الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: اهتمامه بتقرير أركان الإيمان من خلال تفسيره
إن الناظر في استنباطات الشيخ "رحمه الله" من الآيات القرآنية يرى أنه يهتم بالنص على ما تتضمنه تلك الآيات من ركائز الإيمان وأركانه، بل يجعل ذلك من أوليات ما ينظر إليه كي يثمر العلم العمل، فإن الأعمال داخلة في مسمي الإيمان كما ذكر الشيخ عند قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} 1.
وقد ذكر الشيخ عند استنباطه من قصة آدم وإبليس أن هذه القصة قد اشتملت على أصول الإيمان الستة في حديث جبريل وذكر هذه الأصول في موضع واحد فقال 2:
وفي القصة فوائد عظيمة وعبر لمن اعتبر بها، منها أن خلق آدم من تراب من أبين الأدلة على المعاد كما استدل به سبحانه في غير موضع "وهذه دلالة القصة على الإيمان باليوم الآخر".
ومنها أنها من أبين الأدلة على قدرته سبحانه وعظمته ورحمته وعقوبته و، إنعامه وكرمه وغير ذلك من صفاته "وهذه بعض دلالتها على الإيمان بالله".
ومنها: أنها من أدلة الرسل عامة، ومن أدلة نبوة محمد "صلى الله عليه وسلم" خاصة "وهذه دلالتها على الإيمان بالرسل".
ومنها: الدلالة على الملائكة وعلى بعض صفاتهم "وهذه دلالتها على الإيمان بالملائكة".
ومنها: الدلالة على القدر خيره، وشره "وهذه دلالتها على الإيمان بالقدر". أما دلالتها على الإيمان بالكتب فلعل ذلك لكون هذه القصة، إنما أتت عن طريق الكتب، ولم يأت بها البشر من عند أنفسهم ولم يشهدها أحد منهم فدل ذلك على أن الكتاب منزل من لدن حكيم خبير كما قال تعالى: {بَلْ هُوَ
1 سورة الحجرات: آية "7". وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص"353".
2 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "84".
قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} 1.
هذا وقد استنبط الشيخ في مواضع اخرى ما يتعلق بهذه الأركان الستة نصا عليها وتوضيحا لها. فأشير، إلى اهتمامه بترسيخ هذه الأركان من خلال القرآن وتفسيره.
أولا: الإيمان بالله:
أعظم ما نص عليه الشيخ في تفسيره، ونبه إليه، ووضحه الإيمان بالله تعالى "وقد أوضحت شيئاً من اهتمام الشيخ بهذا الجانب عند الكلام عن اهتمامه بتوحيد المعرفة والإثبات وتوحيد القصد والطلب من خلال تفسيره ففي ذلك الكفاية فليراجع 2.
ثانيا: الإيمان بالملائكة:
من خلال الاستنباطات ينص الشيخ على ما يتعلق بالملائكة، وصفاتهم، ليرسخ الإيمان بهم في القلوب، وقد سبق أن ذكرت أنه ذكر في قصة آدم وإبليس الدلالة على الملائكة وعلى بعض صفاتهم3، فهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
ومن خلال القرآن يوضح شيئاً من تلك الصفات التي أجملها هنا. فمن ذلك طاعتهم لله عز وجل وسجودهم لآدم، وتواضعهم طاعة لرب العالمين، كما قال:{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} 4.
وينص الشيخ على بعض صفاتهم فيقول: إن الملائكة لما أخبرهم الله تعالى بأنه جاعل في الأرض خليفة قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} 5 فقيل لهم ما قيل وعوتبوا بقوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} 6
1 سورة البروج آية "21،22".
2 انظر ما تقدم ص "146" وما بعدها.
3 انظر ما تقدم ص "139".
4 سورة "ص" الآيات "71- 73" وانظر مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/التفسير ص"83،91،188".
5 سورة البقرة آية "30".
6 سورة البقرة آية "30".
فكانت توبتهم أن قالوا: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} 1 فكان كما لهم، ورجوعهم عن العتب، وكمال علمهم أن أقروا على أنفسهم بالجهل إلا ما علمهم سبحانه فقالوا:{قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} 2.
وعند قوله تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} 3 مما فيه تفسير لقوله تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} 4 يستنبط ما دلت عليه هاتان الآيتان، من صفاتهم فيقول: سجود الملائكة، وعدم استكبارهم مع شرفهم، وخوفهم منه مع ذلك، وأنهم مع ذلك الخوف كاملوا الانقياد فيما أمروا 5.
ويستنبط من قوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} 6.
الآية: أن ملك الموت له أعوان يتوفون7.
ويستنبط من قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} 8 أن روح القدس هو جبرائيل9.
ووجه هذا الاستنباط أنه من المعلوم أن الذي ينزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم هو جبرائيل فلما ذكر سبحانه في هذه الآية أن الذي نزله هو روح القدس علم أن روح القدس هو جبرائيل.
1 سورة البقرة: آية "32".
2 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "94".
3 سورة النحل آية "50،49".
4 سورة التحريم: آية "6".
5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص "213".
6 سورة النحل: آية "28".
7 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "207".
8 سورة النحل آية "102".
9 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "228".
ويستنبط من قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} 1 أن تنزيل الملائكة بالروح بمشيئة الله لا باقتراح الخلق2.
ثالثا: الإيمان بالكتب.
يستنبط الشيخ من قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} 3. وجوب الإيمان بجميع المنزل على هؤلاء الأنبياء، وعدم التفريق بينهم4.
وينبه عند قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} 5 على ما نصت عليه الآية من الأمر بأتباع المنزل إلينا، والتحريض على ذلك بأنه منزل إلينا من ربنا، والنهي عن اتباع ما سواه6.
وعند قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} 7 ينبه إلى ما دلت عليه الآيات من أن الحكمة من إنزال القرآن هي تثبيت المؤمنين، وهدايتهم، وتبشيرهم8.
ثم يوضح عند قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ
1 سورة النحل: آية "2".
2 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "200".
3 سورة البقرة: آية "136".
4 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "39".
5 سورة الأعراف: آية "3".
6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "69".
7 سورة النحل: آية "102".
8 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "228".
اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} 1 أن الإيمان بآيات الله يستلزم العمل ومنه ترك الكذب2.
وفي هذا إيضاح الغرض من إنزال الكتب وهو الإيمان بالله المتضمن العمل الصالح. ويوضح عند قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} 3 الآية: ضرورة التسليم لكتب الله، وعدم معارضتها بغيرها، ومع هذا ففي من يدعى العلم من اختار كتب السحر على كتاب الله، ويعارضون بها كتاب الله. واتباع غير كتاب الله ضلال4.
ولبيان ما تقدم يقول الشيخ: إن الذي يقتصر على الوحي هو البصير، وضده الأعمى5 وذلك من خلال النظر في قوله تعالى:{قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ} 6.
رابعا: الإيمان بالرسل.
من خلال الفهم الصحيح لآيات كتاب الله تعالى يوضح الشيخ وجوب الإيمان برسل الله، والغرض من إرسالهم، ودلائل رسا لاتهم، وأحوالهم والواجب تجاههم، وغير ذلك مما تنص عليه الآيات فعند قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} الآية7 ينبه الشيخ على ما نصت عليه هذه الآية من عموم الرسالة لكل أمه، وأن كل أمة لها رسول يخصها، وأن بعثه الكل لأجل هاتين الكلمتين، وأنه لا بد مع الإثبات من النفي8.
1 سورة النحل: آية "105".
2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "229".
3 سورة البقرة: آية "102".
4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "23، 24".
5 المرجح السابق ص "56".
6 سورة الأنعام: آية "50".
7 سورة النحل: آية "36".
8 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "209" وانظر قسم التحقيق ص "437،436".
ويبين الشيخ من خلال قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} 1 أن كل الرسل رجال لاجني فيهم ولا أنثي، وأن كل رسول لا يرسل إلا ببينات2.
ويتضح اهتمام الشيخ بالتنبيه على ما يتعلق بأحوال الأنبياء من خلال إفراده الكلام عن الرسالات بالذكر عند تصنيفه لمواضيع بعض السور أو الآيات. فعند تصنيفه لما اشتمل عليه صدر سورة هود من العلوم ذكر العلم الثالث وهو "تقرير الرسالة" 3 فذكر ما اشتمل عليه صدر هذه السورة مما يتعلق بهذا الموضوع من مسائل وهي:-
الأولى: المسألة الكبرى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} 4.
الثانية: أنه نذير من الله وبشير لنا.
الثالثة: تقرير صحة رسالته باعتراضهم بقولهم إنها سحر مبين مع موافقتها للعقل.
الرابعة: تقريرها بقولهم: {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ} 5.
الخامسة: تقريرها بمعرفة العلماء بها.
السادسة: تقريرها بالتحدي.
السابعة: تقريرها بأنها الحق من الله.
والسادسة مستنبطة من قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 6.
1 سورة النحل: آية "44،43".
2 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "212".
3 المرجع السابق ص "117".
4 سورة هود: آية "2".
5 سورة هود: آية "12".
6 سورة هود: آية "13".
والخامسة والسابعة مستنبطتان من قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ} 1.
وعند تصنيفه لما اشتملت عليه قصة "موسى والخضر" من العلوم ذكر العلم الثاني: ما يتعلق بأحوال الأنبياء. وفيه مسائل2: "وهي مستنبطة من الكتاب والسنة على أساس أن السنة تبين القرآن".
الأولى: أن النبي يجوز عليه الخطأ "كما وقع من موسى عليه السلام حين نفى أن يكون في الأرض من هو أعلم منه"3.
الثانية: أنه يجوز عليه النسيان وذلك كما نسي فتاه الحوت، ونسي هو شرط الخضر ثم اعتذر بالنسيان فقال:{لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيت} 4.
الثالثة: فضيلة نبينا "صلى الله عليه وسلم" بعموم الرسالة لقوله: موسى بني إسرائيل.
الرابعة: ما جبل عليه موسى عليه السلام من الشدة في أمر الله "لقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً} 5.
الخامسة: أنه لا ينكر إصابة الشيطان للأنبياء بما لا يقدح في النبوة لقوله: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} 6 مع قوله: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} 7.
1 سورة هود: آية "17".
2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "252،253".
3 أنظر الكلام على هذه القصة وتخريج لم أخبارها في الفصل الخاص بدراسة القصص ص"239".
4 سورة الكهف: آية "73".
5 سورة الكهف: آية "60".
6 سورة الكهف: آية "61".
7 سورة الكهف: آية "63".
السادسة:- ما عليه الإنسان من البشرية، ولو كان نبيا، وذلك من أدلة التوحيد وذلك من وجوه منها:{اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} 1.
ويوضح الشيخ من خلال الآيات بعض دلائل النبوة فيقول عند قول الله تعالى لما ذكر قصة نوح {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ} 2 الآية فيها: معرفة آيات رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حيث وافق ما قصه مع كونه لم يعلم، ولم يأخذ عمن يعلم ما عند أهل الكتاب، فلم يستطيعوا أن يردوا عليه مع شدة العداوة3.
وعند قوله: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} 4 يقول آية النبوة وهى إخبارهم، حينئذ بهذا ثم وقع5.
ويذكر الشيخ أن سورة "المسد" قد اشتملت على بعض دلائل النبوة6.
ولعل من ذلك الإخبار بمصير أبي لهب وهو حي، فلم يهتد، ومات على كفره والعياذ بالله.
ويستنبط من قول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} 7 أن من كذب رسولا فقد كذب الرسل8.
وهو يوافق ما ذكره ابن كثير في تفسيره حيث يقول: أصحاب الحجر هم ثمود الذين كذبوا صالحا نبيهم عليه السلام، ومن كذب برسول فقد كذب بجميع المرسلين، ولهذا أطلق عليهم تكذيب المرسلين9.
ويوضح الشيخ من خلال الآيات مناقب الأنبياء، وفضائلهم، فمن ذلك قوله عند
1 سورة الكهف: آية "77".
2 سورة هود: آية "49".
3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "124".
4 سورة الزمر: آية "39، 40".
5 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "332".
6 المرجع السابق ص "381".
7 سورة الحجر: آية "80".
8 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "194".
9 تفسير ابن كثير "462:4" وانظر قسم التحقيق فيما يأتي ص "418".
قول الله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} 1 الآية: الثناء على إبراهيم بأنه أتم الكلمات التي ابتلاه بها. قيل: إن الله لم يبتل أحداً بهذا الدين فأتمه إلا إبراهيم ولهذا قال: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} 2 وأنه جازاه على ذلك بأمور منها أنه جعله إماماً، وهي مرتبة عظيمة في الدين3.
وعند قول الله تعالى في شأن موسى: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ} الآية4.
يقول الشيخ: فيها اختصاص موسى بهذه المرتبة – وهي تكليم الله إياه- ولذلك ذكرها إبراهيم عليه السلام إذا طلبت منه الشفاعة5.
وعند قول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} 6 الآية ينبه الشيخ على ما اختص به خاتم النبيين "صلى الله عليه وسلم" من عموم الرسالة فيقول: فيها معنى قوله "وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"7.
1 سورة البقرة: آية "124".
2 سورة النجم: آية "37" وهذا القول أخرجه الطبري عن ابن عباس "27: 73".
3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "30".
4 سورة القصص: آية "29" وما بعدها.
5 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "292" وحديث الشفاعة.
أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب التوحيد/ باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم انظر الفتح "13: 481، 482" ح "7510" ومسلم في صحيحه/ كتاب الإيمان/ باب أدنى أهل الجنة منزلة "1: 180-184" ح "193".
6 سورة الأعراف: آية "59".
7 أخرجه البخاري في صحيحه في مواضع منها/ كتاب التيمم/ باب "1" انظر الفتح "1: 519" ح "335".
خامساً: الإيمان باليوم الآخر.
اليوم الآخر هو يوم الدين، وهو يوم الجزاء، والحساب، يقول الشيخ عند قوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} معناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} 1 ومن قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} 2.
يستنبط الشيخ وجوب الإيمان بإتيان الساعة، وأن العلم بإتيانها فيه تعزية للمظلوم3.
ويستدل الشيخ بالآيات وما تشير إليه من أحداث على اليوم الآخر فيقول في قصة آدم وإبليس كما تقدم: إن خلق آدم من تراب من أبين الأدلة على المعاد4. وذلك أن القادر على البدء قادر على الإعادة.
وعند قصة أصحاب الكهف يقول: وأما دلالتها على اليوم الآخر فمن طول لبثهم لم يتغيروا، كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} 5.
ويقول أيضاً: إن الساعة لا ريب فيها لما وقع بينهم النزاع، وذلك أن بعض الناس زعم أن البعث للأرواح خاصة، فأعثر عليهم ليكون دليلاً على بعث الأجساد6.
ويستدل الشيخ بقوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} 7. وبقوله في شأن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} 8 على عذاب القبر كما ذهب إلى ذلك جمع من
1 سورة الانفطار الآيات "17-19" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص"12".
2 سورة الحجر: آية "85".
3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "195".
4 انظر ما تقدم "139".
5 سورة الكهف: آية "21" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص 241، 242.
6 مؤلفات الشيخ / القسم الرابع / التفسير ص "246".
7 سورة الحجر: آية "1".
8 سورة غافر: آية "46".
العلماء1.
ومن قوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} 2 يستنبط الشيخ أن الشرك وعدم الإيمان بالآخرة متلازمان.
فإنه مع تكاثر أدلة الإلهية، ووضوحها أنكرته قلوب المشركين، فسبب ذلك عدم الإيمان بالآخرة، لاخفاء الأدلة3.
1 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "183،313" وانظر قسم التحقيق ص "403".
2 سورة النحل: آية "22".
3 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "205".
سادساً: الإيمان بالقدر.
يوضح الشيخ هذا الركن من خلال الآيات فيقول عند قوله تعالى: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} 1 فهذا القدر، يهدي من يشاء ويضل من يشاء 2.
وينص الشيخ على هذا الركن في آيات كثيرة ولا يخوض فيه بل يشير، إلى بعض ما يظهر من الآيات المتعلقة بالقضاء والقدر.
فيقول في قصة آدم وإبليس كما تقدم: فيها الدلالة على القدر خيره وشره والقصة تفيد المعني العظيم المذكور في قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِه} 3 حيث أنظره الله فلم ينزع إلى التوبة، بل ازداد معصية، فهذا من عجائب القدر، كيف صدر هذا منه مع علمه وعبادته4.!
ومن خلال هذه القصة يحذر الشيخ من معارضة القدر بالرأي لقوله: {أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} 5 وهذه بلية عظيمة لا يتخلص منها إلا من عصمه الله، لكل مقل ومكثر6.
كما يذكر الشيخ عند قول الله تعالى إخبارا عن قول إبليس: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} 7: أن الاحتجاج بالقدر على المعاصي من طريقة إبليس8. فيجب أن يقول المرء كقول أبويه: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 9. وقد احتج به المشركون والعياذ بالله متبعين لمنهج إبليس هذا كما أخبر الله عنهم بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
1 سورة الأعراف آية "30".
2 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "78، 100".
3 سورة الأنفال: آية "24".
4 انظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "73، 96".
5 سورة الإسراء: آية "62".
6 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "85".
7 سورة الأعراف: آية "16".
8 مؤلفات الشيخ/القسم الرابع/ التفسير ص "73".
9 سورة الأعراف: آية "23" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/التفسير ص"85".
لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} 1 ومن خلال الآيات يوضح الشيخ أن السبب يكون من العبد، ولكن الله هو الذي ينفع بمشيئته كما قال تعالى:{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} الآية2.
وقال: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} الآية3 ففي الآية ذكر مشيئة الله. وذكر السبب من العبد4.
1 سورة النحل: آية "35" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع التفسير ص "208".
2 سورة الزمر: آية "23" وانظر مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "326".
3 سورة الأعراف: آية "176".
4 مؤلفات الشيخ/ القسم الرابع/ التفسير ص "112".