الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: اهتمامه بالتأصيل في تفسيره
المطلب الأول: التأصيل العام في تفسيره
من سمات المنهج الاستنباطي المختصر عند الشيخ الاهتمام بالتأصيل وذكر القواعد العامة كثيراً، فيندرج تحت القاعدة أفرادها، ويغني ذلك عن كلام كثير، كما ينطلق من خلال تلك القواعد إلى تفسير ما يشابه من الآيات.
وللاهتمام بالتأصيل أهميته البالغة ولعل الشيخ استفاد من قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لا بد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت؟ وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم1.
ولهذا نجد واضحاً تركيز الشيخ على هذه القواعد العامة، عقدية كانت أم فقهية، فيما يسميه غالباً "بالقاعدة الكلية"، وهي قواعد كلية عامة يستنبطها من الآية أو يكون في الآية دليل لها. ويندرج تحتها جزئياتها الكثيرة، وقد ينص على شيء من تفاصيلها، أورد الجزئيات إليها، كما سيتضح من خلال الأمثلة.
وأكثر ما يكون ذلك في خواتم الآيات، إذ كثيرا ما تختم الآيات بقواعد أو أوصاف ذات صلة وثيقة بما تقدم في الآية من وعد أو وعيد أو تكليف أو نحو ذلك، فالمناسبة وثيقة بين الآية وختامها.
وقد أولى الشيخ هذا الجانب اهتماماً كبيراً فركز عليه مراراً، وهو لفت للأنظار منه إلى هذا الجانب وإلى أهمية معرفته والتركيز عليه.
ومن ذكره لتلك القواعد الكلية قوله:
القاعدة الكلية {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} 2.
1 مجموع الفتاوى "19: 203".
2 سورة يوسف: آية "23"، وانظر مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "135".
- وقوله عند قول الله تعالى: {....إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} 1:
القاعدة الكلية: وهي من مسائل الصفات2
ويعني بهذه القاعدة ما ذكره الله تعالى من جريان سنته في جعله الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون.
وقوله عند قول الله تعالى بعد أن ذكر تعالى جمعا من الأنبياء {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} 3 الآية- القاعدة الكلية: أن هذا الطريق هو هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ليس للجنة طريق إلا هو4.
ومن أمثلة رده المسائل الجزئية إلى القواعد الكلية قوله عند قول الله تعالى إخباراً عن قول يعقوب لبنيه {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 5.
رد المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية6.
فالمسألة الجزئية هنا استغفاره لهم راجياً أن يغفر الله لهم، والقاعدة الكلية إن ربه تبارك وتعالى غفور رحيم.
وكذا قوله عند قول الله تعالى إخباراً عن يوسف عليه السلام: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً
…
} الآية إلى قوله: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} 7.
رد هذه المسألة الجزئية إلى القاعدة الكلية وهي: إنه ربه تبارك وتعالى لطيف لما يشاء، فلذلك أجرى ما أجرى8.
1 سورة الأعراف: آية "37".
2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "77".
3 سورة الأنعام: آية "88".
4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "67".
5 سورة يوسف: آية "98".
6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "175".
7 سورة يوسف: آية "100".
8 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "176".
فالمسألة الجزئية ما ذكر قبل من تصيير الله العاقبة إلى خير بعد أن جرى ما جرى بينه وبين أخوته، والكلية ما صرح بذكره.
ثم قال أيضاً- رد ذلك إلى القاعدة الكلية أيضاً وهي {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} 1 ومن ذلك أيضاً قوله عند قول الله تعالى إخباراً عن قول يوسف عليه السلام: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 2.
- بيان الواجب على العبد في الأديان السؤال عما أمر الله به ونهى عنه، وهو السلطان المنزل من السماء لا يعبد بالظن وما تهوى الأنفس3.
ثم قال- القاعدة الكلية التي تفرع عنها تلك الجزئية، وهى أن أحكام الدين إلى الله لا إلى آراء الرجال كما قال تعالى:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} 4.
ثم يقول مستفيداً من تقرير هذه القاعدة الكلية ورد الجزئية إليها:
إذا ثبت أن الحكم له وحده دون الظن وما تهوى الأنفس فإنه سبحانه حكم بأن العبادة كلها محصورة عليه ليس لأحد من أهل السماء وأهل الأرض منها شيء5.
وبهذا يتبين اهتمام الشيخ بهذه القواعد الكلية- ومثلها كثير- ونصه عليها لما يترتب عليها من أحكام وما تثمره من فوا ئد، وما يندرج تحتها من جزئيات كثيرة.
1 المرجع السابق بصحيفته.
2 سورة يوسف: آية "40".
3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "146، 147".
4 سورة الشورى: آية "10" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص 147 وقسم التحقيق ص "332".
5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "147".