الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفهوم التفسير
تدور مادَّةُ «فَسَرَ» في لُغةِ العربِ على معنى البيانِ والكشفِ والوضوحِ (1)، ومما وردَ في ذلكَ: فَسَرْتُ الذِّراعَ: إذا كشفتُها. وفسَّرتُ الحديثَ: إذا بيَّنتُه.
وقد زعم قومٌ أنَّ «فَسَرَ» مقلوبٌ من «سَفَرَ» (2)، وهذا القولُ ليسَ بسديدٍ؛ لأنَّ الأصلَ أن يكون للفظةِ ترتيبُها، ودعوى القلبِ خلافُ الأصلِ.
كما أنه يكونُ لها المعنى الخاصُّ بها الذي تستقلُّ به. واشتراكُها مع غيرِها في معنى أصل المادَّةِ لا يعني أنَّها مشتقَّةٌ منها، ولو ادُّعي العكسُ لما كان هناك ما يبيِّنُ صحَّةَ إحدى الدَّعويينِ.
(1) ينظر في ذلك: مقاييس اللُّغةِ، لابن فارس (4:504). وينظر مادة «فسر» في معاجم اللغة.
(2)
ينظر على سبيل المثال: مقدمتان في علوم القرآن (ص:173)، والبرهان في علوم القرآن (2:147)، والتيسير في قواعد علم التفسير (ص:132).
قال الآلوسيُّ (ت:1270): «والقول بأنه مقلوب السَّفر، مما لا يسفر له وجه» (1).
والصَّحيحُ أنَّه كما بين المادَّتين تقاربٌ في اللَّفظِ، فكذلك بينهما تقاربٌ في المعنى، كما قاله الرَّاغبُ الأصفهانيُّ (ت: بعد 400) (2).
هذا، وقد اختلفتْ عباراتُ العلماءِ في البيان عن معنى التَّفسيرِ في الاصطلاحِ، وجاءوا بعباراتٍ شَتَّى، وقد اجتهدتُ في معرفةِ الصحيحِ منها في بيانِ مصطلحِ التَّفسيرِ، ورأيتُ أنَّ المرادَ بالتَّفسيرِ بيان المعنى الَّذي أرادَه اللهُ بكلامِه، فانطلقتُ من المعنى اللُّغويِّ للَّفظةِ، وهو البيانُ أو الكشفُ أو الشَّرحُ أو الإيضاحُ، وجعلتُه أصلاً أعتمدُه في تحديدِ المرادِ بالتَّفسيرِ.
وظهرَ لي بعدَ ذلك أن تكونَ أيُّ معلومةٍ فيها بيانٌ للمعنى، فإنها من التَّفسيرِ، وإن كان ليس لها أثرٌ في بيانِ المعنى فإنَّها خارجةٌ عن مفهومِ التَّفسيرِ، وإنما ذُكرت في
(1) روح المعاني (1:4).
(2)
ينظر: مقدمة جامع التَّفاسير، للراغب، تحقيق: الدكتور أحمد حسن فرحات (ص:47).
كتبِه، إمَّا لقربها من علمِ التَّفسيرِ بكونها من علومِ القرآنِ، وإمَّا لتفنُّنِ المفسِّر بذكرِ العلمِ الذي برز فيه، فجعل تفسيره للقرآنِ ميداناً لتطبيقاتِ علمِه، وإمَّا لوجودِ علاقةٍ أخرى بينها وبين ما يذكره المفسِّرُ، وإمَّا أن لا يكون لها علاقةٌ البتَّةَ، وإنما ذكرَها المفسِّرُ بسببِ المنهجِ الذي نهجَه في تفسيرِه.
وهذا البيان قد يكون بآية، وقد يكون بتفسير نبوي، وقد يكون بسنة عامة، وقد يكون بسبب نزول، وقد يكون باللغة، وقد يكون بذكر قصة الآية، وقد يكون بغيرها من المصادر التي هي من أنواع البيان عن معنى آي القرآن.
وهذا يعني أن المعلومات التي يذكرها المفسرون، وهي خارجة عن حدِّ البيان للآيات = ليس من صلب التفسير، وذِكْرُهم لها في تفاسيرهم ليس حجةً في إدخالها، لهذا قد يذكر بعضهم اعتراضات على بعض المفسرين، أو يذكر تنبيهاً في عدم دخول بعض المعلومات في التفسير، ومن ذلك:
1 -
قال ابن عطية الأندلسي (ت:542) في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1]: «وطلاق النساء حَلُّ عصمتهنَّ. وصور ذلك وتنويعه مما لا يختصُّ بالتفسير» (1).
(1) المحرر الوجيز، طـ: قطر (14:489).
2 -
قال أبو حيان الأندلسي (ت:745) في تفسير قوله تعالى: {فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23]: «وقد تعرَّض الزمخشري هنا لذكر فائدة تفصيل القرآن وتقطيعه سوراً، وليس ذلك من علم التفسير، وإنما هو من فوائد التفصيل والتسوير» (1).
3 -
قال الشوكاني (ت:1250) في أول سورة الإسراء: «واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين ـ كابن كثير والسيوطي وغيرهما ـ في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها، وليس في ذلك كثير فائدة، فهي معروفة في موضعها من كُتب الحديث، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وهو مبحث آخر، والمقصود في كُتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز وذكر أسباب النُّزول وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة» (2).
4 -
قال الطاهر بن عاشور (ت:1393) في تفسير قوله
(1) البحر المحيط (1:169).
(2)
فتح القدير (3:208). وكتابه رحمه الله لم يسلم من هذه الفَضْلَةِ التي لا تدعو إليها حاجة.