الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقال: استنبطتُ الرَّكِيَّة: إذا استخرجتَ ماءها» (1).
وقال الصَّغانيُّ: «وكلُّ شيءٍ أظهرته بعد خفائه: فقد انبطتَه واستنبطتَه. وقوله تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83]؛ أي: يستخرجونه.
ويقال: استنبط الفقيه: إذا استخرج الفِقهَ الباطنَ بفَهْمِه واجتهادِه» (2).
مِمَّ يكونُ الاستنباط
؟:
ينقسم القرآن إلى قسمين:
نص ظاهر لا يخفى، ولا يحتاج إلى تفسير، وهذا يستنبط منه مباشرة.
ونص يحتاج إلى تفسيرٍ، وهذا يكون الاستنباط منه بعد بيانه وتفسيرِه.
تحليل عملية الاستنباط، وذكر أنواعه المندرجة تحته:
الاستنباطُ ربط كلامٍ له معنى بمدلول الآيةِ، بأي نوع
(1) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (8:571).
(2)
العباب الزاخر واللباب الفاخر، للصغاني، تحقيق: محمدحسين آل ياسين (حرف الطاء: 207).
من أنواع الربطِ، كأن يكون بدلالة إشارةٍ أو دلالة مفهومٍ، أو غيرها.
وكلُّ كلامٍ رُبِطَ بمعنى الآيةِ فإنه من هذا الباب؛ لأنَّ الذي يقول به يرى أنَّ الآيةَ دلَّت عليه بأي نوع من أنواع الدِّلالة.
وقد يكون استنباطَ حكمٍ فقهيٍّ، أو يكونُ استنباطَ أدبٍ تشريعيٍّ عامٍّ، أو يكونُ استنباطَ أدبٍ أخلاقيٍّ في معاملةِ الناسِ، أو يكونُ استنباطَ فوائدَ تربويةٍ تتعلق بتزكيةِ النفوسِ، أو يكون استنباطَ فائدةٍ علميةٍ.
ومن أمثلة ذلك ما يأتي:
1 -
ما يُستنبط من قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187]، قال الجصَّاص (ت:370): «وفيها الدلالةُ على أنَّ الجَنَابَةَ لا تُنَافِي صحَّةَ الصومِ لما فيه من إباحةِ الجماعِ
من أوَّلِ الليل إلى آخره مع العلم بأنَّ المجامعَ في آخر الليل ـ إذا صادف فراغُه من الجماع طلوعَ الفجر ـ يصبح جُنُباً، ثم حُكِمَ ـ مع ذلك ـ بصحَّةِ صومه بقوله:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} » (1).
2 -
ومن ذلك ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية (ت:728) في معرض حديثه عن الإسرائيليات، قال: «.... ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَاّ قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَاّ مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22]، فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال، ضعَّفَ القولين الأوَّلَين وسكت عن الثالث، فدل على صحَّته، إذ لو كان باطلاً لردَّه كما ردَّهما، ثم أرشد إلى أنَّ الاطلاع على عدَّتِهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا:{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ} ، فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن
(1) أحكام القرآن، للجصاص (1:288).
أطلعه الله عليه، فلهذا قال:{فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَاّ مِرَاءً ظَاهِرًا} ؛ أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب.
فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف: أن تُستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن يُنبَّه على الصحيح منها ويبطل الباطل، وتُذكر فائدةُ الخلاف وثمرته لئلا يطول النِّزاع، والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيُشتغل به عن الأهم.
فأما من حكى خلافاً في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص، إذ قد يكون الصواب في الذي تركه، أو يحكي الخلاف ويطلقه ولا ينبه على الصحيح من الأقوال، فهو ناقص أيضاً، فإن صحَّحَ غير الصحيح عامداً فقد تعمَّد الكذب، أو جاهلاً فقد أخطأ.
كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته، أو حكى أقوالاً متعددة لفظاً ويرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى، فقد ضيَّع الزمان وتكثَّر بما ليس بصحيح، فهو كلابس ثَوبَيْ زُورٍ، والله الموفق للصواب» (1).
(1) مقدمة في أصول التفسير، تحقيق: عدنان زرزور (ص:100 - 102).
3 -
ومنها ما ذكر السيوطي (ت:911) من جملة الاستنباطات والفوائد في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام، قال: «فيها: أنه لا بأس بالاستخدام واتخاذ الرقيق والخادم في السفر.
واستحباب الرحلة في طلب العلم.
واستزادة العالم من العلم.
واتخاذ الزاد للسفر، وأنه لا ينافي التوكل.
ونسبة النسيان مجازاً وتأدباً عن نسبتها إلى الله تعالى.
وتواضع المتعلم لمن يتعلم منه، ولو كان دونه في المرتبة.
واعتذار العالم إلى من يريد الأخذ عنه في عدم تعليمه ما لا يحتمله طبعُه.
وتقديم المشيئة في الأمر.
واشتراط المتبوع على التابع.
وأنه يلزم الوفاء بالشرط.
وأن النسيان غيرُ مأخوذ به.
وأنَّ الثلاث اعتباراً في التكرار ونحوه.