المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع: موقف الشيخ من القصص الإسرائيلي - منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التفسير

[مسعد بن مساعد الحسيني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌قسم الدراسة - الباب الأول: تفسير الشيخ القرآن بالمأثور

- ‌الفصل الأول: تفسيره القرآن بالقرآن

- ‌الفصل الثاني: تفسيره القرآن بالسنة

- ‌الفصل الثالث: تفسيره القرآن بأقوال السلف من الصحابة والتابعين

- ‌المبحث الأول: تفسيره القرآن بأقوال الصحابة

- ‌المبحث الثاني: تفسيره القرآن بأقوال التابعين

- ‌المبحث الثالث: موقف الشيخ من اختلاف السلف في التفسير

- ‌الباب الثاني: التفسير بالرأي أو بالمعلول

- ‌الفصل الأول: نظرته إلى العقل ومكانته من الشرع

- ‌الفصل الثاني: نظرته إلى التفسير بالرأي

- ‌الفصل الثالث: توفر أدوات التفسير بالرأي لدى الشيخ

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: معرفته باللغة ومدى اهتمامه بها في تفسيره

- ‌المبحث الثاني: معرفته بالنحو والإعراب ومدى اهتمامه به في تفسيره

- ‌المبحث الثالث: معرفته بالبلاغة ومدى اهتمامه بها في تفسيره

- ‌الفصل الرابع: مظاهر التفسير بالرأي عند الشيخ

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: التفسير الإفرادي

- ‌المبحث الثاني: التفسير الإجمالي

- ‌المبحث الثالث: الاستنباط المباشر من الآيات

- ‌الفصل الخامس: السمات العامة لتفسيره بالرأي

- ‌المبحث الأول: تمشيه مع روح الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الثاني: تمشيه مع تفسيرات السلف وأقوالهم

- ‌الباب الثالث: أهم الأغراض التي تناولها الشيخ أو حققها من خلال تفسيره

- ‌الفصل الأول: التركيز على العقيدة من خلال تفسيره

- ‌المبحث الأول: اهتمامه بالعقيدة من خلال تفسيره بصفة عامة

- ‌المبحث الثاني: أهم المباحث العقدية التي بين لها الشيخ في تفسيره

- ‌المطلب لأول: اهتمامه ببيان أقسام التوحيد من خلال تفسيره

- ‌المطلب الثاني: اهتمامه بتقرير أركان الإيمان من خلال تفسيره

- ‌المبحث الثالث: استنباطه جوانب حماية العقيدة من الآيات

- ‌الفصل الثاني: اهتمام الشيخ في تفسيره بالردود على المخالفين

- ‌الفصل الثالث: الاتجاه الإصلاحي في تفسير الشيخ

- ‌الفصل الرابع: اهتمامه بجانب الفقه والتأصيل في تفسيره

- ‌المبحث الأول: اهتمامه بالفقه في تفسيره

- ‌المبحث الثاني: اهتمامه بالتأصيل في تفسيره

- ‌المطلب الأول: التأصيل العام في تفسيره

- ‌المطلب الثاني: اهتمامه بأصول الفقه في تفسيره

- ‌الفصل الخامس: القصص في تفسير الشيخ ومدى اهتمامه به

- ‌المبحث الأول: نظرته إلى القصص واهتمامه به

- ‌المبحث الثاني: طريقته في دراسة القصص والاستنباط منها

- ‌المبحث الثالث: المنهج الموضوعي في تفسير القصص لدى الشيخ

- ‌المبحث الرابع: موقف الشيخ من القصص الإسرائيلي

- ‌الفصل السادس: ما ذكره الشيخ من علوم القرآن في تفسيره

- ‌قسم التحقيق - مقدمة

- ‌النص المحقق

- ‌ذكر ما ذكر الشيخ محمد رحمه الله على سورة يوسف من المسائل

- ‌ مسائل مستنبطة من سورة الحجر

- ‌مسائل مستنبطة من سورة النحل

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌المبحث الرابع: موقف الشيخ من القصص الإسرائيلي

‌المبحث الرابع: موقف الشيخ من القصص الإسرائيلي

لم يهتم الشيخ بالإسرائيليات وذلك لاهتمامه في مجال القصص القرآني ودراسته بالنص على الفائدة، ومن المعلوم أن القصة القرآنية قد نصت على موضع العبرة والفائدة، وغالب التفصيلات الواردة في أخبار بني إسرائيل لا فائدة فيها، يقول الشيخ عند قول الله تعالى في أول سورة يوسف:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} 1 ومما يدل على أن القرآن كاف عما سواه من الكتب أن عمر أتى النبي "صلى الله عليه وسلم" بكتاب فقرأ عليه، فغضب فقال:"أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب. والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيه، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه، أو بباطل فتصدقونه، والذي نفسي بيده لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي" رواه أحمد2. وفي لفظ أنه استكتب جوامع من التوراة وقال: ألا أعرضها عليك، وفيه: "لو أصبح فيكم موسى حياً ثم أتبعتموه وتركتموني لضللتم إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين" 3.

قال الشيخ موضحاً حزم عمر في هذا الموضع: وقد انتفع عمر بهذا، فقال للذي نسخ كتاب دانيال: امحه بالحميم والصوف الأبيض، وقرأ عليه أول هذه السورة، وقال: لئن بلغني أنك قرأته أو أقرأته أحداً من الناس لأنهكنك عقوبة"4.

قلت: وهذا موقف حازم من عمر "رض الله عنه".

وأما من أنا بصدد دراسة موقفه من الإسرائيليات وهو الشيخ محمد "رحمه الله"

1 سورة يوسف: الآيات "1- 3".

2 سيأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "288، 289".

3 سيأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "288، 289".

4 انظر مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "128". والأثر سيأتي تخريجه في موضعه من التحقيق ص "290".

ص: 243

فيقول: أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات1.

فهل يا ترى يذهب الشيخ إلى أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات مطلقاً؟ أو أنه يسير على ما سار عليه كثير من المفسرين في جواز الأخذ من أخبار بني إسرائيل في حدود المباح؟

الذي يظهر لي أنه ليس في كلام الشيخ ما يدل على أنه يذهب إلى المنع مطلقاً، وإن كان يشعر بالتشديد في شأن أخبار بني إسرائيل.

وأما قوله: إن القرآن كاف عما سواه من الكتب. فحق لا مرية عليه ولكن القضية في حكم الأخذ من الإسرائيليات هل يجوز أولا؟

لقد ساق الشيخ هذا الحديث المتضمن هذه القصة التي حدثت لعمر رضي الله عنه ثم قال:- وقد انتفع عمر بهذا.... فلم يستنبط الشيخ منه حكما عاما، وإنما ذكر هذا الموقف لعمر "رضي الله عنه".

ثم إن هذا الموقف لعمر "رضي الله عنه" اجتهاد منه في العمل بالأمر الأول وهو المنع لما رأى من المصلحة، والحال المقتضية لذلك، إما لأنه رأى أن الناسخ لكتاب دانيال لم يتمكن من علوم الشريعة الإسلامية، فليس لديه القدرة على التمييز بين الحق والباطل، فخشى عليه أن يزيغ فيكذب بحق أو يصدق بباطل، وإما لخوف التشويش على أهل تلك الديار التي منها هذا الناسخ ممن هم حديثو عهد بكفر، وهم في أول إسلامهم، فناسب أن يعاملوا بما يناسب حالهم من المنع، كما منع الرسول "صلى الله عليه وسلم" المسلمين أول مرة من الأخذ من أخبار أهل الكتاب.

قال الحافظ ابن حجر: وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحظور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار2. أ. هـ.

1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "255".

2 انظر فتح الباري "575:6".

ص: 244

فموقف عمر "رضى الله عنه" هنا- وإن كان يدل على التشديد في شأن الأخذ من أخبار بنى إسرائيل والكراهة له- إلا أنه لا يدل على أنه يذهب إلى تحريم الأخذ من أخبارهم في حدود المباح، لمن كانت عنده القدرة على التمييز بين السليم والسقيم، ومثل هذا وأرد أيضاً عن بعض الصحابة كابن عباس "رضي الله عنه" فأنه قد ورد عنه النهي عن سؤال بنى إسرائيل ومع هذا فكان "رضي الله عنه" كثيراً ما يأخذ عن مسلمة أهل الكتاب من أخبارهم.

فدل هذا على أن التشديد من أولئك الصحابة هو في حق من لم يستطع التمييز بين الصحيح وغيره وما هو داخل ضمن المأذون في نقله من عدمه لعدم تضلعه من علوم الشريعة.

وأما من كان عنده القدرة على معرفة الحق من غيره، وكيفية الأخذ والاستفادة من أخبار بني إسرائيل، فإنه يجوز له أن يأخذ من أخبارهم، وإن كنا لسنا بحاجة إلى أخبارهم.

فإذا كان كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب المتقدم أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات، لا يدل على أنه يرى النهي عن الأخذ من أخبار بني إسرائيل مطلقاً فما المراد به؟

وللإجابة على هذا السؤال أقول: إن كلام الشيخ هذا يحمل على أحد معان:

1-

أنه صادر في حق من لم تكن لديه القدرة على التمييز بين الحق والباطل فهو من قبيل النهي المتقدم من الصحابة عن الأخذ من أخبار أهل الكتاب وسؤالهم وخصوصاً أن الجهل قد عم وطم في كثير من الأرجاء في الفترة التي قام فيها الشيخ بدعوته.

2-

أنه لا يجوز تفسير كلام الله عز وجل وإيضاح معانيه بمجرد أخبار بني إسرائيل اعتماداً عليها، واعتقادا لها، حيث أن أخبارهم لا يقطع بصحة كونها من جملة أخبار كتبهم السماوية على الحقيقة. إذ أن الله عز وجل لم يتكفل بحفظ كتابهم، بل استحفظهم إياه كما قال: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً

ص: 245

وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} ، الآية1 فحفظ الأنبياء كتبهم، هم ومن سار على نهجهم من الربانيين والأحبار، حتى جاء من علمائهم وعبادهم من ضيعوا ما استحفظوا، وزادوا في كتبهم، ونقصوا وحرفوا لفظاً ومعنى، كما أخبر الله عنهم بقوله:{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} 2 وقوله: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه} 3.

هذا مع فقد الإسناد لديهم. فلذا تذكر أحاديثهم وأخبارهم للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها وإن شهد لها ما عندنا من الكتاب المهيمن، والسنة الراشدة بالصحة، فالاعتقاد بما عندنا، وما عندهم إنما يستشهد به4.

3-

أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات مما يعلم بطلانه من أخبارهم لدلالة ما عندنا على بطلانه، فالشيخ يعني نوعاً معيناً من الإسرائيليات، وذلك أن أخبار بنى إسرائيل على ثلاثة أقسام5:

أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا ما يشهد له بالصدق، كنبوة موسى وغيره من أنبيائهم، وغير ذلك فذاك صحيح.

الثاني: ما علمنا كذبه مما عندنا ما يخالفه، وذلك كرميهم لبعض الأنبياء بالتهم الباطلة المنافية لما نعلمه في ديننا من عصمة الأنبياء، فمثل هذا من أخبارهم كذب.

الثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه، وتجوز حكايته، وعليه يحمل قول النبي "صلى الله عليه وسلم":"لا تصدقوا بني إسرائيل ولا تكذبوهم"6.

1 سورة المائدة: آية "44".

2 سورة المائدة: آية "41".

3 سورة النساء: آية "46" وسورة المائدة: آية "13".

4 انظر مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية ص "100".

5 انظر: مقدمة في أصول التفسير ص "100".

6 رواه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة/ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" انظر الفتح "13: 345" ح "7363".

ص: 246

فالذي يعنيه الشيخ من هذه الأقسام هو القسم الثاني وهو ما علمنا كذبه لدلالة شرعنا على بطلانه، ولا يعنى الشيخ النوعين الآخرين، ويدل على هذا أمور منها:

1-

أن الخبر الذي استنبط منه أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات كان من قبيل ما يعلم كذبه بما عندنا مما يخالفه، وذلك الخبر هو ما ثبت أن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى بن إسرائيل، وإنما هو موسى آخر، فقال: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب عن النبي "صلى الله عليه وسلم" قال: "قام موسى النبي خطيباً في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك

"، الحديث1.

فسياق الكلام، ومنبع الاستنباط دال على أن المراد هو ما ذكر مما عندنا ما يخالفه، إذ أن قول نوف البكالي أنه ليس بموسى بنى إسرائيل من أخبار بنى إسرائيل الكاذبة، فالكلام هنا فيها لا غير.

2-

أن الشيخ في بعض الأحيان ينقل بعض الأخبار التي هي في الحقيقة مأخوذة من بنى إسرائيل، مما هو داخل تحت الإباحة، فلا يتصور أن يرى الشيخ تحريم تفسير القرآن بالإسرائيليات مطلقاً ثم يأخذ هو منها.

وكل معنى من هذه المعاني صحيح2 في ذاته، وأقربها لمقصود الشيخ الثالث ثم الثاني، ولا يمتنع أن يجمع بينهما فيكون المعنى أنه لا يجوز تفسير القرآن بما يؤخذ من الإسرائيليات مما عندنا ما يكذبه، وإن ذكر ما ليس عندنا ما يكذبه، فإنما يذكر ذلك للاستشهاد لا للاعتقاد. وهذا هو رأى شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الموضوع3.

1 تقدم تخريجه ص "239".

2 أي المعاني الثلاثة التي قلت: إن كلام الشيخ يحتملها.

3 انظر مقدمه في أصول التفسير ص "100".

ص: 247

وأما التوجيه الأول فيظهر لي أنه مع إمكانه فيه نظر وذلك أن الشيخ علق الحكم على التفسير لا على المفسر. والله أعلم.

إذا ثبت هذا فإن أخذ الشيخ من الأخبار الإسرائيلية هو في نطاق ضيق، وفى حدود ما أذن به، إذ أن الإسهاب في ذكر القصص الإسرائيلي لا يخدم منهج الشيخ، ولا يلائمة، لما علم من أن غرض الشيخ هو النص على الفائدة، ولما علم من ميزة كل من القصة القرآنية، والقصة الإسرائيلية.

فانظر إلى مقاله عند بداية الحديث عن قصة أصحاب الكهف عند قول الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً} 1 حيث يقول2: يعنى أن قصتهم مع كونها عجيبة، فيها مسائل جليلة، أعظمها الدلالة على التوحيد، وبطلان الشرك، والدلالة على نبوته "صلى الله عليه وسلم" ومن قبله، والدلالة على اليوم الآخر، ففي الآيات المشاهدة من خلق السماوات والأرض، وغير ذلك مما هو أعجب، وأدل على المراد من قصتهم، مع إعراضهم عن ذلك، فأما دلالتها على التوحيد وبطلان الشرك فظاهر، وأما دلالتها على النبوات فكذلك كما جعلها أحبار يهود آية لنبوته، وأما دلالتها على اليوم الآخر فمن طول لبثهم لم يتغيروا كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} 3.

وهكذا عندما تعرض الشيخ للاستنباط مما ذكر من أحداث هذه القصة، حسبما ورد في كتاب الله تعالى ركز على الفوائد والعبر الواردة فيها، واستفاد من أحداثهما في النصح والتوجيه، دون التعرض لتفصيلات القصة وجزئياتها مما لم يذكر في شرعنا.

فمن ذلك قوله عند قول الله تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} الآية4 فيه مسائل:

الأولى: كونهم فعلوا ذلك عند الفتنة وهذا هو الصواب عند وقوع الفتن الفرار منها.

1 سورة الكهف: آية "9".

2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "241، 242".

3 سورة الكهف: آية "21".

4 سورة الكهف: آية "10".

ص: 248

الثانية: قولهم: {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} لا نحصلها بأعمالنا ولا بحيلتنا.

الثالثة: قولهم: {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} طلبوا من الله أن يجعل لهم من ذلك العمل رشداً مع كونه عملاً صالحاً، فما أكثر ما يقصر الإنسان فيه، أو يرجع على عقبيه، أو يثمر له العجب والكبر، وفى الحديث "وما قضيت لنا من قضاء فأجعل عاقبته رشدا"1.

وقوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} إلى قوله: {مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} 2 فيه مسائل:

الأولى: من آيات النبوة وإليه الإشارة بقوله "بالحق".

الثانية: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ} وهم الشبان، وهم أقبل للحق من الشيوخ، عكس ما يظن الأكثر.

الثالثة: قوله: {آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} فلم يسبقوا إلا بالإيمان بالله.

الرابعة: ما في الإضافة إلى ربهم من تقرير التوحيد.

الخامسة: في قوله: {وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عمل بما يعلم أورثه الله تعالى علم ما لم يعلم.

السادسة: أن المؤمن أحوج شيء إلى أن يربط الله على قلبه، ولولا ذلك الربط افتتنوا.

السابعة: قولهم: {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هذه الربوبية هي الألوهية.

الثامنة: المسألة الكبرى: أن من ذبح لغير الله أو دعا غيره فقد كذب بقول "لا إله إلا الله" وقد دعا إلهين اثنين واتخذ ربين.

التاسعة: المسألة العظيمة المشكلة على أكثر الناس: أنه إذا وافقهم بلسانه مع كونه مؤمناً حقاً، كارهاً لموافقتهم فقد كذب في قوله:"لا إله إلا الله" واتخذ إلهين اثنين، وما أكثر الجهل بهذه والتي قبلها.

1 هذا جزء من حديث طويل رواه الإمام أحمد في مسنده "6: 146، 147" والحاكم في مستدركه "1: 521، 522" وصححه، ووافقه الذهبي.

2 سورة الكهف: الآيات "13- 26".

ص: 249

العاشرة: أن ذلك لو يصدر منهم- أعني موافقة الحاكم فيما أراد من ظاهرهم مع كراهتهم لذلك فهو قوله: {شَطَطاً} والشطط: الكفر.

الحادية عشرة: قوله: {لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} فهذه المسألة مفتاح العلم، وما أكبر فائدتها لمن فهمها.

الثانية عشرة: قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} ففيه أن مثل هذا من افتراء الكذب على الله، وأنه أعظم أنواع الظلم، ولو كان صاحبه لا يدري بل قصد رضا الله.

الثالثة عشره: قوله: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} فيه اعتزال أهل الشرك، واعتزال معبوديهم، وأن ذلك لا يجرك إلى ترك ما معهم من الحق، كما قال تعالى:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} 1.

الرابعة عشره: قوله: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} فيه شدة صلابتهم في دينهم حيث عزموا على ترك الرياسة العظيمة، والنعمة العظيمة، واستبدلوا بها كهفاً في رأس جبل.

الخامسة عشرة: حسن ظنهم بالله، ومعرفتهم ثمرة الطاعة، ولو كان مباديها ذهاب الدنيا، حيث قالوا:{يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} .

السادسة عشرة: الدليل على الكلام المشهور أن التعب يثمر الراحة، والراحة تثمر التعب.

السابعة عشرة: عدم الاغترار بصورة العمل الصالح، فرب عمل صالح في الظاهر لا يثمر خيراً، أو عمل صالح يهيئ لصاحبه منه مرفقا2.

1 سورة المائدة: آية "8".

2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "242- 244".

ص: 250

وهكذا لم يهتم الشيخ بذكر ما ذكره بعض المفسرين من القصص الإسرائيلي المتعلق بهذه القصة، وإنما ركز في النظر على الدروس المستفادة من أحداث هذه القصة، واستنبط منها كما استنبط من غيرها كقصة آدم وإبليس، وموسى وفرعون، استنباطات عجاب وفوائد عذاب.

وأما أحداث القصة ذاتها فإن ما جاء في القرآن من ذلك كاف عما سواه، إذ فيه الكفاية لفهم القصة وفائدتها، ولذا نجد أن الشيخ يركز أحياناً على استنباط أحداث القصة من خلال التأمل في النص القرآني ودلالته.

- ومن دلائل ذلك استنباطه من قوله تعالى: {وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} 1 الآية. أنهم لم يعلموا أنها ردت إليهم حتى وصلوا إلى أهلهم وفتحوا المتاع2. وهذا الفهم من خلال التأمل في نص الآية فإن "لما" في هذا الموضع تقتضي جملتين؛ وجدت ثانيتهما عند وجود أولاهما3. ومفهوم ذلك ما ذكره الشيخ في استنباطه.

- ثم يقول مستنبط من هذه الآية والتي بعدها وهى قوله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} 4.

إن هذا يدل على أنهم في جوع وضراء عظيمة، وهم أكرم أهل الأرض على الله وابتلاهم بذلك لا لهوانهم عليه"5.

وهذا الاستنباط إنما هو من خلال التأمل في حالهم وما جرى بينهم وبين أبيهم من حوار وعهود ومواثيق، إذ لو كان بهم غناء عن جلب الميرة لم يحتج أبوهم إلى أن يخاطر بابنه الآخر بل يكتفي بما عندهم من الزاد.

1 سورة يوسف: آية "65".

2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "161".

3 انظر مغني اللبيب لابن هشام "280:1".

4 سورة يوسف: آية "66".

5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "162".

ص: 251

ومن دلائله أيضاً قوله عند قول الله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} الآية1.

انهم لما دخلوا على يوسف أوى إليه أبويه كما أوى إليه أخاه يدل على أنه لم يفعل ذلك بإخوته2.

وهذا الاستنباط من خلال تأمل قوله هنا: {آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} مع قوله: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} 3 فمعلوم أنه أول مره لم يؤو إليه بقية إخوته، إذ أن قوله لأخيه:{إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 4 يدل على أنه كان بمعزل عنهم، فأسر إليه هذا الأمر دونهم.

فكذا قوله: {آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} كذلك يدل على ما ذكره الشيخ.

وهذا من أحسن الفهم والاستنباط، أعني الفهم الناتج من ضم الآيات بعضها إلى بعض والاستنباط من خلال ذلك.

ومن دلائله أيضاً استنباطه من قوله تعالى إخباراً عن مقالة إخوة يوسف {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ} الآية5.

أن هذا يدل على أن أهل مصر لم يعرفوا يعقوب معرفة تامة6.

وهذا الفهم ناتج من خلال النظر في كلام الاخوة، ووصفهم أباهم بالأوصاف المذكورة في الآية، فلو كان يعقوب عليه السلام معروفاً عند أهل مصر معرفة تامة لم يحتاجوا إلى أن يصفوه بهذه الأوصاف، وإنما يكتفون بقولهم: أنه ابن نبي الله يعقوب عليه السلام. أو نحو ذلك.

1 سورة يوسف: آية "99".

2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص "175".

3 سورة يوسف: آية "69".

4 سورة يوسف: آية "69".

5 سورة يوسف: آية "78".

6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص "168".

ص: 252

بل إن الشيخ قد يرد على بعض ما ورد في القصص الإسرائيلي من خلال النص القرآني ومن ذلك قوله عند قول الله تعالى إخباراً عن مقالة النسوة {حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوء} 1 فيه رد لبعض الأقوال التي قيلت في الهم2.

ووجه ذلك أن {سُوء} نكرة في سياق النفي فيدل على العموم مع تأكيد النفي بزيادة {مِنْ} فدل ذلك على نفي جميع أنواع السوء عن يوسف عليه السلام كما قال تعالى من قبل: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ} 3.

إذ يقول الشيخ: عطف الفحشاء على السوء. قيل: إن السوء الذنوب كلها، وصرف الله عنه السوء والفحشاء، فيه رد على ما ذكر بعض المفسرين4.

فهذا الفهم لأحداث القصص من خلال النص القرآني أولى من الانهماك في نقل الأخبار الإسرائيلية، فإن في الأخذ عنهم مخاطرة عظيمة، يمكن تلافيها بالاستنباط من الآيات" والنظر الصحيح، الذي يكون صاحبه بين أجر وأجرين.

ثم أعود فأقول إن استنباطات الشيخ من القصص مع واقعيتها قد لا تخطر على بال الكثير. فكان تنبيهه إليها وإلى مواضع استنباطاتها من الآيات مما يثير الإكبار حقاً لهذا الفهم السليم، والمنهج القويم، حيث ينبه من خلاله إلى كثير من أهداف القصة ودروسها وعبرها، فتجد في هذه الاستنباطات ما يتعلق بترسيخ العقيدة، وما يتعلق بالاتجاه الإصلاحي للمجتمع، والاتعاظ والاعتبار والنصح والتوجيه بل والفقه والأحكام، وغير ذلك، وإن كانت القصة قد مضت وانتهت، إلا أن إخبار الله إيانا بها منطو على توجيهنا إلى الاتعاظ والاعتبار بما فيها كما قال:{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} 5 وهذا هو ما نبه الشيخ إليه باستنباطاته امتثالاً أمر الله تعالى بالاعتبار بقصص القرآن.

1 سورة يوسف آية "51".

2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "153".

3 سورة يوسف: آية "24".

4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير "137" وانظر قسم التحقيق ص "313".

5 سورة يوسف: آية "111".

ص: 253

فما أجدر من تعرض لدراسة القصص القرآني بأن يسلك هذا المنهج، ويعالج بما يستنبط من أحداثه واقعاً أليماً، ومشكلة واقعة بدلاً من الإسراف في نقل الإسرائيليات، والإغراق في الخيال، وذلك حتى نستفيد من كتاب ربنا الذي قال فيه:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} 1.

فإذا كنا مؤمنين بأن من أعظم أهداف القصة القرآنية الاتعاظ والاعتبار، فلنتعظ ونعتبر بما نص الله عليه من أحداث حقيقية ذكرها لعظيم ما يستنبط منها من فوائد، بينما لم يذكر سبحانه بعض التفصيلات التي لا تهمنا في شيء، فالبحث عن تلك التفاصيل من الأخبار الإسرائيلية إهدار للجهد والوقت فجما لم يكلفنا الله البحث عنه.

ولذا لم يهتم الشيخ كما قلت بذكر القصص الإسرائيلي، وإذا ذكر شيئاً منه للاستشهاد، أو لبيان أمر ما فإنه يحتاط في ذلك فلا ينقل شيئاً مما في شرعنا ما يخالفه.

ومع هذا يحتاط أيضاً في رواية أخبارهم المأخوذة عنهم فيذكر ما يروى غالب بصيغة التمريض نحو "قيل" و "روي" و "ذكر" وذلك لأنه لا يوثق بنقلهم. فالجزم بشيء من أخبارهم أنه من كتاب الله، وحقيقته أنه ليس من كتاب الله، أو الجزم أنه ليس من كتاب الله، وحقيقته أنه من كتاب الله أمر خطر بلا شك. فلعل الأسلم في رواية أخبارهم هذه الصيغة.

فمن أمثلة ذلك قوله عند قول الله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} إلى قوله: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 2. فيه مسائل، ونذكر قصة قبل ذلك:

قيل: إن الملك بلغه أن الخباز يريد أن يسمه، وأن صاحب شرابه مالأه لحى ذلك، فحبسهما جميعاً، وذلك قوله:{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} فقال الساقي: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} ، أي: أعصر عنباً خمراً، وقال صاحب الطعام:{إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ} بتفسيره، {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} تأتي الأفعال الجميلة، وقيل: ممن يحسن

1 سورة النحل: آية "89".

2 سورة يوسف: آية "36".

ص: 254

تعبير الرؤيا. ثم ذكر المسائل المستنبطة من هذه القصة1.

ويقول مستنبطاً من قصة تعبير يوسف رؤيا الملك: أنه عبر البقر السمان بالسنين المخصبة، والبقر العجاف بالسنين المجدبة، وأكلها السمان كون غلة السنين المخصبة يأكلها الناس في السنين المجدبة، وكذلك السنابل الخضر واليابسات، قيل: إنه رأى سبع سنابل خضر قد انعقد حبها، وسبعاً أخر يابسات، قد استحصدت، فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليهن2. ويقول عند قول الله تعالى:{وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} إلى قوله: {قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} 3 قيل: لما أطمأن يوسف في ملكه ومضت السنون المخصبة، ودخلت السنون المجدبة، وأصاب الشام من القحط ما أصاب غيرهم، فأرسل يعقوب بنيه إلى مصر وأمسك بنيامين عنده، فلما دخلوا عليه عرفهم. قيل: كان بين دخولهم عليه وإلقائه في الجب "أربعون سنة" فلذلك لم يعرفوه فقال: أخبروني ما أمركم؟ فقالوا: نحن قوم من أرض كنعان، جئنا نمتار طعاماً. قال: كم أنتم؟ قالوا: عشرة قال: أخبروني خبركم. قالوا: إنا إخوة، بنو رجل صديق، وإنا كنا اثني عشر، فذهب أخ لنا معنا في البرية فهلك فيها، وكان أحب إلى أبينا منا، فقال: فإلى من يسكن أبوكم بعده؟ قالوا: أخ لنا أصغر منه فذلك قوله {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ}

إلى آخره4.

وهكذا يتبين ما أشرت إليه من منهجه في ذكر القصص القرآني.

"وبالله التوفيق"

1 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "142، 143" وانظر قسم التحقيق ص "323" وما بعدها.

2 المرجع السابق ص "151" وقسم التحقيق ص "341".

3 سورة يوسف: الآيات "58- 61".

4 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "158، 159".

وتخريج هذه القصة في موضعه من قسم التحقيق ص "357".

ص: 255