الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للخير، ومن كل مثن على الحق والعدل والإحسان. وإنه- صلوات الله وسلامه عليه- ما استحق أن يكون «محمدا» حتى كان أحمد، وحامدا، وحمّادا، ومحمودا.. فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من أنبياء الله ورسله أجمعين..
الآيات: (7- 14)[سورة الصف (61) : الآيات 7 الى 14]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14)
التفسير:
قوله تعالى:
الاستفهام هنا، مراد به النفي، أي لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب..
إنه أظلم الظالمين، لأنه يفترى على الله، فى حال يدعى فيها إلى الإسلام، وتقوم بين يديه أمارات الحق، وشواهد الهدى، فيفترى الكذب، أي يختلقه اختلاقا، ثم يرمى بهذا الكذب المفترى فى وجه الحق، بلا حياء..
وقوله تعالى: «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» هو تعقيب على هذه الجريمة التي يقترفها هؤلاء المجرمون، الذين يبهتون الحق، ويكابرون فى إنكاره..
إنهم أظلم الظالمين، لأنهم ضلّوا عن الحق لم يقبلوه، ثم إنهم إذ لم يقبلوا هذا الحق الذي دعوا إليه- رجموه بالزور والبهتان.. فهم ظالمون، ظالمون.. «والله لا يهدى القوم الظالمين» الذين تأبى طبائعهم أن تستجيب للهدى، وتسكن إليه..
والقوم الظالمون هنا، هم «اليهود» ، الذين رفضوا دعوة السيد المسيح، والذين لم يقفوا عند حدّ الرفض، بل بهتوه، وكذبوه.. وإنه كما دعا المسيح آباء هؤلاء اليهود إلى الإسلام الذي هو دين الله فكذبوه، وأنكروا عليه دعوته- كذلك فعل أبناؤهم هؤلاء، الذين دعاهم «محمد» عليه السلام إلى الإسلام، فافتروا الكذب، وأنكروا أنه رسول الله.. وكما ضلّ الآباء، كذلك ضل الأبناء..
قوله تعالى:
نور الله، هو الحق الذي يحمله رسل الله، ويبشرون به فى الناس..
أي أن هؤلاء القوم الظالمين يريدون بافترائهم الكذب، وتعمدهم له- إطفاء نور الله، وهو القرآن الكريم، وما يدعو إليه..
واللام فى قوله تعالى: «ليطفئوا» هى لام العاقبة، أي يريدون الافتراء ويحملون أنفسهم عليه، ليطفئوا نور الله بأفواههم.. فافتراؤهم الكذب لغاية يريدونها، هى لإطفاء نور الله.. وعلى هذا المعنى جاء قول قيس بن الملوح (مجنون ليلى) :
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
…
تمثّل لى ليلى بكل سبيل
أي أريد البعد عنها، والانفراد بنفسي فى الخلوات، لكى أنسى ذكرها، ولكن وجودها يصحبنى حيثما أكون..
وفى قوله تعالى: «بأفواههم» - إشارة إلى الكذب والافتراء الذي تتفوه به أفواههم، فكأن هذه الكلمات الآثمة التي تخرج من أفواههم- هى نفثات تخرج من صدور مغيظة محنقة، ينفخون بها فى هذا المصباح الهادي، ليطفئوا نوره..
قوله تعالى: «وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» .. هو تعقيب على موقف هؤلاء المفترين من نور الله، ومن دينه الذي يدعو إليه رسول الله..
فهذا النور سوف يبسط سلطانه على الآفاق كلها، وسيبلغ به الله سبحانه وتعالى تمام كماله، وإن كره الكافرون هذا، وإن احترقت أكبادهم حسرة وكمدا، لما
سيبلغه هذا الدّين من قوة وسلطان.. وتمام نور الله إنما يكون حين يطلع على آفاق الأرض جميعها، ويبسط سلطانه على كل صقع من أصقاعها. وهذا يعنى أن الإسلام سيكون يوما، هو دين الله على هذه الأرض.. فذلك هو تمام نور الله الذي وعد الله سبحانه وتعالى به.
قوله تعالى:
أي أن الله سبحانه وتعالى، هو الذي أرسل رسوله «محمدا» بالهدى، ودين الحق، ليظهر هذا الدين، ويعليه على الدين كله، وهو ما سبقه من أديان، ولو كره المشركون هذا الظهور لدين الله..
وفى هذه الآية وعد من الله سبحانه وتعالى بنصر هذا الدين، وبسط سلطانه على كل دين، لأنه الحق، الذي بلغ بالدين غاية كماله وتمامه.. إنه نور الله، والله متم نوره..
قوله تعالى:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ» .
هو نداء من الله سبحانه وتعالى إلى هؤلاء المؤمنين، الذين استجابوا لله ولرسوله، ودانوا بهذا الدين، وهو دعوة لهم إلى تجارة تنجيهم من عذاب أليم فى الدنيا والآخرة..
قوله تعالى:
هو بيان لهذه التجارة التي دعا الله سبحانه وتعالى المؤمنين إليها، وأمرهم بالاتجار فيها.. وهى الإيمان بالله وبرسول الله، والجهاد فى سبيل الله بالأموال والأنفس..
ففى هذه التجارة الربح العظيم، والخير العميم، الذي يقع لأيدى المتجرين بها، لو كانوا يعلمون ما يكون لهم من ورائها، من خير..
ودعوة المؤمنين إلى الإيمان بالله ورسوله، هو دعوة إلى إيمان خالص من الريب، مبرأ من الشرك.. فليس كل من دخل فى الإيمان كان مؤمنا حقّا..
وسمّى هذا الإيمان، وهذا الجهاد، تجارة، لأن التجارة عطاء وأخذ، وأعيان تقدّم للبيع، وثمن يؤخذ فى مقابل هذه الأعيان.. والمؤمنون بالله ورسوله، يقدمون أموالا وأنفسا، ويأخذون فى مقابل ما يقدمون ما يجزيهم الله سبحانه وتعالى عليه، من رضوان، وجنات لهم فيها نعيم مقيم.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ.. فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (111: التوبة) ..
وقوله تعالى:
هو جواب لشرط مقدّر دلّ عليه ما فى الآية السابقة من الدعوة إلى الإيمان بالله ورسوله، والجهاد فى سبيله.. أي إن استجبتم لهذه الدعوة التي دعيتم إليها- أيها المؤمنون- يغفر الله لكم ذنوبكم. ويسترها عليكم، فلا ترونها بعد أن محاها الله، وطهّركم منها بمغفرته، ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار،
وينزلكم فيها مساكن طيبة، تطيب لكم الحياة فيها، فلا تتحولون عنها أبدا.. وذلك هو الفوز العظيم، الذي لا يعدله فوز، فيما عرفتم فى الحياة الدنيا..
قوله تعالى:
«وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» أي ولكم مع هذا الفوز العظيم بجنات النعيم فى الآخرة- رغيبة أخرى تحبونها، وتتطلعون إليها، تلك هى ما ستلقون من نصر من الله، ومن فتح قريب، بما يفتح الله لكم فى هذه الدنيا من فتوح، وما يمكّن لكم من نصر على أعدائكم.. وقد حقق الله للمؤمنين ما وعدهم به من نصر وفتح، فقد انتصروا على أعدائهم من المشركين وللكافرين، وفتحوا معاقل الشرك، ودانت لهم مواطن المشركين، فيما وقع لهؤلاء المؤمنين من فتح خيبر، ومن إجلاء اليهود من المدينة، ومن فتح مكة.. ثم ما تلا ذلك من فتوح لمملكتى الفرس والروم..
وقوله تعالى: «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» .. هو أمر سماوى من الله سبحانه وتعالى للنبى الكريم أن يبشر المؤمنين بهذا الوعد الذي وعدهم الله إياه، وأن يكشف لهم عن مواقع هذا النصر والفتح القريب.. وقد بشّر النبي الكريم أصحابه بما سيلقاهم على طريق الإسلام من نصر وفتح.. وفى هذا ما يدخل الطمأنينة والرضاء على قلوب المؤمنين، ويمدّهم بأمداد السكينة والصبر على ما كانوا يعانون من شدة وضيق، وما كانوا يلقون من كيد وبلاء..
قوله تعالى:
هو دعوة أخرى إلى المؤمنين أن يكونوا أنصار الله، بأن يخلصوا وجودهم كلّه لله.. والصورة المثلى لهذا الإيمان، هو إيمان الحواريين، الذين كانوا أول المؤمنين بالمسيح، وهم اثنا عشر حواريّا.. فقد سبقوا إلى الإيمان، واحتملوا الصدمة الأولى التي صدم بها اليهود دعوة المسيح.. ومطلوب من هؤلاء المؤمنين السابقين من أتباع محمد، أن يكونوا فى إيمانهم على هذا الإيمان، يحتملون فيه ما احتمل الحواريون من ألوان الكيد والمكر، ومن صنوف البلاء والشدة..
وأنصار الله، هم الذين ينصرون دين الله، ويبذلون أنفسهم وأموالهم فى سبيله..
وقوله تعالى: «فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ» .. أي أنه بهؤلاء الحواريين الذين قاموا لنصر دين الله، وبجهادهم فى سبيله- قد آمنت طائفة من بنى إسرائيل، وكفرت طائفة، كما كان الحال فى مبدأ الدعوة الإسلامية، حيث آمن بإيمان الذين سبقوا إلى الإيمان، وجاهدوا فى سبيل الله- آمن بعض المشركين، وكفر بعض..
ثم كانت الخاتمة أن اندحر الذين كفروا بالمسيح، وأصبحت للمؤمنين به الغلبة عليهم، إلى يوم القيامة، كما يقول الله تعالى:«يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ» (55: آل عمران) .. وهكذا ظل اليهود الذين كفروا بالمسيح تحت يد المؤمنين منذ المسيح إلى اليوم، وإلى ما بعد اليوم.. سواء منهم المؤمنون بالمسيح الذين آمنوا به إلى ظهور النبي- صلوات الله وسلامه عليه- أو المؤمنون الذين آمنوا برسول الله، فهم مؤمنون كذلك بالمسيح.. وهكذا ينتصر الذين آمنوا برسول الله على الذين كفروا به، وتكون لهم اليد العليا عليهم أبد الدهر
…
إلى يوم القيامة.