الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«
…
أنكرَه قومٌ منْ رءوسِ العوامِ، فقالوا: إنَّه لا خُنْثَى، فإنَّ اللهَ تعالى قسَّمَ الخلقَ إلى ذكرٍ وأنثى.
قلنا: هذا جَهْلٌ باللُّغةِ، وغباوةٌ عنْ مَقْطَعِ الفَصَاحَةِ، وقُصُورٌ عن مَعْرِفَةِ سَعَةِ القُدْرَةِ.
أمَّا قدرةُ اللهِ سبحانَهُ، فإنَّه واسعٌ عليمٌ.
وأمَّا ظاهرُ القرآنِ، فلا ينفي وجودَ الخُنْثَى، لأنَّ اللهَ تعالى قال:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 49]، فهذا عمومُ مدحٍ، فلا يجوزُ تخصيصُه؛ لأنَّ القدرةَ تقتضيه.
وأمَّا قولُه: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49، 50]، فهذا إخبارٌ عن الغالبِ في الموجوداتِ، وسكت عن ذكر النَّادرِ؛ لدخوله تحت عمومِ الكلامِ الأوَّلِ. والوجودُ يشهدُ له، والعيانُ يُكَذِّبُ منكرَه» (1).
3 - أن يكونَ التَّفسيرُ غيرَ صحيحٍ، ويكونَ الاستنباطُ غيرَ صحيحٍ كذلك
.
(1) أحكام القرآن، لابن العربي، تحقيق: علي محمد البجاوي (4:1674 - 1675).
ومثاله: تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: 143]، قالت المعتزلة: إنَّ لن تفيد التأبيد، والمعنى: لن تراني أبداً، فيشمل نفيَ الرؤيةِ في الدنيا والآخرة.
قال أبو الفضلِ الطَّبرسيُّ الرافضيُّ المعتزليُّ (ت:548): «{قَالَ لَنْ تَرَانِي}: هذا جوابٌ من اللهِ، ومعناه: لا تراني أبداً؛ لأنَّ «لن» ينفي على وجه التَّأبيدِ، كما قال:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: 95]، وقال:{لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: 73]» (1).
وتفسيرُ «لن» في هذا الموضعِ على أنَّه للتَّأبيدِ غيرُ
(1) مجمع البيان في تفسير القرآن، للطبرسي (9:16).
وقال الزمخشريُّ في تفسير هذه الآيةِ «فإن قلتَ: ما معنى «لن» ؟ قلتُ: تأكيدُ النفي الَّذي تعطيه «لا» ، وذلك أنَّ «لا» تنفي المستقبلَ؛ تقول: لا أفعلُ غداً، فإذا أكَّدت نفيها قلت: لن أفعل غداً. والمعنى: أنَّ فِعلهُ ينافي حالي؛ كقوله: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} ، فقوله:{لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} نفيٌ للرؤيةِ فيما يُستقبَلُ، و {لَنْ تَرَانِي} تأكيدٌ وبيانٌ؛ لأنَّ النفيَ منافٍ لصفاتِه». الكشاف (2:113).