المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العصر الأيوبى والعصر المملوكى - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌إريتريا

- ‌الأزهر الشريف (جامع وجامعة)

- ‌العصر الفاطمى

- ‌العصر الأيوبى والعصر المملوكى

- ‌العصر الحديث

- ‌مرحلة التطوير

- ‌أروقة الأزهر الشريف

- ‌مكتبة الأزهر الشريف

- ‌شيوخ الأزهر

- ‌الشيخ الإمام محمد الخراشى

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم البرماوى

- ‌الشيخ الإمام محمد النشرتى

- ‌الشيخ الإمام عبد الباقى القلينى

- ‌الشيخ الإمام محمد شنن

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم الفيومى

- ‌الشيخ الإمام عبد الله الشبراوى

- ‌الشيخ الإمام محمد الحفنى

- ‌الشيخ الإمام عبد الرءوف السجينى

- ‌الشيخ الإمام أحمد الدمنهورى

- ‌الشيخ الإمام أحمد العروسى

- ‌الشيخ الإمام عبد الله الشرقاوى

- ‌الشيخ الإمام محمد الشنوانى

- ‌الشيخ الإمام محمد العروسى

- ‌الشيخ الإمام أحمد الدمهوجى

- ‌الشيخ الإمام حسن العطار

- ‌الشيخ الإمام حسن القويسنى

- ‌الشيخ الإمام أحمد عبد الجواد السفطى

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم الباجورى

- ‌الشيخ الإمام مصطفى محمد العروسى

- ‌الشيخ الإمام محمد المهدى العباسى

- ‌الشيخ الإمام شمس الدين الإنبابى

- ‌ الشيخ الإمام حسونة النواوى

- ‌الشيخ الإمام عبد الرحمن النواوى

- ‌الشيخ الإمام سليم بن أبى فراج البشرى

- ‌الشيخ الإمام على محمد الببلاوى

- ‌الشيخ الإمام عبد الرحمن الشربينى

- ‌الشيخ الإمام أبو الفضل الجيزاوى

- ‌الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغى

- ‌الشيخ الإمام محمد الأحمدى الظواهرى

- ‌الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق

- ‌الشيخ الإمام محمد مأمون الشناوى

- ‌الشيخ الإمام عبد المجيد سليم

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم إبراهيم حمروش

- ‌الشيخ الإمام محمد الخضر حسين

- ‌الشيخ الإمام عبد الرحمن تاج

- ‌الشيخ الإمام محمود شلتوت

- ‌الشيخ الإمام حسن مأمون

- ‌الشيخ الإمام الدكتور محمد الفحام

- ‌الشيخ الإمام الدكتور عبد الحليم محمود

- ‌الشيخ الإمام الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار

- ‌الشيخ الإمام جاد الحق على جاد الحق

- ‌الشيخ الإمام محمد سيد طنطاوى

- ‌أسامة بن زيد

- ‌أستاذ

- ‌استخارة

- ‌إسحاق [عليه السلام]

- ‌إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادى

- ‌إسحاق الموصلى

- ‌إسراء

- ‌إسرائيل

- ‌إسرافيل

- ‌أسطرلاب

- ‌إسلام

- ‌أسماء

- ‌إسماعيل [عليه السلام]

- ‌الإسماعيلية

- ‌الإسماعيلية في الهند

- ‌انتشار الاسماعيلية فى الوقت الحاضر:

- ‌إشبيلية

- ‌الأشعرى أبو الحسن

- ‌الأشعرى أبو موسى

- ‌الأشعرية

- ‌أصحاب (صحابة)

- ‌أصحاب الأخدود

- ‌أصحاب الرأى

- ‌أصحاب الكهف

- ‌الإصطخرى

- ‌الأصمعى

- ‌أصول

- ‌أضحى

- ‌الأضداد

- ‌الاعتقاد

- ‌اعتكاف

- ‌الأعراف

- ‌الأعشى

- ‌أعيان

- ‌أغا

- ‌أفغانستان *

- ‌أفندى

- ‌إقامة

- ‌اقتباس

- ‌إقطاع

- ‌أكدرية

الفصل: ‌العصر الأيوبى والعصر المملوكى

والقاهرة. وكان هذا الكتاب عونًا للمقريزى على كتابه "المواعظ والاعتبار، فى ذكر الخطط والآثار".

ومن العلماء الذين كانت لهم صلات بالجامع الأزهر: أبو على محمد بن الحسن بن الهيثم، الذى نشأ بالبصرة، وعنى بدراسة الرياضيات والفلسفة والهندسة، ولم يلبث أن أصبح عالما متقنًا لعلوم كثيرة.

وقد ولاه الخليفة الحاكم بأمر الله بعض الدواوين. ولما توفى الخليفة استوطن ابن الهيثم قبة على باب الجامع الأزهر، واشتغل بالتصنيف والنسخ والإفادة. وكان له خط قاعد فى غاية الصحة. ولم يزل على ذلك إلى أن توفى سنة 436 هـ.

ومن معاهد الدراسة بمصر، التى قامت إلى جانب الجامع الأزهر، دار الحكمة التى أسسها الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمى فى سنة 395 هـ. وقد أطلق عليها هذه التسمية رمزاً إلى الدعاية الشيعية؛ لأن مجالس الدعوة كانت تسمى مجالس الحكمة. وقد زود الحاكم هذه الدار بمكتبة، عرفت باسم دار العلم، حوت الكثير من الكتب فى سائر العلوم والآداب، من فقه ونحو ولغة، وكيمياء وطب، وسمح لجميع الناس بالتردد عليها.

وكان الطلاب يتلقون فى دار الحكمة، إلى جانب فقه الشيعة، كثيراً من علوم اللغة والفلك والطب والرياضة والفلسفة والمنطق. وهكذا اختلفت مناهج التعليم فى هذا المعهد عن مناهج التعليم فى الجامع الاْزهر؛ إذ كانت تغلب على مناهج الأزهر الصبغة الدينية.

وصفوة القول إن الحركة العلمية فى مصر، فى العصر الفاطمى، سارت بخطى واسعة نحو التقدم والارتقاء؛ فظهرت بها طائفة من الفقهاء والمؤرخين والعلماء والفلاسفة والأدباء، الذين أسهموا فى النهضة الثقافية، التى تجلت فى هذا العصر، وكان للأزهر الفضل الأكبر فيها.

‌العصر الأيوبى والعصر المملوكى

قضى صلاح الدين الأيوبى على الدولة الفاطمية فى سنة 567 هـ. (1171 م)، وأعاد مصر إلى حظيرة

ص: 629

الخلافة العباسية السنِّية. فكان من الطبيعى -وهو فى سبيل قضائه على المذهب الشيعي وإحياء المذهب السنى- أن يمنع الخطبة من الجامع الأزهر. وكان صلاح الدين قد قلد قاضى القضاة صدر الدين عبد الملك بن درباس الشافعى وظيفة القضاء، فعمل بمقتضى مذهب الإِمام الشافعى؛ وهو أنه لا يجوز إقامة خطبتين للجمعة فى بلد واحد؛ فأبطل إقامة الجمعة بالجامع الأزهر، وأقرها بالجامع الحاكمى، بحجة أنه أوسع رحاباً.

وقد شيد صلاح الدين -تحقيقا لسياسته فى القضاء على المذهب الشيعي- مجموعة من المدارس السنية، ففي سنة 566 هـ (1170 م) أنشأ -وهو وزير للخليفة العاضد الفاطمى- المدرسة الناصرية بجوار مسجد عمرو ابن العاص لتدريس الفقه الشافعى. وفى العام نفسه أنشأ على مقربة منها مدرسة لتدريس الفقه المالكي، عرفت بالمدرسة القمحية، نظراً لما كان يغدق على مدرسيها وطلابها من قمح تغله ضيعتها بالفيوم. وفى سنة 572 هـ (1176 م) أنشأ صلاح الدين المدرسة الصلاحية بجوار مسجد الإِمام الشافعى لتدريس فقه الشافعية، والمدرسة السيوفية للفقهاء الحنفية. وتوالى إنشاء المدارس فى مصر والقاهرة على أيدى السلاطين والأمراء الأيوبيين، فأنشأ الملك العادل، أخو صلاح الدين، المدرسة العادلية للفقهاء المالكية، وأقام تقى الدين عمر المدرسة التقوية، المعروفة بمنازل العز؛ وأنشأ القاضى الفاضل المدرسة الفاضلية للشافعية والمالكية. وشيد السلطان الكامل، ابن العادل، مدرسة خصصت لتدريس علوم الحديث؛ وأقام السلطان الصالح نجم الدين أيوب المدرسة الصالحية لتدريس المذاهب السنية الاْربعة. وفى هذه المدارس الأيوبية جرى تدريس بعض العلوم المساعدة، مثل النحو والبلاغة وعلم الهيئة، إلى جانب الفقه والحديث والتفسير والقراءات وغيرها من العلوم الشرعية.

وقد نافست هذه المدارس الأيوبية الأزهر منافسة شديدة، واجتذبت إليها العلماء والأساتذة، لوفرة أوقافها، واستئثارها برعاية سلاطين بنى أيوب

ص: 630

وأمرائهم. وكان من أثر ذلك أن مر الأزهر خلال عصر الدولة الأيوبية بمرحلة من الركود، بعد أن كان مركز، مهما للعلوم الدينية وغيرها. على أن قطع خطبة الجمعة من الجامع الأزهر لم يبطل صفته الجامعية؛ فقد ظل محتفظا بصفته معهداً للبحث والدرس. ومن العلماء الذين قصدوه حينذاك عبد اللطيف البغدادي، الذى قدم إلى مصر فى سنة 589 هـ (1193 م) فى عهد السلطان الأيوبى العزيز عثمان بن صلاح الدين، والذى قام بالتدريس فيه بضعة أعوام حتى سنة 595 هـ (1198 م).

ومن العلماء الذين كان لهم نشاط علمى فى الأزهر فى العصر الأيوبى، الشيخ زكى الدين المنذري الشافعى، والشيخ شمس الدين الأيكى، والمحدث سعد الدين بن الحارثيّ الحنبلي، والشيخ شهاب الدين السهروردى، والمؤرخ شمس الدين بن خلكان، صاحب كتاب (وفيات الأعيان)، الذى ألقى بعض دروسه فى الجامع الأزهر، عندما زار القاهرة فى سنة 637 هـ (1239 م). وتجدر الإشارة إلى أن المصادر التاريخية لم تذكر أن أحد، من سلاطين بنى أيوب عنى بالجامع الأزهر من الناحية المعمارية؛ فلم تتناوله يد الإصلاح والإعمار طيلة حكمهم.

وظل الجامع الأزهر معطلا من إقامة الخطبة حوالى مائة عام، منذ عهد صلاح الدين الأيوبى وعلى وجه التحديد منذ سنة 567 هـ (1171 م)، حتى تم تجديده وأعيدت الخطبة فيه؛ وذلك فى عهد السلطان المملوكى الظاهر بيبرس البندقدارى فى سنة 665 هـ (1266 م). فى تلك السنة رأى الأمير عز الدين أيدمر الحلِّى نائب السلطنة -الذى كان مقيماً فى قصره المجاور للجامع الأزهر- أن يتقرب إلى الله بالعمل على تجديد عمارة الأزهر، وإحياء مآثره. وبالإضافة إلى المقصورة التى شيدها الأمير أيدمر الحلى، قام الأمير "بيلبك الخازندار" بإنشاء مقصورة أخرى كبيرة فى الجامع الأزهر، رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الإِمام الشافعى، ومحدِّثا لشرح الأحاديث النبوية؛ ورتب

ص: 631

به سبعة قراء لقراءة القرآن الكريم، ومدرساً؛ ووقف على ذلك الأوقاف الكثيرة.

وعندما تم تجديد الجامع الأزهر

تحدث الأمير أيدمر مع السلطان بيبرس فى إعادة الخطبة إليه. وأقيمت صلاة الجمعة فى الجامع الأزهر فى 18 ربيع الأول سنة 665 هـ (17 ديسمبر 1266 م).

واهتم السلطان الظاهر بيبرس بعمارة الأزهر؛ ولاتزال الزخارف الجصية الدقيقة، التى أجراها باقية تعلو المحراب القديم حتى اليوم، وكذلك الكسوة الخشبية التى كانت تغطى طاقيته بزخارفها. كذلك أقام السلطان بيبرس منبراً لم يبق منه إلا لوحته التذكارية المحفوظة بمتحف الجزائر.

وسرعان ما استرد الأزهر مكانته بوصفه مركزاً مهما للدراسات الإسلامية وغيرها، وأصبح مقصداً للطلاوب الذين توافدوا إليه من سائر أنحاء العالم الإسلامى، وبخاصة عندما أصبحت القاهرة قبلة العلماء والفقهاء والطلاب، بعد أن غزا المغول بلاد المشرق الإسلامى، وبعد أن سقطت بغداد فى أيديهم فى سنة 656 هـ (1258 م)، واضمحلت معاهد العلم فى بلاد الأندلس.

وحدث فى العصر المملوكى امتداد مكانى للأزهر بوصفه جامعًا وجامعة؛ وذلك بإنشاء مدرستين فى النصف الأول من القرن الثامن الهجرى (المدرسة الطيبرسية والمدرسة الأقبغاوية)، ومدرسة ثالثة (المدرسة الجوهرية) فى النصف الأول من القرن التاسع الهجرى. ففي سنة 709 هـ (1309 م) انتهى الأمير علاء الدين طيبرس الخازندار، نقيب الجيوش بالديار المصرية فى عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، من بناء مدرسته التى عرفت بالمدرسة الطيبرسية. وذكر المقريزى فى خططه أن هذه المدرسة كانت من المدارس الملحقة بالجامع الأزهر، وقرر بها الأمير طيبرس درسا للفقهاء الشافعية. وأنشأ بجوارها ميضأة وحوض ماء سبيل ترده الدواب، وتأنق فى رخامها وتذهيب سقوفها.

ص: 632

أما المدرسة الأقبغاوية، التى كانت أيضًا من ملحقات الأزهر، فقد أنشأها فى سنة. 740 هـ (1339 م) الأمير علاء الدين أقبغا عبد الواحد، مقدم المماليك فى عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون. وذكر المقريزى وابن تغرى بردى وغيرهما أن موضع هذه المدرسة كان دارًا للأمير الكبير أيدمر الحلى. وعندما تم بناء المدرسة قرر فيها الأمير أقبغا درسا للشافعية، ودرسا للحنفية، ورتب لها ما يلزمها من المستخدمين. وظلت هذه المدرسة عامرة إلى زمن المقريزى المتوفى فى سنة 845 هـ (1442 م)؛ ويشغلها الآن جزء من مكتبة الجامع الأزهر.

وفى سنة 761 هـ (1360 م) جدد الأمير سعد الدين بشير -بإذن من السلطان الناصر- عمارة الجامع الأزهر، ورتب فيه مصحفًا، وجعل له قارئًا. وقرر فى الجامع الأزهر درسا للطلاب من الحنفية، يجلس مدرسهم لإلقاء الفقه فى المحراب الكبير، ووقف على ذلك كله أوقافًا جليلة.

وفى عصر سلطنة المماليك الجراكسة قام السلطان الظاهر برقوق فى سنة 784 هـ (1382 م) بتولية الأمير بهادر، مقدم المماليك السلطانية، نظارة الجامع الأزهر. وأصدر السلطان برقوق مرسومًا يقضى بأن من مات من مجاورى الجامع الأزهر عن غير وارث شرعى، وترك شيئًا، فإنه يأخذه المجاورون بالجامع. ونقش ذلك المرسوم على لوحة من الرخام، وضعت عند الباب الغربى الكبير. ويعد هذا المرسوم ظاهرة مهمة فى تاريخ الأزهر بوصفه جامعة؛ فقد جعل طلبة الأزهر أسرة واحدة، وربط بينهم برباط كرباط النسب.

وفى أيام السلطان سيف الدين جقمق أنشأ الأمير جوهر القنقبائى الجركسى الخازندار سنة 844 هـ (1440 م) مدرسته الجوهرية، التى كانت من ملحقات الجامع الأزهر.

وحرص سلاطين المماليك بعد عهد السلطان قايتباى على الاهتمام بالأزهر وعلمائه وطلابه.

وتحتوى كتب التاريخ على تراجم كثير من العلماء الذين كانوا يقومون بالتدريس فى الجامع الأزهر فى العصر

ص: 633

المملوكى، ومنهم -على سبيل المثال- على بن يوسف بن جرير اللخمى الشطنوفى، شيخ الإقراء بالديار المصرية، المتوفى سنة 713 هـ (1313 م). وقد ذكر السيوطى أنه تصدر للإقراء بالجامع الأزهر، وتكاثر عليه الطلبة. وعندما قدم الرحالة ابن بطوطة إلى مصر سنة 726 هـ (1326 م)، زار الجامع الأزهر، وأشار إلى بعض علمائه، ومنهم قوام الدين الكرماني، وشمس الدين الأصبهانى، الذى كان إمام عصره فى المعقولات؛ وشرف الدين الزواوى المالكى. ومن علماء الأزهر فى العصر المملوكى أيضاً قنبر بن عبد الله السبزوانى، المتوفى فى سنة 801 هـ (1399 م)، وكان ماهراً فى العلوم العقلية؛ وبدر الدين محمد بن أبى بكر الدمامينى، المتوفى سنة 827 هـ (1424 م)، الذى تصدر بالجامع الأزهر لإقراء النحو، مع تفوقه فى النظم والنثر والفقه وغيره.

ويعد القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) العصر الذهبى للأزهر؛ إذ إحتل الجامع الأزهر مكانة مرموقة بين مدارس القاهرة وجوامعها، وأصبح المدرسة الأم، أو الجامعة الإسلامية الكبرى، التى لا تنافسها أية جامعة أخرى. وأصبحت أمنية كل عالم من علماء المسلمين أن يحاضر فى الجامع الأزهر. ويتضمن كتاب السخاوى (الضوء اللامع) تراجم مشاهير العلماء الذين قاموا بالتدريس فى الجامع الأزهر فى القرن التاسع الهجرى. ومن المعروف أن العلامة ابن خلدون قدم إلى مصر فى سنة 784 هـ (1382 م)، ونال شرف التدريس بالجامع الأزهر. وقد أشار ابن خلدون نفسه إلى ذلك، واتصل ابن خلدون بكثير من العلماء والمؤرخين فى مصر. وأدت اتصالاته بعلماء مصر ومؤرخيها إلى تكوين مدرسة كبيرة للدراسات التاريخية وغيرها. ومن تلاميذ تلك المدرسة المقريزى المتوفى فى سنة 845 هـ (1442 م)، وابن حجر العسقلانى، المتوفى فى سنة 852 هـ (1448 م)، وأبو المحاسن بن تغرى بردى، المتوفى فى سنة 874 هـ (1470 م)، والسخاوى، المتوفى فى سنة 901 هـ (1497 م). وجلال الدين

ص: 634

السيوطى، المتوفى فى سنة 911 هـ (1505 م) وغيرهم.

ونظام الدراسة بالأزهر كان يسير تبعًا لنظام الحلقات الدراسية، الذى اشتهر بمصر منذ القرن الثانى للهجرة. وكان الأستاذ يجلس ليقرأ درسه فى حلقة من تلاميذه والمستمعين إليه، وتنظم الحلقات فى الزمان والمكان طبقا للمواد التى تدرس. وكانت مناصب التدريس بالجامع الأزهر، مثل غيرها فى الجوامع والمدارس الكبرى فى العصر المملوكى، من المناصب العلمية والدينية الرفيعة، كما يستدل من نماذج التوقيعات (المراسيم) الصادرة لبعض المدرسين، التى أوردها القلقشندى فى الجزء الحادى عشر من موسوعته (صبح الأَعشي فى صناعة الإنشا). وتوضح توقيعات التدريس المسائل العلمية التى كان يمكن للأستاذ تدريسها للطلبة، سواء من الفقه أو الحديث أو التفسير أو اللغة أو النحو أو غير ذلك. كما كانت وظيفة التصدير، أى الجلوس بصدر المجلس للتدريس، من أهم وظائف التدريس بالجامع الأزهر فى العصر المملوكى. وقد أورد القلقشندى فى موسوعته نسخة توقيع بتصدير الشيخ شهاب الدين أحمد الأنصارى، الشهير بالشاب التائب بالجامع الأزهر.

إما الطلاب فقد تمتعوا فى الجامع الأزهر بحرية اختيار المواد التى يدرسونها؛ وكثيراً ما إعتمد هذا الاختيار على مكانة المدرس وشهرته العلمية. ويظل الطالب يحضر دروس أحد المدرسين حتى يأخذ كفايته من العلم، فينتقل إلى مدرس آخر وهكذا. وإذا أتم الطالب دراسته، وتأهل للفتيا والتدريس، أجاز له شيخه ذلك، وكتب له إجازة (شهادة) يذكر فيها اسم الطالب وشيخه ومذهبه وتاريخ الإجازة وغير ذلك من فضائل الطالب ومقدرته العلمية. ويذكر فيها أيضًا ما قرأ على أستاذه من كتب أجاز له أن يقوم بتدريسها. وقد تقتصر الإجازة على الإذن بتدريس مادة معينة، أو مذهب فقهى معين، والإفتاء به. وتتوقف قيمة الإجازة على سمعة الشيخ- الذى صدرت عنه، ومكانته العلمية. وأورد القلقشندى فى الجزء الرابع عشر من موسوعته

ص: 635

(صبح الأعشى) نماذج من الإجازات العلمية بالفتيا والتدريس والرواية وغيرها. ويستدل منها على كتب الدراسة التى كانت تدرس فى الجامع الأزهر وغيره من مدارس مصر فى العصر المملوكى، منها: كتب الحديث الستة؛ وهى كتب البخارى ومسلم وأبى داود والترمّذى والنسائى وابن ماجه، والمسانيد، وهى مسند أحمد ومسند الشافعى وغيرهما. ومن الكتب أيضًا (عمدة الأحكام) للحافظ عبد الغنى، و (شذور الذهب) للشيخ جمال الدين بن هشام، و (المنهاج فى فقه الإمام الشافعى) لأبي زكريا النووي، وكتاب (الأربعين حديثًا) للشيخ محيى الدين النووي، و (الورقات فى الأصول) لإمام الحرمين، و (اللمحة البدرية فى النحو) للشيخ أثير الدين أبى حيان وغير ذلك من الكتب، مثل (جامع الجوامع)، و (البدر المنير فى تخريج الأحاديث).

وكان للأزهر مكتبة عامرة كبيرة منذ العصر الفاطمى.

وفى العصر المملوكى- ومن المحتمل فى القرن التاسع الهجرى، إن لم يكن قبل ذلك- أصبح لكل رواق كبير من أروقة الأزهر، مثل رواق المغاربة، ورواق الشوام، مكتبة عامرة بالكتب؛ وذلك لتيسير البحث والدرس للمجاورين المنتمين إلى كل رواق. واحتوت خزانة الكتب فى بعض الأروقة على بضعة آلاف مجلد. وقد آلت معظم هذه الكتب إلى الأزهر عن طريق الوقف.

أما المصادر المالية التى كان يعتمد عليها الأزهر بوصفه جامعًا وجامعة، فقد وفر الخلفاء الفاطميون للطلبة بالجامع الأزهر كل ما يعينهم على الدرس والتحصيل، ورتبوا لهم الأرزاق والجرايات وغيرها، وذلك عن طريق الهبات.

وعندما برزت صفة الأزهر الجامعية وكثرت حلقاته الدراسية بتوالى السنين، بدأ الاهتمام بشئون علمائه وطلابه، وكثرت الأعطيات والصلات؛ إذ وقف الفاطميون أراضى زراعية وممتلكات كثيرة، لكي يضمنوا مورد، ثابتًا لعمارة المساجد والجوامع، بما فى ذلك الجامع الأزهر. فقد عدت الدولة الفاطمية نفسها مسئولة عن الأعمال الخيرية العامة والمؤسسات الدينية.

ص: 636