الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما أتيت على قوله تعالى: «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» قالوا: ولا بشىء من نعمك ربّنا نكذب.. فلك الحمد» ..
وقد استدل بهذا الحديث على أن السورة مكية، لأن ليلة الجن التي يشير إليها النبي صلى الله عليه وسلم كانت قبل الهجرة، وذلك كان بوادي نخلة حيث بات النبي صلى الله عليه وسلم، وهو فى طريق عودته من الطائف إلى مكة، بعد أن عرض دعوته على ثقيف بالطائف، فردوه، ولم يقبلوا منه..
الآيات: (14- 32)[سورة الرحمن (55) : الآيات 14 الى 32]
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (15) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (16) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (18)
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (19) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (20) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (22) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (23)
وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (24) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (26) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (27) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (28)
يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (31) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (32)
التفسير:
قوله تعالى:
الصلصال: الطين الجاف، الذي له صلصلة وجرس عند احتكاك بعضه ببعض.. وهذا من طبيعة الطين اللازب، أي اللزج إذا جف..
ولهذا شبه بالفخار، وهو الطين الذي وضع فى النار حتى احترق، وصار فخارا..
والمارج من النار، هو المضطرب من لهيبها، المختلط بالدخان..
وفى الجمع بين خلق الإنسان، وخلق الجان- جواب على سؤال يرد عند ذكر قوله تعالى فى الآية السابقة على هاتين الآيتين، وهو قوله تعالى:
«فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» حيث لم يذكر فى السورة قبل هذه الآية ما يدل على هذا المثنّى الذي يتجه إليه الخطاب.. فكان ذكر خلق الإنس والجن، والجمع بينهما، جوابا على هذا السؤال: من المخاطب هنا بقوله تعالى: «فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» ؟ .. إنهما هذان المخلوقان، الإنس والجن..
وقدّم خلق الإنس على خلق الجن، مع أن الجن أسبق فى الخلق
من الإنس- تشريفا للإنسان، وتكريما له فى رتبة الخلق، حيث أمر الله الملائكة- ومنهم الجنّ- أن يسجدوا له، احتفاء بمولده..
قوله تعالى:
«رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» ..
أي هو سبحانه رب المشرقين، ورب المغربين، أي مشرقى الشمس، ومغربيها، صيفا وشتاء..
وهذه الربوبية، هى نعمة عظيمة جليلة للموجودات كلها، إذ كان كل موجود هو صنعة هذه الربوبية، وغذىّ فضلها وإحسانها.. فهل من مكذّب بهذه الآلاء، منكر لها؟
قوله تعالى:
مرج البحرين: أي أثار بينهما تماوجا، وتدافعا واضطرابا، عند التقاء أحدهما بالآخر.. فقوله تعالى:«يَلْتَقِيانِ» حال يكشف عما وراء هذا الالتقاء من تماوج، وتدافع بينهما، بما يحدثه هذا الالتقاء.
والمراد بالبحرين: المالح، والعذب..
والبرزخ: الحاجز الذي يحجز بين شيئين..
فمن رحمة الرحمن الرحيم، أنه جمع بين البحرين: هذا عذب فرات سائغ شرابه، وهذا ملح أجاج، وهما على طبيعة واحدة، وفى مرأى العين ماء، لا فرق بين الملح والعذب إلا فى المذاق.. ومع هذا فقد جعلت القدرة
الإلهية بينهما حاجزا، فلا يبغى أحدهما على الآخر، ولا يجاوز حدوده..
كما يقول سبحانه: «وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً» (53: الفرقان) ..
فمن ينكر هذا؟ ومن يكذب بآلاء الله ونعمه على عباده، فلا يستقبل هذه النعم بالحمد والشكران؟ .. فالتكذيب بالنعم، هو كفر بها، وجحود لفضل المتفضل بمنحها..
قوله تعالى:
«يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» .
أي يخرج من البحرين- الحلو والملح- اللؤلؤ والمرجان..
واللؤلؤ: إفراز حيوان بحرى، داخل بيت صدفىّ، لونه أبيض، وتتخذ منه الحلي الثمينة، من قلائد، وقرط، وخواتم.. ولونه أبيض، مشرب بصفرة.
والمرجان: خرز أحمر، صغار، وهو نباتى أقرب إلى عالم الحيوان..
واللؤلؤ يخرج من التقاء الماء العذب بالماء الملح، أو حيث خلجان البحار الساكنة التي ينزل عليها ماء المطر، فيكون الماء العذب، سواء من الأنهار، أو الأمطار، أشبه باللقاح للماء الذي يتخلّق منه حيوان اللؤلؤ، ولهذا أضيف إخراج اللؤلؤ إلى البحرين معا.. الملح والعذب..
ومن كلّ من البحار والأنهار، يستخرج اللؤلؤ والمرجان.. ولكن لا بد من التقاء الملح بالعذب، والعذب بالملح، على أية صورة من الصور حتى يتخلّق منهما اللؤلؤ والمرجان.. فتارة يكون البحر هو محتواهما،
وتارة يكون النهر هو مستخرجهما، حسب الظروف التي يتم بها التقاء أحدهما بالآخر.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ.. هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ، وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها» (12: فاطر) ..
قوله تعالى:
«وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» ..
الجوار: السفن، جمع جارية، لأنها تجرى طافية على وجه الماء..
والمنشآت: أي المصنوعات، بأيدى الناس..
والأعلام: الجبال.. جمع علم، وسمّى الجبل علما لظهوره، وإشرافه على الأرض، كمعلم من معالمها، وسميت الراية علما، وسمى الرجل العظيم البارز علما، لهذا المعنى.
قوله تعالى:
الضمير فى «عليها» : يعود على الأرض التي يعيش عليها الناس، وتجرى فيها الأنهار، وتتلاحم بالبحار، ويتخذ الناس من ظهور البحار والأنهار مطايا ذللا يسرجونها بالسفن، وينتقلون عليها، ويحملون أمتعهم، وتجاراتهم من بلد إلى بلد..
فهذا الذي يعيش فيه الناس، ويشغلون به، ينبغى ألا يشغلهم عن الإعداد
ليوم القيامة، والعمل للحياة الأخرى، التي هى الحياة حقّا.. كما يقول سبحانه:«وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ» (64 العنكبوت) أما هذه الحياة الدنيا، وأما ما يتقلب فيه الناس منها، فهو فان لا بقاء له..
وقوله تعالى: «وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ» هو إلفات إلى الله سبحانه وتعالى، وأنّه الحىّ الباقي، الذي ينبغى أن تتجه إلى وجهه الوجوه، وتتعلق برضاه وكرمه الآمال، ويرجى عنده الخير كله.. فهو صاحب الملك، وبيده الخير، والفضل، والإكرام، لمن يقصدون وجهه، ويبتغون فضله وكرمه..
ويلاحظ أن صفة الجلال والكرم هنا، إنما كانت لوجه الله سبحانه، وذلك إشارة إلى أن الاتجاه إلى الله والإقبال عليه، من شأنه أن يفسح الطريق للعبد إلى رضاء الله، والإقبال عليه بوجهه سبحانه وتعالى، وهذا ما يشير إليه سبحانه وتعالى:«وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى وَلَسَوْفَ يَرْضى» (19- 21 الليل) .
والسؤال هنا هو: هل هذا الفناء المسلط على الحياة الدنيا وما فيها- هل هو نعمة من النعم، حتى يدعى الإنس والجن إلى الإقرار بها وشكرانها؟ ..
ونعم، فإن هذا الفناء للدنيا، هو نعمة من أجلّ النعم، إذ كان مدخلا إلى حياة باقية خالدة.. ولو أن أمر الناس كان إلى تلك الحياة الدنيا وحدها، وليس لهم حياة أخرى بعدها، لكان فى ذلك الخسران المبين الناس جميعا،. إذ أن أسعد الناس حظا فى هذه الدنيا هو مبخوس الحظ،
إذا كانت حياته محدودة بهذه الحياة، وكان وجوده منتهيا عندها إلى الفناء الأبدىّ، بعد أن عانى الإنسان فى الحياة الدنيا ماعانى من آلام، وأحزان، وأمراض وشيخوخة، ونقص من الثمرات والأنفس! فالحياة على أية حال، وعلى أية صورة خير من العدم، إنها نعمة تستوجب الحمد والشكران لله رب العالمين، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
«كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (28: البقرة) .
ففناء الناس وموتهم نعمة، إذ أن هذا الموت- كما قلنا- هو مدخل إلى عالم الخلود، وبقاء الله سبحانه وتعالى، هو مجتمع النعم كلها، إذ أن بقاءه ضمان لوجود هذا الوجود..
فبأى هذه النعم يكذّب الثقلان.. الجن والإنس؟
قوله تعالى:
أي أن كل من فى السموات والأرض يسأل الله من فضله وإحسانه، سؤال الفقير إلى الغنىّ، والضعيف إلى القوى، ومن لا يملك أي شىء، لمن يملك كل شىء.
فكل من فى السموات والأرض مستمد من فضل الله، سأل أولم يسأل..
فإن لم يسأل بلسانه، فإن علم الله بحاله يغنى عن سؤاله.. وهذه المنن والعطايا التي تعيش فيها المخلوقات، وتحفظ عليها وجودها، هى من عند الله، ومن واسع رحمته، يجود بها عليها، سألت أو لم تسأل.. فالسؤال هنا كناية عن الحاجة، وكل مخلوق فى حاجة أبدا إلى عون الله، وإلى أمداد إنعامه وإحسانه..
وقوله تعالى: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» ..
الشأن: الأمر، والحال..
أي إن الله سبحانه وتعالى، فى تصريف، وتدبير للخلق، فى كل يوم بل فى كل لحظة.. فذلك شأن المالك فيما ملك، والخالق لما خلق، لا يغفل أبدا عن ملكه، ولا يفتر أبدا عن تدبير شئون خلقه.. «إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ» (41. فاطر) ..
وليس ذلك بالأمر الذي يتكلّف الله سبحانه له جهدا، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.. «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ» .. (255: البقرة) ..
فليس الوجود مجرد آلة تدور على وجه واحد، لا يتغير أبدا، بل هو فى كل آنة من آنات الزمن، بل فى كل فراغ بين الآنة والآنة- إن كان هنا فراغ- هو فى صورة غير الصورة التي كان عليها.. إنه فى تجدّد دائم، وفى حركة دائبة.. يقبدل أثوابا بأثواب، وأحوالا بأحوال.. دون أن يقع فى نظامه خلل أو اضطراب.. وهذا برهان على قدرة الخالق جلّ وعلا، وعلى أن على هذا الوجود إلها قادرا، عالما، حكيما، يغيّر فيه ويبدل كيف يشاء، مع احتفاظه بهذا النظام المحكم البديع.. ولو كان الوجود وجها واحدا لما قام منه شاهد أبدا على أن له مدبّرا يدبره، ويحكم أمره..
وننظر إلى الهرم الأكبر فى مصر مثلا، وهو أعجوبة من عجائب الدنيا، ومعجزة من معجزات الإنسان.. إن بقاءه على تلك الحال فى علوّه وشموخه منذ آلاف السنين، وإن شهد لبانيه بالقدرة، والبراعة، فإن هذا البقاء نفسه على تلك الحال التي قام عليها من أول يومه، هو ذاته شهادة وفاة لهذا الباني البارع،
وإلّا لأحدث فيه شيئا يدلّ على أنه حى يعيش فى عالم الأحياء..
إن من شأن الكائن الحىّ أن يتحرك، ويعمل، ويؤثّر، وأن يبلى قديما ويلبس جديدا، وأن يأخذ كل يوم وضعا جديدا فى الحياة.. فهذا الذي يشهد بأنه حىّ، له وجود مؤثر فى الحياة..
والله سبحانه حى حياة أبدية سرمدية، بدليل هذا التحول المستمر فى عوالم الوجود، القائم عليه بسلطانه، خلقا وتدبيرا..
وفى معنى قوله تعالى: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» يقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فيما بروى عن أبى ذرّ: «إن من شأنه- سبحانه- أن يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع قوما، ويضع آخرين وليس هذا التبدل والتحول فى أحوال الناس، وفى صور الموجودات، هو مما يحدثه الله سبحانه حين يحدث، وإنما هى أمور واقعة فى علم الله القديم، مسطورة فى كتابه المكنون، فيظهر منها ما يظهر فى الوقت المقدور له، وعلى الصورة التي أرادها سبحانه وتعالى أزلا.. إنها أمور يبديها ولا يبتديها..
قوله تعالى:
«سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ» ..
الثقلان: الإنس والجن، وسميا بالثقلين، لأنهما ثقلا الأرض، كلّ يأخذ جانبا من كفتى ميزانها.. الإنس فى كفة والجن فى كفة.. عالم الظهور فى جانب، وعالم الخفاء فى جانب.. ومثل هذا «الملوان» وهما الليل والنهار، لأنهما يملآن الزمان كله، ويستوعبان كل آناته، ولحظاته.
وقوله تعالى: «سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ» كناية عن رقابة الله سبحانه وتعالى للجن والإنس، رقابة محكمة، بحيث لا يفلت أحد منهما من قبضته..
أمّا الله سبحانه وتعالى، فإنه لا يشغله شأن عن شأن، ولا يعوقه أمر عن أمر.. ولكن فى قوله تعالى:«سَنَفْرُغُ لَكُمْ» ما يؤكد للجن والإنس أنهما تحت رقابة خاصة، على غير تلك الرقابة العامة القائمة من الله سبحانه وتعالى على الوجود كله، إذ هما- كما قلنا- المخلوقان اللذان يناط بهما التكليف، ويقعان تحت حكم المساءلة والحساب والثواب، وإذ كان الله سبحانه لا يحاسب غير هما- فيما نعلم- فكأن رقابة الله سبحانه وتعالى متجهة كلّها إليهم.. وهذا كله على التمثيل والتشبيه، وتعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا..
وهذا فضل من فضل الله تعالى، على الجن والإنس، إذ هما من بين المخلوقات على تلك الصفة التي تجعل لهما هذا الامتياز عن المخلوقات جميعها، والتي تجعلهما فى مقام الحضور بين يدى الله للمساءلة والحساب.. وهذا الحساب، وتلك المساءلة- على أي حال يكونان عليها، وإلى أية نهاية ينتهيان بمن يحاسب ويسأل- دليل على أهلية المحاسب المسئول، وعلى أنه له إرادة عاملة.. أما من لا يحاسب ولا يسأل، فلا تكاد تتضح ملامح شخصيته، ولا تبين له ذاتية ذات شأن وأثر..
وهذا الوجود على تلك الحال التي عليها الجن والإنس هو- كما قلنا- نعم جليلة من نعم الله.. فمن يكذب بهذه النعم، وهى تشكل وجوده، وتقيم كيانه، وترفع قدره فى العالمين؟
هذا، ويلاحظ أن ألف هاء التنبيه قد حذفت من قوله تعالى:«أَيُّهَ الثَّقَلانِ» فى خط المصحف العثماني.. فما حكمة هذا الحذف؟.