المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (12- 15) [سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٤

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌(الآيات: (31- 37) [سورة الذاريات (51) : الآيات 31 الى 37]

- ‌الآيات: (38- 46) [سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 46]

- ‌الآيات: (47- 60) [سورة الذاريات (51) : الآيات 47 الى 60]

- ‌52- سورة الطور

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[البعث.. وعلى أية صورة يكون

- ‌الآيات: (17- 28) [سورة الطور (52) : الآيات 17 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 49) [سورة الطور (52) : الآيات 29 الى 49]

- ‌53- سورة النجم

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 18) [سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 30) [سورة النجم (53) : الآيات 19 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 55) [سورة النجم (53) : الآيات 31 الى 55]

- ‌[الّلمم.. والمعفوّ منه]

- ‌الآيات: (56- 62) [سورة النجم (53) : الآيات 56 الى 62]

- ‌54- سورة القمر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[النبي.. وانشقاق القمر]

- ‌الآيات: (9- 42) [سورة القمر (54) : الآيات 9 الى 42]

- ‌الآيات: (43- 55) [سورة القمر (54) : الآيات 43 الى 55]

- ‌55- سورة الرحمن

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 13) [سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الرحمن.. ونظمها]

- ‌الآيات: (14- 32) [سورة الرحمن (55) : الآيات 14 الى 32]

- ‌الآيات: (33- 61) [سورة الرحمن (55) : الآيات 33 الى 61]

- ‌الآيات: (62- 78) [سورة الرحمن (55) : الآيات 62 الى 78]

- ‌56- سورة الواقعة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (1- 26) [سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 40) [سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 56) [سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 74) [سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 96) [سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 96]

- ‌57- سورة الحديد

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 11) [سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 15) [سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 20) [سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 24) [سورة الحديد (57) : الآيات 21 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 29) [سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[المسيحية رأفة ورحمة.. ثم ماذا؟] أمريكا والمسيح

- ‌58 سورة المجادلة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 10) [سورة المجادلة (58) : الآيات 7 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 13) [سورة المجادلة (58) : الآيات 11 الى 13]

- ‌الآيات: (14- 22) [سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 22]

- ‌59: سورة الحشر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 10) [سورة الحشر (59) : الآيات 6 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 17) [سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 17]

- ‌الآيات: (18- 24) [سورة الحشر (59) : الآيات 18 الى 24]

- ‌(أسماء الله الحسنى)

- ‌60- سورة الممتحنة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 3) [سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌الآيات: (4- 9) [سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 13) [سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 13]

- ‌61: سورة الصّفّ

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 14) [سورة الصف (61) : الآيات 7 الى 14]

- ‌62- سورة الجمعة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 4]

- ‌الآيات: (5- 8) [سورة الجمعة (62) : الآيات 5 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 11) [سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌63- سورة «المنافقون»

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 11) [سورة المنافقون (63) : الآيات 7 الى 11]

- ‌64- سورة التغابن

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 4]

- ‌الآيات: (5- 10) [سورة التغابن (64) : الآيات 5 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 18) [سورة التغابن (64) : الآيات 11 الى 18]

- ‌65- سورة الطلاق

- ‌الآيات: (1- 7) [سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 12) [سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌66- سورة التحريم

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 9) [سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 12) [سورة التحريم (66) : الآيات 10 الى 12]

الفصل: ‌الآيات: (12- 15) [سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

سبيل الله- فى هذا إشارة إلى أن الإنفاق ليس مقصورا على المال وحده، وإنما هو إنفاق من النفوس، وبذلها فى سبيل الله.. فمن لم يكن ذا مال لم يحرم اللّحاق بالمنفقين من أموالهم، وذلك بالإنفاق من ذات نفسه، ومن كان ذا مال لم يمنعه الإنفاق من ماله أن ينفق من ذات نفسه، فيجمع إحسانا إلى إحسان، وقد يكون الإنفاق إلى جانب النفس والمال، إنفاقا من حصافة الرأى، وحسن التدبير، والنّصح للمؤمنين..

قوله تعالى:

«مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» هو دعوة كريمة من رب كريم، إلى أن يقرضه المؤمنون مما أعطاهم، فيضاعف لهم هذا القرض، ويجزيهم عليه الجزاء الأوفى..

وإنه ليس بعد هذا عذر لمعتذر ممن يؤمنون بالله واليوم الآخر فى ألّا يجيبوا دعوة الله سبحانه وتعالى، وألّا ينفقوا مما خولهم إياه، وجعله ملكا خالصا لهم، فيأخذ منهم ما أنفقوا أخذ المقترض، الذي يشكر لمقرضه، ويحمد صنيعه معه.. فسبحانه سبحانه من رب بر رحيم!!! والقرض الحسن، هو أن يكون من مال مكتسب من حلال، وأن يكون من أكرم مال المنفق وآثره عنده، وأن يخرجه من يده عن طيب خاطر، ورضا نفس، وأن يكون الإنفاق والنفس راغبة فى الحياة، مقبلة عليها، لا بعد أن يهرم المرء ويذهب شبابه، وتنطفىء حدة رغباته، وشهواته..

‌الآيات: (12- 15)[سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (13) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)

ص: 757

التفسير قوله تعالى:

«يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» .

الظرف هنا متعلق بقوله تعالى فى الآية السابقة: «فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» أي أن الذي يقرض الله قرضا، فيضاعفه الله سبحانه وتعالى له، ويعطيه الأجر الكبير عليه- إنما يجد ذلك يوم القيامة، يوم ترى- أيها الرائي فى ذلك اليوم- المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم..

والمراد بالنور- والله أعلم- هو الإيمان، وما يتبعه من الأعمال الصالحة، حيث يكون هذا الإيمان نورا هاديا لأصحابه إلى الجنة.. كما يقول سبحانه:«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ» . (9: يونس)

ص: 758

والنور الذي فى أيمان المؤمنين والمؤمنات يومئذ، هو صحف أعمالهم التي يتناولونها بأيمانهم. فتكون أمارة من أمارات السلامة والنجاة، كما تكون نورا هاديا يتجه بهم إلى طريق الجنة.

وقوله تعالى: «بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» . هو النداء الذي ينادى به المؤمنون والمؤمنات من الملائكة يوم القيامة، حيث يلقونهم مرحبين بهم، مسرعين إليهم بزفّ هذه البشرى المسعدة، مهنئين لهم بما ظفروا به من رحمة الله ورضوانه فى هذا اليوم العظيم..

وقوله تعالى:

«يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ.. قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ» .

هو وصف لموقف من تلك المواقف التي تجرى يوم القيامة بين أهل المحشر، من خصام، وملاحاة، وترام بالتّهم، وقذف بالشناعات..

وهنا موقف بين المنافقين والمنافقات، وبين المؤمنين والمؤمنات..

ذلك أنه حين يرى المنافقون والمنافقات أن المؤمنين والمؤمنات قد زايلوا موقف الحشر، وساحة القضاء، إلى دار الخلد والنعيم، يسعى بهم نورهم إلى دارهم تلك- حين يرى المنافقون والمنافقات ذلك، يركبهم الكرب، ويستبدّ بهم الفزع، بعد أن انطلق المؤمنون والمؤمنات من بينهم، وأخذوا طريقهم إلى الجنة.. وهنا يحاول المنافقون والمنافقات أن يتعلقوا بأذيالهم، وأن يلحقوا بهم. فينادونهم:«انظرونا» أي انتظرونا وأمهلونا قليلا

ص: 759

«نقتبس من نوركم» أي نمشى على نوركم، ونتعرف على طريق السلامة بالجري على آثاركم.

وقوله تعالى: «قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً» هو الجواب الذي يجاب به على ما سأل المنافقون والمنافقات بقولهم: «انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ» ..

وقد يكون هذا الجواب من المؤمنين والمؤمنات، وقد يكون من الملائكة.. ولهذا بنى الفعل للمجهول، ذلك لأن هذا الجواب هو الجواب الذي لا جواب غيره، وإن لم ينطق به أحد.. فهو جواب الحال، قبل أن يكون جواب المقال.. وهو ردع للمنافقين والمنافقات، وحبس لهم فى أماكنهم التي هم فيها لا يبرحونها، حتى يقضى الحق فيهم قضاءه.

وقوله تعالى: «فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ، باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ» .

ضرب بينهم: أي أقيم، ورفع بين المنافقين والمنافقات، والمؤمنين والمؤمنات، هذا الحجاز، وهو «سور» أي حائط، له باب، هو الباب الذي دخل منه المؤمنون والمؤمنات إلى ساحة الرحمة والمغفرة، وقد أغلق بعد أن دخل المؤمنون والمؤمنات إلى رضوان الله، وبقي فى الخارج المنافقون والمنافقات ينتظرون قضاء الله سبحانه وتعالى فيهم، وإنه لقضاء عدل، حيث ينال المنافقون والمنافقات جزاء ما كانوا يعملون..

ويلاحظ هنا فى هذا الموقف، أن المؤمنين والمؤمنات، والمنافقين والمنافقات، كانوا فى موقف الحساب والمساءلة، وأن المؤمنين والمؤمنات

ص: 760

قد فصل فى أمرهم، وبرئت ساحتهم، وسيقوا إلى الجنة زمرا، وأن المنافقين والمنافقات قد همّوا ليلحقوا بهم، فضرب بينهم بهذا السد، وهو سد يحول بين المنافقين والمنافقات وبين الخروج من مكانهم الذي هم فيه.. وفى التعبير عن إقامة هذا الحاجز أو هذا السور بين أهل الجنة وأهل النار- فى الإشارة إلى هذا بالضرب، ما يدل على أن هذا السور قد أقيم مرة واحدة، فى لحظة خاطفة، ولم بين لبنة لبنة، وجزءا جزءا.. وشبيه بهذا ما يقام من خيام، فإنه يسمّى فى حال إقامته بالضرب.. كما يقول الشاعر:

إن السماحة والمروءة والندى

فى قبّة ضربت على ابن الحشرج

كما أن الضرب للشىء يستعمل لما يلزم ويدوم منه، كما فى قوله تعالى «وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ» (61: البقرة) أي لزمتهم الذلة والمسكنة لزوما دائما لا يزول.

أما الباب الذي لهذا السور، فهو معدّ لمن بقي من أهل السلامة فى الموقف، ولم يدخل الجنة بعد، ولم يلحق بالذين سبقوا من المؤمنين، حيث أبطأ به عمله.. ولكنه مع هذا سائر على طريق النجاة.. فإذا بلغ أول هذا الطريق، دخل من هذا الباب، فوجد أرواح الرحمة، والرضوان..

وقوله تعالى: «باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ» - إشارة إلى أن الذين يجوزون هذا السور من المؤمنين والمؤمنات، يجدون ريح الجنة، وراء هذا الباب القائم على السور، أما الذين ظلوا فى موقف الحشر، خارج هذا السور، فإنه لا يطلع عليهم فى موقفهم هذا إلا نذر الشر، والعذاب..

ص: 761

قوله تعالى:

«يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ؟. قالُوا بَلى! وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ» .

أي أن المنافقين والمنافقات، وقد وجدوا المؤمنين والمؤمنات، أخذوا طريقهم إلى الجنة، ولم يستجيبوا لندائهم أن:«انظرونا نقتبس من نوركم» - حين رأوا ذلك عجبوا لهم، وجعلوا يسائلونهم:«ألم نكن معكم؟» ..

أي: ألم نكن نحسب من المؤمنين، بينكم؟ ألم تعاملونا معاملة أهل الإيمان؟

فلماذا تتبرءون منا الآن، وتأخذون طريقا وحدكم، لا حساب لنا فيه معكم؟

ويأتيهم الجواب من المؤمنين: «بلى!!» أي لقد كنتم حقّا معنا، ولكن بألسنتكم- أيها المنافقون والمنافقات، لا بقلوبكم- كان إيمانكم، وبهذا دخلتم مدخل المؤمنين فى الدنيا، بهذه الثياب الزائفة من النفاق، التي اتخذتموها زيّا لكم، لتدخلوا به فى زمرة المؤمنين.. أما قلوبكم فهى على ما هى عليه من ضلال، وشرك، وكفر.. وأنتم هنا فى هذا الموقف- موقف القيامة- إنما تحاسبون على ما فى قلوبكم، وقد كشف الله سبحانه وتعالى ما بها من نفاق!! لقد كنتم معنا، وكنتم فى حساب المؤمنين، لأننا لا نعلم ما فى قلوبكم من نفاق وخداع.. ولكنكم كنتم فى حقيقة الأمر، على غير سبيل المؤمنين.. فلقد «فتنتم أنفسكم» ، وأوردتموها موارد الضلال، «وتربصتم» أي كنتم تتربصون بالمؤمنين، وتنتظرون ما يحلّ بهم من هزيمة وخذلان، فتنفضون أيديكم منهم، وتجدون لكم طريقا إلى عدوهم..

«وارتبتم» أي كنتم فى ريبة وشك من دين الله، فلم تؤمنوا به عن صدق ويقين، «وغرتكم الأمانى» أي وظللتم فى خداع أنفسكم بتلك الأمانى

ص: 762

الباطلة، التي كنتم تمنونها بها «حتى جاء أمر الله» .. أي حتى جاءكم الموت، وأنتم فى هذا الموقف من التربص والريبة والغرور.. «وغركم بالله الغرور» أي أنكم كنتم فى هذا كلّه منقادين للشيطان الذي دعاكم إليه، وزين لكم طريق الضلال، فاستجبتم له، وغررتم بخداعه وضلاله.

والغرور، هو الشيطان، لأن التغرير بالناس، هو وظيفته التي خلق لها..

قوله تعالى:

«فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا.. مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» ..

هو مما يردّ به على المنافقين والمنافقات، يوم القيامة، بعد أن سمعوا ما يسوؤهم، جوابا على قولهم للمؤمنين:«ألم نكن معكم؟» .. إنهم لم يكونوا من المؤمنين، بل كانوا على نفاق خفىّ انكشف أمره يوم القيامة، ولهذا فهم يساقون إلى النار، مع الكافرين، لأنهم فى الحقيقة كانوا كافرين، وإن حسبوا فى ظاهر أمرهم من المؤمنين..

وإنه لن يقبل منهم فدية يفتدون بها أنفسهم من هذا العذاب.. تماما كما لا يقبل من الكافرين فدية.. إنهم على سواء فى الكفر والضلال.

وقوله تعالى: «مَأْواكُمُ النَّارُ» تأكيد لقوله تعالى: «لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ» .. فالفدية إنما هى فدية من النار، وإذا لم تقبل الفدية فليس إلا النار..

وقوله تعالى: «هِيَ مَوْلاكُمْ» .. هى الولىّ الذي يضمكم إليه،

ص: 763