المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: اهتمامه بالعقيدة من خلال تفسيره بصفة عامة - منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التفسير

[مسعد بن مساعد الحسيني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌قسم الدراسة - الباب الأول: تفسير الشيخ القرآن بالمأثور

- ‌الفصل الأول: تفسيره القرآن بالقرآن

- ‌الفصل الثاني: تفسيره القرآن بالسنة

- ‌الفصل الثالث: تفسيره القرآن بأقوال السلف من الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول: تفسيره القرآن بأقوال الصحابة

- ‌المبحث الثاني: تفسيره القرآن بأقوال التابعين

- ‌المبحث الثالث: موقف الشيخ من اختلاف السلف في التفسير

- ‌الباب الثاني: التفسير بالرأي أو بالمعلول

- ‌الفصل الأول: نظرته إلى العقل ومكانته من الشرع

- ‌الفصل الثاني: نظرته إلى التفسير بالرأي

- ‌الفصل الثالث: توفر أدوات التفسير بالرأي لدى الشيخ

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: معرفته باللغة ومدى اهتمامه بها في تفسيره

- ‌المبحث الثاني: معرفته بالنحو والإعراب ومدى اهتمامه به في تفسيره

- ‌المبحث الثالث: معرفته بالبلاغة ومدى اهتمامه بها في تفسيره

- ‌الفصل الرابع: مظاهر التفسير بالرأي عند الشيخ

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: التفسير الإفرادي

- ‌المبحث الثاني: التفسير الإجمالي

- ‌المبحث الثالث: الاستنباط المباشر من الآيات

- ‌الفصل الخامس: السمات العامة لتفسيره بالرأي

- ‌المبحث الأول: تمشيه مع روح الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الثاني: تمشيه مع تفسيرات السلف وأقوالهم

- ‌الباب الثالث: أهم الأغراض التي تناولها الشيخ أو حققها من خلال تفسيره

- ‌الفصل الأول: التركيز على العقيدة من خلال تفسيره

- ‌المبحث الأول: اهتمامه بالعقيدة من خلال تفسيره بصفة عامة

- ‌المبحث الثاني: أهم المباحث العقدية التي بين لها الشيخ في تفسيره

- ‌المطلب لأول: اهتمامه ببيان أقسام التوحيد من خلال تفسيره

- ‌المطلب الثاني: اهتمامه بتقرير أركان الإيمان من خلال تفسيره

- ‌المبحث الثالث: استنباطه جوانب حماية العقيدة من الآيات

- ‌الفصل الثاني: اهتمام الشيخ في تفسيره بالردود على المخالفين

- ‌الفصل الثالث: الاتجاه الإصلاحي في تفسير الشيخ

- ‌الفصل الرابع: اهتمامه بجانب الفقه والتأصيل في تفسيره

- ‌المبحث الأول: اهتمامه بالفقه في تفسيره

- ‌المبحث الثاني: اهتمامه بالتأصيل في تفسيره

- ‌المطلب الأول: التأصيل العام في تفسيره

- ‌المطلب الثاني: اهتمامه بأصول الفقه في تفسيره

- ‌الفصل الخامس: القصص في تفسير الشيخ ومدى اهتمامه به

- ‌المبحث الأول: نظرته إلى القصص واهتمامه به

- ‌المبحث الثاني: طريقته في دراسة القصص والاستنباط منها

- ‌المبحث الثالث: المنهج الموضوعي في تفسير القصص لدى الشيخ

- ‌المبحث الرابع: موقف الشيخ من القصص الإسرائيلي

- ‌الفصل السادس: ما ذكره الشيخ من علوم القرآن في تفسيره

- ‌قسم التحقيق - مقدمة

- ‌النص المحقق

- ‌ذكر ما ذكر الشيخ محمد رحمه الله على سورة يوسف من المسائل

- ‌ مسائل مستنبطة من سورة الحجر

- ‌مسائل مستنبطة من سورة النحل

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌المبحث الأول: اهتمامه بالعقيدة من خلال تفسيره بصفة عامة

‌الباب الثالث: أهم الأغراض التي تناولها الشيخ أو حققها من خلال تفسيره

‌الفصل الأول: التركيز على العقيدة من خلال تفسيره

‌المبحث الأول: اهتمامه بالعقيدة من خلال تفسيره بصفة عامة

الباب الثالث: أهم الأغراض التي تناولها الشيخ أو حققها من خلال تفسيره

ويشتمل على ستة فصول:

الفصل الأول: التركيز على العقيدة من خلال تفسيره. ويشتمل على ثلاثة مباحث:-

المبحث الأول: اهتمامه بالعقيدة من خلال تفسيره بصفة عامة.

المبحث الثاني: أهم المباحث العقدية التي بينها من خلال تفسيره.

ويشتمل على مطلبين.

المطلب الأول: اهتمامه ببيان أنواع التوحيد من خلال تفسيره.

المطلب الثاني: اهتما عه بتقرير أركان الإيمان من خلال تفسيره.

المبحث الثالث: استنباطه جوانب حماية العقيدة من خلال تفسيره.

الفصل الثاني: اهتمام الشيخ في تفسيره بالردود على المخالفين.

الفصل الثالث: الاتجاه الإصلاحي في تفسيره.

الفصل الرابع: اهتمامه بالفقه والتأصيل في تفسيره.

ويشتمل على مبحثين:-

المبحث الأول:- اهتمامه بالفقه في تفسيره.

المبحث الثاني:- اهتمامه بالتأصيل في تفسيره.

ويشتمل على مطلبين:-

المطلب الأول:- اهتمامه بالتأصيل العام في تفسيره.

المطلب الثاني:-، اهتمامه بأصول الفقه في تفسيره.

الفصل الخامس: القصص في تفسير الشيخ ومدى اهتمامه به.

ويشتمل على أربعة مباحث:-

المبحث الأول: نظرته إلى القصص واهتمامه به.

المبحث الثاني: طريقته في دراسة القصص والاستنباط منها.

المبحث الثالث: المنهج الموضوعي في تفسير القصص عنده.

المبحث الرابع: موقفه من القصص الإسرائيلي.

الفصل السادس: ما ذكره الشيخ من علوم القرآن في تفسيره.

1-

القراءات.

2-

فضائل القرآن.

3-

علم قصص القرآن.

4-

علم أسباب النزول.

5-

علم النسخ.

ص: 125

الفصل الأول: التركيز على العقيدة من خلال تفسيره.

المبحث الأول: اهتمامه بالعقيدة من خلال تفسيره بصفة عامة.

عقيدة الشيخ رحمه الله عقيدة سلفية، متمشية مع نصوص كتاب الله وسنة رسوله "صلى الله عليه وسلم".

وأهم الشروط لأي تفسير ليلاقي القبول، ويؤثر في القلوب التأثير المستقيم، المثمر للعمل الصالح، أن يكون مبنياً على أسس ثابتة قوية، يكون في مقدمتها النظرة العقدية الصحيحة لنصوص كتاب الله عز وجل، ووضعها في مواضعها، وإجراؤها في مجراها الصحيح.

وقد تميز تفسير الشيخ بهذه الميزة تميزاً واضحاً، على الرغم من منحى الاختصار الذي ينحاه الشيخ، ولذلك كان تفسيره من التفاسير الموثوق بها عند أهل الاعتقاد الصحيح، كبقية تفاسير السلف التي توافرت على السير على الأسس العقدية الصحيحة، المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله "صلى الله عليه وسلم" وأسس قواعدها رسول الله "صلى الله عليه وسلم" على هدى وبصيرة من الله، كما قال تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 1.

وقد ركز الشيخ "رحمه الله" على العقيدة تركيزاً بالغاً، لأهميتها ومنزلتها العظيمة في الدين، ولما رأى من أحوال كثير من الناس الشركية والبدعية فكان لزاماً عليه، وقد صمم على القيام بمهمة الدعوة إلى الله على بصيرة أن يركز على هذا الأساس العظيم، الذي جهله فئام كثيرة من الناس وتجاهله آخرون فلم يعبؤوا به، ولم يرفعوا به رأساً، ولم يهتموا به، استكبارًا أو إعراضاً أو استهانة، أو غير ذلك:{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} 2. ومن ألقى نظرة على مؤلفات الشيخ، أو فتاويه، أو رسائله ومكاتباته، يظهر له تركيز، على حذا الجانب جلياً واضحاً.

1 سورة يوسف: آية "108".

2 سورة الرعد: آية "33" وسورة الزمر: آية. "23".

ص: 126

وحيث إن أهم الأغراض التي وردت في كتاب الله تعالى بيان وحدانية الله عز وجل وتفرده، بالربوبية والألوهية والكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته، ترسيخاً للعقيدة، وحماية لجنابها، وذباً عنها، فلا تكاد تخلو سورة من سور الكتاب العزيز من مبحث عقدي أو إشارة عقدية، فقد اهتم الشيخ بهذا الجانب، فكان يركز في تفسيره واستنباطاته عليه، ويسعى من خلال ذلك لإيضاح العقيدة، وترسيخها، والذب عن حياضها وحماية جنابها، والتحذير مما يناقضها أو يقدح فيها شارحاً للآيات، ومستدلاً بها، ومستنبطاً منها.

وفي الحقيقة أنه لا يمكن للمنصف فصل العقيدة عن التفسير، إذ أن أساس معرفة تفصيلات العقيدة هو كتاب الله، والتفسير إيضاح لمعاني كلام الله عز وجل.

ومن هنا نجد آن الشيخ ربط بين العقيدة والتفسير كما هو المنهج الصحيح، ويتضح تمام هذا الربط جليا في كتابه المشهور "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد"، ويجد ربي وأنا بصدد دراسة منهج الشيخ في الاهتمام بالعقيدة من خلال تفسيره آن أدلل على هذا الاتصال والربط بإلقاء نظرة سريعة على هذا الكتاب القيم، فإن عنوان هذا الكتاب دال على مضمونه، وهو أنه كتاب يبحث في إيضاح التوحيد وتحقيقه وتجريده.

ومع هذا ففي الكتاب ملامح تفسيرية واضحة أذكر منها ما يلي:

1-

ترجمته بالآية القرآنية أو الآيات وجعلها عنوانا لما يندرج تحتها، ودليلا لما يراد إثباته في هذا الباب، ومثل هذا لا يكون إلا بعد فهم الآية المترجم بها، فإن تراجم الأبواب لها أهمية كبيرة، ولهذا اهتم العلماء بمثل هذه التراجم ومراد المترجم منها في هذا الموضع، وبهذه الصياغة سواء في هذا الكتاب أم في غيره من الكتب، وأفردوها بالمصنفات.

وقد ترجم الشيخ لاثني عشر بابا بآيات قرآنية، عدا ما أورده من آيات هي جزء من الترجمة ومن أمثلة ذلك:

ص: 127

قوله1: باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} 2.

ويوضح الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب وجه إيراد المصنف لهذه الآية في هذا الموضع، وغرضه من ذلك- ويتضح منه مدى فهم الشيخ محمد لها- فيقول: أراد المصنف رحمه الله بهذه الترجمة بيان حال الملائكة الذين هم أقوى وأعظم من عبد من دون الله، فإذا كان هذا حالهم مع الله تعالى، وهيبتهم منه، وخشيتهم له، فكيف يدعوهم أحد من دون الله؟ وإذا كانوا لا يدعون مع الله تعالى، لا استقلالا ولا وساطة بالشفاعة فغيرهم ممن لا يقدر على شيء من الأموات والأصنام أولى أن لا يدعى ولا يعبد. ففي الرد على جميع فرق المشركين الذين يدعون مع الله من لا يداني الملائكة ولا يساويهم في صفة من صفاتهم

إلى آخر ما قال "رحمه الله"3.

وفى هذا إيضاح تفسير لما يشاكل هذه الآية من الآيات المتعلقة بالدعاء. كم أن ما يورده الشيخ من آيات أخر، وأحاديث وغير ذلك في الباب دال على وجه فهمه لهذه الآية المترجم بها.

2-

إيراده لأكثر من آية في الباب الواحد. وهذه الآيات يبين بعضها بعضاً ويوضح معناه ووجهه فهو من قبيل تفسير القرآن بالقرآن كما أن هذا الإيراد أيضاً يمكن أن يلحق بالتفسير الموضوعي وذلك أنها آيات من مواضع متعددة في القرآن وقد جمعت لاشتراكها في إيضاح موضوع واحد وإن كان ذلك غير شامل لجميع الآيات في الموضوع أحياناً.

ومن أمثلة ذلك:-

قوله- باب الشفاعة4. وقول الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ

1 مؤلفات الشيخ/القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد باب "15" ص "48".

2 سورة سبأ: آية "23".

3 تيسير العزيز الحميد: ص "263، 364".

4 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة كتاب التوحيد ص "51".

ص: 128

أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} 1.

وقوله: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} 2.

وقوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 3.

وقوله: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} 4.

وقوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} الآيتين5.

فهذه الآيات قد تضافرت في بيان موضوع واحد وهو موضع الشفاعة فيتحمل من مجموعها المذهب الصحيح في الشفاعة نفياً وإثباتاً.

وقد أوضح ابن تيمية ذلك بقوله الذي أورده الشيخ تعقيباً على هذه الآيات فقال: قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عوناً لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال:{لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} إلى آخره6.

3-

إيراده الأحاديث المفسرة للآيات المتقدمة عليها، وهذا من قبيل تفسير القرآن بالسنة، وكثيرا ما يورد ما يكون سببا لنزول الآية، والعلم بالسبب يعين على فهم المسبب.

ومن أمثلة ذلك:

1 سورة الأنعام: آية "51".

2 سورة الزمر: آية "44".

3 سورة البقرة: آية "255".

4 سورة النجم: آية "26".

5 سورة سبأ: آية "22، 23".

6 سورة الأنبياء: آية "28".

ص: 129

قوله: باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء1.

وقول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} 2.

وعن أبى مالك الأشعري "رضي الله عنه" أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم، والنياحة"، وقال:"النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب" رواه مسلم3.

ولهما عن زيد بن خالد "رضي الله عنة" قال: صلى لنا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" صلاة الصبح بالحديبية، على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال:"هل تدرون ماذا قال ربكم؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، وكافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"4.

ولهما من حديث ابن عباس معناه وفيه: قال بعضهم: لقد مطرنا بنوء كذا وكذا فأنزل الله هذه الآية {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} إلى قوله: {تُكَذِّبُونَ} 5.أ. هـ.

فقد أوردهنا قول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} والمعنى: وتجعلون

1 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "85".

2 سورة الواقعة: آية "82".

3 رواه مسلم في صحيحه/كتاب الجنائز/باب التشديد في النياحة "2: 644"ح "934".

4 رواه البخاري في صحيحه/ في مواضع منها/ كتاب الاستسقاء، باب قول الله تعالى:{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} انظر الفتح "2: 606" ح "1038" ومسلم في صحيحه/ كتاب الإيمان/ باب بيان كفر من قال مطرنا بنوء كذا وكذا "83:1" ح "71".

5 رواه مسلم في صحيحه/ كتاب الإيمان/ باب بيان كفر من قال مطرنا بنوء كذا وكذا "1:84" ح "73" وأخرجه في صحيح البخاري.

ص: 130

شكركم أنكم تكذبون1. ثم أورد سبب نزول هذه الآية، وهو معين على فهم شيء من ذلك التكذيب المقصود في الآية، وهو قول بعضهم: مطرنا بنوء كذا وكذا في مقابل هذه النعمة، فأتضح معنى الآية بإيراد الأحاديث المتعلقة بها تحتها.

4-

إيراده بعض أقوال السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم، المبينة لمعنى في الآية، وهذا داخل ضمن التفسير بالمأثور.

فمن أمثله ذلك:

- أنه أورد في باب "قول الله تعالى": {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} 2.

قول ابن عباس في قوله: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} 3 قال: المودة4.

- وأورد في باب "من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله" 5 وقول الله تعالي: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} 6.

ثم قال: قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم 7.

- وأورد في باب "قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} الآية"8.

1 ورد هذا التفسير في حديث مرفوع أخرجه الإمام أحمد في مسنده "108:1" والطبري في تفسيره "208:27" والترمذي في جامعه/ كتاب التفسير / باب "ومن سورة الواقعة""401:5" ح "3295"

2 سورة البقرة: آية "165" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "88".

3 سورة البقرة: آية "166".

4 أخرجه الطبري في تفسيره "71:2".

5 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "96".

6 سورة التغابن: آية "11".

7 أخرجه الطبري في تفسيره "123:38".

8 سورة النحل: الآية: "83" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "108".

ص: 131

قول مجاهد ما معناه: هو قول الرجل: هذا مالي ورثته عن آبائي1.

وقول عون بن عبد الله: لولا فلان لم يكن كذا2.

ثم أردف بقول غير هؤلاء فقال وقال ابن قتيبة: يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا3.

وقال أبو العباس: بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه وإن الله تعالى قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر" الحديث- وقد تقدم4- وهذا كثير في الكتاب والسنة يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به. وقال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة، والملاح حاذقا، ونحو ذلك مما هو جار على ألسنة كثيرة.

فقد أورد هنا بعض النصوص المفسرة للآية. من أقوال السلف.

5-

النص ضمن مسائل الباب الواحد على تفسير الآيات المذكورة. فإن كان تفسيرها قد أتضح فبها ونعمت، وإلا فيرجع إلى تفسيرها الصحيح لأنه معين على فهمها، واستنباط الشاهد للباب منها.

وأمثلته كثيرة فكل باب ترجم له بآية نص في المسائل المستنبطة على التفسير بقوله: فيه مسائل: الأولى: تفسير آية كذا وكذا أو نحو ذلك.

ومن أمثلته:

- قوله "باب من الشرك إرادة الإنسان عمله الدنيا"5.

وقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا} الآيتين6.

ثم أورد حديث أبي هريرة المرفوع: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم" الحديث7.

1 تفسير الطبري "14: 158".

2 تفسير الطبري "14: 158".

3 انظر غريب القرآن لابن قتيبة ص "248".

4 انظر ما تقدم ص "130".

5 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "100".

6 سورة هود: آية "15، 16".

7 تقدم تخريجه ص "82".

ص: 132

ثم قال: فيه مسائل: الأولى: إرادة الإنسان الدنيا بعمل الآخرة.

الثانية: تفسير آية هود.

6-

الاستنباط من الآيات وهو داخل ضمن منهجه الاستنباطي من القرآن الكريم ومن أمثله ذلك قوله: "باب من الشرك آن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره" 1 وقول الله: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ. وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} الآية2.

وقوله: {فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} الآية3.

وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} الآيتين4.

وقوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} 5.

وروى الطبراني بإسناده أنه كان في زمن النبي "صلى الله عليه وسلم" منافق يؤذى المؤمنين فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله "صلى الله عليه وسلم" من هذا المنافق، فقال النبي "صلى الله عليه وسلم":"أنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله"6.

فيه مسائل:

الأولى: أن عطف الدعاء على الاستقامة من عطف العام على الخاص.

الثانية: تفسير قوله: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ} .

الثالثة: أن هذا هو الشرك الأكبر.

الرابعة: أن أصلح الناس لو يفعله إرضاء لغيره صار من الظالمين.

الخامسة: تفسير الآية التي بعدها.

1 مؤلفات الشيخ/ القسم الأول/ العقيدة/ كتاب التوحيد ص "42".

2 سورة يونس: آية "107،106".

3 سورة العنكبوت: آية "17".

4 سورة الأحقاف: آية "6،5".

5 سورة النمل: آية "62".

6 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "159:10".

ص: 133

السادسة: كون ذلك لا ينفع في الدنيا مع كونه كفرا.

السابعة: تفسير الآية الثالثة.

الثامنة: أن طلب الرزق لا ينبغي إلا من الله، كما أن الجنة لا تطلب إلا منه.

التاسعة: تفسير الآية الرابعة.

العاشرة: أنه لا أضل ممن دعا غير الله.

الحادية عشرة: أنه غافل عن دعاء الداعي لا يدري عنه.

الثانية عشرة: أن تلك الدعوة سبب لبغض المدعو للداعي، وعداوته له.

الثالثة عشرة: تسمية تلك الدعوة عباده للمدعو.

الرابعة عشرة: كفر المدعو بتلك العبادة

وهكذا.

وبهذا يتضح ما أردت إيضاحه من الملامح التفسيرية في هذا الكتاب العظيم. هذا وبعد إيضاح الملامح التفسيرية في كتاب التوحيد، والتي يتضح منها تمام ربط الشيخ بين العقيدة والتفسير أعود فأقول:

إن تركيز الشيخ على العقيدة في تفسيره يتجلى في اختياره السور والآيات ذات الملامح العقدية الهامة، حتى تكون أساسا لفهم ما يشاكلها في القرآن كله مما يتعلق بموضوع نفسه.

فمن السور التي قصرها "سورة الفاتحة" حيث توسع في تفسيرها أكثر من غيرها، وبرز فيها واضحاً تركيزه على العقيدة، وترسيخها، وحماية جنابها من خلال الفهم الصحيح، لآيات هذه السورة العظيمة، وهي سورة لا يخفى شأنها وأهميتها ويكفي أنها "أم الكتاب".

ومن تلك السور سورة "النحل" وهى مليئة بالمباحث العقدية.

فمنها ما يتعلق بالإشارة إلى اليوم الآخر وتنزيه الله عز وجل نفسه، وتعاليه عن الشرك:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1.

وفيها ذكر تنزيله تعالى الملائكة بالأمر بوحدانية الله تعالى وتقواه {يُنَزِّلُ

1 سورة النحل: آية "1".

ص: 134

الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} 1.

كما أن السورة تعرضت لذكر ربوبية الله عز وجل، والآيات الدالة عليه، كخلقه السماوات والأرض، وخلقه الإنسان من نطفه فإذا هو خصيم مبين، وما خلقه عز وجل لعباده من النعم في البر والبحر {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ. وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} 2. كما تعرضت السورة لبعض مباحث الرسالة:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 3. الآية.

إلى غير ذلك من المباحث التي نص الشيخ على كل جزئيه منها في استنباطاته ولست هنا بصدد ذكر تلك الاستنباطات، وإنما أكتفي بالإشارة إلى كثرة المباحث العقدية في هذه السورة المختارة.

ومن تلك السور المختارة سورة "الزمر" و"الجن" والمدثر" والإخلاص" والمعوذتين" وفي كل سورة من هذه السور تعلق وثيق بالعقيدة وشمول لمعظم المباحث العقدية. فلعله لهذا اختارها الشيخ للتفسير ليفسر ما يشاكلها من السور والآيات ذات الموضوع نفسه على ضوئها.

كما أن تركيز الشيخ على العقيدة في تفسيره كما يتجلى في اختيار السور المفسرة فكذلك الحال بالنسبة للآيات المفسرة، بل قد يكون ذلك أوضح.

فمن الآيات المختارة للتفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآيتين4.

فقد أوضح الشيخ رحمه الله أهمية هذه الآيات، واتصالها المباشر بالعقيدة

1 سورة النحل: آية "2".

2 سورة النحل: الآيات "5- 8".

3 سوره النحل: آية "36".

4 سورة آل عمران: آية "79، 80".

ص: 135

بما فيها من تقرير الإخلاص لله، والبراءة من الشرك، وما فيها من بيان حال الدعاة المصلحين، من الأنبياء وأتباعهم مع أقوامهم، فقال رحمه الله بعد ذكر الآيتين السابقتين:- إذا عرفت أن سبب نزولها قول أهل الكتاب "نحن مسلمون نعبد الله إلا إن كنت تريد أن نعبدك"1 عرفت أنها من أوضح ما في القرآن من تقرير الإخلاص والبراءة من الشرك، ومن أعظم ما يبين لك طريق الأئمة المهديين من الأئمة المضلين، وذلك أن الله وصف أئمة الهدى بالنفي والإثبات، فنفى عنهم أن يأمروا أتباعهم بالشرك بهم، أو بالشرك بالملائكة والأنبياء وهم أصلح المخلوقات، وأثبت أنهم يأمرون أتباعهم أن يصيروا ربانيين، فإذا كان من أنزله الله بهذه المنزلة لا يتصور أن يأمر أتباعه بالشرك به ولا بغيره من الأنبياء والملائكة فغيرهم أظهر وأظهر.

وإذا كان الذي يأمرهم به كونهم ربانيين، تبين طريقة الأنبياء وأتباعهم من طريقه أئمة الضلال وأتباعهم.

ومعرفة الإخلاص والشرك، ومعرفة أئمة الهدى وأئمة الضلال أضل ما حصل المؤمن2.

إلى آخر ما يتعلق بهذه الآية من استنباطات معظمها استنباطات عقدية هامة، نابعة من فهم صحيح للآيات المختارة.

ثم بعد الآيتين السابقتين تعرض لتفسير آيتين تاليتين لهما وهما قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} الآيتين3.

وفيهما تقرير نبوة محمد "صلى الله عليه وسلم" والبشارة به في الكتب السابقة.

يوضح الشيخ هذا وغيره بقوله:- فيه- أي فيما ذكر من الآيتين- ما هو من أبين الآيات للخاص والعام، وكونه "صلى الله عليه وسلم" مذكوراً مبشرا ًبه

1 سيأتي تخريجه في موضعه ص "263".

2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "45، 46".

3 سورة آل عمران: آية "81، 82".

ص: 136

في كتب الأنبياء، وفيه حجة على أن دعوته عامة في الظاهر والباطن، وفيه أن الإيمان به لا يكفي عن نصرته، بل لا بد من هذا وهذا، وفيه أخذه تعالى الميثاق على الأنبياء بذلك، دليل على شدته إلا على من يسره الله عليه، وفيه أن من آتاه الله الكتاب والحكمة أحق بالانقياد للحق إذا جاء به من بعده، بخلاف ما عرف من حال الأكثر من ظنهم أنه لو اتبعه غيرهم فهو نقص في حقهم وفيه مزيد التأكيد بقوله:{أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي} . وفيه إشهادهم مع شهادته سبحانه، وفيه أن من تولى بعد ذلك فجرمه أكبر، وفيه أن الآخر مصدق لما معهم لا مخالف له1.

ومن الآيات التي اختارها للتفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} إلى قوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} 2. وفيها يتجلى الولاء والبراء، والالتجاء إلى الله والاعتصام به من قبل إبراهيم: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} 3.

وما تفضل الله به على عبده الحنيف الموحد، ومن سار على نهجه في التوحيد،: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا

} الآيات4.

فيستنبط الشيخ من هذه الآيات، التي قصت عليت ما جرى بين إبراهيم وقومه فيقول: القدح في حجتهم، لأن السواد الأعظم ليس لهم حجة إلا هي، فيدل على الرسوخ في مخالفتهم بالأدلة اليقينية، لقوله: {إِنِّي

1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "46، 47".

2 سورة الأنعام: الآيات "74- 90".

3 سورة الأنعام: الآية "80".

4 سورة الأنعام: آية "83". وما بعدها.

ص: 137

أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} 1.

وينبه الشيخ في ما أشارت إليه الآيات من البراء فيقول: براءته من شركهم، نفي أولا كونها "تستحق" 2، ونفى ثانيا عن نفسه الالتفات إليها.

- تصريحه بما ذكر، ولم يدار مع كثرتهم ووحدته.

- تصريحه بالبراءة منهم بقوله: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 3.

ويقول الشيخ مستنبطاً من الآيات إنعام الله على عباده الموحدين:-

- أن العلم بدلائل التوحيد، وبطلان الشبه فيه، يرفع الله به المؤمن درجات.

- معرفة آن الرب تبارك وتعالى حكيم يضع الأشياء في مواضعها.

- كونه عليم بمن هو أهل لها كما قال تعالى: {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} .

- ذكر نعمة على إبراهيم بذريته التي أنعم عليهم بالهداية.

- أن العلم والهداية أفضل النعم لقوله: {وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ} .

- هدايته لمذكورين أصولهم وفروعهم ومن في درجتهم.

- ذكر الذي هداهم الله إليه وهو الصراط المستقيم. وهو المقصود من القصة4.

ومن الآيات التي اختارها الشيخ للتفسير أيضاً قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 5.

وفى هاتين الآيتين يتضح حال من لم يرد بعمله وجه الله تعالى، بل أراد عرضاً زائلاً، وأن ذلك سبب لحبوط عمله وخسرانه في الآخرة، والعياذ بالله. وقد ذكرنا ما ذكره الشيخ من أقوال السلف في ذكر الأقسام المندرجة تحت هذه الآية6.

1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "64".

2 في جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة التي أطلعت عليها "لا تستحق" وهو خطأ.

3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "65".

4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "66،67".

5 سورة هود: آية "15،16".

6 انظر ما تقدم ص "84-81".

ص: 138

وللشيخ رحمة الله مقدرة فائقة في استنباط المسائل العقدية من الآيات، وكيف لا وهو حامل لواء تجديد العقيدة الإسلامية التي خالطت روحه وفكره وثقافته، فتراه حتى في الآيات المتعلقة بالقصص القرآني يركز على الجانب العقدي، وإيضاح ما يستفاد من دروس عقدية من القصة، فلا يقف عند مجرد سرد أحداث القصة القرآنية كما درج عليه كثير من المفسرين، وذلك أن العقيدة واحدة لم تتغير بتغير الأمم، ولاشك أن الهدف من القصص هو العظة والعبرة، لا مجرد سرد الأحداث وسيأتي- إن شاء الله- مزيد تفصيل لمنهج الشيخ في القصص القرآني. واكتفى هنا بذكر مثال واحد يتضح به ما ذكرت.

فقد قال الشيخ مستنبطاً من قصة آدم وإبليس1: وفي القصة فوائد عظيمة وعبر لمن اعتبر بها، منها: أن خلق آدم من تراب من أبين الأدلة على المعاد، كما استدل عليه سبحانه في غير موضع، وعلى قدرته سبحانه، وعظمته، ورحمته، وعقوبته، وإنعامه، وكرمه، وغير ذلك من صفاته.

ومنها: أنها من أدلة الرسل عامة، ومن أدلة نبوة محمد "صلى الله عليه وسلم" خاصة، ومنها: الدلالة على الملائكة وعلى بعض صفاتهم، ومنها: الدلالة على القدر خيره وشره، فقد اشتملت على أصول الإيمان الستة في حديث جبريل، ومنها: وهى أعظمها أنها تفيد الخوف العظيم الدائم في القلب، وأن المؤمن لا يأمن حتى تأتيه الملائكة عند الموت تبشره.

وذلك من قصة إبليس، وما كان فيه أولا من العبادة والطاعة، ففي ذلك شيء من تأويل قوله "صلى الله عليه وسلم":"إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع" إلى آخره2.

والشيخ رحمه الله لم يكتف بالامتثال منه وكفى، بل دعا غيره إلى إتباع الحق والتمسك به ونبذ ما يخالفه من البدع والأهواء، وهذا وأضح تمام الوضوح في تفسيره. فقد كان يهتم كثيراً بإيضاح العقيدة، ويرى أنها روح الإسلام وجوهره، بل هي الدين كله.

فانظر إلى كلامه حيث يقول وأما قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فالعبادة كمال المحبة وكمال الخضوع. والخوف والذل، وقدم المفعول وهو إياك، وكرر للاهتمام والحصر أي لا نعبد إلا إياك ولا نتوكل إلا عليك، وهذا هو كمال الطاعة والدين كله يرجع إلى هذين المعنيين، فالأول التبرؤ من الشرك والثاني لتبرؤ من الحول

1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "84".

2 رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب القدر/ باب "1" انظر الفتح "1 486:1" ح "6594" ومسلم في صحيحه/ كتاب القدر/ باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه

"2036:4" ح "2643".

ص: 139

والقوة، فقوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي إياك نوحد، ومعناه أنك تعاهد ربك أن لا تشرك به في عبادته أحدا، لا ملكا، ولا نبياً ولا غيرهما كما قال للصحابة:{وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 1. فتأمل هذه الآية.

واعرف ما ذكرت لك في الربوبية أنها التي نسبت إلى "تاج" و"معمد بن شمسان" 2 فإذا كان الصحابة لو يفعلونها مع الرسل كفروا بعد إسلامهم، فكيف بمن فعلها في تاج وأمثاله؟

وقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} هذا فيه أمران: أحدهما: سؤال الإعانة من الله، وهو التوكل والتبريء من الحول والقوة، وأيضاً طلب الإعانة من الله كما مر أنها من نصف العبد3.أ. هـ.

فانظر إلى كلامه "رحمه الله" عند تفسير هذه الآية العظيمة التي تضمنت الدين كله كما قال، حيث إن العلاقة بين المخلوق والخالق عبادة من المخلوق للخالق، وتكرم بالعون من الخالق للمخلوق، فنصرف لله وحده ماله من العبادة:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، ونسأله التفضل علينا بالعون في جميع الأمور، ونتوكل عليه سبحانه، فلا حول ولا قوة لنا إلا بالله:{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، ومن هنا كان الدين كله يرجع إلى هذين المعنيين كما قال الشيخ.

1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "16".

2 هما رجلان سلك الناس فيهما- في ذلك الزمن - سبيل الطواغيت، ورفعوهما إلى مقام الألوهية بل الربوبية.

أما محمد بن شمسان فقد كان له أولاد يأمرون الناس ويندبونهم لينذروا اله ويعتقدوا فيه الولاية.

أما "تاج" فكان بعض الناس يعتقدون فيه الولاية، وكانوا يأتونه لقضاء حاجاتهم، وكان هو يأتيهم من بلده الخرج إلى الدرعية لتحصيل ما تجمع من النذور، وكان أهل البلاد المجاورة يعتقدون فيه اعتقاداً عظيماً، فخافه الحكام، وهاب الناس أعوانه وحاشيته. وزعموا أنه أعمى وأنه يأتي من بلده من غير قائد. وغير ذلك من الحكايات والاعتقادات التي ضلوا بسببها عن الصراط والمستقيم.

انظر: روضه الأفكار "226،216،188،178،155،130:1" وتاريخ نجد "المحرر 1:12" والرسائل الشخصية ص "52، 75، 172، 240".

وتحقيق الدكتور/ فهد بن عبد الرحمن الرومي لسورة الفاتحة ص "45" الطبعة الخامسة.

3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "16".

ص: 140

وقد أوضح الشيخ كلا المعنيين هنا بينما اختصر القول في موضع آخر في الاستنباط من هذه الآية واكتفى بقوله: فيها التوحيد. وهذا جري على منهجه الاستنباطي المعروف فاكتفى بهذه الكلمة الفذة الشاملة عن كلام كثير جداً لو سطره لوسع مجلدات كما فعل ابن القيم من قبل في كتابه "مدارج السالكين بين مراتب {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ".

ولكن الشيخ "رحمه الله" كما هو معهود عنه من كتاباته ومؤلفاته يهدف إلى الاختصار، والنص على أصول المسائل المفيدة من أقصر طريق، وإن كان يرى أن الموضوع وأسع جدا، ومما يؤيد هذا أن الشيخ بعد أن استنبط من الفاتحة بعض المسائل المختصرة قال في آخرها: آيات الفاتحة كل آية منها لو يعلمها الإنسان صار فقيهاً، وكل آية قد أفرد معناها بالتصانيف1. وإضافة إلى بيان الشيخ للعقيدة وأسسها من خلال تفسيره، فإنه يبين أحياناً أهمية بعض المسائل بطريقة ما كأن ينص على أهميتها، أو يتعجب من عظمها، أو غفلة الناس عنها إن كانت حسنة أو انغماسهم فيها إن كانت خلاف ذلك.

ولاشك أن مثل هذا الأسلوب يحدو بالقارئ إلى آن يقف عند هذه المسألة وقفة ليتمعن فيها، ويتأثر بما تأثر به الشيخ منها. وأمثلة ذلك كثيرة جدا فمنها:

قوله عند تفسير قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فمن عرف تفسير هذه الآية وعرف تخصيص الملك بذلك اليوم مع أنه سبحان مالك كل شيء ذلك اليوم وغيره عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة، التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها، ودخل النار من دخلها، فيالها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها! فأين هذا المعنى والإيمان بما صرح به القرآن مع قوله "صلى الله عليه وسلم":"يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً"2. من قول صاحب البردة:

1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "19".

2 انظر تخريجه فيما يأتي في قسم التحقيق ص "338".

ص: 141

ولن يضيق رسول الله جاهك بي

إذا الكريم تجلي باسم منتقم

فإن لي ذمة منه بتسميتي

محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم

إن لم تكن في معادي أخذاً بيدي

فضلا وإلا فقل يازلة القدم

فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها، ومن فتن بها من العباد، ممن يدعي أنه من العلماء، واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن. هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله:{يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} 1 وقوله: "يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئاً " 2؟! لا والله. لا والله. لا والله 3....

ومن ذلك قوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا: أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} 4.

حيث يقول:- المسألة العظيمة الكبيرة وهى الاستدلال بصفات الله على ما أشكل عليك من القدرة، لأنه سبحانه رد عليهم ما وقع في أنفسهم من استبعاد كون الله حرمهم، وخص هؤلاء بالكرامة5.

ويقول: جلالة هذه المسألة، وهي مسألة علم الله، لأنه سبحانه رد بها على الملائكة لما قالوا:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} 6 الآية ورد بها على الكفار والجهال في هذه الآية كما ترى" 7.

وقوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 8 العظيمة التي لم يعرفها

1 سورة الانفطار: آية "19".

2 انظر تخريجه في قسم التحقيق ص "338".

3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "14،15".

4 سورة الأنعام: آية "53".

5 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "58".

6 سورة البقرة: آية "30".

7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "58".

8 سورة الأنعام: آية "88".

ص: 142

أكثر من يدعي الدين وهي مسألة تكفير من أشرك، وحبوط عمله، ولو كان من أعبد الناس، وأزهدهم1.

وقوله ضمن المسائل المستنبطة من قوله تعالى: {مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} 2حيث يقول:

إبطال ما غرهم به الشيطان أن قصدهم وجه الله لا غير، وما أجلها من مسألة! 3

ومن نصه على أهمية بعض المسائل قوله في قصة يوسف: وأعظم ما فيها تقرير الشهادتين بالأدلة الواضحة4.

ومن كمال نصح الشيخ "رحمه الله" أن يهتم بإيضاح المسائل التي قد يشكل أمرها على بعض الناس من خلال التفسير، لئلا يتوهم متوهم وجود اختلاف أو تعارض أو إشكال في أمر من الأمور.

وقد وجد مناسبات كثيرة لهذه التنبيهات في قصة يوسف فمنها:-

ما استنبطه من قوله تعالى حكاية عن يوسف قال: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} 5 حيث قال الشيخ- قوله: {عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} هذا فيه طلب الولاية كما قال عمر بن الخطاب لبعض الصحابة لما عرض عليه ولاية فأبى فقال: طلبها من هو خير منك، يعني يوسف "عليه السلام" ولا يخالف هذا ما ورد من النهي عن طلب الأمارة، لأن هذا في غير شدة الحاجة كما أن خالداً لما أخذ الراية يوم موته من غير إمرة مدح على ذلك6.

- وقوله: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} فليس هذا مما نهي عنه من تزكية النفس

1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "67".

2 سورة الزمر: آية "3".

3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "318".

4 المرجع السابق ص "131".

5 سورة يوسف: آية "55".

6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "156" وانظر هذه الأخبار في موضعها من قسم التحقيق فيما يأتي ص "353".

ص: 143

بل يذكر الإنسان ما فيه من الفضائل عند الحاجة إذا لم يقصد التزكية كما ورد عن جماعة من الصحابة1.

وكذا قوله عند قول، الله تعالى:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} 2 حيث قال:- تسمية الله سبحانه ذلك رحمة في قوله: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ} وهذه من أشكل المسائل على أكثر الناس، بعضهم يظن أن هذا كله نقص أو مذموم، وأن التجرد من المال مطلقا هو الصواب، وبعض يظن أن عطاء الدنيا يدل على رضا الله، وكلاهما على غير الصواب. وذلك أن من أنعم الله عليه بولاية أو مال فجعلها طريقا إلى طاعة الله فهو ممدوح وهو أحد الرجلين اللذين يغبطهما المؤمن، وإن كان غير هذا فلا3.

كما استنبط من قوله تعالى حكاية عن يوسف: {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} 4.

إن هذا ليس من تزكية النفس المذموم.

وان هذا ليس من المن والأذى المذموم5.

واستنبط مما حكاه الله عن يعقوب من قوله: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ} 6 إن الكلام إذا لم يكن فيه جزع لم يناف الشكوى7.

وقال عند قوله تعالى حكاية عن يعقوب أيضاً: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} 8.

1 المرجع السابق بصحيفته.

2 سورة يوسف: آية "56".

3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "157" وانظر قسم التحقيق ص "355".

4 سورة يوسف: آية "59".

5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "159"، "160". وانظر قسم التحقيق ص "359".

6 سورة يوسف: آية "84".

7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "169" وانظر قسم التحقيق ص "378".

8 سورة يوسف: آية "86".

ص: 144

جوابه لهم عليه السلام وهو يدل على أن الشكوى إلى الله لا تنافى الصبر بل هي ممدوحة كما ذكر عن أيوب.

- إخبار الرجل بنيته الصالحة إذا احتاج، أو انتفع السامع، ولا محذور في ذلك1 كما استنبط من قوله تعالى حكاية عن يوسف:{اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} 2 أن التبرك بذلك وإمساكه والتداوي به ليس من الشرك كما كانوا يفعلون بآثار رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بل ذلك حسن مطلوب3.

ومن المعلوم أن الحق والباطل في صراع دائم، وعلى الصراط دعاة يصدون عنه من آمن ويبغونها عوجا. وفي كتاب الله عز وجل من الحجج ما يقذف به الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. ولحماية جناب العقيدة، والذب عن حياضها من خلال التفسير نجد آن الشيخ "رحمه الله" قد ركز على جانب الردود على أهل البدع كثيراً بنص الآيات أو بدلا لالتها وما يستنبط منها، كما سيأتي بيانه في مبحث خاص إن شاء الله تعالى4.

1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "170" وانظر قسم التحقيق ص "380".

2 سورة يوسف: آية "93".

3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "174" وانظر قسم التحقيق ص "386".

4 انظر ذلك فيما سيأتي ص "186-193".

ص: 145