المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تقديم الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌علماء نجد وغيرهم

- ‌الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ

- ‌الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌الشيخ سليمان ابن الشيخ عبد الله

- ‌الشيخ عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب

- ‌الشيخ علي ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌الشيخ إبراهيم ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌الشيخ علي ابن الشيخ حسين

- ‌الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ عبد الله

- ‌الشيخ عبد الرحمن بن حسن

- ‌الشيخ عبد اللطيف ابن الشيخ عبد الرحمن

- ‌الشيخ إسحاق

- ‌الشيخ عبد العزيز بن محمد

- ‌الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبد اللطيف

- ‌الشيخ عبد الله بن الشيخ عبد اللطيف

- ‌الشيخ حسن بن حسين

- ‌الشيخ عمر ابن الشيخ عبد اللطيف

- ‌الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ عبد اللطيف

- ‌الشيخ محمد ابن الشيخ عبد اللطيف

- ‌الشيخ صالح بن عبد العزيز

- ‌الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ

- ‌الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم

- ‌الشيخ محمد بن إبراهيم

- ‌ابن غنام

- ‌الشيخ حمد بن ناصر بن معمر

- ‌الشيخ عبد العزيز الحصين

- ‌الشيخ عبد العزيز بن محمد

- ‌الشيخ عثمان بن عبد الجبار بن شبانة

- ‌الشيخ عبد العزيز بن حمد بن معمر

- ‌الشيخ أبا بطين

- ‌الشيخ حمد بن عتيق

- ‌الشيخ محمد بن سليم

- ‌الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم

- ‌الشيخ أحمد بن عيسى

- ‌الشيخ ابن محمود

- ‌الشيخ عيسى بن عكاس

- ‌الشيخ إبراهيم بن عيسى

- ‌الشيخ حمد بن فارس

- ‌الشيخ سلمان بن سحمان

- ‌الشيخ سعد بن عتيق

- ‌الشيخ عبد الله بن سليم

- ‌الشيخ صالح العثمان القاضي

- ‌الشيخ إبراهيم بن محمد بن ضويان

- ‌الشيخ محمد بن عثمان الشاوي

- ‌الشيخ عبد العزيز بن بشر

- ‌الشيخ عبد الله بن بلهيد

- ‌الشيخ عمر بن محمد سليم

- ‌الشيخ سليمان بن عطية

- ‌الشيخ محمد بن مقبل

- ‌الشيخ عبد الله العنقري

- ‌الشيخ سعود بن رشود

- ‌الشيخ عبد الله بن زاحم

- ‌الشيخ عبد الرحمن بن عودان

- ‌الشيخ سليمان العمري

- ‌الشيخ عبد لرحمن بن سعدي

- ‌الشيخ عبد الله الخليفي

- ‌الشيخ محمد أبا الخيل

- ‌الشيخ عبد العزيز ابن عكاس

- ‌الشيخ محمد بن مانع

- ‌الشيخ حمود الشغدلي

- ‌صديق بن حسن

- ‌الشيخ بشير السهسواني

- ‌محمود شكري الألوسي

- ‌السيد رشيد رضا

- ‌الشيخ أبو بكر خوقير

- ‌السيد علوي مالكي

- ‌تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم

- ‌مدخل

- ‌ذرية الشيخ حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌ذرية الشيخ حسين ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌ذرية الشيخ علي ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌ذرية الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب

- ‌بعض المصادر التي رجعنا إليها عند كتابتنا لهذه التراجم

- ‌المؤلف في سطور

- ‌استدراكات وتصحيحات

- ‌الشيخ حسن يماني

الفصل: ‌الشيخ محمد بن عبد الوهاب

‌الشيخ محمد بن عبد الوهاب

هو الإمام العلامة الشهير والداعية الإسلامي الكبير، ظهر في أثناء القرن الثاني عشر بنجد فدعا إلي توحيد الله بالعمل والعبادة، وأفراده بالقصد والإرادة فجدد ما أندرس من أصول الملة وقواعد الدين ودعا إلي مذهب السلف الصالح والأئمة السابقين وما كانوا عليه في باب معرفة الله وصفاته من الإثبات ونفي التشبيه وعدم التكييف والتمثيل والتعطيل المصلح الديني الذي طال ما كتب عنه المؤرخون وأشاد بفضله ودعوته المنصفون شيخ الإسلام وعلم الهداة الأعلام صاحب النهضة الدينية والدعوة السلفية موقظ الجزيرة العربية من سبات الأوهام ومحررها _ رحمه الله من عقل البدع وعبادة الأصنام الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الوهاب ابن الشيخ سليمان بن على بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن محمد بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب قاسم بن موسى بن مسعود بن عقبة بن سنيع بن نهشل بن شداد بن زهير بن شهاب بن ربيعة بن أبي سود بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة ابن تميم بن مر بن آد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

مولده نشأنه:

ولد - رحمة الله في بلد العيينة 1 من بلدان العارض بنجد سنة خمس عشرة ومائة

1 بلدة العيينة تقع غربا شمالا عن مدينة الرياض وتبعد مسافة خمسة وأربعين كيلو متر وقد أصاب العيينة غور مياه حيث غارت قلبانها نحو ثمانين سنة حتى خربت وخلت من السكان ومن مدة عشرين سنة فاضت آبارها فجأة بالماء العذب الزلال وعمرت وأكتظت بالسكان المزارعين وصارت تمد أسواق الرياض 50% من الخضر يوميا.

ص: 16

وألف من الهجرة، فنشأ بها وقرأ القرآن حتى حفظه وأتقنه قبل بلوغه العشر ثم اشتغل بطلب العلم فقرأ مبادئ العلوم والفقه الحنبلي على والده الشيخ عبد الوهاب ابن الشيخ سليمان بن على وكان _ رحمه الله _ حاد الفهم سريع الإدراك والحفظ. قال عنه أخوه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب: كان أبوه يتعجب من فهمه ويعترف بالاستفادة منه مع صغر سنه، ووالده الشيخ عبد الوهاب هو مفتي تلك البلاد وقاضيها، وجده الشيخ سليمان بن على هو مفتي جميع الديار النجدية، آثاره وتصانيفه وفتاواه تدل على غزارة علمه وفقهه، فهو مرجع أهل نجد في زمنه في الفتاوى وكان معاصرا للشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي اجتمع به في مكة المشرفة فهو من بيت علم وفضل. ولما بلغ سن الرشد قدمه والده الشيخ عبد الوهاب في إمامة الصلاة فأخذ رحمه الله يؤم الناس ويصلي بهم ثم طلب من والده الحج فأجابه إلى ذلك فأدى فريضة الحج واعتمر عمرة الإسلام وبعد فراغه من الحج والاعتمار قصد المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وأقام بها قريبا من شهر ثم رجع إلي وطنه العيينة وتزوج بها وشرع في القراءة على والده في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ثم بعد ذلك سافر إلي الحجاز في طلب العلم وأخذ بتردد على علماء مكة المشرفة والمدينة المنورة وأقام بها مدة يقرأ فيها على الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف النجدي ثم المدني وعلى العالم الشهير محمد حياة السندي المدني صاحب الحاشية المشهورة على صحيح الإمام البخاري ثم رجع إلي وطنه ومكث فيه سنة ثم رحل إلي البصرة وقرأ بها كثيرا من الحديث والفقه والنحو وكتب بها من الحديث والفقه اللغة ما شاء الله أن يكتب في ذلك الوقت ولازم في البصرة عالما من علمائها الإجلاء وهو الشيخ محمد المجموعي البصري وأخذ الشيخ مدة إقامته في البصرة يدعو إلي توحيد الله جل وعلا ونبذ الإشراك وهجر البدع وأخذ يصرح بذلك ويظهره لكثير من جلسائه بالبصرة قائلا لهم: إن العبادة كلها ولا يجوز صرف شيء منها لسواه وقد استحسن شيخه المجموعي ذلك فأخذ الشيخ محمد يقرر له توحيد العبادة ويوضح له

ص: 17

معني لا إله الله فقبل منه شيخه وانتفع به غير أن أعداء التوحيد وأنصار البدع والتقليد من علماء السوء وأحبار الضلال سعوا فيه عند ملأ البصرة وأعيانها فأخرجوه منها وقت الهاجرة في يوم صائف شديد الحر فخرج _ رحمه الله _ ماشيا على قدميه فلما توسط الدرب بين البصرة والزبير أدركه العطش وأشرف من شدة الظمأ ولهيب الحر على الهلاك والموت فوافاه رجل يقال له أبا حميدان من أهل يلده الزبير وكان معه حمار فرأى على الشيخ الهيبة والوقار ورآه مشرفا على الهلاك فسقاه ماء وحمله على حماره حتى أوصله بلدة الزبير فمكث الشيخ فيها أياما وأراد السفر منها إلي الشام فقصرت به النفقة فانثنى عزمه عن المسير إلي الشام فرجع إلي نجد ومر في طريقه إليها ببلدة الأحساء وحل ضيفا على الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الشافعي الأحسائي، ثم رجع إلي وطنه حاملا زادا كثيرا من العلم وسلاحا قويا من المعرفة وقصد بلدة حريملاء لعلمه أن والده الشيخ عبد الوهاب انتقل إليها وذلك بعدما مات عبد الله بن معمر أمير العيينة سنة 1139 هـ وتولي بعده حفيده محمد بن حمد بن عبد الله بن معمر الملقب خرفاش فوقع بينه وبين الشيخ عبد الوهاب نزاع فعزله عن القضاء وولى الشيخ محمد إلي بلدة حريملاء جلس عند والده وأخذ يقرأ عليه وبعد فراغه من القراءة على والده يخلو بنفسه ويعكس على دراسة الكتاب والسنة وتفاسير علماء السلف الإجلاء وشروحهم للحديث والسنة وذلك بتدبر وإمعان، فبلغ رحمه الله _ الغاية القصوى والطريقة المثلي في معرقة معاني الكتاب والسنة واستنباط ما فيهما من الأسرار الشرعية والأحكام الدينية وأكب معهما على مطالعة مؤلفات شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ومؤلفات تلميذه محمد بن قيم الجوزية، فازداد بهما علما وتحقيقا وعرفانا وقد كتب بخط يده _ رحمة الله _ كثيرا من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية لا يزال بعضها موجودا بالمتحف البريطاني بلندن وكثر منه وهو مقيم في حريملاء الإنكار

ص: 18

للبدع والشركيات الموجودة في حريملاء والمنتشرة في دلك الزمن بنجد حتى وقع بينه وبين والده كلام ووقع بينه وبين أهل بلدة حريملاء جدال وخصام ولكنه لم يصدع بالدعوة ويصرح بإنكار الشرك إلا بعد وفاة والده الشيخ عبد الوهاب سنة ألف ومائة وثلاث وخمسين من الهجرة فأشتد إنكاره على الشرك والبدع وأخذ يعلن دعوة التوحيد الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلي آخرهم وأخذ ينشر شرائع الإسلام ويكاتب أهل بلدان نجد يأمرهم بعبادة الله وينهاهم عن التعلق على غير الله نم الأولياء والصالحين والأشجار والأصنام وأخذ يأمر بالمعروف وينهى هن المكر ويعاقب عليه وذلك بعد ما تبعه على الحق أناس من أهل حريملاء شدوا أزره وقاموا بامتثال أمره ونصرته فذاع خيره في بلدان نجد فتوافد عليه أناس كثيرون من أهل العارض وغيرهم من قرى نجد فأخذوا يقرأون عليه كتب الحديث والسيرة التفسير والفقه1 وصنف كتاب التوحيد فقرئ عليه في حريملاء ودرس فيه وانتشرت نسخه في نجد غير أنه حدث له _ رحمة الله تعالى _ ما أوجب انتقاله من بلدة حريملاء وذلك أنه خشي وخاف على نفسه الاغتيال بها لان رؤساء هذه البلدة قبيلتان ترجعان إلي أصل واحد من وائل وكل واحدة من هاتين القبيلتين تدعي لنفسها القوة والغلبة والكلمة النافذة ولم يكن لهم رئيس واحد يزع الجميع ويحترمون أمره ويخشونه وكان في البلدة موال لإحدى القبيلتين يسمون آل حمين كثر تعديهم وفسقهم فأراد الشيخ _ رحمه الله _ أن يمنعوا عن الفساد وينفذ فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلما علم هؤلاء الموالي المفسدون بذلك هموا إن يفتكوا بالشيخ ويقتلوه سرا بالليل فجاءوا إليه وتسوروا عليه الجدار فعلم الناس بهم فصاحوا فيهم فهربوا فلم يطمئن الشيخ بعد هذه الحادثة إلي الإقامة في بلدة حريملاء فانتقل منها إلي بلدة العيينة فتلقاه أميرها عثمان بن حمد بن معمر بالقبول والمناصره وأكرمه غاية الإكرام وألزم الخاصة والعامة إن يمتثلوا أمره ويقبلوا

1 ذكر الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب جده أن الشيخ محمدا صنف كتابه التوحيد في البصرة.

ص: 19

قوله وتزوج الشيخ عند عثمان بالجوهرة1 بنت عبد الله بن معمر وكان في العيينة وما حولها كثير من القباب والأوثان والمشاهد على قبور الصحابة ولأولياء وبها كثير من الأشجار ولأحجار التي يعظمونها ويذبحون لها كقبة زيد2 بن الخطاب في الجبيلة وشجرة قريوه وشجرة أبي دجانة والذيبي فأخذ الشيخ _ رحمه الله _ يقرر للأمير عثمان توحيد العبادة ويفسر له معنى لا إله إلا الله وما اشتملت عليه وتضمنته من نفي وإثبات ومضى يبين له الإسلام الصحيح قبل ظهور الشرك وسرب البدع ويطلب منه محو الأوثان وقطع الأشجار وهدم القباب وأزاله المشاهد فأجابه الأمير عثمان إلي ذلك فخرج الشيخ _ رحمه الله _ وخرج معه لأمير عثمان _ عفا الله عنه _ وخرج معهما رجال كثيرون من جند عثمان فأتوا إلي تلك الأماكن المذكورة فقطوا الأشجار وهدموا المشاهد والقباب وكان الشيخ – رحمه الله هو الذي تولى هدم قبة زيد بن الخطاب بيده فلم يبق بعد ذلك وثن في هذه البلاد التي تحت ولاية عثمان بن معمر.

وبعد هذا أتت امرأة إلي الشيخ واعترفت عنده بما يوجب الرجم وتكرر منها الاعتراف الإقرار، فسأل عنها فوجدها صحيحة القوى كاملة العقل فلقنها الشيخ الإكراه فأقرت واعترفت فأمر عليها فرجمت، فلما حصل ذلك وشاع وتناقلته الأخبار أنزعج ولاة السوء من المترفين وعلماء الضلال وهالهم محو ما ألفوه من المعابد والأوثان وإقامة ما عطلوه من الحدود الشرعية فشنعوا على الشيخ ورموه بالزور والبهتان ففند أقوالهم وأدحض حججهم بأدلة قاطعة من السنة والقرآن، فلما أعيتهم الحجة وأعجزهم البرهان عمدوا إلي المكر والحيلة فأرادوا أن يدركوا بالسيف والسنان ما عجزوا عن إدراكه من قبل

1هي الجوهرة بنت عبد الله بن معمر التي نزل محمد بن سعود بن محمد مقرن في أمانها هو ومن معه بعد ما طلب ذلك، كما ذكر ذلك المؤرخ ابن بشر في سابقة 1139 من تاريخه وهي عمة الأمير عثمان بن حمد عفا الله عنه.

2 هو زيد بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

ص: 20

بالزور والبهتان فشكوه إلي شيخهم وزعيمهم سليمان بن محمد بن عريعر الحميدي حاكم الأحساء والقطيف في ذلك الزمان فأغروه به وصاحوا عنده وقالوا إن هذا يريد أن يخرجكم من ملككم ويسعى في قطع ما أنتم عليه من الأمور ويبطل المكوس والعشور فخشي ابن عريعر الحميدي أن يستفحل أمر هذا الدعوة السلفية فتلوي بحكمه وتطيح بسلطانه فكتب إلي عثمان بن معمر كتابا يأمره فيه بإخراج الشيخ من بلدته ويهدده فيه إذا هو لم يخرجه بغزوه وقطع مرتبه وكان ابن عريعر قد أجرى لابن معمر مخصصا شهريا فأنصاع ابن معمر لأمره وأمر على الشيخ بمغادرة بلدته.

خروج الشيخ من العيينة:

فخرج الشيخ منها وولي وجهه شطر الدرعية فوصلها وحل ضيفا بها على أحد تلامذته وهو الشيخ أحمد بن سو يلم العريني وذلك سنة 1158 هـ فلما علم بمقدمه أمير الدرعية محمد بن سعود بن محمد بن مقرن أسرع بالمسير إليه ودخل عليه في دار الشيخ أحمد بن سو يلم وقابله بالبشر والحفاوة العظيمة والإكرام وقال له بعد السلام أبشر أيها الشيخ بالنصر والمنعة فقال الشيخ وأنا أبشرك _ إن شاء الله _ بالأجر والعز والتمكين والغلبة وهذه كلمة لا إله إلا الله من تمسك بها ونصرها غنم في الدنيا وربح في الآخرة وهي كلمة التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأنزلت به الكتب ثم أخذ الشيخ يخبر الأمير محمد بن سعود بحقيقة الإسلام قبل حدوث الشرك وتسرب البدع ويبين له ما دعا إليه الرسول صلى عليه وسلم من توحيد الله وإفراده جل وعلا بالعبادة دون ما سواه، ويخبره بما نهى عنه الرسول من عباده المخلوقين من البشر وغيرهم من الأشجار والأصنام والأحجار ويذكر له إن ما عليه اليوم أهل نجد من البدع والإشراك ودعاء الأموات هو عين ما كان عليه أهل الجاهلية الأولي قبل بعثة سيد المرسلين من التعلق على غير الله من الأولياء والصالحين وغيرهم من الأصنام والأحجار ولأشجار وقد كان أهل نجد في زمن الشيخ خلعوا ربقة الإسلام والدين وعادوا إلي

ص: 21

ما كان عليه مشركوا العرب الأولين من التعلق على غير الله من الأولياء والصالحين وغيرهم من لأوثان والأصنام الأحجار ينتابون قبر زيد بن الخطاب يسألونه قضاء الحاجات وتفريج الكربات وقبرا يزعمونه قبر ضرار 1 ابن الازور وشجرة تسمى الطرفية يعتقدون فيها كما أعتقد قبلهم في ذات أنواط مشركوا الجاهلية ومغارة يسمونها مغارة بنت الأمير لها قصة زعمهم تاريخية وطاغوتا عندهم يسمى تاجا وثانيا يسمى يوسف وثالثا يسمى شمسانا2 يعبدونهم زاعمين أن لهم تصرفا ونفعا وفحال نخل يختلف إليه نساؤهم إذا لم يلدن أو لم يتزوجن يقلن له يا فحل الفحول نريد ولدا أو زوجا قبل الحول بل كانوا شرا مما ذكرنا وأسوأ حالا مما إليه أشرنا كانوا في جاهلية جهلاء وضلالة نكراء فيهم من كفر الإتحادية3 والحلولية وملاحدة الصوفية ما يرون أنه من الشعب

1 هو ضرار بن الأزور الأسدي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو الذي قتل فيما بعد مالك بن نويرة بأمر خالد بن الوليد. أستشهد ضرار بن الأزور يوم اليمامة وقيل مكث في اليمامة مجروحا ثم مات قبل أن يرتحل خالد بن الوليد عن اليمامة بيوم وكان ضرار قاتل يوم اليمامة قتالا شديدا حتى قطعت ساقاه جميعا فجعل يحبو على ركبتيه ويقاتل وتطؤه الخليل حتى غلبه الموت وقيل إنه قتل يوم أجنادين وقيل أنه لم يقتل بل توفي في الكوفة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولكن الأرجح والأصح أنه قتل باليمامة. راجع لذلك طبقات ابن سعد ج 6 / ص 39 والإصابة ج 3/ ص 1269 وأسد الغابة ج 2 / ص 39 والاستيعاب لابن عبد البر ج 2/ ص 502 والكامل لابن الأثير ج 2 / ص 136.

2 وفي بلدة الرياض آنذاك طاغوت يسمى طالب الحمضي وسيرد له ذكر في رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي كتبها إلي سليمان بن سحيم وذكر الرواة عن طالب الحمضي فضائح لا يليق ذكرها هنا.

3 والدليل على ذلك ما ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته التي كتبها إلي أهل الرياض وأهل منفوحة حيث يقول بالحرف الواحد ما نصه: "وكذلك أيضا من أعظم الناس ضلال متصوفة في معكال وغيره مثل ولد موسى بن جوعان وسلامة بن مانع وغيرهما يتبعون مذهب ابن عربي وابن الفارض وقد ذكر أهل العلم أن ابن عربي من أئمة أهل مذهب الاتحادية وهم أغلظ كفرا من اليهود والنصارى فكل من لم يدخل في دين محمد صلى الله عليه ويتبرأ من دين الاتحادية فهو كافر بريء من الإسلام ولا تصح الصلاة خلفه ولا تقبل شهادته" انتهى ما ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب نقلا عن تاريخ ابن غنام طبعة المدني ص 344

ص: 22

الإيمانية والطريقة المحمدية وفيهم من إضاعة الصلوات وشرب المسكرات ما هو معروف مشهور، فلهذا، لما أن بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب للأمير محمد بن سعود حقيقة الإسلام والإيمان وأخبره ببطلان ما عليه أهل نجد من عبادة الأوثان والأصنام والأشجار قال له: يا شيخ لاشك عندي أن ما دعوت إليه أنه دين الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه وأن ما عليه اليوم أهل نجد من هذه العبادات الباطلة هو كما ذكرت نفس ما كان عليه المشركون الأولون من الكفر بالله والإشراك فابشر بنصرتك وحمايتك وقيام بدعوتك، ولكن أريد أن أشترط عليك شرطين نحن إذا قمنا بنصرتك وجاهدنا معك ودان أهل نجد بالإسلام وقبلوا دعوة التوحيد أخاف أن ترتحل عنا وتستبدل بنا غيرنا والثاني أن لي على أهل الدرعية قانوتا آخذه منهم وقت حصاد الثمار وأخاف أن تقول لا تأخذ منهم شيئا فقال الشيخ أما الشرط الأول فابسط يدك أعاهدك الدم بالدم والهدم بالهدم، وأما الثاني فلعل الله أن يفتح عليك الفتوحات فيعوضك من الغنائم والزكوات ما هو خير منه، فتم التعاهد والاتفاق بينهما رحمهما لله تعالى _ في ذلك المجلس على إظهار دين الله والجهاد في سبيله وطمس مظاهر الإشراك ومحو آثاره واقتلاع جذوره وتصحيح العقائد وتطهير الإسلام وتخليصه مما علق به من الاشراك وألصق به من الخرافات وتعاهدا مع هذا على جمع كلمة أهل نجد وإصلاح فسادهم ولم شعثهم لأن نجدا لم تكن في زمنهما خاضعة لإمارة واحدة يحترمها الجميع وينضوون تحت لوائها بل كانت مفككة الأجزاء كل واحد أمير بلدته وكل واحد يرى الزعيم من في بردته وقد أدى هذا التفرق بأهل نجد إلي الفوضى واضطراب الأمن وسفك الدماء فعمل هذان الإمامان على جمع كلمة أهل نجد وتوحيد صفهم كما عملا على هدايتهم.

فلما تم التعاقد والاتفاق بين الشيخ محمد والأمير محمد بن سعود، قام الشيخ 1 ودخل مع ابن سعود البلد واستقر عبده محترما معززا، فلما استقر

1 لأن دار مضيفه أحمد بن سو يلم خارج بلدة الدرعية

ص: 23

في الدرعية توافد عليه أنصاره الذين كانوا في العيينة ومعهم أناس من رؤساء المعامرة معا كسين لعثمان بن معمر وهاجر إلي الدرعية أناس غيرهم من بلدان نجد وقراها وذلك لما علموا أن الشيخ أقام بالدرعية وعلموا مع هذا أنه منع ونصر، ولما أستوطن الشيخ الدرعية ومكث بها وجد أهلها مثل عامة قرى نجد وبلدانها قد وقعوا في الشرك والبدع والتهاون بالصلاة والزكاة وسائر شعائر الإسلام وأركانه فتصدى لهم الشيخ _ رحمه الله _ بالمناصحة والتذكير وأخذ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وأمرهم وأمرهم بتعلم معني لا إله إلا الله وأخبرهم أنها تنفي جميع ما يعبد من دون الله وتثبت العبادة لله وحده دون ما سواه ثم أمرهم بتعلم ثلاثة الأصول ومعرفة معنى الإسلام وأركانه الخمسة التي بني عليها ومعرفة النبي - محمد صلي الله عليه وسلم _ ومعرفة اسمه ونسبة ومبعثه وهجرته ومعرفة ما دعا إليه من الإسلام الصحيح والتوحيد، فلما ذاقوا طعم الإسلام واستقر في قلوبهم معرفة التوحيد بعد جهلهم به وبعدهم عن معرفته أسرب في قلوبهم محبة الشيخ ومحبة من هاجر إليه في الدرعية فأخذ الشيخ _ رحمة الله _ يكاتب الناس وهو مقيم في الدرعية وعلى الأخص الرؤساء والعلماء يوضح لهم معني الإسلام وحقيقة التوحيد ويحضهم على أتباع شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويأمرهم بنبذ البدع والإشراك والإقلاع عن أخذ الرشا وأكل السحت وأخذ يزيل ما وقع في نفوسهم وقام بها من الشبهات وذلك عن طريق المراسلات والمكاتبات، فمنهم من قبل من الشيخ ودان له بدعوة الإسلام الصحيح والدين فثاب إلي الرشد وهجر البدع وتخلى عن عبادة الأوثان والأصنام ومنهم من استكبر وأبى وألب وعادى وأفتى بحل دم الشيخ ودم إخوانه الموحدين وأنصاره ووجوب غزوهم في أرضهم وعقر دارهم.

الجهاد:

فعند ذلك أمر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالجهاد دفاعا عن النفس والأهل والمال وردا لعادية الشرك وطغيان الضلال فحينئذ شمر الإمام محمد بن سعود

ص: 24

ابن محمد بن مقرن عن ساعد الجد ولبي نداء الواجب واستجاب الداعي الجهاد فحمل علم الإسلام ورفع راية التوحيد فأخذ يغزو أنصار الشرك ويجاهد أحزاب الضلال إحدى وعشرين سنة فما ضعف ولا استكان فأعز الله به الدين وأظهر به دعوة الإسلام والتوحيد فأبصر أهل نجد طريق الخير ولرشد ورجعوا عن الغي ودخلوا في دين الله أفواجا فأصبحوا بفضل الله ثم بفضل هذا الدعوة والجهاد المقدس بعد أن كانوا أحزابا متفرقين وأعداء متقاطعين إخوانا متآلفين تجمعهم كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله تحت راية الإسلام الصحيح ولواء التوحيد المطهر فصاروا بعد ذلك مضرب المثل في الوفاء والاستقامة والدين وبعد ذلك أستأثر الله ب الإمام المجاهد العظيم محمد بن سعود بن محمد بن مقرن فتوفاه سنة ألف ومائة وتسع وسبعين من الهجرة فقام بعده في الإمامة وخلفه في مؤزرة الشيخ محمد ومناصرته ابنه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود فسار سير والده في الدفاع عن الإسلام وحماية الدعوة ومتابعة الجهاد والغزو، ففتح الله عليه الرياض وخرج منه ابن دواس هاربا خائفا لا يلوى على أحد فدخله الإمام عبد العزيز واستولى عليه رحمة الله وملكة وذلك سنة ألف ومائة وسبع وثمانين من الهجرة، وبعد هذا الفتح دانت له نجد كلها واتسع ملكه إلي ما ورائها فملك الأحساء والقطيف والزبارة1 وملك تهامة وما يليها من اليمن والحجار ما عدا الحرمين الشريفين، فأقام العدل رحمة الله تعالى في ربوع هذه الولايات كلها وأقر الأمن فيها ورجع بأهلها إلي الإسلام الصحيح الذي يأمر بعبودية الله وحده وينهي نهيا باتا عن اتخاذ الوسائط والشفعاء وبعد مضي سبع وعشرين سنة من ولاية الإمام عبد العزيز ابن الإمام محمد بن سعود توفى الله المصلح الإسلام العظيم الشيخ محمد بن عبد الوهاب وذلك سنة ألف ومائتين وست من الهجرة عن واحد وتسعين عاما قضاها في تحصيل العلم ونشره والقيام بدعوة الإسلام الصحيح والتوحيد، فقد أخذ عنه _ رحمة الله _

1 الزبارة تقع بين قطر والبحرين وكانت مقر حكام البحرين من آل خليقة في ذلك الوقت.

ص: 25

العلم عدد كثير نذكر في هذه الترجمة المختصرة بعض أعيانهم وهم أبناؤه الأربعة الشيخ عبد الله والشيخ حسين والشيخ علي والشيخ إبراهيم وحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن والشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر والشيخ عبد العزيز بن عبد الله الحصين والشيخ عبد الرحمن بن نامي والشيخ عبد الرحمن بن خميس الفرضي والشيخ عبد العزيز "أبا" حسين الوهيبي التميمي والشيخ حسن بن عيدان والشيخ عبد العزيز بن سو يلم والشيخ حمد بن راشد العريني والشيخ محمد بن سلطان العوسجي، وأخذ عنه غير هؤلاء خلق كثير تولوا مناصب القضاء والإفتاء والتدريس وقاموا بواجب العلم ونشر دعوة الإسلام والتوحيد في زمنهم _ رحمه الله.

وقد ألف الشيخ محمد _ رحمه الله _ مؤلفات كثيرة مفيدة منها: كتاب التوحيد وكتاب كشف الشبهات ومفيد المستفيد في حكم تارك التوحيد وكتاب الكبائر وكتاب أصول الإيمان وفضائل الإسلام وكتاب أحاديث الفتن ومختصر السيرة النبوية ومختصر زاد المعاد ومختصر الإنصاف والشرح الكبير ومسائل الجاهلية1 ومجموع الحديث رتبة ورحمه الله على أبواب الفقه وكتاب آداب المشي إلي الصلاة واستنباط القرآن وكتاب نصيحة المسلمين بأحاديث خاتم المرسلين وكتب _ رحمة الله _ رسائل كثيرة في تقرير التوحيد وتوضيحه تبلغ مجلدا كبيرا أورد البعض منها الشيخ حسين بن غنام في تأريخه هذا وقد رثاه الشيخ حسين بن غنام بقصيدة مؤثرة تبلغ أبياتها زهاء تسعة وثلاثين بيتا ومطلعها:

إلي الله في كشف الشدائد نفزع

وليس إلى غير المهيمين مفزع

وكذلك الإمام محمد بن علي الشوكاني لما بلغه نعي الشيخ رثاه بقصيدة طويلة تبلغ أبياتها زهاء مائة بيت ومطلعها:

مصاب دهي قلبي فأذكي غلائلي

وأصمي بسهم الافتجاع مقاتلي

1 أي المسائل التي خالف رسول الله صلي الله عليه وسلم أهل الجاهلية.

ص: 26

وكان الشيخ _ رحمه الله _ متعبدا يحيي غالب الليل صلاة قراءة وتهجدا وكان _ رحمه الله _ مع هذا متعففا متورعا لا يأكل من بيت المال إلا بالمعروف، وبيت المال في يده ورهن تصرفه، وكان سخيا جوادا توفي _ رحمة الله _ ولم يخلف شيئا من المال ولا العقار غير دارة التي كان يسكنها في حياته رحمه الله بل كان عليه دين كثير أقترضه في إنفاقه على الغرباء والمعوزين من أهل العلم وغيرهم وقد أوفى الله عنه هذا الدين. وقد أنجب الشيخ رحمه الله تعالى ستة أبناء علماء فضلاء هم المشايخ على وحسين وعبد الله وحسن وإبراهيم وعبد العزيز رحم الله الشيخ ورضي عنه وأرضاه وجعل جنة الخلد منزله ومأواه.

وقد بارك الله في ذريته فبلغوا عددا كثيرا وهذه الذرية الكثيرة المباركة جميعهم من أبناء الشيخ الأربعة وهم الشيخ علي والشيخ حسين والشيخ عبد الله والشيخ حسن، وأما الشيخ إبراهيم والشيخ عبد العزيز أبنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب فليس لهما ذرية ولا عقب، فآل الشيخ الموجودون اليوم منحدر ون عن أبناء1 الشيخ محمد الأربعة الذين ذكرناهم آنفا رحم الله الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبارك في ذريته وأحفاده وجعلهم قادة خير وهذى وصلى الله على محمد وآله وسلم.

1 وضعنا بآخر الكتاب بيانا يتضمن بيان ذرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب المنحدرين عن أبنائه الأربعة المذكورين أعلاه رحم الله الجميع إنه سميع مجيب.

ص: 27