المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (1- 5) [سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٤

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌(الآيات: (31- 37) [سورة الذاريات (51) : الآيات 31 الى 37]

- ‌الآيات: (38- 46) [سورة الذاريات (51) : الآيات 38 الى 46]

- ‌الآيات: (47- 60) [سورة الذاريات (51) : الآيات 47 الى 60]

- ‌52- سورة الطور

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 16) [سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 16]

- ‌[البعث.. وعلى أية صورة يكون

- ‌الآيات: (17- 28) [سورة الطور (52) : الآيات 17 الى 28]

- ‌الآيات: (29- 49) [سورة الطور (52) : الآيات 29 الى 49]

- ‌53- سورة النجم

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 18) [سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 30) [سورة النجم (53) : الآيات 19 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 55) [سورة النجم (53) : الآيات 31 الى 55]

- ‌[الّلمم.. والمعفوّ منه]

- ‌الآيات: (56- 62) [سورة النجم (53) : الآيات 56 الى 62]

- ‌54- سورة القمر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[النبي.. وانشقاق القمر]

- ‌الآيات: (9- 42) [سورة القمر (54) : الآيات 9 الى 42]

- ‌الآيات: (43- 55) [سورة القمر (54) : الآيات 43 الى 55]

- ‌55- سورة الرحمن

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 13) [سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 13]

- ‌[سورة الرحمن.. ونظمها]

- ‌الآيات: (14- 32) [سورة الرحمن (55) : الآيات 14 الى 32]

- ‌الآيات: (33- 61) [سورة الرحمن (55) : الآيات 33 الى 61]

- ‌الآيات: (62- 78) [سورة الرحمن (55) : الآيات 62 الى 78]

- ‌56- سورة الواقعة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات (1- 26) [سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 40) [سورة الواقعة (56) : الآيات 27 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 56) [سورة الواقعة (56) : الآيات 41 الى 56]

- ‌الآيات: (57- 74) [سورة الواقعة (56) : الآيات 57 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 96) [سورة الواقعة (56) : الآيات 75 الى 96]

- ‌57- سورة الحديد

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 11) [سورة الحديد (57) : الآيات 7 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 15) [سورة الحديد (57) : الآيات 12 الى 15]

- ‌الآيات: (16- 20) [سورة الحديد (57) : الآيات 16 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 24) [سورة الحديد (57) : الآيات 21 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 29) [سورة الحديد (57) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[المسيحية رأفة ورحمة.. ثم ماذا؟] أمريكا والمسيح

- ‌58 سورة المجادلة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 10) [سورة المجادلة (58) : الآيات 7 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 13) [سورة المجادلة (58) : الآيات 11 الى 13]

- ‌الآيات: (14- 22) [سورة المجادلة (58) : الآيات 14 الى 22]

- ‌59: سورة الحشر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 10) [سورة الحشر (59) : الآيات 6 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 17) [سورة الحشر (59) : الآيات 11 الى 17]

- ‌الآيات: (18- 24) [سورة الحشر (59) : الآيات 18 الى 24]

- ‌(أسماء الله الحسنى)

- ‌60- سورة الممتحنة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 3) [سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]

- ‌الآيات: (4- 9) [سورة الممتحنة (60) : الآيات 4 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 13) [سورة الممتحنة (60) : الآيات 10 الى 13]

- ‌61: سورة الصّفّ

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 14) [سورة الصف (61) : الآيات 7 الى 14]

- ‌62- سورة الجمعة

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 4]

- ‌الآيات: (5- 8) [سورة الجمعة (62) : الآيات 5 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 11) [سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]

- ‌63- سورة «المنافقون»

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 11) [سورة المنافقون (63) : الآيات 7 الى 11]

- ‌64- سورة التغابن

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 4) [سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 4]

- ‌الآيات: (5- 10) [سورة التغابن (64) : الآيات 5 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 18) [سورة التغابن (64) : الآيات 11 الى 18]

- ‌65- سورة الطلاق

- ‌الآيات: (1- 7) [سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 12) [سورة الطلاق (65) : الآيات 8 الى 12]

- ‌66- سورة التحريم

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 5) [سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الآيات: (6- 9) [سورة التحريم (66) : الآيات 6 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 12) [سورة التحريم (66) : الآيات 10 الى 12]

الفصل: ‌الآيات: (1- 5) [سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

بسم الله الرحمن الرحيم

‌الآيات: (1- 5)[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 5]

بسم الله الرحمن الرحيم

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (4)

عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (5)

التفسير:

قوله تعالى:

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ..

نداء كريم، من رب كريم، إلى نبى كريم، يؤثر على نفسه، حتى ليحرم ما أحل الله له، فى سبيل مرضاة أزواجه اللائي تظاهرن عليه، وكدن له هذا الكيد الذي توعدهن الله عليه، ودعاهن إلى التوبة منه.. ففى هذا الاستفهام

ص: 1022

دعوة للنبى من ربه أن يرفق بنفسه، وألا يحملها على ما يكره، فى سبيل إرضاء غيره.. وهذا من لطف الله سبحانه برسوله الكريم، وليس عتابا، ولا لوما، كما ذهب إلى ذلك بعض المفسرين.

ويذكر المفسرون لهذه الآية وما بعدها أسبابا لنزولها.. ومن الأسباب التي يذكرونها، والتي نراها أقرب إلى مفهوم الآيات من غيرها- ما بروى من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أهديت له مارية القبطية، أدخلها ذات مرة حجرة زوجه، حفصة بنت عمر، وكانت حفصة غائبة، فلما جاءت، ووجدت النبي، ومارية فى حجرتها، غضبت، وقالت فيما قالت للنبىّ:

إنه ما اتخذ حجرتها مأوى لمارية، دون حجرات غيرها من نسائه، إلا لهوا نها عليه.. فأرضاها النبىّ الكريم، وحلف لها ألا يقرب مارية بعد هذا، وأوصاها ألا تتحدث بما كان إلى أحد من نسائه، حتى لا تثير غيرتهن فى أمر قد قضى النبي قضاءه فيه، وهو تحريم مارية..

قالوا، ولكن الذي حدث، هو أن حفصة أذاعت هذا السر، وأفضت به إلى عائشة- رضى الله عنها وعن أزواج رسول الله جميعا- وكان من هذا حديث متصل يدور بين أزواج النبي تألّم منه النبي، وضاق به صدره فآلى «1» من نسائه جميعا، ألا يقربهن شهرا.

وفى هذا نزلت الآية: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ» والآيات التي بعدها..

(1) الإيلاء: الحلف بيمين غير الطلاق وهو أن يحلف المرء على زوجه ألا يقربها مدة معينة، لا نتعدى أربعة أشهر. [.....]

ص: 1023

وقوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ» - ليس عتابا، كما يبدو.

وإنما هو دعوة من الله سبحانه وتعالى فى لطف ورفق- إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه ألا يحرم ما أحل الله له، وألا يشق على نفسه بالأخذ باليمين الذي حلف بها، وقد جعله الله سبحانه وتعالى فى سعة من أمره، بالتحلّه من هذه اليمين، وذلك بالكفارة عنها.

وقوله تعالى: «تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ» حال من فاعل الفعل «تحرم» وهو النبي صلوات الله وسلامه عليه، أي لم تحرم ما أحل الله لك، مبتغيا بهذا التحريم مرضاة أزواجك.

قوله تعالى: «وَاللَّهُ غَفُورٌ» - هو دعوة للنبى الكريم إلى أن يتحلل من يمينه التي حلفها بألا يقرب (مارية) .. فالله سبحانه يغفر له هذه اليمين بالكفارة عنها، والله- سبحانه- غفور، وهو سبحانه «رحيم» وإن أولى الناس برحمة الله، هو رسول الله، فليرحم الرسول الكريم نفسه، ولا يشقّ عليها بهذا التحريم لما أحل الله له، فى سبيل مرضاة أزواجه، إذ كانت مرضاتهن عدوانا على حق النبي، فى التمتع بما أحل الله له.

وقوله تعالى:

«قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» هو بيان لبعض آثار مغفرة الله ورحمته، وهو ما فرضه سبحانه، وقضى به، من التحلل من الأيمان بالكفارة عنها، إذا كان التحلل من اليمين خيرا من إمضائها..

وفى هذا يقول الرسول الكريم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليكفّر عن يمينه، ثم ليفعل الذي هو خير» .

ص: 1024

وقوله تعالى: «وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ» - إشارة إلى لطف الله سبحانه، ورعايته لمواليه، فالخلق كلهم عبيد الله، والله سبحانه سيدهم، ومولاهم..

فى هذا إشارة إلى- مارية- التي كانت مولاة وملك يمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن زوجا له بعد.. وأن مارية، وغيرها من نساء النبي على سواء عند الله، لأنهن جميعا من موالى الله سبحانه وتعالى.. فلم ينظرن إلى «مارية» هذه النظرة التي يرينها فيها أبعد من أن تأخذ مكانها معهن فى بيت رسول الله؟

وقوله تعالى:

«وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» أي أن الله سبحانه- وهو مولاكم- هو العليم بكن وبمن هو أولى عنده بالفضل والإحسان.. «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى» (32: النجم) .. وهو سبحانه الحكيم فى تقديره وتدبيره، وفى وضع كل مخلوق بموضعه المناسب له.

قوله تعالى:

«وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ» تعرض هذه الآية الحديث الذي أسرّه النبي إلى بعض أزواجه، وهو- كما أشرنا من قبل- الحديث الذي أسرّ به النبىّ إلى «حفصة» وطلب إليها ألا تخبر أحدا من نسائه، وأنه التقى «بمارية» فى حجرتها..

وقوله تعالى: «فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ» أي أخبرت به غيرها، وأعلنته بعد أن كان مستورا، وأظهرته بعد أن كان خافيا..

ص: 1025

وفى التعبير عن كشف هذا السرّ بقوله تعالى: «نَبَّأَتْ بِهِ» إشارة إلى ما كان لهذا الحديث عند إظهاره من أثر فى بيت النبىّ، وأنه أحدث هزّة، كشأن كل نبأ.. لأن النبأ هو الخبر المثير، الذي يغطّى على غيره من الأخبار..

وقوله تعالى: «وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ» أي أعلم الله النبىّ بهذا الخبر الذي أذاعته حفصة، على ما كان يجرى بين نسائه من حديث بشأنه.

وقوله تعالى: «عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ» - هو جواب «لمّا» أي لما أذاعت «حفصة» هذا السرّ، وأعلم الله النبىّ بما حدث:«عرّف بعضه وأعرض عن بعض» أي كشف النبي عن بعض هذا الحديث الذي أذاعته حفصة، ولم يذكر لها كل ما دار بينها وبين من أفضت لها به، وما اتفقتا عليه من كيد فيما بينهما.. وذلك حتى لا يجرح شعورها، ولا يخدش حياءها، فلم يصرح لها بكل ما عرف، بل أخبرها بهذا فى إشارة دالة غير فاضحة.. فإن الكريم لا يستقصى.. ومن أكرم من سيد الكرماء عليه الصلاة والسلام؟

وقوله تعالى: «فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ» أي حين علمت حفصة من النبي أنه يعلم كثيرا مما دبرت هى وصاحبتها من كيد، سألت النبي عمن أنبأه بهذا الحديث الذي كان بينها وبين صاحبتها، والذي لم يكن معهما من شهد ما تحدث به، فقال لها النبي- صلوات الله وسلامه عليه- «نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ» أي الذي أخبرنى بما أسررتما، هو الله سبحانه، وهو العليم بكل شىء، الخبير بما فى السرائر من خير أو شر.

قوله تعالى:

«إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ» ..

ص: 1026

هو دعوة إلى اللتين دبر تا هذا الكيد النبىّ، سواء أكانتا حفصة وعائشة، أم غيرهما، من أزواجه- صلوات الله وسلامه عليه- هو دعوة إليهما من الله سبحانه وتعالى، أن يتوبا إليه جل شأنه، مما كان منهما فى حق النبىّ، وفيما وقع فى نفسه الشريفة من أذى من فعلهما، وإن كانتا لم تقصدا النبىّ بأذى، وإنما كان ذلك عن تنافس فى حبه، وحرص على أن تنال كل واحدة من نسائه أكبر قدر من القرب منه، والاستظلال بظل جلال النبوة وعظمتها..

وقوله تعالى: «فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما» هو سبب متصل بالشرط: «إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ» أي إن تبتما إلى الله، إذ قد صغت قلوبكما، أي مالت عن قصد السبيل.. ويكون الشرط دعوة آمرة بالتقوى، أي توبا إلى الله فقد صغت قلوبكما..

فإن تبتما إلى الله غفر الله لكما.. فجواب الشرط محذوف..

وفى جمع القلوب، مع أن المخاطب مثنى إشارة إلى أن القلبين قد أصبحا قلوبا، لما وقع فيهما من خواطر مختلفة، ذهب كل خاطر بشطر منها.. فكان كل قلب مجموعة من القلوب..

وقوله تعالى:

«وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ.. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ» ..

أي وإن لم تتوبا إلى الله، وتمضيا فيما أنتما فيه من كيد للنبىّ ومن تظاهر بينكما وتساند فى الكيد له- فإن الله هو مولاه الذي يدفع عنه هذا الكيد وجبريل، ظهير له، وناصر، بما ينزل عليه من آيات ربه، وكذلك كل صالح من المؤمنين.. هو ظهير للنبىّ، ومدافع عنه.. ثم الملائكة جميعا، هم عون النبىّ فى

ص: 1027

كل موقف من مواقفه.. فجبريل والصالح من المؤمنين، والملائكة، هم جميعا جند الله.. وإذا كان الله سبحانه هو مولى لرسول الله، فإن هؤلاء الجند هم فى نصرة من يتولاه الله..

وفى إفراد صالح المؤمنين، إشارة إلى أن الذي يكون فى هذا الركب الكريم الذي ينتظم الملائكة، لا بد أن يكون على درجة عالية من الإيمان، يكاد يرتفع بها إلى عالم الملائكة.. وهذا نفرر قليل من المؤمنين، يعدّون فردا فردا..

وقوله تعالى: «وَجِبْرِيلُ» مبتدأ، وقوله تعالى:«وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ» معطوف عليه..

وقوله تعالى: «بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ» - خبر للمبتدأ.. أي أن هؤلاء جميعا، هم بعد أن يدخل النبىّ فى ولاية الله سبحانه وتعالى له، يكونون سندا وعونا للنبىّ..

قوله تعالى:

«عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً» ..

هو تهديد لأزواج النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- إن لم يستقم أمرهن معه، وقد دعاهن الله سبحانه إلى التوبة، ثم تهددهن إن هن تظاهرن على النبىّ أن الله سبحانه هو مولاه، ولن يتخلى عنه، وقد جعل له من جبريل ومن صالح المؤمنين، ومن الملائكة أعوانا وجندا يسندونه، ويشدون ظهره..

ص: 1028

والتهديد هنا بطلاقهن، وخروجهن من بيت النبوة، ثم باختيار الله سبحانه وتعالى، النبىّ من النساء، من هنّ أهل للسكن فى بيت النبىّ، والاستظلال بظل النبوة..

والأوصاف التي ذكرها الله سبحانه وتعالى فى الآية النساء اللاتي يختارهن الله سبحانه للنبىّ- هى أوصاف، وسمات، قائمة فعلا فى أزواج النبىّ، وأن كل واحدة منهن تتميز بصفة ظاهرة من هذه الصفات، هى الغالبة على أحوالها..

فمنهن من غلبت عليها صفة الإسلام، الذي هو سمة للسلام، والموادعة واللطف، ومنهن من غلبت عليها صفة الإيمان، ومنهن من غلبت عليها صفة القنوت وهكذا..

وهذا يعنى أن زوجات النبىّ- صلوات الله وسلامه عليه- قد تخيرهن الله سبحانه من أهل الإيمان والكمال، كما يقول سبحانه:«وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ» (26: النور) .. أما الاستبدال بخير منهن، فإن هذا إنما يكون فى حال هنّ فيها خارج بيت النبوة، وذلك إذا لم يتبن إلى الله، ولم يصلحن ما أفسدن من علاقة بينهن وبين النبىّ، بعد هذا الغبار الذي أثاره هذا الحديث الذي ذاع بينهن.. أما وهنّ فى بيت النبوة لم يخرجن من هذا الحمى الطهور، فإنهن خير نساء خارج بيت النبوة..

هذا، وفى العطف بالواو بعد ذكر تلك الصفات السبع الأولى من غير عطف- يشير إلى أمرين:

أولهما: قطع هذه الرتابة التي امتدت وطالت، بذكر تلك الصفات على نغم واحد.. «مُسْلِماتٍ.. مُؤْمِناتٍ.. قانِتاتٍ.. تائِباتٍ» عابدات..

سائحات ثيبات..

ذلك أن من إعجاز النظم القرآنى، أنه يوقظ المشاعر والمدارك، بهذه الطّرقة الخفيفة، التي تجىء بعد هذا التوقيع التعالي، المتشابه من النغم، الذي من شأنه

ص: 1029