المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌انتشار الاسماعيلية فى الوقت الحاضر: - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌إريتريا

- ‌الأزهر الشريف (جامع وجامعة)

- ‌العصر الفاطمى

- ‌العصر الأيوبى والعصر المملوكى

- ‌العصر الحديث

- ‌مرحلة التطوير

- ‌أروقة الأزهر الشريف

- ‌مكتبة الأزهر الشريف

- ‌شيوخ الأزهر

- ‌الشيخ الإمام محمد الخراشى

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم البرماوى

- ‌الشيخ الإمام محمد النشرتى

- ‌الشيخ الإمام عبد الباقى القلينى

- ‌الشيخ الإمام محمد شنن

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم الفيومى

- ‌الشيخ الإمام عبد الله الشبراوى

- ‌الشيخ الإمام محمد الحفنى

- ‌الشيخ الإمام عبد الرءوف السجينى

- ‌الشيخ الإمام أحمد الدمنهورى

- ‌الشيخ الإمام أحمد العروسى

- ‌الشيخ الإمام عبد الله الشرقاوى

- ‌الشيخ الإمام محمد الشنوانى

- ‌الشيخ الإمام محمد العروسى

- ‌الشيخ الإمام أحمد الدمهوجى

- ‌الشيخ الإمام حسن العطار

- ‌الشيخ الإمام حسن القويسنى

- ‌الشيخ الإمام أحمد عبد الجواد السفطى

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم الباجورى

- ‌الشيخ الإمام مصطفى محمد العروسى

- ‌الشيخ الإمام محمد المهدى العباسى

- ‌الشيخ الإمام شمس الدين الإنبابى

- ‌ الشيخ الإمام حسونة النواوى

- ‌الشيخ الإمام عبد الرحمن النواوى

- ‌الشيخ الإمام سليم بن أبى فراج البشرى

- ‌الشيخ الإمام على محمد الببلاوى

- ‌الشيخ الإمام عبد الرحمن الشربينى

- ‌الشيخ الإمام أبو الفضل الجيزاوى

- ‌الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغى

- ‌الشيخ الإمام محمد الأحمدى الظواهرى

- ‌الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق

- ‌الشيخ الإمام محمد مأمون الشناوى

- ‌الشيخ الإمام عبد المجيد سليم

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم إبراهيم حمروش

- ‌الشيخ الإمام محمد الخضر حسين

- ‌الشيخ الإمام عبد الرحمن تاج

- ‌الشيخ الإمام محمود شلتوت

- ‌الشيخ الإمام حسن مأمون

- ‌الشيخ الإمام الدكتور محمد الفحام

- ‌الشيخ الإمام الدكتور عبد الحليم محمود

- ‌الشيخ الإمام الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار

- ‌الشيخ الإمام جاد الحق على جاد الحق

- ‌الشيخ الإمام محمد سيد طنطاوى

- ‌أسامة بن زيد

- ‌أستاذ

- ‌استخارة

- ‌إسحاق [عليه السلام]

- ‌إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادى

- ‌إسحاق الموصلى

- ‌إسراء

- ‌إسرائيل

- ‌إسرافيل

- ‌أسطرلاب

- ‌إسلام

- ‌أسماء

- ‌إسماعيل [عليه السلام]

- ‌الإسماعيلية

- ‌الإسماعيلية في الهند

- ‌انتشار الاسماعيلية فى الوقت الحاضر:

- ‌إشبيلية

- ‌الأشعرى أبو الحسن

- ‌الأشعرى أبو موسى

- ‌الأشعرية

- ‌أصحاب (صحابة)

- ‌أصحاب الأخدود

- ‌أصحاب الرأى

- ‌أصحاب الكهف

- ‌الإصطخرى

- ‌الأصمعى

- ‌أصول

- ‌أضحى

- ‌الأضداد

- ‌الاعتقاد

- ‌اعتكاف

- ‌الأعراف

- ‌الأعشى

- ‌أعيان

- ‌أغا

- ‌أفغانستان *

- ‌أفندى

- ‌إقامة

- ‌اقتباس

- ‌إقطاع

- ‌أكدرية

الفصل: ‌انتشار الاسماعيلية فى الوقت الحاضر:

‌الإسماعيلية في الهند

يسمونهم فى الهند الخوجة أو المولى، وزعيمهم أغاخان، ولقبه الرسمى صاحب السمو أغاسير سلطان محمد، وهو رجل مشغوف بالرياضة، محب للأسفار، يحرر مقالات فى مجلة القرن التاسع عشر ومجلة الشرق والغرب وله فى السياسة مقام عظيم. وكان فى سنة 1906 م رئيساً للوفد الذى أوفده مسلمو الهند إلى نائب الملك. وأغاخان من نسل الأئمة السابقين. ويرد نسبه مباشرة إلى أبى الحسن الذى حكم كرمان فى عهد الأسرة الزندية ثم اعتزل حكمها، واعتكف فى ضيعته "مَحَلات" التى كان يملكها بالقرب من قُمّ. وكان ابن أبى الحسن -واسمه شاه خليل الله، ويسمى أيضًا سيد كهكى- قد قتل فى يزد عام 1871 م.

وزوج فتح على شاه ابنته من أغاخان محلاتى ابن شاه خليل الله. ولما ثار عام 1838 اضطر إلى ترك كرمان ولجأ إلى السند وهناك وجد بعض الإسماعيلية النزاريين، وذهب بعد ذلك إلى بومباى وبونا وبنكلور. وسلطان محمد هو ابن أغاخان محلاتى، ورث عن أبيه حبه للرياضة.

‌انتشار الاسماعيلية فى الوقت الحاضر:

مازال فى الشام عدة الآف من الإسماعيلية يسكنون قلعة مصياث وقلعة قدموس وغيرهما، وهم وادعون يخلصون الولاء للدولة العثمانية (1). وكانت غارة النصيرية على حصن مصياث سببا فى كتابه المخطوط الذى نشره وترجمه ستانيسلاس

كويار Fragments re-: Stanislas Guyard latifs 'a la doctrine des Ismaelis ، فى - No tices et Extraits، جـ 23، ص 1 سنة 1874 م). ويقطن الإسماعيلية فى فارس ناحية مَحلات بالقرب من قُمّ، وقد ذكرناها من قبل. ويقطنون فى أواسط آسية: بَذَخشْان وخوقند وقره تكين وكذلك فى ناحية بالقرب من بلخ. ويعرف الإسماعيلية فى أفغانستان باسم مُفتْدى. ويوجد منهم عدد كبير كافرستان (واديى جلال آباد وكمر) وكذلك فى الولايات العديدة الواقعة فى حوض نهر جيحون الأعلى (سارى

(1) كان ذلك وقت كتابة هذه المادة.

ص: 763

قل، وخان، وياسين). وفى الهند 99.476 نسمة من الإسماعيلية فى أقاليم أجمير ومروارة وراجبوتانا والبنجاب وكشمير، و 52.658 نسمة فى بومباى وبروده وكورك (تعداد الهند سنة 1901 م، جـ 1، ص 561 وما بعدها). وليس جميع أفراد الإسماعيلية من أتباع أغاخان، ومن البوهرا (1) الذين يقطنون كجرات قبيلة الداودية، وهم إسماعيلية يتألف منهم الجانب الأكبر من السكان (130.000 نسمة؛ مجلة العالم الإسلامى Rev. du Monde Musulman جـ 10 ص 472).

ويكثر عدد الإسماعيلية فى عمان، وهم متفرقون فى جميع البلاد. ولهم حى خاص بهم فى مَطرْح بالقرب من مَسْقَط.

ويوجد الإسماعيلية كذلك فى زنجبار وفى تنجانيقا. ويعدون هناك بعشرات الألوف، وعددهم آخذ فى الازدياد بكثرة من يدخل فى مذهبهم.

عقيدة الإسماعيلية:

ينكر الاسماعيلية إنكاراً تاما صفات الله ويقولون إنه فوق متناول العقل. وإن العقل عاجز عن إدراك كنهه، وتذهب الإسماعيلية إلى القول بأن الله لم يخلق العالم خلقاً مباشراً وإنما أبدع العقل الكلى بعمل من أعمال الإرادة وهو"الأمر" وأن العقل الكلى محل لجميع الصفات الإلهية، وهو عندهم الإله ممثلا فى مظاهره الخارجية، ولما كانت الصلاة لا يمكن أن تؤدى لكائن لا يدرك فهى تؤدى فى رأيهم لمظهره الخارجى، أى العقل الذى أصبح بذلك الإله الحقيقى عند الإسماعيلية. وبما أنه ليس فى مقدور الإنسان أن يصل إلى معرفة ذات الله، وإنما يعرف العقل وحده، لهذا يسمى الإسماعيلية العقل الحجاب أو المحل أو الصلة أو النفس أو الأول.

وهم يقولون إن العقل أبدع النفس الكلية وخاصتها الرئيسية الحياة كما أن العلم خاصة العقل. وإذا كان العقل غير كامل فى علمه فهو يحاول بالضرورة

(1) مسلمون يسكنون غريب الهند.

ص: 764

بلوغ الكمال فتحدث عن ذلك حركة مضادة لحركة الصدور (1). ويذهبون أيضًا إلى أن المادة الأولى صدرت عن النفس وأن المثل توجد فى العقل.

ويقول الإسماعيلية أيضًا إن هناك كائنين واجبين هما المكان والزمان وإن اتحاد الوجودات الخمسة فى العقل تحدث عنه حركات الأفلاك والطبائع. وهم يعللون ظهور الإنسان بحاجة النفس الكلية إلى بلوغ العلم الكامل حتى تسمو إلى مرتبة العقل الكلى، وإذا ما بلغت هذه المرتبة تبطل كل حركة، ولبلوغ السعادة يجب على الإنسان تحصيل العلم، ولا يمكن أن يتأتى له ذلك إلا بحلول العقل الكلى فى إنسان هو النبى [صلى الله عليه وسلم] وفى الأئمة الذين يخلفونه، والعقل الحال يسمى عندهم "ناطقاً" وتسمى النفس الحالَة "أساساً"، والأول هو فى رأيهم النبى [صلى الله عليه وسلم] الذى يبلغ الكلام المنزل، أما الثانى فهو الذى يفسره معتمداً على التأويل. وأركان الإسماعيلية الثلاثة الأخيرة هى الإمام والحجة الذى يعهد إليه بالتدليل على صدق رسالة الأساس، ثم الداعى. وهم يقولون إن محمداً هو الناطق وعلياً هو الأساس.

وهناك عدة مراتب للمجتهدين فى مذهب الإسماعيلية (كانت سبعاً ثم أصبحت تسعًا)، وكان الداعى لهذا المذهب يبدأ بأن يسأل المبتدئ فى معضلات الفقه الإسلامى (وتلك هى الطريقة المألوفة عند طائفة الباطنية) ثم يجعله بالتدريج يتفق وإياه على أن هذه المسائل من السهل الإجابة عنها بالتفسير الرمزى وتأويل القرآن. وكان للناتج من حساب القيم العددية لأحرف الهجاء أهمية كبرى عند الإسماعيلية (انظر Fragments: St.Guyard، جـ 2؛ ) فإذا ما اقتنع المبتدئ بقوة حجة الداعى طلب إليه أن يقسم ليخفيَن ما يلقن من الأسرار التى سوف يلقنه إياها، ثم يلقنه أن سلامَة النفس تتوقف على طاعة الإمام طاعة عمياء فى أمور الدين والدنيا. ولا تصل أغلبية المجتهدين فى هذا المذهب إلى ما بعد المرتبتين الأولى

(1) الصدور هو فيض الكائنات عن الخالق جل وعلا وعلى هذا تكون الحركة المضادة لحركة الصدور مقصودا بها سمو العقل إلى الخالق.

ص: 765

والثانية من مراتب التلقين، وقلما يصل الدعاة إلى المرتبة السادسة ويطمح قليل من الأفراد الممتازين فى الوصول إلى المرتبة العليا من مراتب التلقين.

والجنة فى معتقد الإسماعيلية رمز إلى حالة النفس التى حصلت العلم الكامل، ويرمز بالجحيم إلى حالة الجهالة، ويقولون إنه لم يحكم على نفس قط بالجحيم الأبدى، ولكن النفس تعود ثانية إلى الأرض بالتناسخ إلى أن تعرف الإمام الموجود فى العصر الذى عادت فيه إلى الأرض وتأخذ عنه المعارف الدينية، وليس وجود الشر بواجب فى معتقدهم، ولكنه سوف يختفى يوماً ما عندما تتشبه الكائنات كلها بالعقل الكلى شيئًا فشيئاً. وعلى الرغم مما اشتهر به الإسماعيلية من أنهم سفاكون للدماء، للك الشهرة التى لوثت سمعتهم، فإنه يجب ألا يدور بخلدنا أن جرائمهم للك كانت من لوازم عقيدتهم، بل إننا نرى فى ذلك نوعاً من الغلو فى السلطة السياسية المطلقة التى جعلها مؤسسو هذا المذهب لأنفسهم، وقد لاحظ روسو (Annales des voyages جـ 14، ص 286) أن الإسماعيلية الذين عرفهم كانوا أناساً كرماء من ذوى الدماثة لا يخشون الأسفار نشطين فى ديارهم مستمسكين بدينهم الذى يختلف كثيراً عن عقيدة السلف، وهم شجعان إذا دعتهم الملمات مطيعون لزعمائهم.

المصادر:

(1)

الفهرست، جـ 1، ص 186 وما بعدها.

(3)

الشهرستانى، طبعة كيورتن، ص 145 وما بعدها، ترجمتة Haarbucker جـ 1 ص 219 - 230.

(3)

ابن حزم: الفِصَل جـ 2، ص 116.

(4)

The Heterodoxies: L. Friedlander of the Shiites، انظر الفهرس.

(5)

Streitschr des Ga-: L.Goldziher Batiniiia - Sekte zali gegen die، ليدن 1916.

(6)

ابن الأثير، طبعة تورنبرغ، جـ 10، ص 213 وما بعدها.

(7)

المقريزى: الخطط، بولاق سنة 1270 م، جـ 1، ص 391 وما بعدها.

ص: 766

(8)

ابن خلدون المقدمة طبعة - Qua tremere، جـ 1 ص 362 - 364 ترجمة ده سلان، جـ 1، ص 409 - 41.

(9)

ابن خلدون: العبر، جـ 5، ص 26.

(10)

ميرخواند: روضة الصفا، جـ 4، ص 61 - 71.

(11)

Ghrestomathie Per-: Schefer sane جـ 1، ص 177 وما بعدها.

(12)

خواندمير: حبيب السير، جـ 2، الجزء الرابع، ص 69 - 81.

(13)

منجم باشى: جـ 2، ص 468 وما بعدها.

(14)

Histoire des: C.d ohsson mongols جـ 3، ص 141 - 203.

(15)

Essai sur 1' hist de: Dozy l 'Islamisme، ص 257 وما بعدها.

(16)

Herrschende: A.von Kremer Ideen، ص 166 وما بعدها.

(17)

Le Messianisme et l': E. Blocht heteodoxie Musulmane ص 54 وما بعدها.

(18)

Nouvelles Re-: Defremery cherches sur les Ismaeliens فى المجلة الأسيوية، المجموعة الخامسة، جـ 3، ص 373 وما بعدها (1854) جـ 5، ص 5 وما بعدها.

(19)

- Essai sur 1'histoier des Ismae liens ou Batinienc de La Perse. المجلة الأسيوية، المجموعة الخامسة، جـ 8، ص 353 وما بعدها (سنة 1856)، جـ 15، ص 103 وما بعدها، 1860.

(20)

Fragments: Stanislas Guyard، وكذلك un Grand maitre de l'order des Assassins فى المجلة الأسيوية، المجموعة السابعة، جـ 9، وما بعدها.

(21)

Gesch der As-: J.v. Hammer sassinen شتوتكارت 1818، الترجمة الفرنسية، باريس سنة 1833.

(22)

Revue du Monde Musulman، جـ 1، ص 48 وما بعدها جـ 2، ص 371 وما بعدها؛ جـ 10، ص 465 وما بعدها، جـ 12، ، ص 214 وما بعدها، 406، وما بعدها، جـ 24، ص 202 وما بعدها.

(23)

Der Islam etc: A.Muller جـ، 1، ص 888 - 593، 595 وما بعدها، 609، 627، 630، 637 وما بعدها، جـ 2، ص 61، 98 - 106، 155،

ص: 767

وما بعدها، 230 وما بعدها، 246 وما بعدها.

(24)

Literary Hsi-: Edw. G Browne tory of Persia جـ 1، ص 391 وما بعدها، جـ 2، ص 204 وما بعدها،

وانظر كذلك الفهرس.

[إيوار GL. Huart]

+ الإسماعيلية: فرقة إسلامية انشعبت من الشيعة، وقد انقسمت عدة فروع يختلف بعضها كل عن الآخر فى أقواله، ويشار إليها فى التواريخ التى كتبت فى أزمان مختلفة بأسماء مختلفة، وأقدمها (من القرن الثالث إلى القرن الخامس الهجرى = من القرن التاسع إلى القرن الحادى عشر الميلادى) القرامطة (وهى تسمية مخطئة)؛ والباطنية (من القرن الرابع الهجرى الموافق العاشر الميلادى، وما بعده فى كتب العرب)؛ والسبعية؛ والتعليمية؛ والملاحدة (وهى تسمية مسيئة، المصنفات الفارسية، القرن السادس الهجرى = القرن الثانى عشر الميلادى وما بعده). . . إلخ. وتسمى الإسماعيلية الآن فى فارس "مريدان آغا خان محلاتى"؛ وفى آسية الوسطى ملائى أو مولائى؛ وفى الهند: الخوجوات (النزارية)، والبوهرا أو البهرة (المستعلية) إلخ

1 -

تاريخ الحركة: نشأت الإسماعيلية رسمياً فرعاً قائماً بذاته من الشيعة بعد وفاة إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق قبل سنة 148 هـ (765 م) بوقت غير طويل؛ وقد أبى الإسماعيلية أن يعترفوا بالمستخلف الجديد وهو موسى الكاظم أخو إسماعيل. وإنما نقلوا ولاءهم إلى ابن إسماعيل وخليفته محمد وخلفاء محمد هذا. ولسنا نعرف شيئًا موثوقاً به عن تاريخ هذه الفرقة مدة تقرب من المائة والخمسين عاماً، أى إلى نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى)، بل إن أسماء الأئمة الذين خلفوا محمد بن إسماعيل وترتيبهم أمر مشكوك فيه. والرواية الفاطمية تذكرهم كما يأتى: عبد الله، وأحمد، وحسين؛ والرواية الفارسية النزارية: أحمد، ومحمد، وأحمد؛ والرواية الهندية النزارية: أحمد،

ومحمد، وعبد الله؛ والرواية الدرزية:

ص: 768

إسماعيل الثانى، محمد، أحمد، عبد الله، محمد، حسين، وأحمد (أى سبعة بدلا من ثلاثة).

قبل أن يسفر الإسماعيلية على مسرح التاريخ، ظهر فى الوقفة الثانية للقرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) بجنوبى أرض الجزيرة فرقة القرامطة الذين كان يخلط بينهم وبين الإسماعيلية عن قصد أو غير قصد. ولما كان القرامطة قد أثاروا كراهية الأمم الإسلامية لهم بغارات النهب والسلب التى كانوا يشنونها، فإن مثل هذا الخلط قد أضر بقضية الفاطميين. وما تزال أقوال القرامطة الحقة فى الدين وطبيعة علاقاتهم بالأئمة الإسماعيلية غامضة كل الغموض. على أن من الحقائق التى لامراء فيها أن القرامطة كانوا فى مجرى تاريخهم القصير كله يقفون موقف العداء من الإسماعيلية، وكذلك كان الإسماعيلية يعدونهم أعداءهم الألداء.

والقول الجاري هو أن تنظيم القرامطة والإسماعيلية الذين يلتبسون بهم، ينسب إلى عبد الله بن ميمون القدّاح، وتكاد الكتب أو الروايات الإسماعيلية لا تحتفظ له بأية ذكرى. وإنما يعدّه كتاب "زاد المعانى"، المتأخر الذى يرجع إلى القرن التاسع الهجرى (الخامس عشر الميلادى) سليلا لسلمان الفارسى وقرينا لإمامين مستترين من المتقدمين. ولم يصل الينا كتاب واحد من كتبه حتى إذا افترضنا وجودها، ولا أشير إلى أنها فى المراجع الإسماعيلية المأثورة، وهذا هو ما قاله لى بعض علماء الإسماعيلية. وقد يكون لسكوت هذه الكتب عنه أسباب مختلفة حقا، ولكنها لا تكاد تدعم القول بأنه هو المنشئ الحقيقى للفرقة كما تقول القصة.

ومهما يكن من شئ فإن فرقة الإسماعيلية كانت منظمة تنظيما حسنا بالفعل حوالى نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى)، ولها جذور راسخة فى فارس واليمن والشام، كما كانت تنتشر بسرعة فى شمالى إفريقية. والحق إن تاريخ المهدي وغيره من الخلفاء الفاطميين معروفة حق المعرفة. وكانت الدعوة الناشطة القوية تباشر خلال القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى)، وما وافى منتصف

ص: 769

القرن الخامس حتى كانت الإسماعيلية صلبة العود من المحيط الأطلسى إلى الأركان السحيقة من العالم الإِسلامي ونعنى بها ما وراء النهر وبذَخشْان والهند، وكانت قوية بصفة خاصة فى فارس: فى ولايات بحر الخزر وآذربيجان، والرّىَ، وقومس، وإصفهان، وفارس وخوزستان، وكرمان، وكردستان، وخراسان؛ وكان فى طبس، وطرُشيز، وقوهِستان، وغزنة وبذخشان وما وراء النهر مراكز هامة للدعوة.

وقد خرج من فارس أئمة الفلاسفة الإسماعيلية والأصحاب الأصلاء لمذاهبها مثل أبى يعقوب السجستانى المتوفى حوالى سنة 331 هـ (942 م) وأبى حاتم الرازى المتوفى حوالى ذلك الوقت، وحميد الدين الكرمانى المتوفى حوالى عام 410 هـ (1019 م)، والمؤيد الشيرازى المتوفى سنة 470 هـ (1077 م)؛ ويمكن أن نضيف إلى هذه الطائفة ناصر خسرو والحسن بن الصَبَّاح.

وكانت الإسماعيلية تضطهد فى كل مكان باعتبارها حركة سياسية خطيرة، ولكن أسباب تدهورها السريع بعد نجاحها الباهر لا تكمن فى هذا. ذلك أن أخطر ما هز كيانها هو الخلافات التى دبت بين طبقة مشايخ المذهب، بل بين أسر الأئمة أنفسهم. وكانت أول فُرقة خطيرة هى ما أحدثته الحاكمية أى الدروز الذين لم يصدقوا بوفاة الحاكم سنة 411 هـ (1021 م) بل انتظروا رجعته، ولم يكن لهذه الفرقة إلا شأن سياسى محلى. أما الفُرقة الثانية التى أحدثها النزارية فكانت نكبة. ذلك أنه لما توفي المستنصر فى الثامن عشر من ذى الحجة سنة 487 (29 ديسمبر سنة 1094) سُلب الأخ الأكبر نزار العرش، إذ انتزعه منه أخوه المستعلى يعاونه أمير الأمراء وكان موقف دوائر الإسماعيلية فى مصر أجنح إلى العداء، ولم يستطع نزار أن يجد سنداً يدعم مركزه فاعتقل وقتل هو وابنه فى السجن بأوامر من أخيه وأثار الخبر غضبا جائحا فى الشام وفى جميع أرجاء المشرق، وانفصلت أغلبية كبيرة

ص: 770

عن الجماعة واحتفظوا بولائهم للـ "نص" الأول.

وكذلك لم يحرك إسماعيلية مصر، المستعلية، ساكناً عندما انقرض نسل أئمة الفاطمية فى مصر. ذلك أن الآمر اغتيل سنة 524 هـ (1130 م؛ وتجعل المصادر الإسماعيلية وفاته سنة 526 هـ = 1132 م) فاستتر ابنه ووريثه الطفل "الطيب"(يشك المؤرخون كثيراً فى وجوده). ولم يعد الخلفاء الفاطميون الأربعة الأواخر على مصر أئمة ولم يدّعوا هم أنفسهم ذلك، وكانت الخطبة باسم القائم الإمام المنتظر الذى سيظهر فى اليوم الآخر. ولا يزال أتباع السنّة الفاطمية، وهم المستعلية، يعتقدون أن الأئمة، خلفاء الطيب، يعيشون فى استتار تام بمكان ما، ولسوف يظهرون أنفسهم حين يحين الوقت.

ونقل مركز حكم المستعلية إلى اليمن حيث يحكم الجماعة "الداعى المطلق"، وقد اختفت الإسماعيلية من مصر ومن شمالى إفريقية بسرعة عجيبة؛ وظلت فى اليمن ضئيلة الشأن حوالى خمسمائة عام، ولكن الأمور اختلفت كل الاختلاف فى الهند، ذلك أنه ما وافت بداية القرن الحادى عشر الهجرى (السابع عشر الميلادى) حتى كانت الجالية الإسماعيلية هناك قد زادت زيادة عظيمة، وازداد خطرها ازدياداً كبيراً عن الجماعة الأصلية واقتضى الأمر نقل مقر الدعاة إلى الهند. وقد اقترن هذا النقل بفُرقة أخرى نشأت من المنافسات التى دبت بين مشايخ الإسماعيلية، ذلك أنه لما توفي الداعى السادس والعشرون: داود بن عجب شاه سنة 999 هـ (1591 م) فى أحمد آباد، تبعت أغلبية الإسماعيلية (الداودية) داود بن قطب شاه وعدَوه داعيهم السابع والعشرين، أما الحزب اليمنى فقد استمسك بسليمان بن الحسن (السليمانية). والداعى السليمانى الحالى (1) الذى يقيم فى اليمن هو الداعى الخامس والأربعون (على محسن، والداعى الداودى يقيم فى بومباى) والداعى الواحد والخمسون هو طاهر بن محمد (انظر عن أسماء الدعاة عند الفرعين

(1) كان ذلك وقت كتابة هذه المادة

ص: 771

A Chronological hist.: Asaf A.A Fyzee of the Imams and Da،is of the Musta، lian Isnailis فى J.B.B.R.A.S، سنة 1934، ص 45 - 56). وكانت ثمة انشعابات كثيرة أصغر من هذه، ولكنها ليست بذات أهمية. ويجب أن نلاحظ أنه لا توجد خلافات عقائدية بين الداودية والسليمانية.

النزارية: جاء فى الرواية الإسماعيلية التى تنطوى فيما يظهر على عنصر كبير من الحقيقة، أن الهادي ولد نزار قتل هو وأبوه فى السجن. ولكن ابنه الوليد ووريثه المهتدى قد حمله خدم أمناء إلى ألموت فى فارس حيث نشأه الحسن بن الصباح فى خفاء بالغ، ولما مات المهتدى سنة 557 هـ (1162 م) اعتلى ابنه القاهر بأحكام الله الحسن (تضع النسبة المأثورة للنزارية فى الوقت الحالى بدله أمامين: القاهر والحسن) العرش جهرة، وفى السابع عشر من رمضان سنة 559 هـ (8 أغسطس سنة 1164) أعلن "قيامة القيامات". وقد استن لاتباعه عبادة روحية تنتقض من قيمة "الظاهر"، وتناسب أولئك الذين نجوا ودخلوا الجنة الروحية. وأغلب الظن أن حالة المؤمنين فى هذه الجنة هى الأصل الحقيقى للأسطورة المشهورة عن الحديقة التى زرعها الحسن الصباح على صخور ألموت الممحلة ليقلد بها الجنة ويغوى بها أتباعه.

وتاريخ أربعة آخرين من "خداوندية" ألموت (وهم علاء الدين أو ضياء الدين، وجلال الدين، وعلاء الدين الثانى، وركن الدين خورشاه) معروف إلى حد ما (وخير هوجز لهذا التاريخ أورده E.G Browne فى كتابه Lierary History of Persia، جـ 2، ص 453 - 460). وكان عدد النزارية فى الشام كبيراً، وكانوا قد لعبوا دوراً هاماً فى حرب الصليبيين فى جانب صلاح الدين بقيادة زعيمهم الموهوب رشيد الدين سنان (557 - 588 هـ = 1162 - 1192 م؛ انظر Un Grand: stan Guyard Maitre des Assassins فى Jour . As، سنة 1877، ص 324 - 489).

وقد أخفى شمس الدين محمد ولد ركن الدين خورشاه بعناية وهو بعد طفل. وكان شمس الدين وخلفاؤه أمام

ص: 772

أمرين: إما أن يعيشوا فى استتار تام أو يظهروا بمظهر مشايخ الصوفية، وهو الأرجح، ذلك أن عدد هؤلاء المشايخ كان كبيرا فى ذلك الوقت. وكان كثير منهم يشغلون مناصب بارزة: ولاة لبعض الأقاليم يتصاهرون مع الملوك الصفوية .. وغير ذلك ومن المؤسف أنه لم تصل إلينا بعد إلا تفصيلات وتواريخ قليلة.

وتذكر بعض المصادر الأئمة الذين خلفوا شمس الدين مباشرة كما يأتى: مؤمن شاه وابنه قاسم شاه، ولكن النسبة الرسمية تغفلهما؛ ثم يليهما: قاسم شاه الثانى، وإسلام شاه الأول، وإسلام شاه الثانى، والمستنصر بالله الثانى، وعبد السلام، وغريب ميرزا، وبو ذرّ على، ومراد على (فى نهاية القرن العاشر الهجرى فيما يرجح = القرن السادس عشر الميلادى)، وذو الفقار على (أوائل القرن الحادى عشر الهجرى = القرن السابع عشر الميلادى)، ونور الدهر على (حوالى سنة 1056 هـ = 1646 م)، وخليل الله الأول، وعطاء الله نزار، وسيد على، وحسن بك (= أبو الحسن على) وهو معاصر لنادر، وقاسم على شاه، وسيد حسن على (= باقر على) المتوفى فى أوائل القرن الثالث عشر الهجرى (آخر القرن الثامن عشر الميلادى)؛ وقد خلفه ابنه خليل الله الثانى الذى قلم فى يَزد سنة 1232 هـ (1817 م). وقد تزوج ابن هذا حسن على شاه ابنة فتح على شاه قاجار وأقيم والياً على كرمان، ولكنه اضطر إلى الهرب إلى الهند سنة 1298 هـ (1881 م). وعاش خلف هذا الإمام: على شاه فى بومباى وتوفى سنة 1303 هـ (1885 م). واشتهر ابنه إمام النزارية: سلطان محمد شاه بين الجمهور بلقب أغاخان.

وقد ترك نزارية الهند، أو الخوجوات الهندوسية واعتنقوا مذهب النزارية حوالى القرن الثامن الهجرى (الرابع عشر الميلادى). وكتبهم الدينية مؤلفة بالسندية والكجراتية، وهى تتبع إلى حدا ما القيم الهندوسية فى الشكل أكثر من اتباعها للفارسية، كما تحتفظ أيضًا ببعض المصطلحات الدينية والفلسفية الهندوسية.

2 -

التوزيع الحالى للإسماعيلية (1):

يوجد النزارية فى سورية بالقرب

(1) وكان ذلك وقت كتابة المادة.

ص: 773

من حماة؛ وفى فارس: بولايتى خراسان وكرمان؛ وفى أفغانستان: بشمالى جلال آباد وفى بذخشان؛ وفى التركستان الروسية والصينية: بنواحى جيحون الأعلى وفى يارقند وغير ذلك، وفى شمالى الهند: فى جترال، وكلكت، وهونزه وغيرها؛ وفى غربى الهند: فى السند وكجرات وبومباى وغيرها، وتوجد جالياتهم فى جميع أرجاء الهند، وفى إفريقية الشرقية وغير ذلك من الأنحاء. وقد يبلغ مجموع النزارية حوالى 250.000 نفس.

ويعيش البوهرا، أو المستعلية الهنود، فى كجرات ووسط الهند وبومباى خاصة. ويبلغ عددهم وفق آخر تعداد للهند:212.000 نسمة، وثمة جاليات كثيرة منهم فى إفريقية الشرقية؛ ويبلغ عدد السليمانية منهم مئات قليلة أما الباقي فمن الداودية. ولا يزال فى اليمن آلاف قليلة، من الإسماعيلية وأغلبيتهم من السليمانية.

3 -

المذهب:

المعلومات التى اتخذت حتى الآن أساساً لمعرفتنا بمذهب الإسماعيلية -وهى التى استقيت من كتب مختلفة كتبها المؤرخون ومن أرّخوا للبدع من أهل السنة - تبدو ضئيلة الفائدة إذا هى قورنت بالكتب الإسماعيلية الأصلية الأصلية. فقد بدت الوقائع فيها مختلطة مشوهة محرفة عن قصد أو عن غير قصد حتى إن استخلاص الحقيقة من الزيف يقتضى وقتا طويلًا، وخير ما نفعل فيما يبدو هو أن نتركها فى الوقت الحاضر، ونسوق هنا أبرز الوقائع المستقاة من الكتب الأصلية ومن السنّة المذهبية.

ونحن لا نعلم شيئًا عن المرحلة الأولية لعقائد الإسماعيلية، شأننا فى ذلك شأن أقدم مرحلة فى مذهب الشيعة، إذ نحن لا نعرف عن هذه، المرحلة إلا أقل القليل. ويجوز لنا أن نتصور أن جميع فرق الشيعة المتقدمة كانت لا تختلف إحداها عن الأخرى (بما فما ذلك الفرق السنية أيضًا) إلا فى القليل، باستثناء مسألة سلسلة الأئمة، ذلك أن الخصائص العقائدية لهذه الفرق

ص: 774

لم تظهر فى أغلب الظن إلا بعد ذلك. ومن الوقائع المشهورة أن الكتاب العمدة فى فقه الإسماعيلية وهو كتاب "دعائم الإسلام" للقاضى النعمان المتوفى سنة 363 هـ (973 م) قريب كل القرب من مذهب الاثنى عشرية حتى إن كثيراً من متكلمى هذا المذهب الأثبات يعدونه من الكتب التى تنتمى إليهم.

ولم يبق الآن من كتب الإسماعيلية السابقة لعهد الفاطميين إلا القليل جداً، وأقدم ما نعرف منها يرجع إلى أوائل القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى). ويبدو المذهب فيها، من حيث الظاهر والباطن، نامياً كل النمو مستقراً استقراراً لا بأس به، ومن المستحيل فى الوقت الحاضر أن نتبين من وضع أساسه ومتى كان ذلك. وقد علمنا مما سبق أن القصة الجارية التى تقول بأن المذهب نشأ نتيجة للحقد الشيطانى الذى كان يضمره عبد الله بن ميمون القداح، هى قصة بعيدة الاحتمال جداً فيما يظهر. وربما اقتربنا من الحقيقة أكثر إذا ذهبنا إلى أن تكوين المذهب كان تدريجيا وأنه نبع من ذاته. والمدة التى كان المذهب الإسماعيلى فيها ينمو ما بين القرنين الثانى والثالث الهجريين (الثامن والتاسع الميلاديين). كانت -إن شئت الدقة- مدة اشتد فيها الاهتمام بالعلم والفلسفة اليونانيين حتى شاع بين الطبقات المثقفة للمسلمين من جميع المذاهب وخاصة بين الشيعة. ولعلنا نذكر أيضًا أن فى هذه المدة بالذات وضع أساس المنهج الإسلامى فى العلوم والطب والمبادئ الفلسفية تحت رعاية الخلفاء العباسيين الذين شجعوا نقل كتب العلم اليونانى. ولم يمض إلا وقت قصير حتى وجدنا أن هذه العناصر التى دخلت مذهب الإسماعيلية قد تقبلها بعامة أشد المسلمين تقى، وكذلك كان تقبلها بين مذاهب الصوفية، وعند أئمة علماء الكلام. أما السبب الذى جعل مذهب الإسماعيلية يشتهر كل هذه الشهرة بالمروق والنزعات المناهضة للإسلام فيجب التماسه فى أمرين مختلفين: الأول أن الإسماعيلية إذ بلغوا فى ظل الفاطميين مستوى ثقافياً رفيعاً قد بذلوا محاولات للمواءمة بين مبادئ

ص: 775

الإسلام وأقصى ما بلغه العلم فى زمانهم، فسبقوا بذلك الأرجاء الأقل ثقافة من العالم الإسلامى سبقاً أوسع خطى من أن يُلحق. والثانى أن الصراع والمنافسة السياسيين قد حرّفا -عن قصد فى كثير من الأحيان- مذهبهم وأظهراه فى صورة سيئة، كما يتبين لنا من الكتب التى أرَّخت للبدع.

المذهب الرسمى للفاطميين:

وهو يقوم على "ظاهر" وهو الشريعة، وباطن. أما الظاهر فهو صورة من الإسلام محافظة كل المحافظة تشبه من وجوه كثير شعائر الإثنى عشرية، ولكنها تتفق فى بعض المسائل مع مذهب أهل السنة. والاستمساك بالصلاة والصوم وكل ما قضت به الشريعة كان فرضا على الجميع:"لا باطن بلا ظاهر". ومما يستأهل الملاحظة أن كل من أرخوا للبدع قد أغفلوا هذه الناحية من المذهب الإسماعيلى كل الإغفال مؤثرين قصصهم هم.

و"الباطن" الذى كان فرضا على كل إسماعيلى يقوم على تأويل آيات من القرآن، وبعض الأحاديث، وعلى أحكام دينية قصد بها إثبات الأصل الإلهى للإمامة واقتصار حق القيام بها على الفاطميين. ومما يصح أن نشير إليه أن المثال الذى كانت الإسماعيلية تصبو إليه دائماً قوامه تلك الصورة من الدين التى توائم مستوى تعليم المؤمن وعقليته.

مذهب الباطن:

إن الطالب الذى تأثر بالقصص المألوفة التى ترمى المذهب الإسماعيلى الباطنى بالخروج الشديد على الدين والنزعات المناهضة للإسلام خليق بأن يخيب أمله خيبة مرة حين يقرأ أشد كتب الإسماعيلية إيغالا فى الباطن مثل "راحة العقل" لحميد الدين الكرمانى، وبعض "المجالس" الباطنية للمؤيد الشيرازى، و"كنز الولد" لإبراهيم الحامدى و"ذخيرة" على بن محمد بن الوليد، و"زهر المعانى" لعماد الدين إدريس وغيرها من الكتب. وهذه الكتب تثبت إثباتا لا يعتوره أى شك أن المبادئ الأساسية فى أرفع مذهب

ص: 776

باطنى كانت هى أركان الإسلام، ونعنى بها الإيمان الذى لا يتزعزع بوحدانية اللهَ وأن محمدا رسول الله، وأن القرآن الكريم منزل .. . إلخ وما من شك أيضًا فى أن مؤلفى هذه الكتب لم يكن لهم غرض سوى تطوير المبادئ الأولية للإسلام وصقلها وجعلها مقبولة جذابة لعقل الإنسان المثقف المتفحص المعقد الذى قطع شوطا طويلا أبعده عن عقلية العرب البسيطة فى القرن السادس الميلادى.

ومذهب الباطن يقوم على ركنين: الأول تأويل القرآن الكريم والشريعة الذى برع فيه القاضى النعمان وجعفر بن منصور اليمن. والثانى، وهو أهم من الأول بكثير، الحقائق أى ذلك المنهج الإسماعيلى فى الفلسفة والعلم الذى يتسق مع الدين ويكشف عما ينطوى عليه باطنه من أسرار.

وهذا المذهب ثمرة مُثلى للعقل الإسلامى فى القرن الرابع أو الخامس الهجرى (العاشر أو الحادى عشر الميلادى) وهو يشبه من عدة وجوه فلسفة الفارابى.

وأبرز عناصر المذهب الإسماعيلى هى الفلسفة الأفلاطونية الجديدة المستقاة على نحو غير مباشر من تاسوعات أفلوطين، أو من شراحه المتقدمين، ولكن من بعض النسخ المتأخرة التى زيفت إلى حد كبير واختلطت بمسائل مختلفة الأجناس. وقد حاولت الإسماعيلية -شأن بعض المذاهب النصرانية واليهودية- أن تجد فى الفلسفة الأفلوطينية حلا يوفق بين فكرة التوحيد واثنينية العالم الظاهر. وكان منهج العلم اليونانى القديم - الذى كان فى مكنة أفلوطين أن يبنى عليه مذهبه- قد تغير تغيراً كبيراً قبيل القرن العاشر، ذلك أن كثيراً من نظرياته كان قد نسى، وظلت كتب يونانية كثيرة مجهولة للمسلمين، كما أن كثيراً من الزيف كان شائعًا. ومن ثم فإن الفلسفة الطبيعية للإسماعيلية، بما فيها من أفكار عن العالم العضوى والعالم غير العضوى، وعلم النفس، وعلم الحياة وما إلى ذلك، كانت تعتمد إلى حد ما على أرسطو، كما يعتمد جزء منها على الفيثاغورية الجديدة وغير

ص: 777

ذلك من الأنظار القديمة. على أننا لا نجد عند الإسماعيلية إشارات إلى هذه الكتب اليونانية الأصلية، وإنما نجد فحسب ذكراً غامضا لـ "الحكماء اليونانيين"، وهذا الذكر نادر جداً. ونجد عندهم كثيراً من الزيادات أخذوها من العلم المنحط المأثور عن العصور المتأخرة، فى صورة معتقدات أولية تنجيمية وكيماوية ورمزية سحرية، وأنظار عن القوى الخفية والسحرية للأعداد والحروف وما إلى ذلك. والحق إن هذا كله مألوف لكل طالب يدرس ثقافة القرون الوسطى الأولى. ولا نجد

فى الإسماعيلية إلا آثاراً باهتة جداً من المانوية، أما المسيحية فيها فنحسها إحساسا أقوى من ذلك. وكتاب الإسماعيلية يتوخون عامة الدقة إلى حد مشهود حين يستشهدون بالأسفار المسيحية، مبدين أنهم رجعوا إلى الأسفار الحقيقية، ولم يلجئوا إلى أوهامهم فحسب كما فعل معظم الكتاب من أهل السنة.

ومن يرد أن يكون فكرة أصيلة عن "الحقائق" فإنه يستطيع أن يفيد فائدة كبيرة إذا قرأ بإمعان دائرة المعارف المشهورة "إخوان الصفاء" التى طبعت مراراً وترجم ودرس جزءا منها المرحوم الأستاذ ديتريصى. ويعد المستعلية هذا الأثر تصنيفا جمعه ثانى الأئمة المستترين "أحمد"؛ والشواهد المأخوذة منه شائعة فى كتب الحقائق.

ومن ثم فإن هذا المذهب -كما نستطيع أن نتبين- ليس فيه من الأصالة أو الأشياء غير المعروفة إلا القليل جدًا. والشئ الوحيد الأصيل فيه هو الطريقة التى جمعت بها كل هذا المواد المختلفة الأجناس وأدمجت فى الإسلام. على أن "الحقائق"- حتى فى هذا الصدد - تشبه شبها كبيرا الأنظار الصوفية التى لا تختلف عنها إلا فى مصطلحاتها وفى أن الصوفية تقبل على سبيل القطع المذهب الأفلوطينى فى الشطح بينما تنكره الإسماعيلية إنكاراً.

ويصح لنا أن نلاحظ أن المستعلية يؤمنون إيماناً راسخاً بأن هذا كله قد كشف عنه أئمتهم، وأنه ما من أحد سوى هؤلاء الأئمة أنفسهم قد أوتى هذا

ص: 778

العلم، بل إن هذا العلم خليق أن يستغلق على أفهام الغير. ونحن نجد حتى البوهرا الآن يقفون عن عمد بمعزل عن العلم الحديث الذى يعدونه زندقة.

هيكل المذهب:

تؤكد "الحقائق" تأكيدا شديدا التوازى بين الكون والإنسان، وهنا تبلغ الحقائق بالتوحيد الإسلامى أقصى مداه، ولا تصف الله (الغيب تعالى) بصفات تعتمد على ما ألفت الحواس، فالواحد أبدع بأمر من مشيئته الأزلية أول (سابق) فيض (مُنْبَعَثَ)؛ وهو فى مذهب أفلوطين "عقل الكل"؛ وثانى الفيوضات وهو الذى صدر عن السابق هو"نفس الكل" وهى الركن الثالث فى الثالوث الأفلوطينى الأصلى.

وهنا يظهر تطور جديد حدث فيما يظهر نتيجة لجهد بذل فى التوفيق بين هذه الفكرة وبين مذهب بطلميوس، فقد أضيفت "عقول" أخرى قليلة هى عقول متحركة لأفلاك مختلفة أى لأفلاك النجوم الثوابت، وكوكبات منطقة البروج، والكواكب الخمسة، والشمس والقمر، والأخير هو العقل الموكل بالأرض "العقل الفعّال" وهو الخالق الحقيقى للـ "صورة" ويسمى "المبدع الثانى" وإليه نقلت كل التبعات التى وضعها المذهب الأفلاطونى على عاتق "نفس الكل". وللصورة التى تحدث بفعلها فى الهيولى (أولا باليونانية) عالم الظاهر لها اصولها الكاملة التى أبدعت على منوالها. ومن الواضح أن هذا القول نقل لنظرية أفلاطون فى المثل التى فهمت فهما خاطئاً، وهو هنا الجسر الذى يصل بين الفلسفة والدين. وإذا كان ثمة أصل كامل للبشر هو الإنسان الكامل، فإنه يجب أن يوجد فى هذا العالم، وبغير ذلك لا يمكن أن يوجد الإنسان. ولكن من يمكن أن يكون هذا الإنسان الكامل إن لم يكن هو المختار خاتم رسل الله وخيرهم: رسوله محمد؟ ولما كان الإنسان هو تاج الخلق والإنسان الكامل هو تاج البشرية فإن الرسول هو إذن "عقل الكل"، وأقنوم "نفس الكل" لا يمكن أن يكون إلا "الوصى" أى منفذ وصية النبى [صلى الله عليه وسلم] وهو علىّ، والأئمة الموكلون دائما بهذا

ص: 779

العالم هم أقانيم "العقل الأخير". والنفس -من حيث هى صورة الإنسان- تنتمى إلى العالم الروحى الأعلى، ولكنها تخالط "الكون والفساد" وبمشاركتها أقرب جوهر علوى، وهو الإمام، تستطيع النفس أن تصعد وتعود إلى مصدرها الأولى فتبلغ منتهى الخلاص. والطريق إلى هذه المشاركة هى "العبادة العلمية" أى تحصيل العلم الذى كشف عنه الأئمة وطاعة أوامرهم، ومن هنا القول بأن من يمت دون أن يعرف إمام عصره مات كافرًا.

وظل هذا المذهب جامدا فى السنّة التى درج عليها المستعلية، ولكن النزارية عدلوه تعديلا طفيفاً، ولم يشجع الفاطميون الأفكار المتطرفة، وبدا "الإمام" فى مصنفاتهم الأولى صنوا للـ "خليفة" أو يكاد. وقد زعم الفاطميون أنهم نواب مؤسس الدين النبى محمد صلى الله عليه وسلم، أما النزارية فقد تأثروا -فيما يرجح- بالأفكار الصوفية فأبرزوا الحياة الروحية، وانتقصوا من "الظاهر" وجعلوا "نور" الإمامة المبدأ الأسمى. واعتبروا مبدأ الإمامة، أو الهداية الربانية، أزلياً سابقاً

على الخلق، ولا يمكن أن يخلو العالم من إمام وإلا هلك فوراً. فالإمام هو أقنوم أمر الله أو كلمته، أو هو"كُنْ" الواردة فى القرآن الكريم. والإمام الأول فى أوائل "دور" محمد هو علىّ، وذريته هم خلفاؤه. والحسن -الذى يعده المستعلية أول إمام - قد استبعد من قائمة الأئمة لأنه كان ينوب عن أخيه، وظل النبى محمد صلى الله عليه وسلم هو"عقل الكل"، ولكن "نفس الكل" قد تأقنمت بالـ "حجة"(كان فى عهد الفاطميين واحد من الإثنى عشر شيخاً أو الأربعة والعشرين شيخاً)، وكان الحجة -بصفة عامة- من أقرباء الإمام الأقربين، وكان فى بعض الأحيان امرأة أو طفلا. وقد أوتى الحجة علمًا لدنيا خارقاً من علم الإمام، وهو يهدى المؤمنين. ولا توجد فى كتب الإسماعيلية الصحيحة أو سنتهم آية آثار لـ "مراتب فى التلقين" تشبه المراتب التى عند الماسونية، لكل مرتبة منها سرها. ومن الواضح أن الكشف

ص: 780

عن المنهج الباطنى كان، فيما يظهر، لا يعتمد إلا على المستوى العلمى والمستوى العقلى. والراجح أن طبقات المشايخ "حدود الدين" كانت تتمشى مع "التلقين" فى أقدم عهود المذاهب فحسب، عندما كان العلم مقصورا على طبقة المشايخ، ثم تغيرت "الحدود" من بعد، أو استبدل بها منهج آخر. وكانت المراتب الرئيسية هى:"المستجيب" أى المُلَقَن، و"المأذون" أى المُجاز للتدريس، و"الداعى" أى الواعظ، و"الحجة" و"الجزيرة". أما الرقم سبعة فهو من الأرقام الخفية فهناك دورات من سبعة أئمة، وكذلك دورات الأنبياء الكبار لكل سبعة آلاف سنة (آدم، نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، ومحمد، ولكل منهم "وصى"، أما السابع "فهو القائم" المنتظر)

إلخ.

والمذهب الفقهى الذى أقامه القاضى النعمان وحفظه المستعلية، لم يطرأ عليه أى تطور آخر. ويختلف تقويم المستعلية عن التقويم الإسلامى العام، بأنه يسبقه بيوم أو يومين؛ لأن بداية الشهر القمرى فيه تحسب فلكيا، ولا تعتمد على رؤية القمر.

المصادر:

(1)

لقد كتب الكثير عن الإسماعيلية، ولكن لم يعتمد منه على المصادر الصحيحة إلا القليل جدًا وخير المصادر حتى سنة 1922 أوردها L.Massignon: فى Esquisse d' une bibligraphie Qarmate 1922 فى - Or. Studies presented to Pro fessor E. G. Browne .

(2)

وثمة ملخص للمعلومات التاريخية فقط فى: O،Leary: A Short the Fatimid Kalifate History of لندن سنة 1923.

وانظر عن كتب الإسماعيلية المشار إليها فى هذه العجالة.

(3)

A Guide to Ismaili: W. Ivanow Literature، لندن سنة 1933.

وانظر عن مذهب النزارية.

(4)

An Ismailistic Work: W. Ivanow by Nasiru'ddinTusi فى Journ of the Royal As. Sociery سنة 1931، ص 527 - 564.

وانظر عن الفقه الإسماعيلى.

(5)

Ismaili Law: Asaf A. A. Tyzee of wilts بومباى سنة 1933.

خورشيد [إيفانوف W. Ivanow]

ص: 781