الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي صحيح مسلم أيضًا عنها قالت: [أرسلَ أزواجُ النبي صلى الله عليه وسلم فاطمةَ بنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مِرْطي، فأذِنَ لها، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنكَ العدلَ في ابنةِ أبي قُحافة (1) وأنا ساكتة، قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي بنية ألستِ تُحبِّين ما أحب؟ فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه، قالت: فقامَتْ فاطمة رضي الله عنها حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعت إلى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن لها: ما نراك أغْنَيْتِ عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجَكَ ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبدًا، قالت عائشة: فأرسل أزواجُ النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جَحْشٍ رضي الله عنها زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي كانت تساميني (2) منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أرَ امرأةً قط خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدَق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظمَ صدقةً، وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي تصَدَّقُ به وتقرَّبُ به إلى الله تعالى ما عدا سَوْرَةً من حِدَّةٍ كانت فيها، تُسْرعُ منها الفَيْئَة - تعني فيها شدة في الخلق وسرعة في الغضب لكنها تسرع الرجعة ولا تصر -، قالت: فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنَكَ العدل في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقَعَتْ بي، فاستطالت عليَّ، وأنا أرقبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقبُ طَرْفَهُ هل يأذن لي فيها، قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكرهُ أن أنتَصِرَ، قالت: فلما وَقَعْتُ بها لم أَنْشَبْها - أي لم أمهلها - حين أنحيت عليها - أي قصدتها بالمعارضة وانتصرت منها -، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتَبَسَّمَ: إنها ابنةُ أبي بكر](3).
4 - الأصل في المؤمنين الظن بأنفسهم خيرًا:
فقد نبه الله سبحانه المؤمنين إلى ذلك حين نزلت الآياتِ من سورة النور تبرئ عائشة، وترتقي بالمجتمع المسلم إلى رفيع الأدب والخلق: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ
(1) المراد التسوية في محبة القلب بينها وبينهن، وهو أمر لا تكليف فيه ولا يملكه أحد.
(2)
أي تعادلني وتضاهيني في الحظوة والمنزلة الرفيعة.
(3)
حديث صحيح. انظر مختصر صحيح مسلم (1662)، الباب السابق.
وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)}.
وقد تألق من بين المؤمنين بهذا الخلق أبو أيوب رضي الله عنه، وكذلك زينب بنت جحش التي قالت:(أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيرًا). وكذلك أسامة بن زيد رضي الله عنه.
وقد جاءت السنة الصحيحة لتؤصل جذور هذا الخلق الكريم في قلوب المؤمنين، وَلِتَعِدَ على ذلك الأجر العظيم.
فقد أخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من ذَبَّ عَنْ عِرْض أخيه بالغَيْبَة، كان حقًّا على الله أن يعتقَه من النار](1).
والمسلمون بذلك يُفَوِّتون الفرصة على شياطين الإنسَ والجن، الذين يهمهم أن تشيع الفاحشة بين صفوفهم، ويتمنون بذلك خراب بيوتهم وتمزيق روابطهم وصلاتهم. وفي هذا يقول الدكتور العمري:(والحق أن حادثة الإفك كادت تشعل نار العصبية من جديد بين الأوس والخزرج هذه المرة، حيث تجادل زعماؤهم بغضب في المسجد، وكان هذا هو مقصد المنافقين أن يهدموا وحدة المسلمين ويزعزعوا ثقتهم بقيادتهم، ويشعلوا نار الفتنة بينهم، ولكق الله سلم، وتمكن الرسول عليه الصلاة والسلام من تهدئة الجميع والحفاظ على وحدتهم والخروج من الامتحان الصعب بنجاح)(2).
وقد أجاد ابن القيم رحمه الله في وصفه لموقف أسامة حين أخذ يسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشير عليه بإمساك أهله دون التفات لمحاولات الأعداء ومكرهم وكلامهم فقال: (وأشار عليه أُسامةُ وغيرُه بإمساكها، وألا يلتفت لكلام الأعداء، .. لَمَّا عَلمَ حُبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ولأبيها، وعلمَ من عفتها وبراءتها، وحَصانتها ودَيانتها ما هي فوقَ ذلك، وأعظمُ منه، وعرف من كرامةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على ربِّه ومنزلته عنده، ودفاعه عنه، أنه لا يجعلُ رَبَّةَ بيته وحبيبته من الحساء، وبنتَ صدِّيقه بالمنزلة التي أنزلها به أرباب الإفك، وأن رسول الله أكرمُ على ربه، وأعزُّ علَيه من أن يجعل تحته امرأة بغيًّا، وعلم أن الصديقة حبيبةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرمُ على ربها من أن يَبْتَليها بالفاحشة، وهي تحت رسوله.
(1) حديث صحيح. رواه أحمد بإسناد صحيح. انظر صحيح الجامع (6146).
(2)
انظر كتاب: "السيرة النبوية الصحيحة"(2/ 412).