الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بْنُ جلهمة الْقُضَاعِيّ مَلِكَ الْحَضْرِ، فَأَغَارَ عَلَى سَابُورَ الْجَنُودِ مَلِكِ الْفُرْسِ فَسَبَى أُخْتَه، فَغَزَاهُ سَابُورُ وَحَاصَرَهُ سَنَتَيْنِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَذَاتَ يَوْمٍ أَشْرَفَتْ النُّضَيْرَةُ بِنْتُ الضَّيْزَنِ عَلَى سَابُورَ فَنَظَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ فَأَعْجَبَهَا وَأَعْجَبَتْهُ، فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ: مَا لِي عِنْدَك إنْ أَنَا فَتَحْت لَك الْحَضْرَ؟ فَوَعَدَهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَرْفَعَهَا عَلَى نِسَائِهِ. فَدَلَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ، فَفَتَحَ الْحَضْرَ، وَقَتَلَ أَبَاهَا وَخَرَّبَ الْحِصْنَ وَتَزَوَّجَهَا.
وَلَمَّا قَفَلَ عَائِدًا بَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَلَمْ تَنَمْ النُّضَيْرَةُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَادَّعَتْ خُشُونَةَ الْفِرَاشِ فَنَظَرَ فَإِذَا تَحْتَهَا وَرَقَةُ آسٍ قَدْ أَثَّرَتْ فِي جِلْدِهَا، فَقَالَ لَهَا: بِمَ كَانَ يَغْذُوك أَبُوك؟ قَالَتْ: بِشَهْدِ الْأَبْكَارِ مِنْ النَّحْلِ وَلُبَابِ الْبُرِّ وَمُخِّ الثَّنِيَّاتِ.
فَقَالَ سَابُورُ: أَنْت مَا وَفَّيْت لِأَبِيك عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ، فَكَيْفَ تَكُونُ حَالُك مَعِي؟ فَبَنَى لَهَا بِنَاءً عَالِيًا فَقَالَ لَهَا: أَلَمْ أَرْفَعْك فَوْقَ نِسَائِي؟ قَالَتْ: بَلَى. فَأَمَرَ أَنْ تُرْبَطَ ذَوَائِبُ شَعْرِهَا فِي ذَنَبَيْ فَرَسَيْنِ جَمُوحَيْنِ ثُمَّ نَفَرَا فَقَطَّعَاهَا إرَبًا.
حَضْرَمَوْتُ
بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَرَاءٍ، وَآخِرُهُ مُثَنَّاةٌ، جَاءَ فِي خَبَرِ خُرُوجِ الْعَنْسِيِّ، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَبَعَثَ - يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ إلَى صَنْعَاءَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ الْعَنْسِيُّ، وَهُوَ بِهَا، وَبَعَثَ زِيَادَ بْنَ لَبِيَدٍ أَخَا بَنِي بَيَاضَةَ إلَى حَضْرَمَوْتَ.
قُلْت: حَضْرَمَوْتُ، إقْلِيمٌ عَظِيمٌ مَشْهُورٌ مِنْ أَقَالِيمِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَهُوَ - جُغْرَافِيًّا - مَعْدُودٌ مِنْ الْيَمَنِ، وَهُوَ فِي جَنُوب الْجَزِيرَةِ، يَحُدُّهُ شَمَالًا رَمْلُ الْأَحْقَافِ الْمُتَّصِلُ بِمَا يُعْرَفُ الْيَوْمَ بِالرُّبْعِ الْخَالِي، وَجَنُوبًا بَحْرُ الْعَرَبِ الْمُتَّصِلُ بِالْمُحِيطِ الْهِنْدِيِّ، وَشَرْقًا عُمَانُ وَالْبَحْرُ الْعَرَبِيُّ أَيْضًا، وَغَرْبًا مُقَاطَعَةُ عَدَنِ أَبْيَنَ وَقَضَاءُ مَأْرَبٍ.
وَكَانَ حَضْرَمَوْتُ يَتَكَوَّنُ مِنْ ثَلَاثِ مُقَاطَعَاتٍ جُغْرَافِيَّةٍ هِيَ: ظَفَارُ وَالْمُهْرَةُ وَالشِّحْرُ، غَيْرَ أَنَّ ظَفَارَ مَعْدُودَةٌ الْيَوْمَ مِنْ سَلْطَنَةِ عُمَان.
وَأَهَمُّ مُدُنِ حَضْرَمَوْتَ الْيَوْمَ: الْمُكِلَّا وَالشِّحْرُ عَلَى الْبَحْرِ الْعَرَبِيِّ، وَشِبَامُ وسيون وَتِرِيمُ وَكُلُّهَا، فِي الدَّاخِلِ عَلَى وَادِي حَضْرَمَوْتَ.
وَتَتَكَوَّنُ طَبِيعَةُ حَضْرَمَوْتَ مِنْ أَرْبَعِ ظَوَاهِرَ تَمْتَدُّ مِنْ الشَّرْقِ إلَى الْغَرْبِ: سِلْسِلَةٌ جَبَلِيَّةٌ تَتَّصِلُ بِجِبَالِ الْيَمَنِ ثُمَّ بِسَرَاةِ الْحِجَازِ عَلَى شَكْلِ زَاوِيَةٍ مُنْفَرِجَةٍ جَنُوب شَرْقِيِّ نَجْرَانَ، ثُمَّ سَهْلٌ يَتَخَلَّلهُ وَادِي حَضْرَمَوْتَ، وَهُوَ جُلُّ الْمِنْطَقَةِ الزِّرَاعِيَّةِ فِي الْإِقْلِيمِ، ثُمَّ سِلْسِلَةٌ جَبَلِيَّةٌ أُخْرَى أَقْصَرُ مُدًى وَلَكِنَّهَا أَعْلَى ارْتِفَاعًا، ثُمَّ السَّهْلُ السَّاحِلِيُّ الْمُتَّصِلُ بِسَوَاحِلِ الْيَمَنِ غَرْبًا وَسَاحِلِ عُمَان شَرْقًا.
وَتَضُمُّ الْيَوْمَ حَضْرَمَوْتَ وَعَدَنَ وَلَحْجًا دَوْلَةً وَاحِدَةً بِاسْمِ الْجُمْهُورِيَّةِ الْيَمَنِيَّةِ الْجَنُوبِيَّةِ، وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا الْيَمَنُ الْجَنُوبِيُّ، وَلِلْحَضَارِمَةِ شُهْرَةٌ فِي التِّجَارَةِ، وَلَهُمْ سُمْعَةٌ طَيِّبَةٌ فِي شُؤُونِ الْمَالِ وَالِاقْتِصَادِ، وَلِحَضْرَمَوْتَ تَأْرِيخٌ مُطَوَّلٌ مِنْ قَبْلِ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ، لَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِشَيْءِ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْعُجَالَةِ.