الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون قول بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن والسُّنَّةِ، أو عموم لغة العربِ، أو أقوال الصحابةِ في ذلك» (1).
وإذا وازنت بين هذه النُّقولِ تبيَّنَ لك أنَّهم تركوا مصطلحَ «طرق التفسير» إلى مصطلحٍ أحدثوه بدلاً عنه، وهو مصطلح «التفسير بالمأثور» ، ونزَّلوا ما ذكرَه شيخ الإسلام (ت:728) في حديثه عن «طرق التفسيرِ» على هذا المصطلحِ الذي اصطلحوا عليه.
ثانياً: علاقة المأثور بالرأي:
يُفهم ممن جعل التفسير بالرأي قسيماً للتفسير بالمأثور، أنَّ التفسير بالرأي ما عدا الأربعة المذكورة في التفسير بالمأثور، وهذا فيه عدم تحرير، وقد ظهر من ذلك نتائج؛ منها: أنَّ التفسير المأثور أصح من التفسير بالرأي، وأنه يجب الاعتمادُ عليه.
وهذا الكلام من حيث الجملة صحيحٌ، إلا أنه لم يقع فيه تحديد مصطلح الرأي، ومعرفة مستندات الرأي لكلِّ
(1) مقدمة في أصول التفسير، لابن تيمية، تحقيق: عدنان زرزور (ص:105).
جيلٍ من العلماءِ، وإذا تبينت هذه الأمور بانت العلاقة بينهما، وإليك بيانُ ذلك باختصار.
إنَّ تسمية هذه الأربعة بأنها مأثور جعل بعض الباحثين الذين اعتمدوا هذا المصطلح يغفل عن وقوع الاجتهاد في التفسير عند السلف، فإذا كان لهم اجتهاد، فهل هو تفسير بالرأي، أو يُعدُّ بالنسبة لهم مأثوراً؟.
فإذا كان المفسِّر المجتهد من الصحابة، فهل يُعدُّ تفسيرُه مأثوراً بالنسبة لغيره من الصحابة؟.
وإذا كان المفسر المجتهد من التابعين، فهل يُعدُّ تفسيرُه بالنسبة للصحابة مأثوراً؟.
لا شكَّ أنَّ الجواب: لا، لا يُعدُّ مأثوراً.
لكنَّ تفسير الصحابةِ بالنسبة للتابعين وأتباعهم مأثورٌ.
وتفسير التابعين بالنسبة لأتباع التابعين مأثورٌ.
والمراد بالمأثور هنا مطلق المعنى اللغوي أو الاصطلاحي عند علماء مصطلح الحديث. ولا يعني وصفه بأنه مأثور مطلق القبول، وتقديمه على غيره؛ لأنَّ في الأمر تفصيل ليس هذا محلُّه ولا يُمكن الخروجُ من هذه إلا إن قال من اصطلح على هذا المصطلح: أنا أريد بالرأي:
الرأيَ المذمومَ، وهذا ما لم يشر إليه من درج على هذين المصطلحين.
ولبيان المسألة أكثر، أقول: بعد أن تشكَّل تفسيرُ السلفِ، وتحدَّد في طبقاتِه الثلاثِ (الصحابة والتابعين وأتباع التابعين) كما هو ظاهرٌ من نقولِ المعتنين بكتابة علم التفسيرِ من علماء أهل السُّنة، الذين اعتمدوا النقل أو الترجيح بين الأقوالِ، صار التفسير المأثور عن السلف مصدراً يجب الرجوع إليه، والاعتماد عليه، وهذا ظاهر لا مشكلة فيه.
لكن هل يعني وصفه بأنه مأثور أنه لم يقع فيه تفسير بالرأي؟.
إنَّ التفسيرَ بالرأي كان منذ عهد الصحابةِ الكرام، وكان لهم مستندهم في الرأي، من القرآن والسنة واللغة وأسباب النُّزول وشيءٍ من مرويات بني إسرائيل، وأحوال من نزل فيهم القرآن
…
إلخ.
وجاء التابعون، وكان جملةٌ كبيرةٌ من تفسيرِهم بالرأي، وكان لهم اختيارٌ في التفسيرِ قد يخالفُ اختيارَ أفراد الصحابةِ، وكانت مستندات الرأي عندهم ما كان عند الصحابةِ، وزاد في مصادرهم تفسيرُ الصحابةِ؛ لأنهم جاءوا بعدهم.
ثمَّ جاء أتباع التابعين، وكان الحالُ كما كان في عهد التابعين، وعليهم وقف النقلُ في التفسير، كما هو ظاهر من كتب التفسير التي نقلت أقوال السلف.
وكان تفسيرُ كل طبقة بالنسبة لمن جاء بعدهم مأثوراً، لكنه لا يحملُ صفة القبولِ المطلقِ لأنه مأثورٌ فقط؛ لأنَّ فيه جملة من الاختلاف التي تحتاج إلى ترجيح القول الأولى = بل له أسباب أخرى مع كونه مأثوراً.
إذا تبين ما سبق، فإنَّ التفسيرَ المأثورَ عن السلف على قسمين:
القسم الأول: المنقول المحض الذي لا يمكن أن يرد فيه اجتهاد، ويشمل تفسيرات النبي صلى الله عليه وسلم وأسباب النُّزول وقصص الآي والغيبيات.
والقسم الثاني: ما كان لهم فيه اجتهاد، ويظهر فيما يرد عليه الاحتمال من التفسير.
وما دام في تفسيرهم رأي، فما نوع الرأي الذي عندهم، وما نوع الرأي الذي جاء بعدهم؟.
أما الرأي الوارد عنهم، فهو من قبيل الرأي المحمود؛ لأنهم لم يكونوا يقولون في القرآن بغير علم،