الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
(1)
ثمَّ
تأمَّل جسمَ الطَّائر وخِلقَته
؛ فإنه حين قُدِّر بأن يكون طائرًا في الجوِّ خُفِّفَ جسمُه، وأُدْمِجَ خَلقُه، واقتُصِرَ به من القوائم الأربع على اثنتين، ومن الأصابع الخمس على أربع، ومن مخرج البول والزِّبل على واحدٍ يجمعُهما جميعًا.
ثمَّ خُلِقَ ذا جُؤْجُؤٍ
(2)
محدودٍ
(3)
ليسهُل عليه اختراقُ الهواء كيف توجَّه فيه، كما يُجْعَلُ صدرُ السَّفينة بهذه الهيئة ليشقَّ الماءَ بسرعةٍ ويَنْفُذ فيه، وجُعِلَت في جناحيه وذنبه رِيشاتٌ طِوالٌ مِتانٌ لينهض بها للطَّيران، وكُسِيَ جسمُه كلُّه الرِّيشَ ليتداخَله الهواءُ فيحمله.
ولمَّا قُدِّر أن كان
(4)
طعامُه اللَّحمَ والحَبَّ، يبلعُه بلعًا بلا مضغ، نُقِصَ من خَلْق الأسنان، وخُلِق له مِنقارٌ صُلبٌ يتناولُ به طعامه، فلا يَنْسَحِجُ
(5)
مِنْ لَقْطِ الحبِّ ولا يَنْقَصِفُ من نهش اللحم
(6)
.
ولمَّا عَدِم الأسنانَ وصار يزدَرِدُ الحَبَّ صحيحًا واللَّحمَ غَرِيضًا
(7)
(1)
«الدلائل والاعتبار» (37)، «توحيد المفضل» (67 - 68).
(2)
وهو الصَّدر. وقيل: عظامُه. وقيل: مجتَمعُ رؤوس عظامه. «اللسان» (جأجأ).
(3)
(ض): «محدد» .
(4)
(ح، ض، ر): «يكون» . وسقطت من (ن).
(5)
أي: يتقشَّر. «اللسان» (سحج).
(6)
(ق): «نهس اللحم» . والنهس: أخذُ اللحم بمقدَّم الأسنان، والنهش: الأخذ بجميعها. وقيل فيهما غير ذلك. «اللسان» (نهش، نهس).
(7)
(ح، ت، ن): «عريضًا» . والغريض من اللحم: الطَّري. «اللسان» .
أُعِين بفضل حرارةٍ في الجوف تطحنُ الحَبَّ وتطبخُ اللَّحم، فاستغنى عن المضغ.
والذي يدلُّك على قوَّة الحرارة التي أُعِين بها أنك ترى عَجَمَ الزَّبيب وأمثاله يخرجُ من بطن الإنسان صحيحًا، وينطحنُ
(1)
في جوف الطَّائر حتى لا يُرى له أثر.
ثمَّ اقتضت الحكمةُ أن جُعِل يبيض بيضًا ولا يلدُ ولادةً؛ لئلَّا يثقُل عن
(2)
الطَّيران؛ فإنه لو كان مما يحملُ ويمكثُ حملُه في جوفه حتى يَستحكِمَ ويكمُل لأثقَله وعاقَه عن النُّهوض والطَّيران.
وتأمَّل الحكمةَ في كون الطَّائر المُرسَل السَّابح
(3)
في الجوِّ يُلْهَمُ صبرَ نفسِه أسبوعًا أو أسبوعين باختياره، قاعدًا على بيضه، حاضنًا له، ويحتملُ مشقَّة الحبس، ثمَّ إذا خرجَ فِراخُه تحمَّل مشقَّة الكسب وجمع الحبِّ في حَوْصلته، ثمَّ يَزُقُّه فراخَه
(4)
، وليس بذي رويَّةٍ ولا فكرةٍ
(5)
في عاقبة أمره، ولا يؤمِّلُ في فِراخه ما يؤمِّلُ الإنسانُ في ولده من العون
(6)
والرِّفد وبقاء الذِّكر.
(1)
(ح، ن): «وينطبخ» .
(2)
(ت): «في» .
(3)
(ض): «السائح» .
(4)
زقَّ الطائرُ الفَرخَ: أطعمَه بفمه. (ر): «فيغذو به فراخه» . وفي (ض): «ثم يقبل عليه فيزقه الريحَ؛ لتتسع حوصلته للغذاء، ثم يربيه ويغذيه بما يعيش به» .
(5)
(ق): «تفكر» . (ت): «يفكر» .
(6)
(ر، ض): «العز» .