الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات: (1- 3)[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 3]
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (1) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)
التفسير:
قوله تعالى:
النداء للمؤمنين جميعا، الذين كانوا فى مواجهة المشركين من قريش وأحلافهم، حيث كانوا يتربصون بالنبي وبالمؤمنين، ويكيدون لهم، ويستعدون ضعاف الإيمان عليهم، ويجذبونهم إليهم بالوعد وبالوعيد..
وقد كشف الله سبحانه للمؤمنين عن وجه هؤلاء المشركين، وأنهم أعداء الله وأعداء الذين آمنوا.. فمن كان مؤمنا بالله حقّا كان على ولاء لله وللمؤمنين به، الأمر الذي لا يتفق معه الولاء والمودة لأعداء الله وأعداء المؤمنين..
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ» فإن من يتصف بالإيمان، لا تبقى له هذه الصفة، إذا هو كان على ولاء ومودة، لمن كان عدوّا لله وعدوا للمؤمنين، أولياء الله..
وقوله تعالى: «تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ» هو جملة حال من فاعل الفعل:
«لا تَتَّخِذُوا» أو هو صفة لأولياء..
والإلقاء بالمودة، بذلها فى صورة رسائل، أو هدايا، أو عواطف من الحب والود، مع بعد الشقة النفيسة، التي ينبغى أن تكون بين المؤمنين بالله والكافرين به، أو بعد الشقة المكانية حيث المؤمنون فى المدينة، والمشركون فى مكة.. ولهذا عدّى الفعل بالياء، لتصمنه معنى تبعثون إليهم بالمودة، مع إفادته معنى السر والخفاء حيث تلقى إليهم المودة فى كلا الحالين فيتلقفونها من غير أن يراها أحد.
وقوله تعالى: «وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ» أي أنكم تلقون إلى عدوّ الله وعدوكم بالمودة، فى حال قد كفر فيها هذا العدو بما جاءكم من الحق، الذي نزل به القرآن الكريم، وتلاه عليكم رسول الله.. بل ليس هذا فحسب، إنهم «يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ» أي مع كفرهم بالحق الذي آمنتم به- وهذا وحده كاف لقطع كل ولاء بينكم وبينهم، فإنهم- مع هذا- يخرجون الرسول، ويخرجونكم من دياركم وأهليكم لا لجناية جناها الرسول أو جنيتموها أنتم عليهم، إلا أنكم آمنتم بالله ربكم.. فتلك هى جنايتكم عند القوم.. إنهم يعادونكم لإيمانكم بالله.. فقوله تعالى:
«وَإِيَّاكُمْ» معطوف على «الرسول» أي يخرجون الرسول ويخرجونكم.
قوله تعالى: «إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي» - هو تعقيب على قوله تعالى: «أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ» - أي إن كان إيمانكم هذا صادقا، وكانت هجرتكم خالصة لوجه الله، تريدون بها جهادا فى سبيله وابتغاء مرضاته.. وفى هذا إلفات للمسلمين إلى هذا الإيمان الذي فى قلوبهم، وإلى تمحيصه من شوائب النفاق، حتى يكون إيمانا حقّا.. فهذا الإيمان الحق من شأنه ألا يقيم بينكم وبين أعداء الله وأعداء المؤمنين مودة.. أما إذا كان إيمانكم على غير تلك الصفة، فهو ليس الإيمان الذي خرج به النبي والمؤمنون من ديارهم، وليس هو الإيمان الذي يجعل من المشركين عدوا للمؤمنين..
فهل أنتم مؤمنون حقا؟ فإن كنتم مؤمنين حقا، فلا تتخذوا عدوا الله وعدو المؤمنين أولياء.
وفى التعبير عن إخراج المشركين للنبى والمؤمنين، بالفعل المضارع الذي يفيد تجدّد الزمن حالا بعد حال، للإشارة إلى أن المشركين ما زالوا على موقفهم من النبي والمؤمنين، وأنه لو عاد النبي والمؤمنون إلى ديارهم بمكة لأخرجهم المشركون منها، بما يلاحقونهم به من أذى وضر.. كما أن المشركين لم يزل هذا موقفهم من المؤمنين الذين كانوا فى مكة، ولم تتح لهم فرصة الهجرة لسبب أو لآخر..
ويحوز أن يكون قوله تعالى: «إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي» .
يجوز أن يكون منصلا بقوله تعالى: «لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ» .. ويكون ما بينهما اعتراض يراد به الكشف عن وجه أعداء الله وأعداء المؤمنين، وما يرمون به النبي والمؤمنين من أذّى متلاحق..
وقوله تعالى: «تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ»
هو استفهام إنكارى، أي أبعد هذا الذي علمتم أو تعلمون من أمر القوم- أبعد هذا تسرون إليهم بالمودة؟ أي تبادلونهم المودة فى ستر وخفاء «وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ» .. فإنه لا يخفى على الله خافية فى الأرض ولا فى السماء:
«سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ» (10: الرعد) وإن إسراركم هذه المودة لدليل على أنها أمر تنكرونه أنتم، وينكره المؤمنون عليكم، وإنه لو كان غير منكر لأعلنتموه.. فإخفاء هذه المودة التي بين بعض المؤمنين وبين المشركين شاهد على أنها مما يعاب على المؤمن، ومما ينبغى ستروه وإخفاؤه، وحسب الأمر شناعة ألا يكون له وجه يظهر به فى الناس، فإن ظهر كان فضيحة لصاحبه!! وقوله تعالى:«وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ» الضمير فى «يفعله» يعود إلى هذا الإسرار المودة.. أي ومن يفعل هذا الإسرار بالمودة، فقد ضل سواء السبيل، لأن الإسرار بها- كما قلنا- دليل على نكرها وبشاعتها.. وإذا امتنع الإسرار بها، فقد أصبح من المستبعد إعلانها إلّا إذا كان ذلك عن كفر صريح، وردّة عن الإيمان.. فهذا شأن آخر غير شأن المؤمنين.
قوله تعالى:
«إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ» «إِنْ يَثْقَفُوكُمْ» : أي يظفروا بكم، وينتصروا عليكم، ومنه قوله تعالى:«فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» (57 الأنفال)
والثّقاف: ما يثقّف به الرمح، أي يعدّل ويقوّم، والمراد بثقف القوم هنا التمكن منهم، كما يتمكن الثقاف من الرمح. والخطاب هنا للمؤمنين الذين بينهم وبين المشركين مودة.. أي أن هؤلاء المشركين الذين توادّونهم أيها الموادون لهم من المؤمنين- إن يظفروا بكم فى حرب بين المؤمنين وبينهم، لن يبقوا على هذا الود الذي تحسبونه قائما بينكم وبينهم، بل إنهم سيكونون لكم فى تلك الحال أعداء، يبسطون إليكم أيديهم بالأذى، وألسنتهم بالسوء، بل إنهم ليفعلون بكم أكثر من هذا، وهو حملكم على أن تعودوا إليهم كفارا.. فهذا هو الذي يقطع عداوتهم لكم..
وفى قوله تعالى: «يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً» - إشارة إلى أن هذه المودة التي بين بعض المؤمنين والمشركين، هى التي تخفى هذه العداة التي فى صدور المشركين لهم- فإذا أمكنت الفرصة المشركين منهم، ظهرت هذه العداوة الكامنة..
وفى قوله تعالى: «وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ» - بعطف الفعل الماضي على فعل المستقبل «يبسطوا» - فى هذا إشارة إلى أن هذه الرغبة، أي رغبة المشركين فى أن يكفر المؤمنون- هى رغبة قديمة، من يوم أن آمن هؤلاء المؤمنون.. إنها رغبة لم تنقطع بالهجرة، ولا بالمودّة التي تجرى بينهم وبين هؤلاء المؤمنين، بل هى قائمة فى صدور المشركين، لن تموت أبدا إلا بعودة المؤمنين كفارا..
قوله تعالى:
أي أنه- أيها المؤمنون- لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم الذين أمسكوا بشركهم، فقد أصبحتم فى حزب الله، وظلّوا هم فى حزب الشيطان، ولن يجتمع حزب الله وحزب الشيطان، ولن يتبادلوا المنافع بينهم.. فليس فى جانب المشركين إلا السوء والضلال.. وكما فرق الإيمان بينكم وبين أرحامكم وأولادكم المشركين فى الدنيا، كذلك يفرق بينكم وبينهم يوم القيامة.. فأنتم فى رحمة الله ورضوانه، وهم فى سخط الله وعذابه..
قيل إن هذه الآيات نزلت فى حاطب بن أبى بلتعة- وهو صحابىّ ممن شهد بدرا- وكان ذلك بعد صلح الحديبية، وبعد أن نقضت قريش شروط الصلح التي صالحها عليها النبي يومئذ.. وكان النبىّ يعدّ العدّة لفتح مكة، ويتجهز لهذا فى سر وخفاء، حتى لا تعلم قريش، وتستعد للحرب..
وكان حاطب بن أبى بلتعة حين هاجر من مكة قد خلّف بعض أهله بها، ولم يكن له فى مكة عصبية تحمى أهله المخلفين هناك، من أذى قريش، فأراد أن يصطنع عند قريش يدا ينتفع بها أهله عندهم، فبعث إليهم برسالة مع امرأة من مكة كانت قد وفدت إلى المدينة، فلما قفلت راجعة إلى مكة، أعطاها «حاطب» رسالة إلى قريش، يعلمهم فيها أن النبي يعد العدة لحربهم، وأوصى المرأة أن تخفى الرسالة، وأن تكتم أمرها، لقاء مال أعطاها إياه.. فلما أخذت المرأة طريقها إلى مكة، جاء خبر السماء إلى النبي- صلوات الله وسلامه عليه- بما كان من هذا الحدث، فبعث النبي بجماعة من أصحابه فيهم على بن أبى طالب رضى الله عنه، يتبعون المرأة، ويأخذون الرسالة التي معها.. فلما جىء بالرسالة إلى النبي، دعا إليه حاطبا، وسأله عن أمر هذه الرسالة، فاعترف بها، واعتذر للنبى صادقا، بأنه لم يرد بهذا كيدا للمسلمين، ولا ممالأة للمشركين، وإنه ليعلم أن الله سيؤيد النبي بنصره، وأنه لن يغنى عن قريش أي تدبير يدبرونه