الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى:
«وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ» .
هو بيان للعلّة التي من أجلها يحرص اليهود على الحياة، ويفزعون من الموت، وأنهم لا يتمنون الموت أبدا، لما يعلمون من أنفسهم أنهم على ضلال، وأنهم لن يجدوا فى الآخرة إلا البلاء والهوان.. شأنهم فى هذا شأن إبليس الذي يعلم أن مصيره إلى عذاب الله، وأنه إنما سأل الله أن ينظره، وأن يؤخر عنه العذاب الذي توعده به، فرارا من هذا العذاب، ودفعا له من يومه إلى غده.
قوله تعالى:
أي أن هذا الموت الذي تحذرونه، وتفرون من ملاقاته، هو ملاقيكم حتما، ولن تفروا منه أبدا.. ثم إنّ وراء هذا الموت رجعة إلى الله، وحسابا، وعقابا، وسترون أعمالكم المنكرة حاضرة بين أيديكم، وسينزل بكم العذاب الذي أنتم أهل له..
الآيات: (9- 11)[سورة الجمعة (62) : الآيات 9 الى 11]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
التفسير:
قوله تعالى:
مناسبة هذة الآية لما قبلها، هى أن السورة قد بدأت بذكر هذه النعمة العظيمة التي أنعم الله بها على المؤمنين، إذ بعث فيهم رسولا منهم، يتلو عليهم آيات الله، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة.. وهذه النعمة العظيمة لا تثمر الثمر الطيب الذي تحمله إلا إذا صادفت من يرعاها، ويعرف قدرها، وإلّا انقلبت هذه النعمة نقمة على أهلها، فحوسبوا على تضييعها، ووقعوا تحت طائلة العقاب الأليم، كما وقع ذلك لليهود الذي حمّلوا التوراة، ثم لم يحملوها، فكان مثلهم مثل الحمار يحمل أسفارا، وقد أوعدهم الله سبحانه بما توّعد به الظالمين- فناسب أن يجىء بعد هذا، أن ينبّه المسلمون إلى ما ينبغى أن يكون منهم لرعاية هذه النعمة التي أنعم الله بها عليهم، وكان أول ما نبهوا إليه، هو الصّلاة، إذ كانت الصلاة عماد الدين، وكانت الركن الأول من أركانه، بعد الإيمان بالله.. وإذ كانت صلاة الجمعة أظهر صلاة فى أيام الأسبوع، لأنها الصلاة الجامعة، التي لا تصحّ إلا فى جماعة- فقد كان الإلفات إليها إلفاتا إلى الصلوات المفروضة كلّها.
وقوله تعالى: «إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ» أي إذا جاء وقتها، وأذّن المؤذن بها.
وقوله تعالى: «فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ» أي بادروا وأسرعوا إلى ذكر الله، أي الصلاة، لأنها تذكّر بالله، وتصل العبد بربه.. ومن ذكر الله فى صلاة الجمعة، «الخطبة» وما فيها من عظات تذكر بالله.
وقوله تعالى: «وَذَرُوا الْبَيْعَ» أي اتركوا البيع، والشراء، وكلّ ما يشغلكم من عمل.. حتى تفرغوا للصلاة، جسدا، وروحا.
وقوله تعالى: «ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» الإشارة إلى السعى للصلاة، وترك كل ما بين يدى الإنسان من عمل.. فذلك السعى خير من كلّ ما كان يحصّله الإنسان من عمله الذي بين يديه، وذلك مما لا يعلمه، ويعلم قدره إلا أهل العلم، من المؤمنين، المستيقنين من واسع الفضل، وعظيم الإحسان، عند الله..
قوله تعالى.
هو دعوة إلى العمل، وإلى السعى إليه، كما سعى المؤمنون إلى الصلاة..
فالسعى إلى العمل، أداء لحقّ النفس، وحقّ الأهل والولد، كما أن السعى إلى الصلاة أداء لحق الله سبحانه وتعالى، وكلا الحقّين واجب الأداء، فمن قصّر فى أحدهما، حوسب عليه حساب المقصّرين.
وفى قوله تعالى: «فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ» دعوة إلى أن يملأ المسلمون وجوه الأرض، سعيا وعملا، وأن يأخذوا بكلّ ما يمكّن لهم منها، ويقيم لهم فيها المقام الكريم، وألا يقصروا جهدهم على جانب منها،
أو فى ميدان من ميادينها، بل ينبغى أن يكون لهم فى كل ميدان مجال، وفى كل موقع عمل..
وفى الدعوة إلى الانتشار فى الأرض بعد الاجتماع بين يدى الله فى الصلاة- فى هذا جمع بين العبادة والعمل، وبين ذكر الله والسعى فى الأرض.. فقد جاءت الدعوة من الله سبحانه لصلاة الجمعة، موجهة إلى من هم مشغولون بالعمل، ساعون لطلب الرزق، وإن كانت الدعوة عامة إلى كل من تجب عليه صلاة الجمعة.. ثم جاء الأمر إلى هؤلاء الذين حضروا الصلاة- أن ينتشروا فى الأرض، ويبتغوا من فضل الله، بعد أن تزودوا بهذا الزاد الطيب من ذكر الله، وبذلك يستقيم لهم الطريق، وتفتح لهم أبواب الرزق الطيب المبارك.
وفى قوله تعالى: «وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» - إشارة إلى هؤلاء المنطلقين للعمل، الساعين إلى الابتغاء من فضل الله، أن يذكروا الله دائما، وأن يستحضروا جلاله وعظمته، فى كل حال، لا فى وقت الصلاة.. ففى ذلك فلاح أي فلاح، حيث يجد الذاكر لله سبحانه وتعالى، حارسا يحرسه من وساوس الشيطان، وأهواء النفس، فلا يتعثر، ولا ينحرف، ولا يزلّ.
قوله تعالى:
اللهو: ما يشغل الإنسان من هزل الأمور عن جدّها.. والانفضاض:
التفرّق فى عجلة، وفى غير نظام.