الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: موقف الشيخ من اختلاف السلف في التفسير
أورد الشيخ رحمه الله جملة صالحة من تفاسير السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم كما سبقت الإشارة إلى ذلك في تفسير الصحابة والتابعين في المبحثين السابقين.
ومن المعلوم أن السلف كانوا يختلفون في التفسير أحياناً، فما موقف الشيخ وقد أورد شيئاً من ذلك الاختلاف؟.
لبيان هذا أقول: إن الاختلاف منه ما هو اختلاف تباين، ومنه ما هو من قبيل اختلاف التنوع والعبارة، فيذكر كل من المفسرين نوعاً مما هو مندرج تحت أصل عام، أو يعبر عن المعنى بخلاف ما يعبر عنه الآخر، والكل داخل تحت معنى الآية.
وقد بين الشيخ أن أكثر اختلاف السلف في التفسير من قبيل النوع الثاني وهو اختلاف التنوع والعبارة لا اختلاف التضاد والتباين حيث قال: عادة السلف يفسرون اللفظ العام ببعض أفراده، وقد يكون السامع يعتقد أن ذلك ليس من أفراده. وهذا كثير في كلامهم جداً، ينبغي التفطن له1.
ويقول عند قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} 2 الآية.: اختلاف كلام المفسرين، والمعنى واحد، لكن كل رجل يصف نوعاً من التقدم3.أ. هـ.
وذلك أن المفسرين اختلفوا في تحديد معنى التقدم المنهي عنه في الآية-
فقال ابن عباس: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة.
وقال مجاهد: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضي الله على لسانه.
وقال الضحاك: لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله من شرائع دينكم.
وقال سفيان الثوري: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} بقول ولا فعل.
1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى ص "54".
2 سورة الحجرات: آية "1".
3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص "349".
وقيل غير ذلك1.
فوضح الشيخ بعبارته السابقة أن المعنى واحد، وكلاً من المفسرين قد ذكر نوعاً من أنواع التقدم، والكل راجع إلى معنى واحد وهو ما عبر عنه ابن كثير بقوله- قبل إيراده الأقوال المذكورة وغيرها- أي: لا تسرعوا في الأشياء بين يديه- أي قبله- بل كونوا تبعاً له في جميع الأمور2.
وإنما نبه الشيخ إلى هذا لعظيم فائدته. فينبغي التفطن له، لئلا يظن من لا فهم عنده للمعاني، أومن يقصر نظره عن المعنى العام الجامع فيغفل عنه، ويقصر نظره على أنواعه أن ذلك اختلاف تضاد فيحكي في معنى الآية أقوالاً عديدة، ومآلها إلى معنى واحد، أو هي جميعاً مندرجة تحت أصل عام. وهذه فائدة نفيسة كما ترى. فكثير من الأقاويل عند التدقيق والتحقيق ترجع إلى معنى واحد. وكما نبه الشيخ إلى هذا فإنا نجد في تفسيره منهجاً تطبيقياً لموقف المفسر من هذا الاختلاف، إذ يجمع بعض أقوال السلف إلى بعض ويحسن الربط بينها، وإيضاح وجه كل منها، وبيانه بياناً شافياً، ولربما دعم ذلك البيان بالكتاب والسنة وضرب الأمثلة.
ويتضح ذلك من كلامه على قصة آدم وإبليس عندما ذكر تفاسير السلف لقوله تعالى: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} 3.
فقال: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} يعني الدنيا "أو" 4 الآخرة: {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} يعني
1 انظر هذه الأقوال وغيرها في تفسير الطبري "26: 116، 117" وتفسير ابن كثير "345:7".
2 تفسير ابن كثير "345:7".
3 سورة الأعراف: آية "11".
4 في النسخ المخطوطة والمطبوعة من التفسير بالواو، في هذا الموضع والذي بعده، والأظهر. ما أثبته كما هو في روضة. الأفكار والأفهام "1: 425" والمطبوع المحرر "2: 396".
الآخرة "أو" الدنيا1: {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} قال ابن عباس: أشبه عليهم أمر دينهم2، وعنه أيضاً: من قبل الحسنات3.
وقوله: {وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} الباطل أرغبهم فيه.
قال الحسن: السيئات يحثهم عليها ويزينها في أعينهم4.
قال قتادة: أتاك الشيطان يا ابن آدم من كل وجه إلا أنه لم يأتك من فوقك، ولم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله5.
ثم قال الشيخ وهو يوافق قول من "قال" 6: ذكر هذه الأوجه للمبالغة في التوكيد. أي أتصرف لهم في الإضلال من جميع جهاتهم.
ولا يناقض ما ذكر السلف. فإن ذلك على جهة التمثيل، فالسبل التي للإنسان أربعة فقط، فإنه تارة يأخذ على جهة شماله، وتارة على يمينه، وتارة أمامه، وتارة يرجع خلفه. فأي سبيل من هذه سلكها وجد الشيطان عليها راصداً له، فإن سلكها في طاعة ثبطه، وإن سلكها بالمعصية حداه. وأنا أمثل لك مثالاً واحداً لما ذكر السلف: وهو أن العدو الذي من بني آدم إذا أراد أن يمكر بك لم يستطع أن يمكر بك إلا في بعض الأشياء، وهي الأشياء الغامضة، والأشياء التى ليست بعالية، فلو أراد أن يمكر بك في أمر واضح بين مثل التردي من جبل أو بئر وأنت ترى ذلك لم يستطع، خصوصاً إذا عرفت أنه قد مكر بك مرات متعددة، ولو أراد ليمكر بك لتتزوج عجوزاً شوهاء وأنت تراها لم يستطع ذلك.
1 أورده الطبري في تفسيره "8: 136" عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة في قوله: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} يقول: أشككهم في آخرتهم: {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} أرغبهم في دنياهم.
وعنه أيضاً من الطريق نفسه: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} يعنى من الدنيا: {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} من الآخرة. فكأن الشيخ قد اعتبر كلا الروايتين لورودهما بإسناد واحد متكرر.
والله أعلم.
2 أخرجهما عنه الطبري في تفسيره "8: 136" بالإسناد المتكرر الذي أشرت إليه في الهامش السابق.
3 أخرجهما عنه الطبري في تفسيره "8: 136" بالإسناد المتكرر الذي أشرت إليه في الهامش السابق.
4 تقدم تخريجه ص "73".
5 تقدم تخريجه ص "76".
6 ليست في شيء من النسخ المطبوعة والمخطوطة "فيما اطلعت عليه" وإنما أتثبتها من روضة الأفكار والأفهام لابن غنام "1: 246" والمطبوع المحرر "397:2" وهذه المقالة ذكرها ابن الجوزي في زاد المسير "177:3".
وأنت ترى اللعين- أعاذنا الله منه- يأتي الآدمي في أشياء واضحة بينة أنها مما حرم الله ورسوله فيحمله عليها حتى "يفعلها"1، ويزينها في عينه حتى يفرح بها، ويزعم أن فيها مصلحة، ويذم من خالفه كما قال تعالى:{لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} 2 الآية وقوله: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 3، وقوله:{وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} 4.
وهذا معنى قول من قال: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من قبل الدنيا، فإنهم يعرفونها وعيوبها، ومجمعون على ذمها، ثم مع هذا لأجلها قطعوا أرحامهم، وسفكوا دماءهم، وفعلوا ما فعلوا، وهذا معنى قول مجاهد:{مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من حيث يبصرون5. فهو لم يقنع بإتيانه إياهم من الجهة التي يجهلون أنها معصية مثل ما فسر به مجاهد: {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} قال: من حيث لا يبصرون6.
ولا من جهة الغيب كما قال فيها بعضهم: الآخرة أشككهم فيها، لم يقنع بذلك عدو الله حتى أتاهم في الأمور التي يعرفونها عياناً أنها النافعة وضدها الضار، وفي الأمور التي يعرفون أنها سيئات وضدها حسنات، ومع هذا أطاعوه في ذلك إلا من شاء الله منهم كما قال تعالى:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 7.
فقد أوضح الشيخ بهذا البيان والربط البديع بين المعاني- بعد جمعها- أن اختلافها ليس اختلافاً متضاداً، وإنما هو من قبيل التعبير عن الشيء
1 في المطبوعة. "يفعله" والتصحيح من المخطوطات.
2 س سورة آل عمران: آية "188" وتكملتها: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
3 سورة البقرة: آية "42".
4 سورة البقرة: آية "102".
5 تقدم تخريجهما ص "74".
6 تقدم تخريجهما ص "74".
7 سورة سبأ: آية "20" وانظر مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص "87- 89".
الواحد بألفاظ متقاربة بل مآلها عند التحقيق واحد. فهي متحدة في الغاية والمصب كما اتحدت في المأخذ والمشرب. ولعل الطبري رحمه الله قد شعر بهذا إذ قال بعد أن أورد أقوال السلف في معنى الآية:- وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال:- معناه: ثم لآتينهم من جميع وجوه الحق والباطل، فأصدهم عن الحق وأحسن لهم الباطل، وذلك أن ذلك عقيب قوله:{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} 1 فأخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرهم الله أن يسلكوه، وهو ما وصفنا من دين الله الحق، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه، من الوجه الذي، أمرهم الله به، فيصدهم عنه، وذلك من بين أيديهم وعن أيمانهم، ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه فيزينه لهم، ويدعوهم إليه، وذلك من خلفهم وعن شمائلهم. وقيل: ولم يقل من فوقهم لأن رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم2.
وقد كان لجمع أقوال السلف فى تفسير هذه الآية أثر كبير في بيان المعنى وتحقيقه وقد نبه إلى أهمية هذا شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله بقوله:- وجمع عبارات السلف في مثل هذا نافع جداً، فإن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين3.
ولأمثل بمثال آخر يتأكد به ما ذكرت من سير الشيخ على هذا المنهج، وحرصه على متابعة السلف في أقوالهم وتتبع آثارهم، وإنزالها في مواضعها، وغاية الاستفادة منها، إذ يقول عند قوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا
…
} الآيتين4.
ما نصه: وقد ذكر عن السلف من أهل العلم فيها أنواع مما يفعل الناس اليوم ولا يعرفون معناه.
1 سورة الأعراف: آية "16".
2 ورد هذا عن ابن عباس كما رواه الطبري في تفسيره "137:8" وانظر ما تقدم ص: "76".
3 مقدمه في أصول التفسير ص "54" وقد ذكر كلاماً نفيساً في أوجه اختلاف السلف في التفسير فراجعه.
4 سورة هود وتكملتهما: {فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} "16".
الأول: من ذلك العمل الصالح الذي يفعل كثير من الناس ابتغاء وجه الله من صدقه وصلاة وإحسان إلى الناس ونحو ذلك، وكذلك شرك ظلم أو كلام في عرض ونحو ذلك مما يفعله الإنسان أو يتركه خالصاً لله لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة، إنما يريدان يجازيه الله بحفظ ماله، وتنميته، وحفظ أهله وعياله، وإدامة النعمة عليهم، ونحو ذلك، ولا همة له في طلب الجنة ولا الهروب من النار فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا وليس له في الآخرة نصيب.
وهذا النوع ذكر عن ابن عباس في تفسير الآية1.
الثاني: وهو أكبر من الأول وأخوف وهو الذي ذكر مجاهد أن الآية نزلت فيه وهو أن يعمل أعمالاً صالحة ونيته رئاء الناس لا طلب ثواب الآخرة وهو يظهر أنه أراد وجه الله وإنما صلى أو صام أو تصدق أو طلب العلم لأجل أن الناس يمدحونه ويجل في أعينهم"فإن الجاه من أعظم أنواع الدنيا ولما ذكر معاوية حديث أبى هريرة في الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار وهم: الذي تعلم ليقال عالم حتى قيل، وتصدق ليقال جواد، وجاهد ليقال شجاع بكى معاوية بكاء شديداً ثم قرأ هذه الآية2.
الثالث: أن يعمل الأعمال الصالحة ومقصده بها مالاً، مثل أن يحج لمال يأخذه لا لله، أو يهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، أو يجاهد لأجل المغنم، فقد ذكر هذا النوع أيضاً في تفسير هذه الآية كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"تعس عبد الدينار وتعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة"3..إلخ.
1 أخرجه عنه الطبري في تفسيره "12: 11" من طريق العوفي وهو إسناد ضعيف جداً انظر كلام الشيخ أحمد شاكر في هامش تفسير الطبري "1: 261، 262" بتحقيقه.
2 انظر الجامع الصحيح للترمذي/ كتاب الزهد/ باب ما جاء في الرياء والسمعة "4: 591" ح "2382" وتفسير الطبري "12: 13".
3 أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب الجهاد/ باب الحراسة في الغزو في سبيل الله، انظر الفتح "6: 95" ح "2886، 2887".
وكما يتعلم العلم لأجل مدرسة أهله أو مكسبهم أو رياستهم أو يقرأ القرآن ويواظب على الصلاة لأجل وظيفة المسجد كما هو واقع كثيراً، وهؤلاء اعقل من الذين قبلهم لأنهم عملوا لمصلحة يحصلونها، والذين قبلهم عملوا لأجل المدح والجلالة في أعين الناس ولا يحصل لهم طائل، والنوع الأول اعقل من هؤلاء لأنهم عملوا لله وحده لا شريك له لكن لم يطلبوا منه الخير العظيم وهو الجنة ولم يهربوا من الشر العظيم وهو العذاب في الآخرة1.
النوع الرابع: أن يعمل الإنسان بطاعة الله مخلصاً في ذلك لله وحده لا شريك له لكنه على عمل يكفره كفراً يخرجه عن الإسلام مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا الله وتصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ومثل كثير من هذه الأمة الذين فيهم شرك أكبر أو كفر أكبر يخرجهم عن الإسلام بالكلية إذا أطاعوا الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الآخرة لكنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام، وتمنع قبول أعمالهم، فهذا النوع أيضاً قد ذكر في الآية عن أنس بن مالك وغيره2. وكان السلف يخافون منه كما قال بعضهم: لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة واحدة لتمنيت الموت3، لأن الله يقول:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} 4 فهذا قصد وجه الله والدار الآخرة، لكن فيه من حب الدنيا والرياسة والمال ما حمله على ترك كثير من أمر الله ورسوله، أو أكثره، فصارت الدنيا أكبر قصده، فلذلك قيل قصد الدنيا. وصار ذلك القليل كأن لم يكن، كقوله صلى الله عليه وسلم:"صل فإنك لم تصل" 5 والأول أطاع الله ابتغاء وجهه، لكن أراد من الله
1 انظر تفسير الطبري "12: 12، 13".
2 انظر تفسير الطبري "12:12".
3 ذكر نحو ذلك عن ابن عمر "رض الله عنهما" انظر الدر المنثور "3: 57".
4 سورة المائدة: آية "27".
5 هذا جزء من حديث المسيء صلاته، وقد أخرجه البخاري في صحيحه من مواضع "انظر البخاري مع الفتح/ كتاب الآذان باب وجوب القراءة للإمام والمأموم "2: 276" ح "757".
ومسلم في صحيحه كتاب الصلاة/ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة "298:1" ح "397".
الثواب في الدنيا، وخاف على الحظ والعيال، مثل ما يقول الفسقة. فصح أن يقال: قصد الدنيا، والثاني والثالث واضح1.
فتبين من خلال هذا أن اختلاف السلف هنا من قبيل اختلاف التنوع فكل منهم يصف نوعاً تشمله الآية. ومثل هذا هو ما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله بعد أن ذكر اختلافاً للسلف من هذا القبيل: فكل قول فيه ذكر نوع دخل في الآية، ذكر لتعريف المستمع بتناول الآية له. وتنبيهه به على نظيره، فإن التعريف بالمثال قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطابق.
والعقل السليم يتفطن للنوع كما يتفطن إذا أشير له إلى رغيف فقيل له: هذا هو الخبر2.
فتبين بهذا هذا المنهج القويم وهذه النظرة الواعية لأقوال السلف وتفسيراتهم بفهمها والجمع بينها ما أمكن، والاستفادة من المعاني التي فسروا بها.
وبالله التوفيق.
1 انظر مؤلفات الشيخ / القسم الرابع/ التفسير ص "120- 123".
2 س مقدمة في أصول التفسير ص "44".