المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وفى عصر المماليك كثرت أوقاف السلاطين والأمراء على الجامع الأزهر، - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌إريتريا

- ‌الأزهر الشريف (جامع وجامعة)

- ‌العصر الفاطمى

- ‌العصر الأيوبى والعصر المملوكى

- ‌العصر الحديث

- ‌مرحلة التطوير

- ‌أروقة الأزهر الشريف

- ‌مكتبة الأزهر الشريف

- ‌شيوخ الأزهر

- ‌الشيخ الإمام محمد الخراشى

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم البرماوى

- ‌الشيخ الإمام محمد النشرتى

- ‌الشيخ الإمام عبد الباقى القلينى

- ‌الشيخ الإمام محمد شنن

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم الفيومى

- ‌الشيخ الإمام عبد الله الشبراوى

- ‌الشيخ الإمام محمد الحفنى

- ‌الشيخ الإمام عبد الرءوف السجينى

- ‌الشيخ الإمام أحمد الدمنهورى

- ‌الشيخ الإمام أحمد العروسى

- ‌الشيخ الإمام عبد الله الشرقاوى

- ‌الشيخ الإمام محمد الشنوانى

- ‌الشيخ الإمام محمد العروسى

- ‌الشيخ الإمام أحمد الدمهوجى

- ‌الشيخ الإمام حسن العطار

- ‌الشيخ الإمام حسن القويسنى

- ‌الشيخ الإمام أحمد عبد الجواد السفطى

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم الباجورى

- ‌الشيخ الإمام مصطفى محمد العروسى

- ‌الشيخ الإمام محمد المهدى العباسى

- ‌الشيخ الإمام شمس الدين الإنبابى

- ‌ الشيخ الإمام حسونة النواوى

- ‌الشيخ الإمام عبد الرحمن النواوى

- ‌الشيخ الإمام سليم بن أبى فراج البشرى

- ‌الشيخ الإمام على محمد الببلاوى

- ‌الشيخ الإمام عبد الرحمن الشربينى

- ‌الشيخ الإمام أبو الفضل الجيزاوى

- ‌الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغى

- ‌الشيخ الإمام محمد الأحمدى الظواهرى

- ‌الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق

- ‌الشيخ الإمام محمد مأمون الشناوى

- ‌الشيخ الإمام عبد المجيد سليم

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم إبراهيم حمروش

- ‌الشيخ الإمام محمد الخضر حسين

- ‌الشيخ الإمام عبد الرحمن تاج

- ‌الشيخ الإمام محمود شلتوت

- ‌الشيخ الإمام حسن مأمون

- ‌الشيخ الإمام الدكتور محمد الفحام

- ‌الشيخ الإمام الدكتور عبد الحليم محمود

- ‌الشيخ الإمام الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار

- ‌الشيخ الإمام جاد الحق على جاد الحق

- ‌الشيخ الإمام محمد سيد طنطاوى

- ‌أسامة بن زيد

- ‌أستاذ

- ‌استخارة

- ‌إسحاق [عليه السلام]

- ‌إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادى

- ‌إسحاق الموصلى

- ‌إسراء

- ‌إسرائيل

- ‌إسرافيل

- ‌أسطرلاب

- ‌إسلام

- ‌أسماء

- ‌إسماعيل [عليه السلام]

- ‌الإسماعيلية

- ‌الإسماعيلية في الهند

- ‌انتشار الاسماعيلية فى الوقت الحاضر:

- ‌إشبيلية

- ‌الأشعرى أبو الحسن

- ‌الأشعرى أبو موسى

- ‌الأشعرية

- ‌أصحاب (صحابة)

- ‌أصحاب الأخدود

- ‌أصحاب الرأى

- ‌أصحاب الكهف

- ‌الإصطخرى

- ‌الأصمعى

- ‌أصول

- ‌أضحى

- ‌الأضداد

- ‌الاعتقاد

- ‌اعتكاف

- ‌الأعراف

- ‌الأعشى

- ‌أعيان

- ‌أغا

- ‌أفغانستان *

- ‌أفندى

- ‌إقامة

- ‌اقتباس

- ‌إقطاع

- ‌أكدرية

الفصل: وفى عصر المماليك كثرت أوقاف السلاطين والأمراء على الجامع الأزهر،

وفى عصر المماليك كثرت أوقاف السلاطين والأمراء على الجامع الأزهر، وأصبحت متحصلات هذه الأوقاف تشكل صفة الموارد المالية الثابتة للإنفاق عليه وعلى علمائه وطلابه. وكان لهذه الأوقاف الفضل الأول فى احتفاظ الجامع الأزهر بشهرته العلمية، وفى استمراره مركزاً للحركة العلمية فى مصر والعالم الإسلامى قرونًا طويلة.

‌العصر الحديث

ظل الأزهر يؤدي رسالته بوصفه جامعًا يؤمه الناس للصلاة، وجامعة لدراسة شتى العلوم الإسلامية. واطمأن المصريون إلى الدروس التى تلقى فى رحابه وحول أعمدته؛ وذلك لما اتسمت به نظم الدراسة من طابع الحرية العلمية.

وكان كثير من المجاورين يطالعون قبل حضورهم إلى حلقة الدرس ما قد يصل إلى أيديهم، أو يقع تحت أبصارهم، مما يمت إلى درسهم بصلة. وكانت العادة أيضًا أن أنجب الطلاب، أو المعيد منهم، يطالع للباقين درس شيخهم حتى يكونوا مستعدين لما سيلقيه عليهم. ولم تكن الدراسة طبقا لخطة مُحَددة، أو منهج موضوع، بل كان الأمر متروكا للشيخ فى اختيار الكتب التى يدرسها. وكان لهذه الحرية المطلقة، التى تمتع بها الأزهريون فى دراستهم، أثر بالغ فى تكوين علمائهم الأفذاذ.

وكان التعليم بالأزهر، حتى عصر محمد على، على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: يبدأ الطالب فيها بحفظ القرآن، وتعلم القراءة والكتابة. وقد يدرس إلى جانب ذلك شيئًا من حساب المقاييس والموازين؛ فإذا انتهى الناشئ من ذلك، انتقل إلى مرحلة تالية. وغالباً ما يتلقى الناشئ هذه الدراسة الأولية فى أحد المساجد أو الكتاتيب، فى قريته أو حيه، أو فى الجامع الأزهر.

المرحلة الثانية: وفيها يظل الطالب تحت إشراف أستاذه الذى يلقنه دروسا فى القراءة وكتابة الموضوعات الإنشائية التى يتدرج فيها من السهولة إلى الصعوبة، متمشيا فى ذلك مع النمو العقلى للتلميذ. وفى هذه المرحلة يكون التلميذ قد حفظ القرآن الكريم، فامتلأت به نفسه، وتقوم لسانه.

ص: 637

وأظهر ما فى هذا الأسلوب التعليمى أنه لا يبدأ بتعليم القواعد والتعاريف والكليات فى اللغة إلا بعد أن يكون الطالب قد تذوق هذه اللغة وتكون لديه ملكة وذوق.

المرحلة الثالثة: وفيها يدرس الطالب علوم الدين، من فقه وحديث وتفسير وتوحيد وأخلاق وما إليها، كما يدرس علوم اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة وغير ذلك من العلوم العربية.

وفى بعض الأحوال كان فريق من الطلاب يدرسون علوم الطبيعة والرياضيات والفلك والهندسة والطب؛ وكان علم الطب يطالعه الطلاب بالأزهر حتى عصر محمد على. وقد كانت لعبد الرحمن الجبرتى المؤرخ عناية بدراسة الطب؛ فقد كتب ملخصًا لتذكرة داود الأنطاكى فى الطب، ما زالت مخطوطة فى مكتبة الأزهر حتى الآن.

ولم يكن هناك ما يُلزم طلبة العلم بالاتجاه إلى العلوم الطبيعية والرياضية والطبية وغيرها من العلوم العقلية، فأهمل الطلاب دراستها، إلا من وجدت لديه الرغبة الشخصية، والدافع الذاتى، لدراستها، من أمثال الشيخ أحمد الدمنهورى 1190 هـ، والشيخ حسن الجبرتى 1188 هـ. والشيخ حسن العطار 1250 هـ، وغيرهم ممن تاقت نفوسهم إلى دراسة هذه العلوم.

ولا جدال فى أن المدة التى سبقت الحملة الفرنسية كانت مرحلة وصل فيها التخلف الثقافى إلى أبشع صوره، ومع ذلك فتاريخ الجبرتى حافل بالإشارات إلى آفاق المعرفة المتنوعة لدى الشيوخ فى تلك الحقبة، على نحو ينفى الصورة الشائعة عن ذلك العصر نفياً تاماً.

وعندما هبطت الحملة الفرنسية أرض مصر، أدرك علماء الأزهر بعد الشقة بينهم وبين الغرب المسيحى، ولهذا وجدنا من نادى بعودة العلوم الوضعية إلى الأزهر، أمثال: عبد الرحمن الجبرتى، وإسماعيل الخشاب، وحسن العطار، ومن بعدهم رفاعة الطهطاوى، تلميذ العطار.

وكان للعطار ولع بقراءة الكتب المترجمة من اللغات الأوروبية، خصوصًا فى علمى التاريخ والجغرافيا:

ص: 638

حتى اشتهر عنه ذلك. والعطار نفسه يقول فى هذا المنبع من منابع ثقافته: ؛ وقع فى زماننا أن جلبت كتب من بلاد الإفرنج، وترجمت باللغة التركية والعربية، وفيها أعمال كثيرة، وأفعال دقيقة، اطلعنا على بعضها، وقد تتحول تلك الأعمال بواسطة الأصول الهندسية، والعلوم الطبيعية، من القوة إلى الفعل".

فالعطار كان من أوائل من نادوا بتطوير الأزهر فى العصر الحديث لكي يساير التطور العلمى. وقد تولى العطار مشيخة الأزهر فى سنة 1246 هـ، وظل بها إلى أن توفى فى سنة 1250 هـ (1834 م). ويكفيه شرفاً أنه كان أول رائد للحركة الإصلاحية للأزهر؛ وهى الحركة التى اطردت بعد ذلك من عام 1872 م حتى عام 1961 م.

نظر محمد على فى بداية عهده إلى الأزهر على أنه مؤسسة وطنية لها خطرها، فوضع يده على أوقافه وموارده ولم يفكر فى إصلاحه وإنهاضه، وآثر أن يصرف كل اهتمامه إلى إنشاء مدارس جديدة، يربى فيها جيلاً من المصريين يدينون بالولاء له، ويكون هو ولى نعمتهم - على نحو ما شاء أن يلقبه المصريون.

واتجهت سياسة محمد على إلى عزل الأزهر عن الحياة العصرية، بدعوى أن الأزهر لا يسمح بتدريس العلوم الحديثة، وأنشأ المدارس الحديثة معزولة عن التراث القومى والثقافة العربية؛ ونجم عن ذلك أن ابتعد الأزهر عن الحياة العامة الجديدة.

ولقد كان الأزهر وحده هو التربة الصالحة لاحتضان المعرفة الحديثة وتطويرها فى شكل ثقافة وطنية. والدليل على ذلك أنه عندما بدأ محمد على نظام المدارس الحديثة، واختار نخبة من طلبة النظام الجديد، وقرر إرسالهم فى بعثة إلى أوروبا، واختار لهم، حرصاً على تقاليد البلاد، فقيهًا يعلمهم الصلاة- كان هذا الأزهرى وحده (الشيخ رفاعة الطهطاوى) هو الذى تمثل الحضارة الغربية، وترك بصماته على الفكر العربى حتى مطلع القرن العشرين. ولقد أدرك رفاعة الطهطاوى خطأ محمد على فى عدم تطوير الأزهر، وكان على حق فى توجيه اللوم إلى محمد على، لأنه أهمل

ص: 639

التعليم بالأزهر، ولم يتناوله بالتطوير الذى يجعله يواكب العصر.

بدأت روح الإصلاح تدب فى الأزهر منذ عام (1872 م) فى عصر الخديو إسماعيل؛ وكان يتولى مشيخة الأزهر يومئذ الشيخ محمد العباسى المهدي منذ عا م (1871 م). وهو أول من جمع بين الإفتاء ومشيخة الأزهر، ونال احترام الخديو إسماعيل، الذى كان يرجع إلى رأيه فى كل ما له علاقة بالشريعة الإسلامية. وقد بدأ على يده إصلاح نظام التعليم بالأزهر، فقد أنشأ نظاما للامتحان لتخريج العلماء والمدرسين فى سنة (1872 م)، وألّف لهذا الغرض لجنة برياسته من ستة من كبار العلماء، اثنان منهم من الشافعية، وهما: الشيخ خليفة الصفتى، والشيخ أحمد شرف الدين المرصفى؛ واثنان من المالكية وهما: الشيخ أحمد الرفاعى، والشيخ أحمد الجيزاوى، واثنان من الحنفية وهما: الشيخ عبد الرحمن البحراوى، والشيخ عبد القادر الرافعي. وكانت مهمة هذه اللجنة امتحان المرشحين للعالمية فى مختلف العلوم المقررة، وإعطاء الناجحين منهم إجازة العالمية. بعد أن توفى الخديو توفيق، وجلس عباس حلمى الثانى على كرسى الخديوية فى عام (1892 م) ، وكان متبرما ضجراً من الإِنجليز، اتصل به الشيخ محمد عبده، وكان -بحكم تربيته فى الأزهر- يعرف أهميته الإسلامية العالمية، وكان أدرى الناس بمواطن الخلل فيه، فسعى إلى إصلاحه. وقد قال مرة لصديقه وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا:"إن إصلاح الأزهر أعظم خدمة للإسلام؛ فإن إصلاحه إصلاح لجميع المسلمين، وفساده فساد لهم، وإن أمامه عقبات وصعوبات من غفلة المشايخ ورسوخ العادات القديمة عندهم، وإن هذا الإصلاح لا يتم إلا فى زمن طويل، وإنه على الرغم من أن الإصلاح بدأ فى عصر إسماعيل، إلا أنه لم يحصل شئ يذكر حتى الآن، وإنه لا أمل فى خدمة الإسلام عن طريق السياسة دون التربية التى توحد قوى الأمة".

اتصل الإمام محمد عبده بالخديو الجديد، وأراد أن يعرض عليه خطة لإصلاح الأزهر. وكانت خطة الإمام

ص: 640

تتلخص فى إنشاء قانون تمهيدى للإصلاح، يديره مجلس مؤلف من كبار علماء المذاهب الأربعة فى الأزهر (الشافعى والحنفي والمالكى والحنبلى)، ينتخبون انتخابا، على أن ينضم إليهم الإمام هو وصديقه الشيخ عبد الكريم سلمان، على إنهما من قبل الحكومة، ولا دخل لشيخ الأزهر، ولا للمجلس المرتقب فى انتخابهما، ولا فى استبدال غيرهما بهما. وكان محمد عبده يحب أن يجرى الإصلاح فى الأزهر باقتناع كبار شيوخه، ورضا أهله، لكي يتم الإصلاح دون معارضة وإثارة للحساسيات التى عطلت الإصلاح بالأزهر زمنًا طويلاً.

وكان على رأس الأزهر يومئذ الشيخ محمد الإنبابى، شيخ الأزهر، وكان مريضًا، وقد كثرت شكوى الأزهريين من سوء إدارته لشئون الأزهر، ورفعوا العرائض إلى الخديو، مفعمة بأن شيخهم عاجز عن إدارة شئونه، وغير ذلك من الطعن، وطلبوا تغيير الأوضاع، فعينت الحكومة الشيخ حسونة النواوى وكيلاً للأزهر فى 7 من جمادى الآخرة سنة 1312 هـ بعد أن أخذت عليه العهد بإقامة النظام الجديد، والاتفاق مع الشيخ محمد عبده على الإصلاح.

وصدر الأمر العالى بتشكيل مجلس إدارة الأزهر فى 6 من رجب 1312 هـ، وبدأت الهيئة الجديدة تعمل جاهدة فى الإصلاح المرتقب، وأهمل أمر شيخ الأزهر، الشيخ الإنبابى، فسعى العقلاء إليه لإقناعه بالاستقالة، فاستقال، بعد أن ظل متشبثا بها نحو ستة أشهر من إنشاء مجلس إدارة الأزهر. وكان مجلس إدارة الأزهر بداية عهد جديد. وقد حفلت مدة عضوية الإمام محمد عبده وصديقه عبد الكريم سلمان بإنجازات كثيرة، كان على رأسها وضع أول قانون لمرتبات علماء الأزهر. ثم وضع نظام للتدريس والامتحان بالأزهر، وبيان علوم الوسائل وعلوم المقاصد. وقد عكف الإمام محمد عبده على وضع هذا النظام. وكان مجلس إدارة الأزهر يتكون من الشيخ حسونة النواوى رئيسا، والشيخ سليم البشرى المالكى، والشيخ عبد الرحمن الشربينى الشافعى، والشيخ يوسف الحنبلى. ولم يحضر الشيخ عبد الرحمن الشوبينى

ص: 641

لأنه عارض الإصلاح؛ وكان قد استقال قبل شروع المجلس فى عمله، ولم يقبل بعد ذلك عملَا فى إدارة الأزهر إلا بعد إجماع النية على إقصاء الشيخ محمد عبده من مجلس الإدارة، والعودة بالأزهر إلى منهجه القديم. وقد اختاره الخديو لمشيخة الأزهر، وانتصر أنصار القديم، وعملوا على إثارة الشغب بين طلاب الأزهر عندما أشاعوا بينهم أن التطوير الحديث مخالف لأعراف الأزهر، وصوروا العلوم الحديثة التى أدخلها الشيخ محمد عبده إلى الأزهر فى صورة الجناية على الدين. ويذكر بعضهم أن الخديو عباس، الذى شجع الإمام على فكرة تطوير الأزهر، هو الذى عاد فانقلب عليه، وشجع عليه خصومه فى الأزهر. وقال الخديو فى الاحتفال بخلع الكسوة على الشيخ عبد الرحمن الشربينى، شيخ الأزهر الجديد:"إن الجامع الأزهر قد أسس وشيد على أن يكون مدرسة دينية إسلامية .. فلا يشتغل علماؤه وطلبته إلا بتلقى العلوم الدينية النافعة، البعيدة عن زيغ العقائد، وشغب الأفكار، لأنه هو مدرسة دينية قبل كل شئ".

وخرج الشيخ محمد عبده من منصب الإفتاء، ومنصب إدارة الأزهر، وصدرت المراسيم بعد خروجه باختيار شيخين من الحزب المناوئ القديم لأكبر المناصب الدينية فى مصر، وهما منصب الإفتاء، ومنصب مشيخة الأزهر، فعين الشيخ عبد القادر الرافعي مفتياً للديار المصرية، وعين الشيخ عبد الرحمن الشربينى شيخًا للجامع الأزهر. وقد صرح شيخ الأزهر الجديد برأيه فى إصلاح الأزهر فى حديث نشرته صحيفة" الجوائب المصرية" فقال:"إن غرض السلف من تأسيس الأزهر إقامة بيت لله، يعبد فيه، ويؤخذ فيه شرعه، ويؤخذ الدين كما تركه لنا الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم. وأما الخدمة التى قام بها الأزهر للدين، ولا يزال يؤديها، فهى حفظ الدين لا غير، وما سوى ذلك من أمور الدنيا وعلوم الأعصر فلا علاقة للأزهر به، ولا ينبغى له".

ولا شك أن مجلس إدارة الأزهر قام بإنجازات كثيرة فى أثناء عضوية الشيخ محمد عبده؛ ففضلاً على أنه وضع أول قانون لمرتبات علماء الأزهر،

ص: 642

وضع لائحة جديدة لترتيب درجات المدرسين، وأخرى للنظام الإدارى للأزهر والجامع الأحمدى بطنطا، وأعد مناهج مناسبة للتدريس لطلبة زاوية العميان بالأزهر. وأهم من ذلك أنه وضع قانوناً لتطوير نظام الامتحان بالأزهر؛ وصدر الأمر بذلك فى سنة 1314 هـ، وقد جاء فى الباب الرابع من هذا القانون أن الامتحان ينقسم إلى قسمين: امتحان شهادة الأهلية، وامتحان شهادة العالمية.

فأما امتحان شهادة الأهلية فيكون لمن قضى ثماني سنوات فأكثر، ودرس ثمانية علوم من العلوم الأزهرية على الأقل. وتؤلف لجنة الامتحان له من ثلاثة من العلماء برئاسة شيخ الأزهر.

وأما امتحان شهادة العالمية فيكون لمن قضى فى الأزهر اثنتى عشرة سنة فأكثر، وتلقى علوم التوحيد والأخلاق والفقه وأصول الفقه والتفسير والحديث والنحو والصرف والمعانى والبيان والبديع والمنطق ومصطلح الحديث والحساب والجبر والعروض والقافية. وتؤلف لجنة الامتحان من ستة من علماء الأزهر، وتكون درجات العالمية ثلاثًا: أولى وثانية وثالثة.

ومن ينجح فى امتحان شهادة الأهلية يكون له الحق فى وظائف الإمامة والخطابة وتدريس الوعظ بالمساجد؛ ومن ينجح فى امتحان شهادة العالمية يكون له الحق فى التدريس بالأزهر وفى الوظائف العالية.

وهذا القانون الذى أصدره مجلس إدارة الأزهر، والذى وضعه الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده؛ قد دفع طلاب العلم إلى الاجتهاد، وانتظم تقدمهم لطلب الامتحان، ولم يفضل أحد على أحد. وبذلك بدأ الأزهر يسرع الخطى نحو التطوير.

القانون رقم (10) لسنة 1911:

انفرط عقد النظام الذى وضعه الشيخ محمد عبده بخروجه من مجلس إدارة الأزهر، ثم وفاته فى سنة (1905 م)؛ فجدت بعد ذلك أحداث وفتن، وحاولت الحكومة إنشاء مدرسة للقضاء الشرعي بعيداً عن الأزهر؛ وصدر بها قانون فى سنة 1907 م. وشعر الأزهريون بأن الحكومة أصبح

ص: 643

لها مدرسة لتخريج معلمى العربية هى دار العلوم، ومدرسة لتخريج القضاة. وخاف القائمون على الأزهر من تقلص ظله، ومن عدم إقبال الناس عليه، حيث لم يبق بعد ذلك للعلماء إلا وظائف الإمامة والخطابة فى المساجد؛ ففكروا فى إعادة تنظيم الأزهر لإدخال مواد أكثر ومناهج أطول، وانتهى الأمر بهم إلى وضع القانون رقم 10 لسنة 1911 م.

وهذا القانون من أهم قوانين الأزهر؛ حيث تناول الدراسة وجعلها مراحل، وجعل لكل مرحلة نظاما وعلوما، وزاد فى مواد الدراسة، وحدد اختصاص شيخ الأزهر، وأنشأ هيئة تشرف على الأزهر تحت رئاسة شيخه، تسمى (مجلس الأزهر الأعلى)، وأوجد هيئة كبار العلماء؛ وجعل لها نظاما خاصاً؛ ونص على أن يكون لكل مذهب من المذاهب الأربعة التى تدرس فى الأزهر شيخ، وبكل معهد من المعاهد مجلس إدارة؛ وجعل للموظفين نظاما فى التعيين والترقية والتأديب والإجازات، وللطلاب شروطا فى القبول، وحدوداً للعقوبات والمسامحات؛ ونظم

الامتحانات والشهادات.

ولعل أهم حسنات هذا النظام الجديد هو إنشاء هيئة كبار العلماء. وكان المقصود من إنشائها أن يتفرغ أعضاؤها لدراسة أمهات الكتب فى العلوم القديمة، فتأخذ فى دراستها بالطريقة القديمة فى التدريس، ولا تتقيد بشىئ مما تتقيد به فى النظام الحديث. وقد كلف كل عالم من هذه الهيئة بتدريس العلم الذى يرى أنه أكمل فيه من غيره، على أن يلقى فيه ثلاثة دروس على الأقل فى كل أسبوع، وأن يكون درسه فى وقت يمكن أن يحضر فيه عدد كبير من العلماء، ليعرفوا الطريقة الأزهرية القديمة فى التدريس، بعد أن كاد النظام الحديث ينسيهم لها بما اختصره فيها.

وكان المجلس الأعلى للأزهر برئاسة الشيخ سليم البشرى، شيخ الأزهر.

وقد زاد الإقبال على الأزهر بعد قانون 1911 م، وأنشئت معاهد أخرى فى عواصم المديريات، حتى صار عدد الطلاب فى سنة (1917 م) أكثر من

ص: 644

عشرين ألفاً. ويذكر الشيخ محمود أبو العيون فوائد هذا النظام فيقول: "وهذا القانون لم يخل من الفائدة؛ لأن تعلم التاريخ والجغرافيا والرياضة ومبادئ الطبيعة والكيمياء قرب طلبة الأزهر من تلاميذ المعاهد الأخرى، وغير عقليتهم، ووسع أفقهم؛ وإدخال المطالعة والمحفوظات والإنشاء أوجد من أهل الأزهر عدداً كبيراً من الكتاب والشعراء، ومكن لهم من القدرة على الخطابة والوعظ.

غير أن الأزهر كثرت به الشكوى بعد ذلك من مسألة استهانة المعاهد بالامتحان الشفوى، واعتماد الطلبة على الحفظ والاستظهار، وجدت الحاجة لإدخال بعض التعديلات عليه.

القانون رقم 49 لسنة 1930:

وضع هذا القانون الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى، الذى تولى مشيخة الأزهر فى أكتوبر سنة 1929 م، ووكل إليه النظر فى مشروع قانون للجامع الأزهر والمعاهد الدينية، فوضعه؛ وأنشئت بمقتضى هذا القانون الكليات الأزهرية الثلاث، وهى كليات الشريعة، وأصول الدين، واللغة العربية. وقد نص القانون على جواز إنشاء كليات أخرى، وأن التعليم فى الأزهر ينقسم إلى أربعة أقسام: ابتدائى، ومدته أربع سنوات؛ وثانوى، ومدته خمس سنوات؛ وعال، وهو بالكليات الثلاث، ومدته أربع سنوات. وقد توسع الأزهر -بناء على هذا القانون- فى دراسة العلوم الحديثة كالحساب والهندسة والجبر والطبيعة والكيمياء والتاريخ الطبيعى والمنطق والتاريخ والجغرافيا والأخلاق والتربية الوطنية.

ومع أن هذا القانون خطا بالأزهر خطوات سريعة نحو النظام الجامعي الحديث، وجه إليه كثير من النقد؛ لأنه قسم الثقافة الإسلامية تقسيما عجيبا؛ فإن الشريعة لا تستغنى عن الكتاب والسنة؛ لأنها قائمة عليهما؛ والقرآن وعلومه، والسنة وعلومها لابد لفقههما من اللغة العربية لسانًا وأدباً وتاريخاً، والكتاب والسنة لا يستغنيان عن اللغة العربية لسانًا وأدباً، لتوقف فهمهما على معرفة اللغة، وإدراك خصائصها وأسرارها. وبعبارة أخرى فقد فَصَلت الدراسة فى الكليات الجديدة بين علوم

ص: 645