ولا أقام نفسه سلطانا عليهم، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى:«قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ» (86- 87 ص) ..

قوله تعالى:

«أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ» ؟.

أي أعندهم علم من الغيب، فهم يخرجون منه هذه المقولات التي يقولونها، ويجعلون منها دينا يردّون به دين الله الذي يدعوهم الرسول إليه؟

ولا جواب أيضا..

«أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالًا وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً؟ كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً» (77- 80: مريم) .

قوله تعالى:

«أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً؟ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ» ..

أي أيريدون بهذا الخلاف على النبي، والتولّى عنه، والتصدي لدعوته- أيريدون بهذا كيدا للنبى، وإساءة إليه؟ إنهم بهذا إنما يكيدون لأنفسهم، ويحرمونها هذا الخير الكثير الممدود إليهم، وإنهم بهذا لهم الخاسرون فى الدنيا والآخرة جميعا..

قوله تعالى:

«أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ؟ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ» ..

ص: 578

وإنهم إذا انصرفوا عن دعوة هذا النبي، وعبدوا إلها غير الله الذي يدعوهم إلى عبادته- أهناك إله آخر غير الله يولّون وجوههم إليه؟ سبحان الله، وتعالى، وتنزه، عما يشركون به من آلهة..

قوله تعالى:

«وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ» ..

هو تهديد لهؤلاء المشركين، ببلاء ينزل عليهم من السماء، التي افتروا عليها، وكذّبوا بآيات الله المنزلة عليهم منها.. فإن السماء التي تتنزل بالهدى والرحمة، يمكن أن تتنزل كذلك بالرجوم والصواعق والمهلكات..

وإنه كما ضل هؤلاء المشركون عن آيات الله، فلم يتبينوا وجه الحق المبين فيها، وحسبوا ما فيها من خير وهدى، أنه شر وبلاء- كذلك اختلط عليهم الأمر فى هذا البلاء النازل عليهم من السماء، فحسبوه خيرا وظنوه رحمة هاطلة، وغيثا مدرارا.. وهكذا تتحول الحقائق عندهم إلى نقائضها..

فالخير يرونه شرا، والشر يحسبونه خيرا.. «وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ» (41:

المائدة) ..

والكشف: - كما يقول الراغب- جمع كسفة، وهى القطعة من السحاب أو القطن، ونحو ذلك من الأجسام المتخلخلة.

والمركوم: أي المتراكم، والركام ما يلقى بعضه على بعض..

قوله تعالى:

«فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ» ..

ص: 579

وماذا يفعل بأهل الضلال غير أن يتركوا لضلالهم، ولما يؤدّى بهم إليه هذا الضلال من هلاك، مبير وبلاء عظيم، بعد أن جاءتهم النذر، وعرضت عليهم المثلاث، وقامت بين أيديهم الحجج؟ فليتركوا وما تمليه عليهم عقولهم الفاسدة، وأهوؤهم المهلكة..

واليوم الذي يصعقون فيه، هو يوم القيامة، حيث تأخذهم صواعقه، وتغشاهم النار من فوقهم ومن تحت أرجلهم..

قوله تعالى:

«يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ» .

أي فى هذا اليوم الذي ينتظرهم بالصواعق والعذاب الأليم- فى هذا اليوم، لا يجدون من هذا الكيد الذي يكيدونه للنبى شيئا ينتفعون به، بل إنه سيكون عليهم حسرة ووبالا، حيث لا ناصر لهم ينصرهم من بأس الله، ويدفع عنهم العذاب المحيط بهم.

قوله تعالى:

«وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» ..

هو وعيد لتلك الطّغمة الظالمة الطاغية من هؤلاء المشركين، والذين تولّوا كبر هذا الموقف، الآثم، الذي يقفه المشركون من النبي، ومن آيات الله، التي يتلوها عليهم- فهؤلاء الظالمون الطّاغون، لهم- فوق العذاب الراصد لهم فى الآخرة- عذاب معجّل فى هذه الدنيا، هو ما يلقاهم فى يوم بدر وغيره، من قتل، ومن خزى، ومن حسرة تتقطع

ص: 580

لها أكبادهم، حين يرون دين الله وقد علت رايته، وعزّ سلطانه..

وفى قوله تعالى: «وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» - إشارة إلى أن أكثر هؤلاء المشركين الظالمين الطاغين، لا يعلمون هذا من أمر دين الله، وأنه ذو سلطان غالب، أمّا قليل منهم، فقد كان يعلم هذه الحقيقة، ويتوقع هزيمة الشرك، وخزى المشركين، ولكنه كان يمسك بشركه، أنفة، وحميّة واستعلاء..

قوله تعالى:

«وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ» ..

بهذه الآية تختم السورة، داعية النبي إلى أن يصبر على عناد قومه، وما يسوقون من كيد له.. فهذا موقف أراده الله وقضى به، ليبتلى به ما فى الصدور، وليمحّص ما فى القلوب، وليجزى المؤمنين منه جزاء حسنا..

واللام فى قوله تعالى: «لِحُكْمِ رَبِّكَ» هى لام العاقبة، أي اصبر إلى أن يحكم الله بينك وبين قومك، وإنه لحكم ينتصر فيه الحق على الباطل، وتعلو فيه كلمة المحقّين على المبطلين..

وقوله تعالى «فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا» تطمين لقلب النبي الكريم، وأنه ملحوظ بعين الله سبحانه وتعالى، محفوف بعنايته.. ترعاه عين الله وتحرسه.

وقوله تعالى: «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ» دعوة للنبى أن يذكر ربه، ويسبح بحمده على هذه الرعاية الربانية التي يفيضها الله

ص: 581

سبحانه وتعالى عليه.. والمراد بقوله تعالى: «حِينَ تَقُومُ» أي حين تقوم مقامك بين الناس فى الحياة، وذلك من أول النهار- إلى آخره..

وبقوله تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ» أي ومن بعض الليل، فسبح بحمد ربك.. وبقوله:«وَإِدْبارَ النُّجُومِ» أي مطلع الفجر، بعد أن يغلب ضوءه أضواء النجوم، فتولى النجوم أدبارها، منهزمة أمام هذا الضوء الذي يغزوها بجيشه الزاحف الذي لا يهزم..

هذا، ويدخل فى هذا التسبيح بحمد الله فى تلك الأوقات- الصلوات الخمس المفروضة.. فيدخل فى قوله تعالى:«حِينَ تَقُومُ» صلاة النهار، وهى الظهر والعصر، وفى قوله تعالى:«وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ» - صلاة المغرب والعشاء وفى قوله تعالى: «وَإِدْبارَ النُّجُومِ» صلاة الصبح..

ص: 582