المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أضحى [جمع أضحاة] وهى كالإبل والغنم وذوات القرن التى تنحر فى - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌إريتريا

- ‌الأزهر الشريف (جامع وجامعة)

- ‌العصر الفاطمى

- ‌العصر الأيوبى والعصر المملوكى

- ‌العصر الحديث

- ‌مرحلة التطوير

- ‌أروقة الأزهر الشريف

- ‌مكتبة الأزهر الشريف

- ‌شيوخ الأزهر

- ‌الشيخ الإمام محمد الخراشى

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم البرماوى

- ‌الشيخ الإمام محمد النشرتى

- ‌الشيخ الإمام عبد الباقى القلينى

- ‌الشيخ الإمام محمد شنن

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم الفيومى

- ‌الشيخ الإمام عبد الله الشبراوى

- ‌الشيخ الإمام محمد الحفنى

- ‌الشيخ الإمام عبد الرءوف السجينى

- ‌الشيخ الإمام أحمد الدمنهورى

- ‌الشيخ الإمام أحمد العروسى

- ‌الشيخ الإمام عبد الله الشرقاوى

- ‌الشيخ الإمام محمد الشنوانى

- ‌الشيخ الإمام محمد العروسى

- ‌الشيخ الإمام أحمد الدمهوجى

- ‌الشيخ الإمام حسن العطار

- ‌الشيخ الإمام حسن القويسنى

- ‌الشيخ الإمام أحمد عبد الجواد السفطى

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم الباجورى

- ‌الشيخ الإمام مصطفى محمد العروسى

- ‌الشيخ الإمام محمد المهدى العباسى

- ‌الشيخ الإمام شمس الدين الإنبابى

- ‌ الشيخ الإمام حسونة النواوى

- ‌الشيخ الإمام عبد الرحمن النواوى

- ‌الشيخ الإمام سليم بن أبى فراج البشرى

- ‌الشيخ الإمام على محمد الببلاوى

- ‌الشيخ الإمام عبد الرحمن الشربينى

- ‌الشيخ الإمام أبو الفضل الجيزاوى

- ‌الشيخ الإمام محمد مصطفى المراغى

- ‌الشيخ الإمام محمد الأحمدى الظواهرى

- ‌الشيخ الإمام مصطفى عبد الرازق

- ‌الشيخ الإمام محمد مأمون الشناوى

- ‌الشيخ الإمام عبد المجيد سليم

- ‌الشيخ الإمام إبراهيم إبراهيم حمروش

- ‌الشيخ الإمام محمد الخضر حسين

- ‌الشيخ الإمام عبد الرحمن تاج

- ‌الشيخ الإمام محمود شلتوت

- ‌الشيخ الإمام حسن مأمون

- ‌الشيخ الإمام الدكتور محمد الفحام

- ‌الشيخ الإمام الدكتور عبد الحليم محمود

- ‌الشيخ الإمام الدكتور محمد عبد الرحمن بيصار

- ‌الشيخ الإمام جاد الحق على جاد الحق

- ‌الشيخ الإمام محمد سيد طنطاوى

- ‌أسامة بن زيد

- ‌أستاذ

- ‌استخارة

- ‌إسحاق [عليه السلام]

- ‌إسحاق بن حنين بن إسحاق العبادى

- ‌إسحاق الموصلى

- ‌إسراء

- ‌إسرائيل

- ‌إسرافيل

- ‌أسطرلاب

- ‌إسلام

- ‌أسماء

- ‌إسماعيل [عليه السلام]

- ‌الإسماعيلية

- ‌الإسماعيلية في الهند

- ‌انتشار الاسماعيلية فى الوقت الحاضر:

- ‌إشبيلية

- ‌الأشعرى أبو الحسن

- ‌الأشعرى أبو موسى

- ‌الأشعرية

- ‌أصحاب (صحابة)

- ‌أصحاب الأخدود

- ‌أصحاب الرأى

- ‌أصحاب الكهف

- ‌الإصطخرى

- ‌الأصمعى

- ‌أصول

- ‌أضحى

- ‌الأضداد

- ‌الاعتقاد

- ‌اعتكاف

- ‌الأعراف

- ‌الأعشى

- ‌أعيان

- ‌أغا

- ‌أفغانستان *

- ‌أفندى

- ‌إقامة

- ‌اقتباس

- ‌إقطاع

- ‌أكدرية

الفصل: ‌ ‌أضحى [جمع أضحاة] وهى كالإبل والغنم وذوات القرن التى تنحر فى

‌أضحى

[جمع أضحاة] وهى كالإبل والغنم وذوات القرن التى تنحر فى ضحى يوم الأضحى وهو اليوم العاشر من ذى الحجة، وتعتبر لحومها صدقة توزع على الفقراء، ومع ذلك فإن للمضحى أن يأكل من أضحيته. وصفات الضحية وطريقة نحرها فصّلت بدقة فى كتب الفقه. والقيام بالتضحية فى منى عادة جاهلية أقرها أيضًا الإسلام فى سورة الحج (الآية 34 - 37)(1)[ولا شك فى أن الشرع لا يفرض الضحية على أحد إلا إذا اضطره إلى ذلك نذر أو إثم (2)، ] وكانت الأنعام التى تساق للهَدْى فى هذا العيد تجعل لها علامة بأن تقلد بالنعال القديمة أو بأن يشرط جلدها (3).

‌الأضداد

جمع ضد: وهى الكلمات التى يعرفّها علماء اللغة العرب بأن لها معنيين أحدهما نقيض أو مضاد للآخر، نحو باع، وهى تدل على البيع والشراء، بل إن كلمة ضد نفسها من الأضداد، ففى مثل "لا ضد له" لا تفيد المخالف، وإنما تفيد المثل؛ والأضداد فى رأى علماء اللغة قسم خاص من "المُشْتَرِك" بفرق واحد هو أن المشترك يتحد فى اللفظ ويختلف فى المعنى بينما الأضداد يباين المعنى الأول فيها المعنى الثانى تمام المباينة. وقد تناول العرب هذه الناحية من اللغة بالدقة والشغف اللذين تناولوا بهما النواحى اللغوية الأخرى وأفردوا لها فصولا فى كتب عامة (مثل السيوطى: المزهر، بولاق، جـ 1، ص 186 - 193؛ ابن سيده: المخصص، جـ 13، ص 258 - 266) وخصّوها برسائل قائمة بذاتها. وقد أحصى هذه الرسائل لأول مرة ردسلوب (Die Arabischen: Redslob Worter Mit. entgegengesetzter Bedeutung. جوتنجن 1873 ص 7 - 9، ويجب أن

(1) هذا غير صحيح، فإن التضحية فى منى فى أيام الحج (وتسمى الهدى) كانت من شريعة سيدنا ابراهيم عليه السلام، وكذلك شعائر الحج. ثم جاء الإسلام باقرارها ونفى ما زاده المشركون فيها من أعمال الجاهلية الوثنية.

(2)

الإثم هنا هو ما يقع من الحاج من المخالفات للاحرام ويجبر بذبح يسمى (فدية) ولا يسمى ضحية.

(3)

هذا ليس فى الضحية، وإنما هو الهدى الذى يسوقه المحرم بالحج أو العمرة من الحل إلى الحرم. وكان اشعاره بالدم أو تقليده أمارة على أنه مساق ومهدى للببت الحرام فلا يعتدى عليه.

أحمد محمد شاكر

ص: 850

نستبعد اسم الجاحظ من المصادر التى ذكرها ردسلوب).

ونحن إذ عرفنا بعض هذه المصنفات من الشواهد المنقولة منها فإنه قد انتهت إلينا رسائل تحمل اسم "كتاب الأضداد" كتبها الكتّاب الذين سنذكرهم بعد، وقد نشرت أجزاء منها:

(1)

قُطْرب المتوفى سنة 206 هـ (821 م؛ طبعة Islamica: H.Kofler سنة 1932.

(2)

الأصمعى المتوفى سنة 216 هـ (831 م؛ طبعة Drei ar-: A.Haffner abische Quellenwerke uber die Addad بيروت سنة 1913، ص 45 - 61.

(3)

أبا عُبَيْد المتوفى سنة 223 هـ (837 م؛ انظر Brockelmann قسم 1، ص 167).

(4)

أبا حاتم السجستانى المتوفى حوالى سنة 250 هـ (864 م) طبعة هافنر: المصدر المذكور ص 71 - 157.

(5)

ابن السكيِّت المتوفى سنة 243 هـ (857 م) طبعة هافنر: الكتاب المذكور، ص 163 - 209.

(6)

أبا بكر بن الأنبارى المتوفى سنة 327 (939 م) طبعة هوتسما، ليدن سنة 1881؛ القاهرة سنة 1325 هـ.

(7)

أبا الطيب الحلبى المتوفى سنة 381 هـ (991 م؛ انظر بروكلمان، قسم 1، ص 190).

(8)

الصغانى المتوفى سنة 650 هـ (1252 م؛ انظر هافنر: كتابه المذكور، ص 221 - 248).

ولا يؤخذ بالرأى الذى ظل سائدًا منذ عهد بعيد والذى يقول إن اللغة العربية- بخلاف جميع اللغات السامية الأخرى- تشمل عددًا عظيما من الأضداد، ذلك لأننا إذا استبعدنا جميع الكلمات التى ليست بأضداد حقيقية أو الموضوعة فى غير مواضعها، لا يبقى من الأضداد فى اللغة العربية إلا القليل، وهذا ما دعا المبرّد (مخطوط بليدن رقم 437، ص 180) وابن درستويه الذى نقل عنه السيوطى (جـ 1، ص 191) إلى الإسراف فى القول إلى حد إنكار وجود الأضداد فى اللغة العربية إنكارًا تامًا، ومع ذلك فقد أحصى ابن الأنبارى

ص: 851

فى كتابه أربعمائة من الأضداد ولكنه بالرغم من هذه الكثرة أغفل "أنكر" و"ولى " وغيرهما. وأشار "ردسلوب" من قبل بوجوب استبعاد عدد كبير من الأضداد بحجة أن مصنفى العرب توسعوا كثيرًا فى فهم كلمة "أضداد" أو جمعوا -فى شئ كثير من التصنع أو التكلف- عددا كبيرًا منها.

ويجب أن نلاحظ:

(1)

أن معظم الكلمات التى أوردها كانت معروفة عند العرب، أو شائعة بينهم، بمعنى واحد فقط؛ أما المعنى المخالف فلم يرد إلا فى روايات نادرة، وربما كانت موضع الشك، ولو لم يكن الأمر كذلك لكثر الالتباس فى حديث الناس، على أن ابن الأنبارى قد أنكر فى مقدمة كتابه (ص 1) إمكان وقوع أى التباس.

(2)

يجب أن نلاحظ الضد فى المعنى اللغوى الذى تدل عليه الكلمة وهى مفردة ومن الخطأ البين أن نلاحظ المعانى التى تدل عليها الكلمة فى التراكيب المخللفة ويحكم عليها بالضد تبعا لذلك (ابن الأنبارى: كتابه المذكور، ص 167 - 168).

(3)

وتخرج من باب الأضداد الحروف مثل إن ومن وأن وأو وما وهل، ولا قيمة للاستدلال بأن "إن" مثلا معناها إذا الشرطية وما النافية، أو الإمكان والنفى بعبارة أخرى، وكذلك لا قيمة لما يقال من أن بعض الصيغ الفعلية مثل كان أو يكون تدل على أزمتة مختلفة، أو أن الأعلام مثل إسحاق وأيوب ويعقوب قد تكون لها معان ثانوية أخرى.

(4)

ولا حصر للصيغ التى قد تدخل أحيانًا فقط فى باب الأضداد نحو "كأس" التى تفيد الإناء كما تفيد الشراب الذى فيه، ونحو "نحن" التى تفيد المتكلم المفرد والجمع، ونحو جميع صيغ "فاعل" التى ترد أيضا بمعنى "مفعول" مثل وامق وخائف، وصيغ "فَعيل" التى تفيد أيضًا معنى فاعل مثل أمين، وصيغ المبالغة التى تتكون من أسماء الفاعل والمفعول للفعل الثلاثى والمزيد، والثلاثى اللازم الذى يفيد التعدية أحيانًا مثل زال وغيرها. وهذه الحالات كلها ليست فى الواقع من الأضداد.

ص: 852

(5)

وكذلك ليس من الأضداد الكلمات التى تستعمل فى أحيان معينة اهتزاءً أو تهكمًا، مثل يا عاقل للمجنون، أو تفاؤلا، ملو يا سالم للمريض. لأن استعمال هاتين الاستعارتين موقوف على اختيار المتكلم.

(6)

ويظهر التعسف والافتعال على أشدهما آخر الأمر فى إدخال العرب فى باب الأضداد كلمات ملو"تَلْعة" التى معناها المسيل من الماء والمرتفع من الأرض، لأن الماء يهبط والأرض ترتفع.

ومعظم الشواهد التى أوردها ابن الأنبارى تنطبق عليها واحدة أو أكثر من الملاحظات التى مرت بنا، ولذلك يجب ألا تعد من الأضداد، وهكذا لا يبقى من الأضداد بعد هذا إلا القليل.

وقد حاول العرب أنفسهم تفسير هذه الظواهر، إلا أن تفسير، واحد، يستحق منا الاهتمام، وهو التفسير الذى يريدنا على أن نرجع لأصل الكلمة الذى يؤخذ الضدان منه (ابن الأنبارى: كتابه المذكور، ص 5، س 20 وما بعده؛ المزهر، جـ 1، ص 193).

أما التفسيرات الأخرى فتعلل المعانى الموجودة بالفعل، وترى أن الأضداد عبارة عن معان مستعارة من ناحية أصول الكلمات بعضها من بعض (ابن الأنبارى: كتابه المذكور، ص 7؛ المزهر: جـ 1، ص 194 س 4). أو تحاول إيجاد صلة، سقيمة فى كثير من الأحيان، بين المعانى، فالعرب يقولون -مثلا- إن "بعض" تأتى بمعنى كل، لأن كل الشئ ما هو إلا بعض من شى، آخر (ابن الأنبارى: كتابه المذكور، ص 6).

وقد بذل آبل (Uber den Ge-: C.Abel gensinn der Urworte. ليبسك سنة 1884؛ وأعيد طبع هذا البحث فيما نشره بعنوان Sprachwissenchaftlichen Abhandlungen . ليبسك سنة 1885) محاولة للوصول إلى تفسير لظاهرة الأضداد اللغوية بصفة عامة مبتدئًا بنظرة واحدة فحسب. وفى رأيه أن الكلمات التى استخدمها الأولون لم تكن تعابير عن أفكار معينة غامضة، ولكنها كانت أقرب إلى وصف صلة متبادلة بين متضادين، مثال ذلك أن فكرة

ص: 853

"القوى" لا يمكن أن تفهم إلا بمقارنتها بفكرة "الضعيف"، وكان طرفا التضاد إنما يميز بينهما تدريجا بتغييرات صوتية. ولم يأخذ اللغويون بنظرية آبل، ولكنها وجدت قبولا لدى علماء التحليل النفسى.

وكذلك حاول كوردس R. Gordis): mutually opposed meaning Words of فى Am.J.Semit Lang، سنة 1938 ص 270 - 280) أن يجد تفسيرًا يصدق على جميع الأضداد، فبدأ بالنظريات الأنثروبولوجية الحديثة، وربط الأضداد بالمحرمات والقوى الطبيعية الخارقة وانتهى فى ذلك إلى القول:"إن الأضداد من جميع النواحى هى فى حديث الناس ليست إلا بقايا من طرائق التفكير عند البدائيين".

والرأى السائد فى علم اللغات بصفة عامة يخالف مثل هذه النظريات، إذ يقول إن الأضداد لا يمكن تفسيرها إلا على ضوء مبدأ واحد، هو أن الكلمات من أصلها لها معنى محدد. ومن ثم فإن فى كل ضد معنى يجب أن يعد أصليا ومعنى يعد فرعيا. ومهمة علم اللغات أن يتتبع فى كل حالة التغير التدريجى للمعنى، ولو أنه يتضح للبادرة الأولى أن الوقائع لا يمكن أن تقوم فى جانب كل ضد. والحق إن لغويى العرب سبق أن سلموا من حيث النظر بهذا المبدأ وهو "الأصل لمعنى واحد"، أما أن كتبهم لم تسهم فى حل هذه المشكلة إلا بأيسر اليسير على الرغم من وفرة المادة التى بين أيديهم، فمن أسبابه أن تفسير الأضداد لم يكن مسألة علمية بمقدار ما هو مسألة عملية صرف، ذلك أن أول ما كان يعنى به العرب هو أن يعدوا ثبتًا كاملًا على قدر الإمكان بجميع كلمات الأضداد التى تستخدم فى الحياة اليومية وفى الأدب. ولذلك نجدهم فى كثير من الأحيان إنما يستهدون بالتوافق الظاهرى، ومن قبيل ذلك أنهم جعلوا من بين الأضداد كلمة.

(1)

"مودٍ" أى هالك والأصل ودى.

(2)

ومودٍ أى قويّ شديد، من الأصل أدى.

وقد فسر كيس (F. Giese فى - Un tersuchungen uber die addad auf Grund von Stellen aus Altarabischen Dichtern

ص: 854

برلين سنة 1894) معظم الأضداد الواردة فى الشعر القديم وكيف انتقل معناها الأصلى إلى الضد بتصنيفها فئات شتى من حيث علم المعانى.

(1)

الاستعارة: مثل ناء تأتى بمعنى نهض مثقلا بالحمل كما تأتى أيضا بمعنى بعد به، ومثل ناهل التى تقال للعطشان والريان.

(2)

تصاحب المعانى المتضادة بالذهن: مثل "بين" التى تفيد الفراق كما تفيد الوصال وفقا لحالة الشخص الذى يكون إما مفترقًا وحده عن جماعته أو متصلا بجماعة أخرى، ومثل "جَلَل" ومعناها يدحرج، ومن ثم جاءت بمعنى ثقيل، كما تأتى بمعنى يتدحرج فى سرعة. ويرتفع، ومن ثم جاءت بمعنى حقير وخفيف.

(3)

قصر الفكرة على معنى الإصلاح أو الإفساد على التوالى: مثل رَمّ العظْم بمعنى قوى حين يكون فيه النخاع، وبمعنى ضعف حين يكون العظم رميما.

(4)

المفروض أن الكلمات التى تفيد الانفعال أو اللون يكون معناها الأصلى الثابت "انفعل" سواء أكان هذا الانفعال لشئ حسن أو سيئ مثل "راع" التى تأتى بمعنى خاف أو بمعنى أعجب؛ ومثل "طَرب" التى تأتى بمعنى حرن أو بمعنى فرحَ؛ وكذلك رجا وخاف، ومثل "ذفرى" و"بنة" التى تدل على الرائحة الطيبة كما تدل على الرائحة المنتنة. ومن هذا الضرب الكلمات التى تفيد الظن بمعنييه اليقين والشك نحو ظن وحسب وخال (ابن الأنبارى: كتابه المذكور، ص 8 وما بعدها؛ Landau كتابه المذكور، ص 189 وما بعدها).

(5)

وكان من أثر الثقافة فى كثير من الأحيان أن تباينت الكلمات التى تدل فى الأصل على معنى واحد مثل باع وشَرَى اللتين كان معناهما الأصلى تبادل.

(6)

المشتق من الأسماء وخاصة فى "فعَل" و"أفعل" وكان معناهما فى الأصل إحداث الحدث بالشئ المراد، ولذلك يمكن استعمالها فى الإيجاب والسلب نحو"فرّع" التى تأتى بمعنى صعد كما تأتى بمعنى انحدر، قارن بينها وبين "شيريش سقيل" فى

ص: 855

العبرية. أضف إلى ذلك أن عدم وجود حروف الجر المركبة فى اللغة العربية يؤدى إلى كثير من الالتباس (السيوطى: كتابه المذكور، ص 189) مثل وَلَى التى تأتى بمعنى أقبل كما تأتى بمعنى أدبر، ومثل سمع التى تأتى بمعنى وقع الكلام فى الأذن، وتأتى بمعنى أجاب، وكذلك وجود كثير من الكلمات المتقاربة فى النطق أو المشتركة فى الأصل مما يحملنا على تفسيرها بمعنيين) Landau: كتابه المذكور، ص 186 وما بعدها) مثل "أمم" والأصح "أيم" - التى تدل على الأمر العظيم والحقير، ومثل "مأتم" التى تطلق على مجمع النساء فى الحزن أو الفرح، ومثل "زوج" التى تقال للرجل والمرأة.

والأضداد الناجمة عن اختلاف اللهجات مهمة وقد أورد لغويو العرب الشواهد على ذلك مثل "سُدْفَة" وهى الظلمة فى لغة تميم والنور فى لغة قيس، ومثل "وثَب" التى تفيد قعد (بالعبرية "ياشبه") فى لغة حمير ونهض فى لغة العرب عامة وكذلك

سامِد وقَرْء.

ويمكن أن نلاحظ وجود ظاهرة الأضداد فى اللغات السامية كلها، ومن ثم فإن رسالة لانداو (Die: E. Landau -gegensinnigen Worter im Alt - and Neu hebraischen، برلين سنة 1896) كان لها شأن أيضا فى فهم الأضداد فى العربية. وأشمل دراسة وأخضعها لمقاييس النقد فى هذا الموضوع هى دراسة نولدكه (Worter mit: Th. Noldeke Gegensinn (Addad) فى Neue Beitrage

Zur semitishen sprachwissenchafi ستراسبورغ، سنة 1910 ، ص 67 - 108)، فقد درس فيها وفسر من حيث الاشتقاق اللغوى ومن حيث علم المعانى 177 ضدًا بإبراز التغيرات المتشابهة فى المعنى، ومدخلا فى اعتباره أصول الأضداد فى اللهجات العربية، وفى العبرية وفى الأرامية وفى لغات الحبشة ويصنف نولدكه عددًا كبيرًا من التغيرات فى فئات معينة من حيث المعانى، ولكنه أحجم عامدًا عن أن يلتمس مبدأ ثابتًا أو ترتيبًا معينًا، ويقرر صراحة "أن القواعد الثابتة والعامة فى علم المعانى أقل ظهورًا منها فى علم

ص: 856

الأصوات" وأن "الحقيقة المتنوعة للغة الإنسان تقاوم كل المحاولات التى تبذل لوضعها فى قواعد". وتوجد الأضداد فى جميع اللغات كما يفهم ضمنا من مناقشتنا السالفة للموضوع، وقد لفت كرِمْ من قبل الأنظار إلى ذلك (Jacob Kleinare Aufsaltze: Grimm. جـ 7، ص 367) ويمكننا أن نجد أمثلة هامة على ذلك فى نيروب (Das Leben: K. Nyrope der Worter؛ ترجمة ونوجه R.Vogt) ونوجه النظر بصفة خاصة إلى ملاحظات واكرنا كل فى فقرة من بحثه (- J. Wack: ernagel Vorlesugen fiber Syntax: بازل سنة 1928، جـ 2، ص 235)، أما ملاحظاته فى غير هذا من الموضوعات فتهمل

[فايل Weill]

تعليق على مادة الأضداد

الضّدان هما الأمران الوجه ديان المتقابلان فى المعنى اللذان لا يجتمعان فى وقت واحد لشئ واحد، وقد يتخلفان عنه معًا، كالحلاوة والملوحة والسواد والبياض. والتضاد يبحث عنه فى اللغة من ناحيتين مختلفتين: الأولى ناحية أنه مظهر من مظاهر الكلام فى تأديته الأغراض والمعانى التركيبية. والثانية أنه من مظاهر اللغة نفسها فى تأدية المعانى الأولية للمفردات.

والتضاد بالمعنى الأول يذكر فى مواضع كثيرة من العلوم، فيذكر فى المجاز على أنه علاقة من العلاقات المصححة لاستعمال اللفظ فى غير معناه الحقيقى، ويذكر فى التشبيه على أنه وجه من وجوه الشبه، ويذكر فى البديع على أنه من المحسنات، ويذكر على أنه مادة لذلك كله فى متن اللغة وما يتصل به كالمقدمات اللغوية لعلم الأصول.

وحيثما يذكر التضاد من هذه الناحية لا يُتحرَى فيه المعنى الدقيق المتقدم لكلمة الضد بل يتوسع العلماء فى تلمس الضدية وتحقيق معناها على أى اعتبار يسهل أداء الغرض. أما الناحية الثانية فهى التى تحتاج إلى البحث والتمحيص.

وقد بحث العلماء فى التضاد من الناحيتين جميعا وألفوا فى الأضداد كتبا، ولكنهم حين عالجوا ذلك فى

ص: 857

التواليف غلبت عليهم الناحية الأولى فذكروا كثيرًا من الأمثلة للأضداد منها ما هو فى المفرد كالقُرْء قالوا أنه للطهر والحيض معًا ومنها ما هو فى الفعل. قالوا: ظن تكون للشك واليقين والرجحان جميعًا. ومنها ما هو فى التراكيب قالوا: تهيبت الطريق وتهيبتنى الطريق بمعنى، وهذا من الأضداد. ومنها ما هو فى المتعلقات مثل رغب عنه ورغب فيه. ومع غلبة الناحية الأولى عليهم لم يفتهم التكلم فى الناحية الثانية ومعالجتها بالبحث والإدلاء فيها بالآراء المختلفة، ما يمنع منها وجود الأضداد بهذا المعنى فى اللغة، وما يجيز.

فإذا جارينا وجهة النظر الأولى لم يكن لنا أن نلاحظ شيئًا على ما ذكروه من الأمثلة المختلفة لأن معنى الضد لا يلزم أن يتحقق فى كل واحد منها تمامًا. ويظهر أن شمول البحث فى للك التواليف العربية للناحيتين معا متلاصقتين متتابعتين إبهم على كاتب المادة وأمثاله فذكر الملاحظات التى ذكرها والتى منها هو جدير بالاعتبار إذا قصرنا البحث على وجهة النظر الثانية.

وإذا نحن اتجهنا بالبحث الوجهة الثانية كان علينا أن نأخذ فيها برأى ركين. وقبل أن نستعجل هذا الرأى بالمنع أو الجواز ينبغى ألا يعزب عنا أن التضاد مناف لطبيعة اللغة وأنه لا يسهل التفاهم بين الناس، فمن الصعب أن نقبل أن المعانى الأولية المتضادة يتفاهم الناس عنها بلفظ واحد. والصعوبة التى تنشأ من التضاد أكبر جدًا من التى تنشأ من الاشتراك، وإذا قيل أن القرائن توضح المراد كان هذا تسليما حقا بمنافاة التضاد لطبيعة اللغة لأن الاعتماد على القرائن ليس من طبيعة اللغات فى سذاجتها وإنما هو طور آخر فوق ذلك. ولن نتعجل الرأي بوجود الضد فى اللغة بهذا المعنى أو عدم وجود -وإن لم نعدم لكل رأى أنصارًا- حتى نستعرض الطوائف التى استخلصناها مما ذكروا من أمثلة الأضداد. وقد وجدناها على كثرتها لا تعدو عشر طوائف:

ص: 858

الطائفة الأولى - أمثال: راع أبهج وأخاف، والذفر للطيب والنتن، والصارخ للمغيث والمستغيث، والطرب للحزن والفرح.

وأمثلة هذه الطائفة أكثر من أمثلة ما عداها، ولو أردنا تحقيق الضدية تمامًا فى هذه الطائفة لعز علينا درك ذلك لأن المعنى متحقق فى كل من المتعلقين على حد سواء. فكل من المغيث والمستغيث يصرخ، وليس صراخ أحدهما ضدًا لصراخ الآخر بل كل منهما فرد من أفراد الصراخ، ولا يمكن أن يقال أن أفراد المتواطئ تكون أضدادًا فإن هذا محال.

وإن جاز لنا أن نعتبر ما فى هذه الطائفة من التضاد لكانت الأوصاف كلها أضدادًا، فإن بياض اللبن ضد لبياض الطباشير لأن الطباشير ضد اللبن كالمغيث ضد المستغيث، ولا يمكن أن يجتمع الطباشير واللبن فلا يجتمع بياضاهما فهما ضدان وهذا هراء. بل يعدو الأمر الأوصاف إلى كل التراكيب التقييدية وغير التقييدية لأن كل مركب يفيد معنى لا يمكن أن يجتمع مع معنى يفيده تركيب مغاير قلت المغايرة أو كثرت، وحينئذ نصير إلى أمر عسير إذ لا تكون اللغة كلها إلا أضدادًا وإذ لا بحث إلا بحث الأضداد.

الطائفة الثانية - أمثال: كأس للإناء وللشراب ملء ذلك الإناء، والسليم للصحيح والملدوغ، والناهل للريان والعطشان، والمفازة لمحل الفوز والصحراء القاحلة محل الهلاك.

واذا طبقنا بسائط علوم اللغة على أمثلة هذه الطائفة وجدنا المعنى الثانى مجازيا لكلمة والأول هو المعنى الحقيقى ليس غير. ومعنى الضدية لا يتحقق بين الحقيقة والمجاز لأنهما لا يتساويان فى فهمهما من الكلمة وإنما الذى يفهم هو المعنى الحقيقى فقط ولا يفهم المعنى الثانى إلا بقرينة وبالانتقال من المعنى الأول حتما فيفوت معنى الضدية.

ولو جاز لنا أن نعتبر هذه الطائفة من الأضداد لصرنا إلى العنت والإرهاق لأن كل لفظ فى اللغة له استعمالات تجوزية إذ لا بد لكل معنى حقيقى من معنى آخر مجازى له ولو المعنى الذى يلزم عنه فتكون اللغة كلها من الأضداد.

ص: 859

وبهذا يكون صدر الملاحظة الرابعة فى مادة الكاتب باطلا إذ يقول إنها قد تدخل أحيانًا فى باب الأضداد وفوق هذا فهذا الصدر متضارب مع عجز هذه الملاحظة ونهايتها، وتكون الملاحظة الخامسة صحيحة ولكنها عين الرابعة لأن الكل من باب الحقيقة والمجاز ما عدا صيغ "فاعل " وأمثالها وللك سترد فى طائفة أخرى.

الطائفة الثالثة - أمثال: وثب عند حمير "قعد" وعند غير حمير "نهض"، سجد عند طيئ "انتصب" وعند غير طيئ "انحنى"، ولمق عند بنى عقيل "كتب" وعند قيس "محا" والسدفة عند بنى تميم " الظلمة" وعند قيس "الضوء".

وجلى أن التضاد لا يتحقق إلا إذا اعتبرنا اللغتين معًا، واعتبارهما معا مخل بأصل التضاد، إذ لابد فيه من وضع واحد، وليس ذلك فى اللغتين بل كل منهما بوضع خاص قد يجهله صاحب الوضع الآخر تمام الجهل، ولا يمنع من ذلك أن كلا من اللغتين عربى ولا يمنع منه أيضا تسمية كل منهما لهجة، فاتصالهما بالعربية وتسمية كل منهما لهجة ثابت مع وجود هذا الجهل بأحد الوضعين وهو محقق لوجود الوضعين فى المعنيين، يدل على ذلك ما تتناقله كتب الأدب أنه خرج رجل من

بنى كلاب -أو من بنى عامر بن صعصعة- إلى ذى جدن، فأطلع إلى سطح والملك عليه، فاختبره فقال له: ثب، فقال: ليعلم الملك انى سامع مطيع. ثم قفز من السطح فمات، فسأل الملك: ما شأنه؟ فقيل له إن الوثب فى كلام نزار الطمر، فقال الملك: ليست عربيتنا كعربيتهم، من ظَفَّر حَمَّر. (يعنى من وصل ظفار فلينطق بلغة حمير).

فلو كان العربى يعرف هذا المعنى الثانى لجلس فاستجاب للملك ونجا من الموت. وما مثل اعتبار التضاد من لهجتين إلا كمثل اعتباره بين لغتين مستقلتين لأن المدرك فى الجميع واحد وهو تعدد الوضع المفيد لتعدد المعنى؛ فهل يسوغ لنا أن نقول إن كلمة (رِجْل) من الأضداد لأنها تنطق فى العرَبية والفرنسية سواء ومعناهما مختلف، فهى فى العربية عضو من أعضاء الإنسان وفى الفرنسية regle المسطرة والقاعدة.

ص: 860

واعتبار وحدة اللغة فى التضاد نص عليه علماء اللغة الذين عالجوا "باب التضاد"، فصاحب "الجمهرة " قال: الشعب الافتراق والشعب الاجتماع وليس من الأضداد وإنما هى لغة لقوم.

الطائفة الرابعة - مثال: باع للبيع والشراء وشرى للبيع والشراء، وكتابة لما يقع من الكاتب ولما يقع على المكتوب، ومثل المولى للسيد ولابن العم وللخادم. ومعنى الضدية لا يكاد يوجد فى شئ من أمثلة هذه الطائفة لأن المصادر والأمور النسبية جميعًا يصح أن تنتسب إلى أى طرف من الطرفين، وإذا كان المعنى النسبى متساويًا بالنسبة إليهما سواء كان اسمه متحدًا كالولاء فإنه ارتباط ودّى يكون من السيد لخادمه كما يكون من الخادم لسيده وكما يكون من القريب للقريب ولذا يكون كل منهما مولى، وإذا اختلفت حالة ذلك المعنى النسبى بالنسبة للطرفين كان اسمه حين ينسب إلى واحد منهما غير اسمه حين ينسب إلى الآخر، أما هو فشئ واحد: فباع ليس معناها كما يزعمون بادل التى تجعلها من الطائفة الأولى، وإنما معناها مدّ باعه بالشئ للآخر وهذا العمل نسبة بين المادّ والممدود والممدود له، فكل من المتبادلين يمدّ يده بما فيها ليعطيه للآخر. وحينئذ يكون كل منهما بائعًا، ولما كثر التعامل وترتيب آثار مختلفة على طرفى هذا العمل صار معناه حين

ينسب إلى أحدهما غير معناه حين ينسب إلى الآخر، ولهذا جعل لكل منهما اسم خاص، فهو بائع إذا رغب عما فى يده من السلعة ومشتر إذا كان راغبًا فيها، ولا يضر جعل القواميس مصدر باع معنى مد يده واويا ومصدرها فى البيع والشراء يائيًا، فمصدر رأى بالعين رؤية وهو واوى وبالاعتقاد رأى وفى المنام رؤيا. والولادة حين تنسب إلى الوالد تكون أبوة وإلى المولود تكون بنوة وهى هى العلاقة بين الوالد والمولود لا تتغير، وكذلك الكتابة هى الحالة التى بين الكاتب والمكتوب، ولما كانت نسبتها إليهما على حد سواء لذلك لم تتغير سواء أكانت مصدر الفعل المبنى للفاعل أو مصدر المبنى للمجهول، فمعنى الضدية على كل حال فى شئ من المعانى النسبية لا يتحقق.

ص: 861

الطائفة الخامسة - أمثال: أمين للمؤتمِن صاحب الأمانة وللمؤتمَن الذى أودعت عنده، ومختار للذى وقع منه الاختيار والذى وقع عليه، وقريع للكريم والمرذول، ومن هذا الباب بالإيجاز جميع الصيغ التى تتوافق منطقًا وتختلف تصريفًا.

ولا جرم أن دعوى التضاد فى هذه الطائفة إنما هو اعتبار للنغمة الصوتية فقط مع تناسى حقيقة الكلمة ومقياسها، فمختار الذى أصله مختير بكسر الياء لا يمكن أن يقال إنه مختَار الذى أصله مختيَر بفتحها، ومن ثم تكون دعوى التضاد فى هذه الطائفة أشبه بالهذر منها بالحقائق العلمية لأن التضاد إنما يتصل بالمعانى لا بالأنغام.

الطائفة السادسة - أمثال: رغب فيه أحبه ورغب عنه كرهه، راغ عليهم أقبل وراغ عنهم أدبر، وانصرف إليهم تفرغ لهم وانصرف عنهم اشتغل بغيرهم.

وجلى ألا تضاد فى شئ من الرغبة أو الروغ أو الانصراف، إنما الضدية بين معنى فى وعن فى الأول وعلى وعن فى الثانى وإلى وعن فى الثالث، وهذه الحروف ألفاظ مختلفة ليست من الضدية التى نبحث عنها فى شئ، فأين اللفظ الذى له معنيان متقابلان؟ !

الطائفة السابعة - أمثال: نسوا الله فنسيهم، فالأولى الترك غفلة والثانية الترك عمدا، رضى الله عنهم ورضوا عنه فالرضا من الله ليس فعلا قلبيا وهو من الناس غيره من الله على أى حال يتصور.

والتضاد بهذا المعنى عملى محض أى متجه إلى وجهة النظر الأولى وهو ما يفيده اللفظ فى التراكيب، والنسيان ليس له إلا معنى واحد، ولم يسم ما حصل من الله تعالى نسيانًا إلا حين ذكر فى جوار ما حصل من الناس على طريقة المشاكلة، ولا يمكن أن يكون شئ من هذا وأمثاله فى وجهة النظر الثانية التى نبحثها للأضداد.

الطائفة الثامنة - أمثال: إن للإثبات والنفى، وإذ للماضى والمستقبل، وإذا للماضى والمستقبل، وصيغة فاعل لاسم الفاعل واسم المفعول، وصيغة فعيل للفاعل والمفعول، ومثل أرديت الرجل بمعنى أهلكته وارديت الرجل بمعنى

ص: 862

أعنته ورجل مودٍ تام الأداة ورجل مودٍ هالك.

ودعوى التضاد فى هذه الطائفة تهافت لأن معنى اللفظ لا تضاد فيه لأن الأوضاع مختلفة. فما النافية ليست هى ما الموصولة حتى نعقد تضادًا أو غير تضاد بين المعنيين. وأرديت الأولى فعلها ردى والثانية فعلها ردًا فيكون المتعدى منها بالهمزة أردأته أى جعلت له ردأ ثم تخفف الهمزة فتصير أرديته فتتفق مع الأولى فى النطق ولكل منهما مادة خاصة ووضع خاص، وكذلك مود الأولى من الأداة وأصلها مؤد وإذًا خففت الهمزة صارت مود فتوافق الثانية المأخوذة من ودى بمعنى هلك، فليس ثمة لفظ واحد له معنيان بوضع واحد. والفرق بين هذه الطائفة وبين الطائفة الخامسة اختلاف المادة هنا واتحادها هناك.

الطائفة التاسعة - أمثال: خبت النار بمعنى ركدت قالوا وهى فى قوله تعالى: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} بمعنى التهبت لأن نار جهنم لا تخبو أبدا؛ شاة درعاء مقدمها أبيض ومؤخرها أسود؛ المأتم مجتمع النساء فى الفرح والمأتم مجتمع النساء فى الحزن.

والتضاد فى هذه الطائفة ضحك لأنه لا يتصل بالمعنى ولا يتصل باللفظ فلم يأت واحد منهما بشئ من التضاد، وإنما نشأ التضاد من مجرد تفسير اللفظ وتعبير المعبر فنار جهنم تخبو بالنسبة إلى درجاتها حتما، فالله تعالى يقول:{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} . والنار التى تشتعل فيها الجلود أشد فى هذا الوقت حماسة منها فى وقت نضج الجلود ضرورة انتهاء المدد الذى يذكيها ويشعلها كما قال تعالى {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} ؛ والجلود من الناس فهى من الوقود ومتى قل الوقود خبت النار فمجرد تفسير القائل خبت بحميت هو الذى أتى بالتضاد المزعوم؛ وكذلك لو قلنا الشاة الدرعاء ما فيها بياض وسواد كأنها للبس درعًا لم يبق للتضاد أثر لأن التفسير والعبارة التى خلقت التضاد زالت فزال التضاد بزوالها واذ نقول المأتم جماعة النساء لم يكن فى المأتم تضاد.

ص: 863

الطائفة العاشرة - أمثال: بعض للبعض والكل، لأن الشئ كل لما هو أقل منه، بعض لما هو أكثر منه، وممثل لم أسئ إليك ولم تسئ إلىّ، فله معنيان نفى الإساءة منهما معًا لاثبات الاساءة منهما معًا.

وهذا هو التعسف بعينه وهو فى كلمة البعض والكل ظاهر، وفى مثل التركيب الثانى يستفاد المعنيان حقيقة ولكن فى وقتين مختلفين وبتأويل الواو على معنيين متباينين فإذا كانت الواو عاطفة كانت الإساءة منتفية منهما معًا، وإذا كانت الواو للحال كانت نافية لحصول الإساءة من الأول فى وقت عدم حصولها من الثانى وتفيد تعريضًا إثبات الاساءة من الأول عند ما حصلت من الثانى، والمعنى على الأول لم يسئ واحد منا لأخيه وعلى الثانى إنى لم أسئ إليك فى الوقت الذى لم تسئ إلىّ فيه وإنما أسات إليك جزاء ما أسات إلىّ.

ومسلم جدًا أن هذين تركيبان مختلفان وأن تشابها فى الصورة ولا يمت أحدهما إلى الآخر بسبب من أسباب القرابات المعنوية التى ينشأ الضد عنها.

ولو ساغ لامرئ أن يعتبر أمثال هذه الطائفة من التضاد لكانت الألفاظ الدالة على المعانى النسبيه كلها من قبيل التضاد، فكل إنسان والد بالنسبة لابنه ومولود بالنسبة لأبيه، والعالم كله مجموعة أجناس وأنواع بعضها فوق بعض ومنسوب بعضها إلى بعض فلا نكاد حينئذ نجد لفظًا ليس من الأضداد.

وبعد هذا الذى قدمنا من استعراض الطوائف المتقدمة نجدنا صائرين فى طريق إنكار وجود الأضداد بالمعنى العلمي البحت المتجرد عن اعتبار التراكيب وملابساتها ولا مفر من ذلك. وقديمًا أنكر كثير من العلماء وجود الأضداد بهذا المعنى.

قال فى المزهر للسيوطى فى بحث الأضداد: أنكر ناس هذا المذهب (ص 186 - جـ 1). وقال: قال: آخرون إذا وقع الحرف على معنيين متضادين فالأصل لمعنى واحد ثم تداخل على جهة الاتساع (ص 193) وقال ابن درستويه أنكر هذا (ص 191 - جـ 1). وقال: قال

ص: 864

آخر وإذا وقع الحرف على معنيين متضادين فمحال أن العربى أوقعه عليهما بمساواة بينهما. ولكن أحد المعنيين لحىّ من العرب والمعنى الآخر لحى غيره ثم سمع بعضهم لغة بعض فأخذ هؤلاء عن هؤلاء وهؤلاء عن هؤلاء.

ومن ثم تسقط الملاحظات التى أبداها كاتب المادة وتصبح فاقدة القيمة العلمية سواء منها ما يقبله كالذى فعله (كيس) وما يرده كالذى فعله (آبل). كذلك تعبير الكاتب عن عمل العرب المجيد فى التضاد العملى بأنه محاولة لتفسير هذه الظواهر يكون غمطا لهذا العمل الذى هو فاخر فى الوجهة التى يتجهها ويكون خلطا من الكاتب لنظرية الضد العملية بالنظرية العلمية وتطبيقًا لأحكام إحداهما على أحكام الأخرى، وذلك غير سديد.

والأضداد الناجمة عن اختلاف اللهجات لا تكون مهمة البتة ولا مفيدة شيئا من ناحية الضدية، وقيمة ما قاله الكاتب فى هذه الناحية تضاءلت إلى لا شئ.

ولا اعتبار لعلاقة كلمة "وثب" العربية فى لهجتها الحميرية وغير الحميرية بكلمة "ياشبه" العبرانية لأن هذه العلاقة إن أفادت شيئا فى تطور اللغات السامية أو العربية فقط فهى تفيده من حيث قرابة وثب فى أى لهجة من لهجتيها واتصالها بكلمة "ياشبه" العبرية، ولا دخل لهذه العلاقة فى التضاد. وكثير من الكلمات الفرنسية يشترك مع الكلمات الإنجليزية فى نشوئهما معًا عن كلمة لاتينية فهل يحقق هذا المعنى شيئًا من الترادف بين كلمة (Composition) الفرنسية وكلمة (Composition) الإنجليزية؟

ويخطئ الكاتب كثيرًا حين يظن أن العرب نظروا إلى الأضداد نظرًا عمليًا فقط، فقد تبين أنهم نظروا كلا النظرين وأدوا إلى كل نظر حقه.

ولم يعن العلماء العرب بحل مشكلة الأضداد لأنه لا توجد عندهم أضداد حتى تكون لها مشكلة تحل.

وبعد فإن ناسًا قد عرضوا للتضاد كما يعرض للمسائل المنطقية يستدل لها بالدليل العقلى فزعموا أن اللغة لا بد أن

ص: 865

يطرقها الاشتراك ومنه التضاد لأن الاْلفاظ محصورة والمعانى غير محصورة، فوجب استعمال اللفظ لأكثر من معنى حتى يتأتى التعبير عن المعانى جميعها، وفى هذا الخطأ الفاحش لأن البحث فى اللغات لا يكون من نواحى سوق الأدلة العقلية البحتة، ثم هم غفلوا عن أننا قد استحدثنا من الأعداد التسعة البسيطة ما لا يكاد يحصى من الأعداد. ومن ذا الذى يستطيع أن يقول إن حاجة الإنسان من المعانى غير محدودة؟ وفوق هذا كله غفلة كبيرة عن الواقع فقد أهمل اللسان العربى آلاف

الصيغ التى كانت تنجم من وضع الحروف الهجائية جميع المواضع الممكنة فالاستدلال هكذا على أتم فساد.

ثم بعد فإن الطوائف العشر مستفيضة فى اللغات غير العربية، وإننا لنستعرضها من اللغة الفرنسية:

فالطائفة الأولى مثل: Vous mettez vos vetements، أى تلبس ملابسك، وتقول هذه الجملة لمن تراه يخلع ملابسه ويضعها مثلا فى الحقيبة Vous mettez vos vetements dans la valise أى تخلعها وتضعها فى الحقيبة وذلك لأن (mettez) معناها تضع، ووضع الملابس على الجسد كوضعها فى الحقيبة.

والطائفة الثانية مثل: garcon للولد وللخادم الكبير. ومثل:

Je bois une tasse. J'achete une tasse

الطائفة الثالثة - قد مثلنا لها أثناء المقال فإنه لا فرق بين لهجتين وبين لغتين.

الطائفة الرابعة مثل Cousin فأنت Cousin لابن عمك وابن عمك Cousin لك، فهى كلفظ المولى سواء بسواء.

الطائفة الخامسة مثل: Quelle foule! sur le trottoir فمعنى quelle التعجب، ويقال Queue heure est - il? ومعنى quelle الاستفهام.

الطائفة السادسة مثل: Je pars du Je pars pour la France، Caire فكلمة (pars) فى الأول بمعنى غادر وفى الثانى بمعنى توجه وذلك بمساعدة المتعلقات (de) فى الأول و (pour) فى الثانى، فهى مثل رغب عنه ورغب فيه.

ص: 866

الطائفة السابعة مثل: Je Pa le و Dieu parle فكلام الناس بحرف وصوت وكلام الله تعالى بلا صوت ولا حرف.

الطائفة الثامنة مثل: mal بمعنى مرض مع malle بمعنى حقيبة، فهما وإن توافقا لفظًا لكنهما ليسا من مادة واحدة، والاختلاف فى الكتابة لا قيمة له لأن اللغة لغة قبل أن تكون مكتوبة.

الطائفة التاسعة مثل: Le feu s' eteint فإذا قيل هذا فى جانب جهنم وادعى مفسر أنها هناك بمعنى تلتهب صدق التمثيل.

الطائفة العاشرة مثل: Dites moi ou je و Dites moi، ou je parle فمعنى الأولى: قل لى أين أتكلم، ومعنى الثانية: قل لى وألا تقل لى أتكلم وهما معنيان لا يجتمعان، ولكنهما أيضا لا يكونان لتركيب واحد

واننا لنتحدى الذين يزعمون أن فى اللغة أضدادا ونباهلهم بجميع كلمات اللغة العربية أن ياتونا بلفظ واحد له معنيان متقابلان بوضع واحد، فإن لم يفعلوا -ولن يفعلوا- فليس فى اللغة تضاد.

وقبل أن نختتم المقال نجد الحق يدعونا إلى التنبيه إلى ملاحظتين كبيرتين:

الأولى: أن الكاتب ذكر فى صدر المقال أن كلمة الضد نفسها من الأضداد، ففى مثل "لا ضد له" لا تفيد المخالف وإنما تفيد المثل، وكلامه هكذا جار مجرى الكلمات العلمية المسلم بها والجمل التى يطلع عليها الإنسان فيفهم منها معنى قد فرغ منه العلماء.

ولم يذكر كلمة الضد على أنها من باب التضاد إلا ابن الأنبارى ثم عقّب عليها بقوله: وهذا عندى قول شاذ لا يعمل عليه (1) حتى قال: والذى ادعى من موافقة الضد للمثل لم يُقم عليه دليلا تصح به حجته.

فالأمانة العلمية كانت تقضى على الكاتب ألا يسوق كلامه هذا المساق، على أنها فى ذلك التركيب لا تفيد المثل أبدا.

الملاحظة الثانية - أننا لا نفتأ نجد غير المسلمين الذين يكتبون عن العرب

(1) هذا نصه ولعلها يعول عليه.

ص: 867