الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى» ..
هو تهديد للمشركين، الذين يحسبون أنهم لن يبعثوا، ولن يحاسبوا، وأنه ليس هناك معقب على ما تمليه عليهم أهواؤهم من ضلالات.. وكلّا، فإن الله يعلم ما فى السموات والأرض، لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء.. «وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (111: هود) ..
الآيات: (31- 55)[سورة النجم (53) : الآيات 31 الى 55]
وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَاّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (32) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (34) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (35)
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (36) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَاّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَاّ ما سَعى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (40)
ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (41) وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (45)
مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (50)
وَثَمُودَ فَما أَبْقى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (53) فَغَشَّاها ما غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (55)
التفسير:
قوله تعالى:
هو تأكيد لمعنى ما تضمنه قوله تعالى فى الآية السابقة،:«إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى» أي أن علم الله سبحانه وتعالى علم محيط بكل شىء، وليس مقصورا على علم ما يقع من الناس، من ضلال أو هدى، بل إن له سبحانه ما فى السموات وما فى الأرض..
لا شريك له فيهما، وإذ كان هذا شأنه سبحانه، فهو عالم علما محيطا بكل شىء:«أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (14: الملك) وقوله تعالى: «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى» - هو تعليل يكشف عن الحكمة فى علم الله سبحانه وتعالى بمن
ضلّ عن سبيله، ومن اهتدى.. فليس هذا العلم لمجرد العلم، بل هو علم وراءه عمل، هو مجازاة كل عامل بما عمل، وبما كشف هذا العلم عما عمل.. وهو مثل قوله تعالى:«وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» (4- 5: الفتح) .
وفى اختلاف النظم بين قوله تعالى: «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا» ، وقوله تعالى:«وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى» والذي كان من مقتضى ظاهر النظم أن يقال: ليجزى الذين أساءوا بالسوأى، ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى- فى هذا إشارة إلى أن مجازاة الذين أساءوا بالسوأى، ليست حتما مقضيّا فى كل حال، بل إن رحمة الله سبحانه وتعالى قد تنال هؤلاء المسيئين، فيعفو الله سبحانه وتعالى عن سيئاتهم كلها أو بعضها، كما يقول سبحانه:«وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» (3: الشورى) .. وكما يقول جل شأنه: «وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ» (45: فاطر) ..
فالمسيئون فى معرض رحمة الله، إن شاء رحمهم وعفا عنهم، وإن شاء أخذهم بذنوبهم، أو ببعض ذنوبهم.
وأما فى مقام الإحسان، فالأمر مختلف.. فإن المحسنين هم فى مواجهة رحمة الله وفى التعرض لها، من باب أولى.. وهم لهذا مجزيون بإحسانهم، بل وبمضاعفة هذا الإحسان.. فذلك مما تقضى به رحمة الله، ويوجبه عدله..