الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من التَّوسُّعِ بسببِ بروع القرطبيِّ (ت:671) في علمِ الفقه، ولأجلِ أَنَّه قصد إبرازَ ما يتعلَّقُ بالآيةِ من أحكامٍ فقهيَّةٍ من أيِّ وجه كان هذا التَّعَلقُ، ولا يلزم من هذا أن يكونَ كلُّ ما ذكره من مسائل الفقه هو من التَّفسيرِ، واللهُ أعلمُ.
وبعد هذا التَّطبيقِ، أرجو أن أكون قد وُفِّقتُ لتحديد مفهومِ التَّفسيرِ، وإن اختلفتَ معي في مثالٍ من الأمثلةِ التي أخرجْتها من صلبِ التَّفسرِ، فأرجو أن تكون موافقاً لي في مفهومِ التَّفسيرِ.
تنبيهان:
الأول: لا يعني حديثي هنا عن تحرير مصطلحِ التَّفسيرِ أنَّ المفسِّرَ يجبُ أن يقفَ على التَّفسيرِ، دونَ الشُّروع فيما يتعلَّقُ بالآية من علومٍ أخرى، وإنما مرادي هنا تحرير المصطلحِ فقط، فليُفهم هذا.
الثاني: أنه لا يُعترضُ على المفسرين الذين أدخلوا ما ليس من التفسير في تفاسيرهم؛ لأنَّه كان من منهجهم في كتبهم هذه أن يذكروا هذه المعلومات، لكن يُعترضُ عليهم إن جعلوا أنَّ التفسير لا يتمُّ إلا بها.
فائدة معرفة مفهوم التفسير:
الفائدة الأولى: معرفة أوَّل ما يجب أن يعرفه من قرأ
في التفسير، وهو بيان المعنى الجملي؛ لأنَّه إذا صحَّ له المعنى صار أصلاً صحيحاً يعتمد عليه في الاستنباط وغيره.
الفائدة الثانية: معرفة علاقة المعلومات التي يذكرها المفسرون في كتبهم بمفهوم التفسير، وبهذا يستخلص الأصل الأول الذي سبق ذكره في الفائدة الأولى.
الفائدة الثالثة: معرفة العلوم التي يجب على المفسر معرفتها، ومعرفة العلوم التي يحتاجها من أراد الزيادة على التفسير.
وقد كتب في موضوع العلوم التي يحتاجها المفسر بعض العلماءِ، لكنهم توسعوا في طلب هذه العلوم، وجعلوا فيها جملةَ العلومِ الشرعيةِ وعلومِ الآلة وغيرها مما يزيد عن حاجة المفسر، وهي إنما يحتاجها من أراد الزيادة عن التفسير، والدخول في التدبر والاستنباط.
ومن أول من بيَّن هذه العلوم الراغب الأصفهاني (ت: بعد: 400)، فقد ذكرها تحت عنوان:«بيان الآلات التي يحتاج إليها المفسر» ، وقد جعلها عشرة علوم، وهي علم اللغة، والاشتقاق والنحو، والقراءات، والسير، والحديث،
وأصول الفقه، وعلم الأحكام، وعلم الكلام، وعلم الموهبة (1).
وزاد من جاء بعده بعض العلوم؛ كعلوم البلاغة الثلاثة: المعاني والبيان والبديع، وجعلها ثلاثة علوم مستقلة (2).
وإذا كانت مهمة المفسِّر بيان معاني القرآن، فإنَّه عند تأمُّل هذه العلوم، وفحصها سيظهر ما يأتي:
1 -
أنَّ بعضها لا يلزم المفسِّرَ معرفتها؛ كعلم البلاغة وعلم أصول الفقه.
2 -
وأنَّ بعضها يكفيه منها مبادىء العلم دون الدخول في تفصيلته؛ كعلم النحو.
3 -
وأنَّ بعضها يحتاج منه جزءاً معيَّناً؛ كمعرفة دلالة الألفاظ من علم اللغة.
(1) مقدمة جامع التفاسير، تحقيق: أحمد حسن فرحات (ص:94 - 96).
(2)
ينظر: التيسير في قواعد علم التفسير، للكافيجي، تحقيق: ناصر المطرودي (ص:144 - 147)، وقد ذكر المحقق ممن حصرها في الخمسة عشر علماً شمسَ الدين الأصفهاني في مقدمات تفسيره، وقد ذكرها كذلك السيوطي في الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: أبو الفضل إبراهيم (4:185 - 188).
ولا شكَّ أنَّ من حصَّل هذه العلوم كان أوسع بحثاً وتقريراً في تفسيرِه؛ لكنه فيما يكون خارجَ حدِّ البيان عن معاني القرآن، والله أعلم.