الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المصادر:
(1)
Versuch eines War-: Radloff " terbuch d.Turko - Tatar Sprachen ، جـ 1، ص 5 - 6.
(2)
Etymologisches: H. Vambery Worterbusd.0.Turko ' Tatar sprachen
(3)
Dictionnaire: Pavetede Courteille Turec - Oriental، 24.
(4)
A Trkish and English: Redhouse Lexicon، سنة 1921، 146.
(5)
عطا: تاريخ، فى مواضع مختلفة، وخاصة الاقسام المبتدئة بصفحة 7، 30، 72، 138، 157، 182، 205، 209، 257، 290.
(6)
Tableau de l'Em-: M. d' Ohsson pire Ottoman جـ 7، وانظر الفهرس.
(7)
إسلام أنسيكلوبيدياسى، مادة أغا.
(8)
Gibb & Bowen: Islamic Society، and the West جـ 1، 1، الفهرس
خورشيد [بووِن H. Bowen]
أفغانستان *
(1)
جغرافيتها، (2) أجناسها، (3) لغاتها، (4) دينها، (5) تاريخها.
* يبلغ عدد السكان: 16.903.000 نفس الكثافة: 97 فى الميل المربع
التركيب العرقي: 38 % من الباشتون 25 % من الطاجيق، 6 % من الأوزبك، 19 % من الهازارا اللغات الرئيسية: - لغة الباشتو 38 %
- لغة الدارى (الفارسية) التى يتحدث بها الطاجيق والهازار 50 %.
- اللغة الأوزبكية التركية 11 %.
الدين: الاسلام:
- المذهب السنى 85 %.
- المذهب الشيعى 15 %.
نبذة عن المساحة والوصف الجغرافى:
تبلغ مساحتها 251.825 ميل مربع، وتقع جنوب شرق قارة آسيا، شمال غرب شبه القارة الهندية.
جيرانها: باكستان إلى الجنوب والجنوب الشرقى، وايران إلى الغرب، تر كمانستان وطاجيقستان وأوزبكستان إلى الشمال، وتلامس الصين فى حد قصير جدا، فى الشمال الشرقى.
الوصف الجغرافى بإيجاز: فى معظمها جبلية، وكثير منها فوق 4.000 قدم فوق سطح البحر، أما قمم هندوكوش فتبلغ 16.000 قدم فوق سطح البحر، وتصل إلى الشرق من كابول إلى 25.000 قدم ولممر خيبر أهمية عظمى فى التجارة مع باكستان، ويبلغ طول هذا الممر 35 كيلومتر، المناخ جاف وفى باكستان نطاق صحراوى. =
(1)
جغرافيتها
القطر الذى يعرف الآن بأفغانستان لم يحمل هذا الاسم إلا منذ منتصف القرن الثامن عشر حين استتبت السيادة فيه للجنس الأفغانى؛ وكان من قبل أقاليم مختلفة تحمل تسميات متمايزة، ولكن القطر لم يكن وحدة سياسية محددة، كما أن أجزاءه لم تكن ترتبط فيما بينها بأى رباط يميزها من حيث الجنس واللغة. وكان المعنى الأول للاسم لا يتعدى مدلوله "بلاد الأفغان"، وهى رقعة من الأرض محدودة لم تكن تضم كثيرًا من أجزاء الدولة الحالية، وإن كانت تشمل أقاليم كبيرة تتمتع الآن باستقلالها أو تدخل فى حدود باكستان. وأفغانستان، فى تكوينها الحالى تحت حكم ملوك من الباركزائى (أمراء فيما سبق)، تتكون من صقع غير منتظم الشكل بين خطى عرض 29 ْ 30 َ و 38 ْ 30 َ درجة شمالا، وبين خطى طول 61 ْ و 75 ْ درجة (أو 71 ْ 30 َ درجة شرقًا إذا اسقطنا للك الشقة الطويلة من الأرض المعروفة باسم "وَخان").
= أهم المدن: كابول، العاصمة.
الحكومه: تولى برهان الدين ربانى الحكم فى 28 يو نيو 1992، وفى أفغانستان 30 مديرية (ولاية).
فى 1978 حدث انقلاب دموى يسارى موالٍ للاتحاد السوفيتى ووقع قادة الانقلاب اتفاق اقتصاديا عسكريا مع الاتحاد السوفيتى.
وفى ديسمبر 1979 بدأ الاتحاد السوفيتى فى تقديم المساعدات عبر خط جوى كثيف للانقلاب. وبدأت حرب شرسة بين اليساريين والقوات السوفيتية من ناحية والمسلمين المناهضين لهذا الاتجاه، وتفيد التقارير أن حوالى 15.000 كتيبة سوفيتية قد أبيدت فى هذه الحرب على أيدى المسلمين المناهضين والذين عرفوا بالمجاهدين الأفغان.
وفى 14 إبريل 1988 تم توقيع معاهدة بوساطة الأمم المتحدة تقضى بانسحاب القوات السوفيتية، واعتبار أفغانستان دولة محايدة وإعادة اللاجئين. ومع هذا استمر "المجاهدون الأفغان" فى الحرب ضد القوات السوفيتية طالما هى فى أفغانستان. وفى 15 فبراير 1989 تم الانسحاب النهائى للقوات السوفيتية. وبدأت الحرب بين الفصائل الافغانية والحكومة الموالية للسوفيت. وفى 28 أبريل بات واضحا أن كفة الفصائل الانتمانية الاسلامية قد حققت السيادة على حكومة نجيب أن الموالية للسوفيت. ومنذ 1979 سقط فى هذه الحروب مليونان سنة من الأفغان، بينما غادر ستة ملايين بلادهم أفغانستان. وبعد خروج السوفيت وانتصار الثوار نشبت المعارك بين الفصائل المختلفة. وفى 28 يونيو 1992 أصبح برهان الدين رباني رئيس للبلاد إلا أن المعارك الضارية استمرت حول كابول وأماكن أخرى سنة 1994 و 1994. وفى منتصف 1944 كان لا يزال هناك ثلاثة ملايين أفغاني لاجئين فى باكستان وإيران. ومن المتوقع أن يظل الصراع قائما بين تيارين: التيار الغسلامي المتشدد، والتيار الأقل تشددا، كما لا يخلو الصراع من أبعاد عرقية.
[د. عبد الرحمن الشيخ]
التكوين الجيولوجى: هذا القطر هو الجزء الشمالى الشرقى من الهضبة الإيرانية الكبيرة (ويحده من الشمال الغور الأسيوى الأوسط، والى الشرق منه تمتد سهول السند والولاية الشمالية الشرقية الباكستان القائمة على الحدود، ويهبط القطر إلى الجنوب والغرب منحدرًا حتى يندمج فى الصقع المنخفض الذى يشغل الجزء الأسط من الهضبة، وهو يتصل من جانبه الجنوبى الشرقى بمجموعة جبال بلوجستان. والحاجز الشمالى من الهضاب هو سلسلة الجبال التى تمتد غربًا من البامير بما فيها حافتها البارزة "بند تركستان " التى يمتد فيها وراءها بسيط من الرمال ورواسب الطمى حتى يبلغ نهر جيحون. وفى الشرق ينحدر القطر انحدارًا فجائيًا نحو نهر السند. ومن ثم فلسوف نرى أن القطر كله، باستثناء سهل التركستان المكون من رواسب الطمى، ينتسب إلى الهضبة، التى هى فى ذاتها تكوين جيولوجى متأخر من العصر الثلاثى قوامه الحجر الرملى والحجر الجيرى. وكان الجزء الشمالى الشرقى من الهضبة فيماسبق جزءًا من محيط كبير يصل غور بحر قزوين بسهول باكستان. والثوران الذى رفع الأرض لا يزال يعمل عمله، ويرى هولدخ أن الخوانق العجيبة فى مبلغ عمقها ترجع إلى أن فعل التآكل فى الأنهار أبطأ من أن يتمشى مع حركة الثوران التى ترفع الأرض.
التقسيم السياسى:
يتبع التقسيم السياسى للقطر التقسيم الطبيعى.
كابل: تشمل ولاية كابل الأودية المرتفعة الخصيبة حول المجارى العليا لأنهار كابل ولو غَر وتكاو ونهر غزنة، كما تشمل الجزء الأسفل من وادى كابل قرب جلال آباد؛ وكانت غزنة (انظر هذه المادة) فيما سبق أهم مدينة فى هذه المنطقة، ولكن كابل حلت محلها فى الأربعمائة السنة الماضية. وقد اعترف بكابل مقرًا للحكم فى عهد أباطرة المغل، واتخذها الملوك الدرّانية قصبة لهم بدلا من قندهار. ومنافستها القديمة يشاور هى المركز الطبيعى للقبائل التى تعيش فى السهول القريبة من نهر السند، ولكنها اقتطعت من أفغانستان منذ أن
انتزعها السيخ سنة 1834 م، وأصبحت من سنة 1848 م إلى سنة 1948 م جزءًا من الهند البريطانية.
قندهار: تشمل قندهار الولاية القديمة زمين داور، كما تشمل الوديان السفلى لأنهار هلمند، وترنك، وأرغنداب، وأرغسان، التى هى أهم مواطن الدرّانية. وكانت المدينة الحديثة قندهار القائمة على نهر أرغنداب قصبة الولاية منذ القرن الرابع عشر الميلادى، وقد حلت محل مدن قديمة مثل كرشك وبست.
سيستان: هى الكورة الحارة الخصبة الواقعة حول هامون؛ على أن جزءًا كبيرًا منها يتبع فارس؛ وهى لا تشمل على مدن كبيرة.
هراة: وتشمل ولاية هراة وادى هرى رود الخصيب والاقليم المكشوف الممتد بين جبال هزاره وحد فارس، كما تشمل جزءًا كبيرًا من هذه الجبال تسكنها قبيلتا هزارة وجهار أيماق. وقصبة الولاية مدينة هراة التى هى من اهم المدائن فى تاريخ الشرق. وبالرغم من أن هذه المدينة قد فقدت مجدها القديم فإنها لا تزال مكانًا هامًا ويجب أن يكون هذا شأنها، ولاشك أنها سوف تنمو نموًا عظيمًا بفضل الأمن وتحسن أسباب المواصلات. وسبزوار أيضًا مدينة مزدهرة فى جنوبى الولاية.
هزارستان: هى اقليم قبيلتى هزاره" و"جهار أيماق" الذى يقوم فى الكتلة الجبلية التى يحدها من ناحية الشمال كوه بابا، ويحدها من الغرب إقليم هراة؛ ومن الشرق والجنوب وادى هلمند. وهى البلاد التى عرفت قديمًا باسم غور، والراجح أن خرائب مدينة غور تحدد موقع القصبة القديمة فيروزكوه حيث كان الملوك الغورية يحكمون فى القرن الثانى عشر الميلادى؛ وليس فيها الآن مدينة ذات شأن.
تركستان: تعرف البلاد التى تمتد شمال كوه بابا حتى نهر جيحون بالتركستان، وقصبتها القديمة بَلْخ قد فقدت شأنها القديم، أما المراكز الحالية للإدارة فهى مزار شرف و"طاش قورغان" و"ميمنة".
بذخشان: يعرف ببَذخْشان الإقليم الذى يقوم شمالى هندوكُش وشرقى
التركستان بمحاذاة الضفة اليسرى لنهر جيحون، ويروى هذا الإقليم نهر "قُنْدز" وروافده.
وخان: يقوم أقصى من ذلك شرقًا الوادى الجبلى الطويل المعروف بوَخَان وهو يمتد حتى جبال بامير.
نورستان: منطقة جبلية من هندوكش تقوم شمالى وادى كابل وغربى كونر ويسكنها الكافرية، وقد عرفت هذه المنطقة بكافرستان، ولكن اسمها تعدل إلى نورستان بعد غزوة عبدالرحمن خان سنة 1897 م.
(2)
أجناسها
ينقسم سكان أفغانستان إلى المجموعات الرئيسية التالية: (1) الأفغان، (2) التاجيك والإيرانيين، (3) المغول الترك، (4) سكان هندوكش الهنديين الآريين.
(1)
الأفغان: انظر المادة السابقة.
(2)
التاجيك: وهو الاسم العام لسكان أفغانستان الذين يتحدثون باللغة الفارسية، ويطلق عليهم أيضًا "الدهكانية"و"الدهوارية" فى الشرق والجنوب، وهم قرويون؛ وكذلك يتكلم الفارسية سكان معظم المدن. وليس للتاجيك نظام قبلى، إلا فى بعض أصقاع قاصية، والتاجيك فى القرى مستأجرون للأرض مسالمون. وهم فى هراة وسجستان امتداد مباشر لفرس بلاد فارس، أما فى شمالى أفغانستان (من مَيْمَنَة إلى بَذَخْشان) فإنهم يتصلون بتاجيك الاتحاد السوفيتى. ويشغلون فى جنوبى شرق أفغانستان بعضًا من أخصب الكور الزراعية حول منطقة غزنة وفى إقليم كابل (كوه دامن وبنجشير وغيرهما). وهم من حيث علم الجنس الإنسانى مختلطون أشد الاختلاط، على أن تاجيك بذخشان من سكان التلال وتاجيك شمالى أفغانستان هم بصفة عامة من الجنس الألبى. والراجح أن كثيرًا من التاجيك جنوبى هندوكش ينتمون إلى الجنس الإيرانى الأفغانى. ومع ذلك فإن بعض تاجيك بذخشان من سكان التلال لا يزالون يحتفظون بلغاتهم الإيرانية القديمة. ويصدق هذا على البراجية شمالى كابل والأورْمُرِئة فى وادى لوكر. وقد انحدر
القزلباش من الترك الفرس الذين أسكنهم نادر كابل وهراة.
(3)
القبائل التركية والمغولية: تكوّن القبائل التركية فى شمالى أفغانستان فريقًا هامًا - أو قل مسيطرًا - من السكان؛ وقد استقر معظم الأوزبكية فى القرى والمدن، وقد قدّر جارنك - Jar ring عددهم بخمسمائة ألف نسمة تقريبًا. وإلى الغرب منهم، بين أندخوى وبالا مرغاب، نجد البدو التركمان وخاصة إلى "إرسرّية"(ويرتفع عددهم فيما يقدر إلى 200.000 نسمة). ويعيش فى يامير الأفغانية حوالى 300.000 نسمة من البدو القرغيز. وتمثل بعض القبائل التركية الأخرى أيضًا فى أفغانستان. وأغلب الظن أن الأتراك النازلين فى كوهستان [فوهستان] وكوه دامن شمالى كابل قد تخلوا الآن عن لغتهم القومية.
وفى الكتلة الجبلية الوسطى -من غزنة إلى هراة ومن شمالى باميان إلى منتصف هلمند- تسكن قبائل من أصل أو جنس مغولى أو تركى مختلط، وتنتشر هذه القبئل حتى تدخل فى فارس أيضا. والجزء الشرقى من هذا الصقع هو موطن الهزارية أو "البربرية". وهم يتشعبون عدة قبائل: الداى -كُندى، والداى- زنكى، والجاغُرِى وغيرها. وقد استقر الهزارية فى القرَى، وسكن زعماؤهم السابقون ذوو السلطان العظيم فى قلاع النبلاء؛ وهم شيعيون، وكانوا يحتفظون بما يشبه الاستقلال حتى عهد الأمير عبد الرحمن، وقد اتهمهم جيرانهم السنيون بممارسة شعائر "إطفاء المصابيح " المخزية والتسهل فى الآداب الجنسية بصفة عامة. فلما أخضعهم الأمير الأفغانى آخر الأمر سعى كثير منهم إل الالتجاء إلى كَوَطَّة وغيرها من الأماكن خارج أفغانستان. ويشتغل عدد كبير من الهزارية عمالا فى كابل وغيرها من المدن. وفيهم بلا شك سمات من الجنس المغولى ولكنهم فى العادة يتميزون عن الأوزبكية الذين تزداد وجوههم فلطحة عن الهزارية. وأقصى من ذلك غربًا، على جانبى هرى رود، نجد الجهار أيماق، ومعنى الاسم: القبائل الأربع السنيين، وهو مصطلح يستخدم فيما يظهر بشئ من التساهل
ولكنه يشمل عادة التَيْمَنِيَّة (جنوبى هرى رود) والفيروز كوهية (شمالى هذا النهر) والجمشيدية (كوشك) والتيمورية (غربى هراة فى فارس) والهزارية (قلعة نو)، والراجح أنهم لا يلتبسون بالهزارية الشرقيين؛ ويظن فى كثير من الأحوال أن الهزارية انحدروا من جنود جنكيز خان، على أن الاحتمال الأرجح أن عناصر مغولية، وتركية إلى حد ما، قد احتلت شيئًا فشيئًا الأراضى التى خربها هو وخلفاؤه (انظر Bacon: المصدر المذكور).
(4)
الهنود الآريون والكافرية: وأهم القبائل الهندية الأوروبية "الدردية" فى أفغانستان هم البشائية (ويعرفون محليًا أيضًا بالدهكانية) فى كوهستان كابل ولَغْمان ووادى كونر الأسفل. وهم بقايا سكان كابشه ونكرهاره الهنود والبوذيين القدماء. وهناك أيضًا بعض جماعات صغرى من أصل هندى آرى فى إقليم كونر. ويسكن نورستان (كافرستان فيما سبق) عدد من القبائل تتميز لغويًا من الهنود الأوروبيين الأقحاح وقد غزا هؤلاء آخر الأمر عبد الرحمن سنة 1896 م، وأدخلوا فى
الأسلام، وظل بعض القبائل الدردية أيضا على الوثنية حتى عهود حديثة بعض الحداثة. ويسمى الكافرية الآن النورستانية أو الجديدية أى الداخلون الجدد فى الإسلام. وكانت ديانتهم القديمة شِرْكًا من طراز هندى، وعبادة مجموعة من الآلهة تختلف من قبيلة إلى قبيلة. وليس بين أيدينا شاهد على أنهم من أصل إغريقى كما يقال على سبيل التأكيد فى بعض الأحيان. وكان جيرانهم يقسمونهم إلى "سياه بوش" أى ذوى الأردية السواء (الكاتبة والكامبة) و"سعيد بوش، أى ذوى الأردية البيضاء (الوايكلية والأشكونية والبرسونية والبرونيوية). ويضم الكافرية من حيث الجنس عناصر شرقية ودينارية وشمالية علاوة على جنس قصير ذى رؤوس مستطيلة له صلة بسكان غربى الهمالايا. ونسبة أصحاب الدم الأشقر مرتفعة بين بعض القبائل. وثمة بعض الجاط فى أفغانستان، ويوجد قليل من الكوجرية فى وادى
كونر. أما الهندوس فقد استقروا تجارا ومسلفى نقود فى كابل ومدن أخرى، وزراع حدائق فى كوه دامن شمالى كابل.
(3)
اللغات
يذكر بابر إحدى عشرة لغة يتحدث بها القوم فى إقليم كابل، وعدد اللغات الحقيقى فى قطر أفغانستان كله أكبر من هذا بكثير. ويتحدث معظم السكان باليشتو أو بالفارسية، وكل منهما لغة إيرانية.
اللغات الإيرانية الأخرى: معظم اللهجات الفارسية التى يتحدث بها فى أفغانستان من الشعبة الشرقية التى تحتفظ بالتفرقة بين خاصة المجهول: e و o والمعروف i و u . وتندمج هذه اللهجات بإقليم هراة فى الشعبة الغربية، وتتسم لهجة الهزارية بسمات خاصة بها. أما لهجة البلوجى فهى تجاوز -أو تكاد- الحد إلى الصحراوات الجنوبية. والأورمرية فى وادى لوغر جنوبى كابل فى طريقها إلى الاندثار، ولكن القوم لا يزالون يتحدثون بها فى كانكرام بوزيرستان.
وفى شمالى هندوكش بجبال بذخشان، بقيت اللغات المعروفة بلغات يامير أو غلجه على أن من المرجح أنها تنكمش وتحل محلها بالتدرج الفارسية التاجيكية. وهذه اللغات تشمل المُنْجى التى يتحدث بها "يِدْغَه " فى جترال) ولغة وهى التى عفى عليها الزمن فى وَخان (وهى تمتد إلى كلكت وجترال)، والسنكليجى والزيباكى، والإشكاشمى عند ثنية نهر جيحون وفى وادى وردوج الأعلى؛ والشُغْنى، والروشانى فى وادى جيحون شمالى "إشْكاشم".
الهندية الآرية والكافرية: ونحن نجد، إلى جانب اللهندا التى يتحدث بها الهنود، عددًا من اللغات واللهجات الهندية الآرية على مشارف نورستان فى شمالى شرق أفغانستان؛ وهى تنتسب إلى الشعبة الدردية من الهندية الآرية، وأهمها البشائى التى لها عدة لهجات تختلف فيما بينها اختلافا واسعا، وهى غنية فى ميدان الشعر الشعبى، ففى وادى كونر لصق حد جترال، يتحدث القوم بالكاور باتى. أما اللغات الكافرية (كاتى، ووايكلى،
وأشكون، وبرسون) فلها مكانة مستقلة بعض الاستقلال، ولاشك أنها انشعبت من الهندية الآرية فيما قبل العهود الفيدية، ولكن هذه اللغات تكتظ الآن بعناصر هندية آرية خالصة.
لغات ليست هندية آرية: يتحدث باللهجات التركية الأوزبكية التركمانُ والقرغيزُ فى شمالى أفغانستان. وقد تخلى معظم الهزارية الآن عن لغتهم القديمة، والراجح أن هذا هو الحال بالنسبة للجهار أيماقية. ولكن ماكنزى F. Mackenzie كان لا يزال قادرًا (استنادًا إلى اتصال شخصى) سنة 1951 م على أن يجمع قوائم بكلمات تشمل كثيرًا من الألفاظ المغولية الأصل من بين الهزارية فى بيهسود والمغول فى شمالى ميمنة. ويقال إن بعض البدو غربى مزار شريف لا يزالون يتحدثون بالعربية، ويصدق هذا أيضًا على بعض العرب فى تاجيكستان.
(4)
الدين
منذ دخول الكافرية فى الإسلام أصبح جميع سكان أفغانستان تقريبًا من المسلمين، وأغلبيتهم العظمى من أهل السُّنة. أما الشيعة فهم الهزارية والقزلباش وكيانية سيستان (سجستان) وهراة، وقليل من القبائل البطهانية على الحدود (التورية، وبعض بطون من الأوركزائى وبنكش إلى جانب أشراف تراه) وبعض الكوهستانية والبذخشية. والاسماعيلية من هؤلاء هم سكان بذخشان (ويدخل فيها شُغْنان ووَخان وغيرهما) وكثير من بشائية لغمان والوديان المتاخمة، ويطلق البذخشية على أنفسهم لقب الملّائية وعرف البشائية بالعلى إلهية (انظر Guide to Ism: Ivanow، ص 9). وقد يكون بين البطهانية الشيعة بعدُ أتباع فى الخفاء للزنديق الكبير بايزيد أنصارى.
والإسلام على مذهب أهل السنُّة ثابت مكين فى أفغانستان، والشريعة الإسلامية فيها مرعية. ويؤخذ الهنود والشيعة بالتسامح، أما الأحمدية فلا يسمح لهم بدخول البلاد، كما أن بعثات التبشير انمسيحية محرمة، ويقدس الناس أولياء أفغانستان وقبورهم. وكثيرا ما كان للملاوات بين القبائل
البطهانية على الحدود شأن هام فى السياسة المحلية وفى إعلان الجهاد.
خورشيد [موركنستيرن G. Morgenstierne]
(5)
التاريخ
1 -
ما قبل الإسلام
إن البقاع التى تعرف الآن بأفغانستان كانت تسكنها قبائل إيرانية أثناء الهجرات الآرية فى الألف الأول والألف الثانى قبل الميلاد، وقد أدخلها قورش فى الإمبراطورية الأكمينية وتنازعها بعد غزوات الإسكندر (انظر Alexander the Great: W. W. Tarn، كمبردج سنة 1948 م) أهل بلخ (Bactri) المتأغرقون والفرثيون (انظر The Greeks in Bac-: W. W. Tarn tria and India، كمبردج سنة 1952 م). وفى القرن الأول قبل الميلاد حدث تدفق جديد للقبائل الإيرانية تحت زعامة قبيلة يوه تشى الكوشية. والامبراطورية الكوشية - التى بلغت أوج عزها بزعامة كوجولا كادفيسس فى القرن الأول الميلادى وبزعامة كانشكا فى القرن الثانى (انظر- ln History of Cambridge dia، سنة 1935 م؛ R .Ghirshman Begram. Recherches archeologiques et historique sur les Kouchans القاهرة سنة 1946 م) قد سقطت آخر الأمر فى يد الساسانيين وعلى رأسهم شابور الثانى (سابور)، والراجح أن ذلك حدث فى منتصف القرن الرابع الميلادى. وحدث بُعيد سنة 350 م أن وقع ضغط من العناصر المغولية التركية من ناحية الشرق على قبائل يوه تشى التى بقيت فى كاشغريا، فدفع هذه القبائل الى الظهور فى بكتريا (بلخ) يعاونها حلف من قبائل من اصل متقارب تعرف بالجيونية (انظر Les Chi-: R. Ghirshman
onites-hephtalites، القاهرة سنة 1948 م ص 69 وما بعدها). وسار سابور لملاقاة الغزاة على الرغم من الحرب التى كانت قائمة بينه وبين رومة، ولكنه اضطر إلى التصالح معهم وإسكانهم فى بكتريا وأقاليمها الخارجية لقاء معاونتهم له على الرومان.
ولم يلبث كِدَرا ملك يوه تشى - أو "الكوشانيين الصغار" أن مد فتوحه الى جنوبى هندوكش. وضم باروبا ميساد وكندهاره. وإلى وقت هذا التوسع يجب
أن نُرجع قيام قبيلة من الجيونية والزابلية فى غزنة. وقد أدت الجهود التى بذلها كِدَرا لدعم استقلاله إلى صدام جديد مع سابور، وانحاز الجيونية فيه إلى سابور؛ وفقد كدرا مملكته، والراجح أنه فقد حياته. وانتقلت باكتريا إلى أيدى الجيونية المعروفين بالهياطلة نسبة إلى اسم بيتهم الحاكم. وحوالى سنة 400 م كانت الأراضى التى إلى الشمال من هندوكش وجنوبيها فى حوزة الهياطلة الجيونية الذين شعبتهم سلسلة الجبال شعبتين، ولو أن الشعبة الجنوبية كانت تعترف بسيادة الشعبة الشمالية، ومع ذلك فقد ظلت الشعبتان على ولاتهما للساسانيين وبقيت هذه التبعية ما بقى البيت الحاكم الفارسى قويا، على أنه ما وافى مستهل القرن الخامس الميلادى حتى استغل الهياطلة المصاعب التى تعانيها فارس فى نضالها مع رومة وفى دفاعها عن ممرات القوقاز ضد الترابرة وحاولوا أن ينفضوا عن كاهلهم هذه التبعية ولم ينالوا من وراء ذلك إلا العودة إلى الخضوع على يد بهرام كور فى نفس الوقت الذى أوقف فيه ملوك كوبتا ضغطهم تجاه الهند.
وكان منتصف القرن الخامس الميلادى نقطة تحول فى العلاقات بين فارس والهياطلة. ففى عهد فيروز أحرز الهياطلة سنة 484 م نصراً كاد أن يحيلهم من أتباع لإيران إلى سادة لها، وظل الساسانيون يؤدون لهم جزية أكثر من نصف قرن. وإنما حدث حوالى سنة 560 م أن ظهر على مسرح الحوادث فى أواسط آسية قوم جدد هم الأتراك الغربيون، فعقد تحالف بينهم وبين كسرى الأول أدى إلى زوال دولة الهياطلة الكبرى (انظر عن علاقاتها مع الساسانيين Christen L،LRAN SOUS: A، Les SasanIDES الطبعة الثانية 1944 م).
وحذت حذو الهياطلة مملكة زابل، أو مملكة الجيونية الجنوبيين. ففى نهاية القرن الخامس الميلادى حكمت أسرة جديدة البلاد التى إلى الجنوب من هندوكش. وقد قام ملكاها: تورامانا ومهراكولا (حوالى 515 - 544 م) بغزوات واسعة النطاق فى الهند. وكان الملك الثانى منصرفاً إلى عبادة إله
شمسى هو مهره، وقد خلف وراءه ذكرى اضطهادات فظيعة استمرت حتى قضى عليه حلف وطنى هندى. وقد سبق اختفاء مملكة الجيونية الجنوبيين بسنوات قلائل القضاء على سيادة الهياطلة فى البقاع الشمالية.
ولما تحطمت هاتان المملكتان ظلت أراضيهما فى يد عدد من الأمراء الصغار أصبح بعضهم أقيالا للساسانيين، وبعضهم أقيالا للأتراك. وقد تمثلت الحالة السياسية لشرقى أفغانستان حوالى منتصف القرن السابع الميلادى وفى وصف الرحلات التى قام بها الجوّاب الصينى هيوون تسانغ، فقد ورد فيه -لأول مرة فى مصدر تاريخى- شعب الأفغان بصيغة "بلاد أبئوكين" الواقعة فى الجزء الشمالى من جبال سليمان (انظر. A In Vieille route de I'Inde de: Foucher Bactres a Tariln جـ 2، باريس سنة 1947 م، ص 235، 252، تعليق 17).
وبعد زيارة هيوون تسانغ لها بوقت قصير حطمت أسرة تانغ الحاكمة الصينية الأتراك الغربيين وبسطت سيادتها على الأراضى التى إلى الغرب من بامير. وانقضى قرن كامل (659 - 751 م) ظلت فيه ست عشرة مملكة شمالى هندوكش وجنوبيها تعترف بسلطان الأمبراطور الصينى اعترافاً أقرب إلى الاعتراف الأسمى منه إلى الاعتراف الفعلى. أما الفاتحون العرب الذين اجتاحوا إيران بسرعة شديدة، فقد أوقفوا فى هذا الجزء من أفغانستان لما أبداه آخر الملوك الصغار الباقين من مقاومة عززتها الفق والخلافات التى نشبت بين القبائل الغازية، ولم يحرز الإسلام انتصاره الأخير جنوبى هندوكش إلا فى نهاية القرن التاسع الميلادى. ومهما يكن من شئ فإن عنصر الهياطلة لم يختف دون أن يترك آثارا فى التكوين السلالى لأفغانستان الحديثة، ولايزال يوجد فى بذخشان جماعة مهمة تحمل اسم "هَيطَل" أما عن التاريخ القديم فى جوهره فانظر أيضاً: M. McGovern w: Tge early empires of Central Asia ، سنة 1939 م.
خورشيد [غرشمان R. Ghirshman]
ب - تاريخها الإسلامى حتى قيام الدولة الأفغانية الوطنية:
حتى العصر المغولى: الأراضى التى تكون أفغانستان الحديثة كانت تتبع فى الألف السنة الأولى من التاريخ الإسلامى ولايات مختلفة، ومع أن هذه الولايات المجاورة قد جرت عليها فى كثير من الأحيان نفس التقلبات فإنها لم تكن فى أى وقت وحدة مستقلة. وكذلك لم يُقِم الأفغان دولة خاصة بهم حتى أيام ميرويس بعامة، وأيام أحمد شاه درانى بخاصة. وحسبنا هنا أن نلم إلماما وجيزاً بهذا القطر.
فى أيام الفتوح الإسلامية لم تلبث الولايات التى كانت تابعة للإمبراطورية الساسانية أن اجتيحت، وقد اخترقت موجة من الفتح سجستان، ولكن المحاولات التى ظلت تبذل خلال القرون الثلاثة الأولى لغزو كابل من هذه القاعدة لم تؤد إلى نتائج باقية حتى قيام الدولة الصفَارية. وقد قاومت ولاية كابل الاصطباغ بالصبغة الإسلامية مدة أطول من سائر الولايات الإسلامية الشرقية، ولم يتحقق هذا تمام التحقيق إلا فى عهد الغزنويين، وفى منتصف القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) انتزع ألب تكين غزنة من حاكمها السابق لَويك، وغزا زابلستان وأقام امارة مستقلة ورثها ابنه إسحق ثم ورثها مولى له هو بلكاتكين، ثم ورثها مولى آخر هو سبكتكين مؤسس الدولة الغزنوية. وكان مقر هذه الدولة فى غزنة، ومن هذه المدينة خرج محمود أعظم الحكام الغزنويين، فى حملاته على بلاد فارس غربا والهند شرقاً. ومع أن الاسم "أفغان" قد ظهر لأول مرة عند المؤرخين حوالى هذا الوقت، فإن البيت الحاكم الغزنوى لم يكن بأى وجه بيتاً أفغانيا قوميا. والراجح أن الجيوش كان معظمها من الأتراك. ولما سار محمود إلى بلخ لقتال الحاكم القره خانى كان جيشه -فى رواية العتبى- يتألف من هنود وخلج وأفغان وغزنويين، والمقصود بالغزنويين بلاشك الإيرانيون التاجيك: فى ولاية غزنة. وفى سنة 414 هـ (1023 م) هاجم محمود أفغانَ سليمان كوه ونهب منازلهم.
وما أشرفت حياة محمود على النهاية حتى كان يحكم ممتلكات واسعة تشمل غربى خراسان وجزءًا من بلاد الجبال وطبرستان. كما يشمل فى الشرق الينجاب كله. وكان نفوذه ناحية الشمال يمتد إلى ما وراء نهر جيحون، بينما يتألف مركز هذه الممتلكات من جميع البلاد التى تعرف حالياً بأفغانستان. وكان لشخصية هذا الفاتح العظيم أثر عميق، فقد أصبح بوجه من الوجوه بطلاً قومياً فى البلاد التى كانت قلب إمبراطوريته. وقد اضطر بهرام شاه (511 - 552 هـ = 1118 - 1157 م) إلى الاعتراف بسيادة السلاجقة؛ ثم ازدادت قوة زعماء الغور شيئًا فشيئًا وطردوا الغزنويين بعد صراعات طويلة. والراجح أن البيت الحاكم الغورى كان من أصل تاجيكى. وقد وقفت الغزوات التى شنها الغز والخوارز مشاهية فى طريق تقدم هذه الأسرة، وبذلك فقد الغوريون سلطانهم فى موطنهم هم، ولكنهم نجحوا فى إقامة امبراطورية فى الهند ورثها مواليهم الأتراك. وقد اضطر جلال الدين منكوبرتى السليل الأخير لبيت الخوارز مشاهية أن ينسحب أمام المغول بقيادة جنكيز خان بعد مقاومة شديدة.
المغول والكرت: غزا تولى بن جنكيز هراة وسيستان (سجستان)، وغزا أكداى أيضا بلاد الغور واتخذ منها قاعدة لحملاته فغزا جبال فيروز كوه وغرشستان، كما غزا سهول كرمسير وسيستان. وأطيح بالملوك الغوريين ودمرت فيروز كوه عن آخرها. وبذلك تولك وبعض المعاقل الجبلية بعض المقاومة ولكن بلا جدوى. وكان الأمير محمد الغرشستانى سليل الملوك الغوريين من ناحية الأم - بطلاً من أبطال المقاومة فى الغور. وقد قتل فى حصن أشْير سنة 620 هـ (1223 م). وكان مؤسسو بيت كرت الحاكم من سلالته، وأدمج الجزء الأكبر من أفغانستان فى الإمبراطورية المغولية. على أن زعيما تركيا فى الشرق هو سيف الدين حسن فرلغ حاول مدة من الزمن الاستيلاء على باميان وغزنة والغور، وربما كان هذا الزعيم تحالف من قبل مع جلال الدين منكوبرتى.
ولا شك انه قد مارس سلطانه سنة 622 هـ (1225 م) وهى السنة التى ضرب فيها السكة باسم الخليفة الظاهر. وفى سنة 636 هـ (1238 م) خضع سيف الدين هذا لأكداى ووضع تحت مراقبة "شحنة" مغولى. على أنه طرد عبر وادى كرم إلى الهند، وفى السند حكم هو وابنه ناصر عشرين سنة أخرى. وقد اتخذت غزنة ووادى كرم قاعدة شن منها المغول غاراتهم الأخرى على الهند. ولم نسمع عن الأفغان فى هذه الحركات، وربما كانوا لم يبلغوا بعد شمالا وادى كرم. ولما
توفى أكداى قسمت إمبراطورية المغول ووقعت أفغانستان من نصيب إيلخانية فارس. وفى ظل سلطانهم تسنمت السلطة أسرة حاكمة تاجيكية هى الأسرة الكرتية وحكمت الجزء الأكبر من البلاد ما يقرب من مائتى سنة. وكان تيمور هو الذى قضى على دولة الكرت الذين كانوا يملكون آخر جهد بذله العنصر التاجيكى فى الغور وهراة لإقامة دولة مستقلة فى بلادهم. ومن هذا التاريخ حتى قيام الأفغان فى القرن الثامن عشر الميلادى لم تتولَّ الحكم فى أفغانستان أية أسرة وطنية.
تيمور والتيمورية: وقد نكبت سجستان بتخريب مروع أثناء غزوة تيمور. ولم للبث كابل وقندهار -وكان قد بدأ يكون لهما شأن- أن أخضعتا وأصبحت البلاد كلها جزءاً من إمبراطورية تيمور. وفى سنة 800 هـ (1397 م) ولى تيمور وجهه ناحية الشرق وترك حفيده يير محمد والياً على كابل وغزنة وقندهار، وأقطع ابنه مملكة خراسان وقصبتها هراة. وهاجم يير محمد أفغانَ سليمان كوه ثم تقدم إلى الهند. ولما بلغ تيمور خبر المقاومة التى لقيها يير فى مُلْتان سار هو نفسه من أندراب مخترقاً جبال هندوكش ثم انثنى عند لغمان ليهاجم سياه بوش وكافرية كتور. وبعد هذه الحملة أغار على الأفغان المتمردين ثم عبر نهر السند. وقد مر تيمور بـ "بانو" فى سيره خارج البلاد وفى طريق عودته. ومن ثم فالراجح أنه اتخذ طريق "توجى" الذى يخط بلاد الغلزائى والوزيرى. ولم نسمع أن الأفغان كانوا يعملون فى جيشه، ولو أن هذا الجيش كان فيه تاجيك.
ولما توفى تيمور سنة 807 هـ (1405 م) كان بير محمد يحكم فى كابل. على لم ن خليلاً هو الذى استحوذ على عرش الامبراطورية. وقد انتهت الحرب التى لم عقبت ذلك بقتل بير محمد. ولم يلبث خليل أن أقصى عن العرش وأصبح شاهْرُخ هو الحاكم الأعلى - وكان عهد الذى دام أربعين سنة تقريبا عهد سلام استطاعت فيه البلاد أن تفيق من أعمال التخريب التى حلت بها فى السنوات الأخيرة. وخلف شاهرخ ألغ بك فعبد اللطيف فعبد الله فبابرميرزا، وحكم كل منهم مدة قصيرة، وفى سنة 861 هـ (1456 م) اعتلى العرش أبو سعيد، ولكن مُلك خراسان وأفغانستان كان موضع نزاع بينه وبين حسين بيقرا. وقد هزم حسين سنة 870 هـ (1465 م)، ولكن أبا سعيد توفى بعد سنتين، ولم ينل خلفه سلطانُ أحمد خراسانَ بحال، وحكم حسين بيقرا بلا منازع من قصبته هراة، حكم خراسان وسيستان وغور وزمين داور. وقد بلغت هراة فى عهدى شاهرخ وحسين بيقرا الطويلين اوج شهرتها قاعدة للشعر والعلم والفن.
وفى السنوات الأخيرة من عهد حسين بيقرا هدد حاكم من الشمال سلطان شيبانى وأزابكته النامى، على حين أظهرت الأجزاء الأخرى من أفغانستان ميلا إلى الانقسام إمارات قائمة بذاتها وان كان لا يحكمها امراء من أهلها. ومكن بابر لنفسه فى كابل، واتخذ لقب "بادشاه". وكانت كابل حتى ذلك الوقت تحت حكم أعضاء من البيت التيمورى يتفاوت حظهم من الاستقلال. وكان مقيم بن أرغون قد استولى عليها وشيكا حين ظهر بابر أمامها واحتلها سنة 901 هـ (1505 م). وظلت كابل تحت حكم بابر وخلفائه أباطرة الهند أكثر من مائتى سنة حتى فتحها نادر شاه.
بابر، أرغون، الأوزبكية، شاه إسماعيل: وكان قيام أسرة أرغون أعظم من ذلك خطراً على مملكة خراسان. ذلك أن مؤسسها ذا النون بك أرغون سليل الإيلخانية ووالى غور وسيستان قد تلقى أيضاً بعد هزيمة قبيلتى هزارة ونيكودارى إقليمى زابلستان وكومسير. واتخذ ذو النون قندها
رقصبة له واستقل بأمر نفسه وبسط حكمه بمعاونة ابنه شاه بك جنوبا حتى ممر بولان وسيوستان، بل لقد بلغ به الأمر أن غزا هراة سنة 904 هـ (1498 - 1499 م) وجند جيشه من سكان غور وزمين داور وقندهار، ومن التاجيك والأفغان فيما يرجح. وغزا ابنه مقيم كابل كما بينَّا من قبل، وإن كانت غزوته لها لم تدم إلا مدة قصيرة. على أن غزوة شيبانى قد أثبتت زوال سلطان ذى النون بك، فقد قتل فى المعركة الأولى مع الأوزبكية، واحتل شيبلنى هراة سنة 913 هـ (1597 م).
وهنالك وقع ابنا ذى النون -شاه بك ومقيم- بين بابر وشيبانى. فقد ادعى بابر، ومعه بعض الحق، أنه وريث إمبراطورية تيمور وتقدم مغيراً على قندهار، على حين تحالف أمراء أرغون على هم القديم شيبانى. وهزمهم بابر واستولى على قندهار، وترك عليها واليا من قبله هو ابنه ناصر ميرزا الذى لم يلبث ان هاجم شيبانى. وكان بابر بشخصه فى طريقه إلى هراة لتنسيق إجراءات الدفاع ضد الأوزبكية مع سلطان حسين، وهنالك سمع بوفاة سلطان حسين، فانضم إلى أبناء سلطان فى حملتهم على المرغاب، ثم زار هراة وعاد شتاءً بالطريق الجبلى إلى كابل، وكانت هذه رحلة لقى فيها وهو وجنوده شدائد عظيمة. عاد بابر إلى كابل سنة 912 هـ (وائل سنة 1507 م) فى غز الوقت المناسب للقضاء على مؤامرة خطيرة أفرخت بين أقربائه. ثم تابع حملته على قندهار فى الصيف، وما وافى شهر جمادى الأولى سنة (سبتمبر سنة 1507) حتى كان قد رجع إلى كابل ليجهز لحملة على الهند، وما إن بدأها حتى أعاده على أعقابه الخبر بأن قندهار قد سقطت وأن الأرغوتيين قد أعادهم شيبانى إلى الحكم. وكان بابر عندما بلغه هذا الخبر مشتبكا بالفعل فى حرب مع قبائل جكدلك وننكرهار الأفغانية، وهى قبائل كانت قد استقرت حديثا فى وادى كابل. ولقى بابر مشقة عظيمة فى الثبات فى كابل نفسها، ذلك.
أن سلطانه كان مهددا بفتنة وعصيان. وكان شيبانى وقتذاك مستحوذا على خراسان، وسيداً على قندهار، ولكن سلطانه كان آخذا فى الاضمحلال. وعانت جيوشه بلاء شديدا أثناء حملة شتها على جبال غور، وقد هدده من الغرب ملك محارب آخر هو الشاه اسماعيل مؤسس المملكة الصفوية. وفى سنة 916 هـ (1510 م) غزا إسماعيل خراسان وهزم شيبانى وقتل بالقرب من مرو. وانتقلت هراة إلى حوزة إسماعيل وفرضت عليها مبادئ الشيعة باضطهاد شديد. وهنالك تحالف بابر مع إسماعيل واسترد إلى حين أملاكه الوراثية فى آسية الوسطى تاركا مملكة كابل لأخيه ناصر ميرزا. على أن هذا التحالف لم يقابل بالترحيب، وسخر منه الأوزبكية. ولقى بابر هزيمة منكرة بالقرب من غز دوان سنة 918 هـ (1512 م) نجا منها بجلده بشق النفس، ولم يجد آخر الأمر بدا من الارتداد منقلبا إلى كابل التى وجدها فى حالة اضطراب شديد، وكان عليه أن يجمد عدة فتن بين جنوده من المغل وبين القبائل الأفغانية، وكان اليوسفزالى قد هبطوا من الجبال إلى وادى بشاور وطردوا أسلافهم الدلازاكية من جبال باجَوْر وسوات. وقد أخمد بابر حركتهم بشدة واسترد باجور بمذبحة عظيمة. وقد اضطر بابر أيضا إلى إخماد فتن نشبت بين الهزارية. ثم صرف همه إلى قندهار حيث كان شاه بك أرغون لايزال مستتبا فى الحكم؛ وحاول عبثا أن يتفاهم مع الشاه إسماعيل واعتقل فى هراة ولكنه هرب من أسره ومضى من وقتها يحاول أن يقيم له مملكة فى السند، وكان قد غزاها بمساعدة بعض القبائل البلوجية سنة 917 هـ (1511 م)، وقد بذل بابر محاولتين للاستيلاء على قندهار حتى نجح فى ذلك أخيرا سنة 928 هـ (1522 م)، وعند ذلك نقل شاه بك مقر قيادته إلى شال (كَوَطَّة) صيفا وسيبى شتاءً، ومضى يتابع تنفيذ خططه فى السند، على حين ظلت ولاية قندهار كلها فى يد بابر، وهنالك أحس
بابر بأنه من القوة بحيث يستطيع أن يشرع فى مجموعة من التدابير انتهت بالاطاحة بمملكة الأفغان اللودية فى الهند. وكان دائما يؤثر كابل على سهول الهند، وق دفن بغزنة حيث يقوم عمود شاهدا على قبره.
أفغانستان بين إمبراطوريتى المغل والصفويين:
ودخلت أفغانستان فى عهد أكثر استقرارا فى ظل سلطان امبراطوريتى الهند وفارس العظيمتين اللتين اقتسمتاها. وقد ظلت هراة وسجستان مع فارس ولو أن أحوالهما ظلت مدة تعكر صفوها الغارات الأوزبكية؛ وبقيت كابل جزءا من امبراطورية المغل على حين كانت قندهار تتبع حينا هذه الأمبراطورية وحينا للك. وأخذ سلطان أباطرة المغل يقتصر شيئاً فشيئاً على جنوبى هندوكش. وإلى الشمال منها استطاع سليمان ميرزا، الذى كان قد أقامه بابر واليا على بذخشان، أن يقيم ما يشبه البيت الحاكم المستقل، وظلت بقية البلاد فى يد الشيبانية، وتوفى إسماعيل سنة 930 هـ (1524 م) وبابر سنة 937 هـ (1530 م) وخلف بابر ابنُه همايون وتولى إخوته كامران وهندال وعسكرى أمر ولايات أخرى فقد اتحدت كابل وقندهار مع البنجاب تحت حكم كامران. أما بخصوص الجانب الفارسى فإن طهماسب خليفة اسماعيل كان قد أقام أخاه سام ميرزا واليا على هراة. وكان الصفويون يعدون قندهار اقطاعا ملحقا بمملكة خراسان التى كانت وقتئذ فى حوزتهم؛ ويعتبرون احتلال أباطرة المغل لها اغتصابا. وفى سنة 931 هـ (1535 م) قام سام ميرزا بهجوم مفاجئ عليها، ولكنها قاومته بنجاح، وبعد ثمانية أشهر وصل كامران ورفع عنها الحصار. وفى غيبة سام غزا الأوزبكية بقيادة عبد الله خراسان، واستولى للمرة
الثانية على هراة البائسة ونهبت؛ واستردها طهماسب وخلع سام وهاجم بنفسه قندهار وفتحها، ولكن كامران استردها. وفى هذه الأثناء فقد همايون عرشه فى الهند نتيجة لقيام الأفغان السور بقيادة شبرشاه، وفى سنة 950 هـ (1543 م) اتخذ طريقه من السند مخترقا الصحراء الممتدة جنوبى قندهار حتى بلغ سجستان وفارس
حيث أكرم وفادته الشاه طهماسب. وفى سنة 952 هـ (1545 م) استطاع بقيادة جيش فارسى أن يضرب الحصار حول قندهار التى كان يرده عنها أخوه عسكرى من قبل كامران، واستولى عليها بعد مقاومة طويلة. وقد نفذ همايون اتفاقه مع طهماسب فسلم المدينة للفرس، ولكن هذا الفعل منه أثار السخط بين أتباعه، فاسترد قندهار آخر الأمر من الفرس وعامل هذه الولاية معاملته جزءا من أملاكه فأغضب ذلك طهماسب غضبا شديدا. ولم يلبث همايون أن استولى على كابل واسترد ابنه الصغير أكبر الذى كان قد بلغ آنئذ الثالثة من عمره. ومضت الحرب بين الأخوة فى السنوات القليلة التالية بلا نتيجة حاسمة. فقد استرد كامران كابل مرتين ولكنه لم يستطع أن يستبقيها طويلا. ويقال إنه أبرز الأمير الصغير أكبر فى إحدى المناسبات مكشوفا على الحصون. ثم قضى بعض الوقت بين قبائل. مهمند وخليل الأفغانية وحرضها على سلب وادى كابل. ثم سلم آخر الأمر لهمايون سنة 961 هـ (1553 م) فسلمت عيناه. وبذلك استولى همايون على مملكته وقندهار وأحس أنه بلغ من القوة ما يستطيع به أن يحاول معاودة غزو الهند، وانتهى ذلك بانتصاره عل ملوك سور ولكنه لم يلبث أن توفى سنة 963 هـ (1556 م) متأثراً بحادث: وبينما كان الملك الشاب أكبر مشغولاً بإتمام غزو الهند من جديد انتهز طهماسب الفرصة سنة 965 هـ (1558 م) واستولى قندهار، وظلت تحت الحكم الفارسى حتى سلمها الأمير مظفّر حسين لأكبر بعد ذلك بثمان وثلاثين سنة أى سنة 1003 هـ (1621 م). واستردها الشاه عباس ولكن خلفه الشاه صفى الأول فقدها مرة أخرى، فقد سلمها واليها فى عهده على مروان خان لشاه جهان سنة 1058 هـ (1648 م) وكذلك أخذت كرشك بعد أن ضرب عليها حصار، واحتلت زمين داور. وفى سنة 1058 هـ (1648 م). قاد الملك الفارس الشاب عباس الثانى جيشاً وهاجم قندهار واستولى عليها، وكانت سنة إذ ذاك ست عشرة سنة فحسب، ولم تعد هذه المدينة قط جزءاً من أملاك الامبراطورية المغلية. وقد حاولت
جيوش شاه جهان عبثاً أن تستردها. وشن كل من الأميرين المتنافسين أورنكزيب ودارا شكوه حملة عليها، ولكنهما باءا هما الاثنان بالخيبة، وبفشل الحملة الأخيرة سنة 1062 هـ (1652 م) لم تبذل فى سبيل استعادتها أية حملات أخرى.
وإذا انستثنينا التقلبات التى مرت بقندهار، فليس أمامنا من تاريخ أفغانستان أيام كانت مقسمة بين إمبراطورية المغل وإمبراطورية الصفويين إلا القليل. وكانت القبائل الأفغانية تزداد نفرا وسلطانا بإطراد، والراجح أن هذه الأيام كانت هى الفترة التى انتشر فيها الأبدالية والغلزائية من جبالهم إلى الأراضى الأكثر خصوبة فى وديان قندهار وزمين داور وترنك وأرغنداب. وبتدهور مكانة وسلطان الأجناس التاجيكية التى تحملت وطأة الغزوات المغولية واحتلال معاقلها الجبلية فى غور على يد شعب شبه مغولى تهيأت الفرصة أمام الجنس الأفغانى للبروز. ولم يتأثر الأفغان كثيرا فى جبالهم الشرقية بالغزاة الذين كان همهم الأول شق طريقهم عابرين الممرات لسلب الهند، كما أن حاجة السكان المعهودة إلى منفذ لعددهم المتزايد -مما حملهم على الانتشار فى سهول الهند من ناحية الشرق- قد أدت أيضا بالقبائل الرعوية إلى الانتشار غرباً. وظلت القبائل الجبلية تمارس حياة تكاد تخلو من أى نظام؛ وكانت الحكومة المغلية فى كابل تحكم بالاسم فحسب، ولكن سلطانها الفعلى انحصر فى الوديان المكشوفة، مثال ذلك ما حدث سنة 994 هـ (1686 م) إذ منى جيش أكبر بهزيمة منكرة على يد يوسفزائية سوات وباجور، ولقى القائد راجا بيريل مصرعه. ثم هزم رابا مان سنغ من بعد الجبليين ولكنهم لم يغزوا فى الحق قط، وكانوا فى كثير من الأحيان يغيرون على السهول وينحازون فى بعض الأحيان إلى هذا الجانب أو ذاك من بيوت الحكم المتنازعة، مثال ذلك انتصار اليوسفزائية لقضية الأمير شجاع المطالب بالعرش فى نزاعه مع أورنكزيب. وعندما كان شاه عالم الأول قبل جلوسه على العرش عامل أورنكزيب على كابل سنة 1114 هـ (1072 م) حدث أن أحد
قواده -وهو بُرْدِل خان، وكان أفغانياً- قد قمر هو وجميع جنده أثناء محاولته المرور من خوست إلى كابل، فاضطر أورنكزيب إلى أن يرشو القبائل ليظل الطريق مفتوحا بين كابل ويشاور.
الأبدالية والغلزائية ونادر شاه:
وقد بذر تقلب الحكم المستمر فى قندهار بين الهند وفارس بذور الفرقة والتآمر ومكّن القبائل القوية أن تضرب إحداهما بالأخرى، ومن ثم نجح الأبدالية قرب قندهار فى الحصول على امتيازات من الشاه عباس الأكبر واعترف بزعامة "سدو" أصبحت أسرته السدوزائية هى الأسرة الحاكمة، غير أن سوء مسلكهم أدى إلى إجلاء بعض هذه القبيلة إلى ولاية هراة. وقد أدى هذا الإبعاد إلى بسط قبيلة غلزائى نفوذها بالقرب من قندهار، وظل سلطانها يزداد حتى اعتلاء الامبراطور شاه عالم الأول العرش، وهنالك بدأ غلزائية قندهار يتآمرون معه على الحكومة الفارسية. وانكشفت المؤامرة، وأنفذ كوركين خان الزعيم الكرجى إلى قندهار على رأس جيش، وأسر ميرويس الزعيم الغلزائى. على أن ميرويس استطاع، وهو فى الأسر، أن يكتسب ثقة ملك الفرس الشاه حسين، فسمح له بالعودة إلى قبيلته. وسرعان ما غدر بكوركين خان بأن دعاه إلى مأدبة وقتله واستولى على قندهار وأحبط كل المحاولات التى بذلت لإخضاعه وتوفى بعد ذلك بقليل وخلفه أخوه عبد العزيز إلا أنه أظهر ميلاً إلى الخضوع لفارس فقتله محمود بن ميرويس وأقام نفسه حاكماً.
وفى هذا الوقت نفسه أصبح ذلك الفريق من قبيلة أبدالى الذى يقطن ولاية هراة سيدا عليها فى الواقع، وهزم هؤلاء الأبدالية جيشاً قوياً سير عليهم بقيادة صفى قلى خان وظلوا صامدين حتى أيام نادر شاه، بل استطاعوا أن ينتزعوا فراه من الغلزائية بعد أن غزا هؤلاء فارس. وبينما كان محمود الغلزائى يقاتل فى فارس، انتشر الابدالية فى خراسان وضربوا الحصار على مشهد. ولم تكن الدولة الغلزائية بحال مهيأة لحكم بلاد كفارس، ولم تكن وراءهم قوات كافية لمواجهة أية حركة قومية حقة، بل هم كانوا قد فقدوا عون ولاية قندهار عندما
خلف أشرف ابن عمه محمودا الذى كان أخوه قادرا على الاحتفاظ بقندهار.
وكذلك ظل الأبدالية مستقلين فى هراة. ولذلك فإن نادراً لما أقام نفسه زعيما لحركة قومية لم تلبث حكومة أشرف أن انهارت، ولم ينجح من الغلزائية ليبلغ وطنه إلا العدد القليل. وقتل أشرف وهو هائم على وجهه فى بلوجستان سنة 1142 هـ (1729 م)؛ وهنالك وجه نادر قوته إلى الأبدالية يتزعمهم ملك محمود خان الذى كان مستحوذاً على مشهد سنة 1142 هـ 1728 م) وهزمهم هزيمة منكرة وأسر منهم عددا كبيرا. على أنه قدر مواهبهم الحربية وضمن تأييدهم بردهم إلى موطنهم القديم قرب قندهار الذى أقصى منه الغلزائية عندما سنحت له الفرصة فنفاهم إلى ولاية هراة، ولكن لم يستقر فيها منهم إلا العدد القليل إن يكن قد استقر فيها أحد على الاطلاق، ولا نجد أثراً لهم الآن هناك. ولما نادى نادر شاه بنفسه ملكا على فارس ضرب الحصار على قندهار فقاومته سنة ثم سقطت آخر الأمر سنة 1150 هـ (1738 م) وتحطم سلطان الغلزائية تماماً، ولكن نادر شاه اتخذ حيال القبائل الأفغانية عامة وحيال الأبدالية خاصة سياسة التراضى وجند أعداداً كبيرة منهم فى جيشه: والتجأ كثير من الغلزانية إلى ولاية كابل من ولايات الامبراطورية الهندية، ولم يتلق نادر شاه أى رد على احتجاجاته فسار نحو كابل فسقطت فى يده لتوها سنة 1151 هـ (1738 م)، ومن ثم اقتطعت آخر الأمر من إمبراطورية المغل. وآخر تاريخ معروف لأية سكة ضربها الامبراطور محمود شاه فيها هو سنة 1138 هـ (1725 م). والظاهر أن نادر شاه لم يستعمل سكة كابل، بل ضرب سكة فى قندهار سنة 1150 هـ (1737 م) وهى سنة غزوته، كما أن ثمة سكة أخرى ضربت فى نادر آباد (شيدت اثناء الحصار. خارج قندهار) تشير بلا شك إلى مدة الحصارو، هنالك اصبحت افغانستان كلها فى قبضته وأتاحت له القاعدة اللازمة لغزوته للهند سنة (1152 هـ)(1739 م). وبانتصاره على محمود شاه آلت إليه جميع الأراضى المغلية الواقعة غربى نهر السند بما فيها بشاور وديره جات
وأصبحت له السيادة على "الكلهور" -أى الحكام العباسيين للسند- والسيطرة على ولاية كابل. ولما عاد من دلهى سنة 1152 هـ (1740 م) عبر نهر السند أول الأمر عند "أتك" وهاجم اليوسفزائية الذين كانوا يثيرون الاضطراب ثم مضى إلى كابل، ومنها انحدر عن طريق وادى كرم وإقليم بنكش واخترق ديره جات إلى السند، ثم عاد مخترقا ممر بولان إلى قندهار ومنها إلى هراة. وظل بقية حياته يعتمد اعتمادا كبيراً على جنود. الأفغان ولم يعتمد إلا قليلا على جنوده الفارسية الذين كان يزْوَرَ عنهم بحكم أنه كان سنى المذهب. وكان للأبدالية بنوع خاص الحظوة عنده، وارتقى زعيمهم الشاب إلى رتبة رفيعة فى جيشه. وتقول الروايات أن نادراً نفسه تنبأ بأن أحمد سوف يصبح ملكاً بعده. ولما اغتال الفرس والقزلباش نادر شاه كان أحمد شاه فى فرقة قوية من الأبدالية على مقربة من مكان الحادث، فاغتصب قافلة محملة بالأموال ثم سار إلى قندهار حيث نادى بنفسه ملكاً.
(3)
الدولة الأفغانية الوطنية:
(أ) البيت السدوزائى الحاكم:
أقام أحمد شاه نفسه ملكاً على قندهار واستولى على الجانب الشرقى كله من امبراطورية نادر حتى نهر السند، وسرعان ما سقطت هراة، وفى الفترة الهامة التى تقوضت فيها دعائم المملكة الفارسية، بسط أحمد شاه حمايته على شاهرخ حفيد نادر شاه الذى كان أعداؤه قد سملوا عينيه، وأقام له إمارة فى خراسان. وكانت هذه الولاية فى الواقع جزءاً من أملاك أحمد شاه وابنه تيمور شاه اللذين ضرب كل منهما السكة باسمه من حين إلى حين فى مشهد، ولكن شاهرخ ظل يحكم بالاسم حتى اعتقل على يد آغا محمد قاجار بعد وفاة تيمور شاه. على أن هراة عوملت معاملة الجزء القائم بنفسه من المملكة الدرانية، وظلت مملكة خراسان القديمة مقسمة بين فارس وأفغانستان.
وجعل أحمد شاه قندهار قصبة لملكه وسماها أحمد شاهى، وهو الاسم الذى ضربه هو وخلفاؤه على سكتهم؛ واتخذ لنفسه لقب "در دُرَان"، وأصبحت قبيلته
الأبدالية تعرف باسم "درّانى". وكانت أسرته منذ أمد طويل محط الأنظار، فاستطاع بفضل هذا وبفضل ما كان عليه من كياسة وعلو همة أن يوطد سلطانه، فقد عامل القبائل برفق، واعتمد فى موارده على الحروب الخارجية أكثر من اعتماده على الضرائب. وكان الدرّانية يفخرون به ويتبعونه عن رضا، ولكنهم لم يكونوا بالقوم الذين يسهل قيادهم، ولذلك فإن ابنه تيمور شاه نقل قصبته إلى كابل التى كان معظم سكانها من التاجيك. ولم ينافس أحمد شاه فى فتوحاته الهندية نادر شاه، فحسب بل بزه فيها أيضا، ومد أملاكه إلى ما وراء نهر السند بكثير، وضم إليها ولايات كشمير ولاهور وملتان، أى أنه ضم الجزء الأكبر من الينجاب وبسط سلطانه على الداودبوتراوية فى بهاولبور.
ولقد فتح أحمد الهند عدة مرات، واحتل دلهى أكثر من مرة، وكانت هزيمته للمراطها فى بانيبت سنة 1174 هـ (1761 م) نقطة تحول فى تاريخ الهند، ولكنه لم يضم إلى أملاكه أية ولايات تقع فيما وراء البنجاب.
وكانت حروبه مع السيخ متصلة لا تنقطع وقد انتهت بفقد ولاية البنجاب، وكذلك أعلن خان كلات ناصر خان البراهوئى -وكان من أمراء أحمد المقطعين- استقلاله سنة 1172 هـ (1758 م)؛ وحاصر أحمد شاه كلات فلم يظفر منها بطائل، فلما دعى إلى الهند قنع بخضوعها له خضوعا اسميا بحتاً. على أن ناصر خان عاون أحمد شاه في حروبه بخراسان، وأسهم بقدر كبير فى انتصاره على كريم خان زند سنة 1182 هـ (1768 م). وفى هذه الحرب انضم الأمير الأفشارى الضرير إلى كريم خان وآواه فى مشهد التى قهرها أحمد بضرب الحصار عليها.
ومن شاء زيادة فى التفصيل فليرجع إلى مادة "أحمد شاه درّانى" وتوفى أحمد فى مرغاب بالتلال القريبة من قندهار سنة 1187 هـ (1773 م) تاركاً لخلفه إمبراطورية مترامية الأطراف غير مأمونة.
وكان تيمور شاه قد تولى فى حياة أبيه مناصب ذات خطر مثل "نظام" لاهور وملتان، وهو منصب تدل عليه
شواهد من مجموعة متمايزة من العملة. ولما توفى أحمد شاه كان تيمور شاه فى هراة، ولم يستطع أن يستولى على قندهار إلا بعد أن قبض على أخيه سليمان -الذى كان قد أقيم لمنافسته- وقتله. ولم يلبث أن نقل قصبته إلى كابل، وحكم عشرين عاماً خالية من الأحداث اضمحلت فيها قوة المملكة وتزعزع استقرارها، وإن كانت أطرافها لم تنتقص. وكان سلطان الحكومة المركزية على الولايات القائمة فى الأطراف واهية. وازدادت قوة السيخ واستولوا على ملتان سنة 1196 هـ (1781 م)، ولكن تيمور استردها فى السنة نفسها. وفى السند أطيح بشيوخ الإقطاع الكلهوراوية وحل محلهم أمراء بلوج من قبيلة تالْبُر (وغلب عليهم اسم التالبرية)، وقد شن هؤلاء الأمراء الحرب على جيوش تيمور شاه من سنة 1197 هـ إلى سنة 1201 هـ (1782 - 1786 م) وظلوا مستقلين على الرغم من خضوعهم له بالاسم. وهاجم تيمور أيضا أمير بخارى معصوم المنغيتى الذى كان يعتدى على ولاية التركستان وخاصة مرو، فخضع ليتمور بالاسم هو الآخر ولكنه احتفظ بجميع فتوحاته. وكانت قد شبت أيضا فتنة فى كشمير ثم أخمدت، وفى الداخل كان سلطان عشيرة باركزائى من الدرانية يتعاظم شيئا فشيئا. وتوفى تيمور شاه سنة 1207 هـ (1793 م) وخلفه ابنه زمان شاه الذى ظل فى الملك حتى خلعه أخوه محمود شاه عام 1215 هـ (1800 م). وعلى قصر عهد زمان شاه فإنه استطاع أن يجمع فيه من الجرائم والحماقات ما هو كفيل بإغراق المملكة الدرانية. وكانت المنافسة بينه وبين أخويه محمود وشجاع الملك تضعف مركزه فى الداخل، وكان القاجار يهددون ملكه فى خراسان ويتهدره الشاه مراد المنغيتى فى الشمال، ويتحداه فى الجنوب خان كلات وأمراء السند، ومع ذلك لم يحجم عن استنفاد جهده فى محاولات حمقاء لمنافسة أحمد شاه فى فتوحاته بالهند والظهور بمظهر المدافع عن الاسلام ضد السيخ والمراطها. وأدى فعله هذا إلى الاصطدام بالإنكليز الذين كان سلطانهم ينمو بسرعة حتى أصبحوا القوة الغالبة فى شمالى الهند. وفى عام 1209 هـ
(1795 م) توقفت غزوته الأولى عند حسن أبدال عندما بلغه الخبر بأن آغا محمد قاجار قد استولى على مشهد وقتل الشيخ الضرير شاهرخ. وهدأت ثائرته عندما وصلت بعثة من قبل الملك الفارسى وبدأ يقوم بغزوته الثانية للهند، غير أن انتقاض محمود فى هراة قطع هذه الغزوة. وما إن أحمد هذه الفتنة حتى غزا الينجاب، ووصل فى هذه المرة إلى لاهور وخضع له السيخ خضوعا اسمياً وكان يتزعمهم آنذاك رنجيت سنغ، ولكن عدوان القاجار المتكرر فى خراسان حمله على الرجوع مرة أخرى. وفى هذه الأثناء كان محمود يتنقل فى البلاد يتآمر على أخيه مع الساخطين فى هراة وقندهار، وكان من بينهم زعيم عشيرة باركزائى "باينده خان" الملقب "سرفرازخان" الذى كان ينفس على الوزير وفاء دار خان السلطة التى يتمتع بها. واكتشفت المؤامرة فقتل باينده خان، وفر ابنه فتح خان لاجئا إلى محمود فى خراسان وأغراه بالارتماء فى أحضان قبيلة درانى استدراراً لعطفها لأنها كانت تكره زمان شاه (كانت أم زمان شاه من اليوسفزائية، أما أم محمود فكانت فوفلزائية من الدرّانية). وأثبتت النتيجة صحة هذه النصيحة؛ إذ استولى محمود على قندهار على حين كان المفتون زمان شاه يتجهز لحملة أخرى على الهند. وسار محمود إلى كابل ففر زمان شاه، ولكنه لم يلبث أن اعتقل وسملت عيناه سنة 1215 هـ (1800 م). وبينما كان محمود يرقى عرش كابل كان شجاع الملك ينادى بنفسه ملكاً فى بشاور، وقد ساعده على ذلك فتنة أثارتها الغلزائى على محمود؛ وفي عام 1218 هـ (1803 م) استولى شجاع الملك على كابل وسجن محمودا وأطلق سراح أخيه الشقيق زمان شاه الضرير. وظلت قندهار مدة من الزمن فى يد ابن محمود: كامران يؤيده فتح خان، ولكن فتح خان اصطلح مع شجاع على شروط مراعياً مصلحته هو وخضع له، غير أنه لم يرض بنصيبه ولم يلبث أن أقام ملكاً منافسا لشجاع فى شخص قيصره شاه بن زمان شاه. وانقضت السنوات القليلة التالية فى مؤامرات لا تنقطع، تقلب فيها فتح خان بسرعة فى نصرته
للطامعين فى الملك، فتارة يؤيد محموداً وكامران وتارة يؤيد قيصر، على حين التنفد شجاع الملك قوته فى إنفاذ الحملة تلو الحملة على السند وكشمير. وأخيراً هزم فتح خان -الذى كان يؤيد آنئذ محموداً- شجاع الملك عند "نِمْلة" سنة 1224 هـ (1809 م) ففر شجاع الملك إلى الهند وبذلك بدأ العهد الثانى لمحمود فى الحكم على أن محمودا كان يعتمد اعتمادا مطلقاً على فتح خان فاستفحل سلطانه، وتولى أخوه دوست محمد منصباً رفيعاً، وأصبح أخ ثان له هو محمد أعظم واليا على كشمير، وأخ ثالث يدعى "كوهَنْدل" والياً على قندهار. وكانت هراة قَد غدت مستقلة تحت حكم أمير آخر فأعاد فتح خان ودوست محمد فتحها سنة 1232 هـ (1816 م). ولم يلبث دوست محمد أن استثار عداوة كامران الذى كان قد أصبح والياً من الولاة، ذلك أنه اقتحم حريم كامران وأهان أخته. وهنالك فر إلى كشمير وأنزل كامران انتقامه بفتح خان فسمل عينيه ثم قتله بموافقة محمود. على أن الأفغان كانوا يعجبون أشد الإعجاب بفتح خان على الرغم من غدره وعدم استقامته، فلم يجد أخوه دوست محمد أية صعوبة فى تجهيز جيش قوى هزم به محمودا شنة 1235 هـ (1818 م) قرب كابل. وفقد محمود كابل ولم يستردها من بعد قط، واحتفظ لبهراة حتى توفى سنة 1245 هـ (1829 م) وظل كامران يحكم هناك حتى قتل سنة 1258 هـ (1842 م).
[لونكويرث ديمر Dames M. Longworth]
(ب) البيت الباركزائى (أو المحمدزائى):
وتنتسب المحمدزائى -وهى فرع من باركزائى قندهار الدرانية- إلى محمد، وهو معاصر لملك سدو زعيم العشائر الأبدالية عاش معه بين قبيلته الصغيرة في أرغسان جنوبى شرق قندهار حوالى سنة 1000 هـ (1591 م). واتخد أعقابه لقب الزعيم بين القبائل الباركزائية فى قندهار وبرزوا مع حاجى جمال خان ابن حاجى يوسف بن بارو بن محمد الذى عمل فى ظل أحمد شاه وتوفى سنة 1184 هـ (1770 - 1771 م). وقد أدى ابنه ياينده
خان خدمات جليلة لتيمور شاه فى قمعه لحركات العصيان، ولكنه أعدم فى قندهار سنة 1214 هـ (1800 م) للمؤامرات التى دبرها مع محمود لشاه زمان. وقد تر باينده عدداً من الأبناء أقيم أكبرهم فتح خان وزيراً ولقب بشاه دوست بمناسبة احتلال محمود لكابل سنة 1215 هـ (1800 م). وبازدياد سلطان المحمدزائى تعارضت أطماعهم مع أسرة سدوزائى الحاكمة وأغرق ذلك أفغانستان فى نضال وإهراق للدماء حتى استطاع دوست محمد أن يطرد محموداً من كابل بعد قتل أخيه هو فتح خان سنة 1234 هـ (1818 - 1819 م).
وما وافى هذا الوقت حتى كان زعماء باركزائى قد سيطروا على معظم البلاد، فحكموا أول الأمر باسم ملوك شتى من أسرة سدوزائى كانوا العوبة فى يد غيرهم، ملر أيوب وسلطان على (اتخذ اسم سلطان محمود على سكته). وظلت الأمور تجرى على هذا المنوال حتى سنة 1254 هـ (1838 م) وهنالك اتخذ دوست محمد رسمياً لقب "أمير كابل". ولكن لم يلقب بالشاه أو الملك لا هو ولا أحد من خلفائه حتى جاء حبيب الله. وفى السنوات الأولى من حكمه فُقدت سريعا الولايات الخارجية للامبراطورية فقد استولى السيخ على ملتان سنة 1233 هـ (1813 م)، وعلى كشمير سنة 1235 هـ (1819 م)، وعلى ديره غازى خان فى السنة نفسها، وعلى ديره إسماعيل خان سنة 1236 هـ (1821 م). وقاومتهم بشاور فى ظل سردار سلطان محمد -أخى دوست محمد- مدة طويلة ولكنها سقطت سنة 1250 هـ (1834 م).
ومحا أمراء السند باستيلائهم على "شكاربور" آخر مظهر من مظاهر السيادة الأفغانية، وسقطت كذلك بلخ شمالى هندوكش. وبذلك أصبح دوست محمد حاكماً لمملكة أفغانية موحدة، وساعده على دعم سلطانه فقدان الولايات الخارجية التى كانت دائماً مصدر ضعف للملوك السدوزائية. وكان دوست محمد لا يأخذه إلّ ولا
رحمة فى سبيل بلوغ غايته، ومع ذلك فقد اشتهر بالعدل وكان محبوباً بين الأفغان. وقد عاقت نجاحه المنافسات المحتومة بينه وبين إخوته. وجعل دوستُ كابلَ قصبةً لمملكته، فى حين احتفظ كوهندل خان بقندهار وأحبط محاولة بذلها شجاع الملك السدوزائى لاستعادتها سنة 1350 هـ (1834 م). واستولى الفرس على هراة بعد قتل كامران بيد وزيره يار محمد خان سنة 1258 هـ (1842 م) ولم يستردها دوست محمد إلا سنة 1280 هـ (1863 م) قبيل وفاته.
وبعد أن أخفق شجاع الملك فى قندهار حاول الاستعانة بالبريطانيين، وأدت الحوادث السياسية إلى حصوله عليها فى النهاية. وقد فشل بيرنز - Al exander BURNES فى مفاوضة دوست محمد لعقد معاهدة معه، وازداد نفوذ روسيا فحمل ذلك الحكومة الهندية على تأييد مطالب شجاع الملك. وفى ذلك الوقت، أى فى سنة 1253 هـ (1837 م) كان الفرس قد حاصروا هراة، ودار فى الأوهام أن عملياتهم الحربية كان يوجهها الروس فتولى ضابط بريطانى الإشراف على الدفاع عنها، وبذلك بلغت الأزمة غايتها، وتقدم جيش انكليزى هندى مخترقاً السند وممر بولان إلى قندهار فى نهاية سنة 1254 هـ (فبراير سنة 1838 م) واستولى على المدينة ثم سار إلى كابل. وهرب محمد إلى بخارى وأقيم شجاع الملك على عرش كابل فى غرة جمادى الآخرة سنة 1255 هـ (17 أغسطس سنة 1839 م). وقام دوست محمد ببعض العمليات الحربية الفاشلة فى الشمال، ثم سلم نفسه للبريطانيين فى السنة التالية وحمل إلى كلكتة.
وكان عهد شجاع الملك عهد اضطراب وقلاقل. وانسحب الجيش البريطانى الهندى من كابل سنة 1841 م، وكاد أن يباد عن آخره فى انسحابه بممر "خرد كابل"، وكان يقود هذه العمليات الحربية محمد أكبر خان ابن دوست محمد. وظل البريطانيون يحتفظون بجلال آباد وقندهار، وعادوا
إلى احتلال كابل فى خريف عام 1258 هـ (1842 م). وقتل شجاع قبيل ذلك، ونادى الفوفلزائية بابنه فتح جنك وان كان الباركزائية عارضوهم فى ذلك. ولم يلبث البريطانيون أن تركوا أفغانستان وصحبهم فتح جنك ومعه زمان شاه الشيخ الضرير، وكان لايزال بعدُ على قيد الحياة، لأنه كان يعلم أنه لا يستطيع وحده الاحتفاظ بملكه فيها. وأعيد دوست محمد إلى أفغانستان لأنه كان الرجل الوحيد الذى يستطيع أن يقيم فيها حكومة وطيدة الأركان. وأعيد أبناؤه وإخوته إلى إماراتهم، ولكن الشقاقات ظلت تمزق من حين إلى حين وحدة العشيرة، بل إن أكبر خان -الذى أصبح آنئذ وزيراً -كان على علاقات سيئة بأبيه حتى وفاته سنة 1266 هـ - (1849 - 1850 م). وحافظ دوست على علاقاته الطيبة بالبريطانيين، اللهم إلا فى الفترة التى حدثت فيها حرب السيخ عام 1849 م، إذ جلبت الفرقة الأفغانية على نفسها السخرية من جراء فرارها السريع بعد معركة كجرات، زد على ذلك أو دوست محمد لم يؤيد البريطانيين أى تأييد أثناء عصيان الجيش الهندى سنة 1857 م)، وصرف همه إلى تقوية بلاده ففتح ما بين سنتى 1267 و 1272 هـ (1850 - 1855 م) بَلْخ وخُلْم وقُنْدز وبذخشمان. وفى سنة 1280 هـ (1863 م) وفق إلى طرد الفرس من هراة، وتوفى هناك بعد استردادها مباشرة.
وكان دوست ملكاً صالحاً على الرغم من أخطائه الواضحة.
ولم يلبث خامس أبنائه شير على -وكان دوست قد عهد اليه- أن اشتبك فى فتنة بينه وبين أخويه الأكبرين محمد أعظم ومحمد أفضل ومع عبد الرحمن بن محمد أفضل القدير القوى العزم. وهزم شير على سنة 1283 هـ (1866 م). وفقد كابل أول الأمر ثم قندهار. وتولى الحكم أفضل ثم أعظم حتى سنة 1285 هـ (1868 م)، ولكنهما لم يستوليا قط على هراة، إذ خرج منها محمد يعقوب بن
شير على وتقدم فى هذ. السنة فاسترد لأبيه قندهار وكابل. وأصبح شير على آنئذ مسيطرا على أفغانستان كلها، واعترفت به الحكومة الهندية، وقابل نائب الملكة لورد مايو فى أمباله سنة 1286 هـ (1869 م). على أنه لم يرض عن المعاملة التى عومل بها، ذلك أنه لم يستطع الحصول على وعد محدد بتأييده على الدول الأخرى. وفى هذا الوقت اعتقل ابنه محمد يعقوب صاحب الأطماح واستاء من محاولة نائب الملكة التدخل لصالحه، وقبل أن يتولى ضابط من البريطانيين أمر التحكيم فى حدود سجستان التى كاند لنازعه فيها فارس. وانتهى هذا التحكيم سنة 1290 هـ (1873 م) بمنح فارس جزءًا كبيرا من أخصب الأراضى، وكان هذا سبباً آخر من أسباب استيائه. وأخيراً بدأ يفاوض الرس ورفض أن يستقبل
سفارة بريطانية. وأدت هذه الأمور إلى قيام حرب السنوات 1878 - 1880 م. واستولى الجيش البريطانى على كابل، وهرب شير على إلى مزار شريف حيث توفى سنة 1296 هـ (1879 م؛ وقد هزم جيشه المنظم على النمط الأوربى اللورد روبرتس فى ممر بَيْوار.
وأطلق سراح محمد يعقوب من سجنه ونودى به أميراً بعد فرار والده فى ربيع الأول سنة 1296 هـ (فبراير - مارس سنة 1879 م)، وقد لقى القوات البريطانية المتقدمة عند "كَنْدَ مَك". وعقد هناك معاهدة فى 4 جمادى الآخرة (26 مايو) نزل بمقتضاها للهند البريطانية عن أراض معينة بالقرب من ممر بولان ووادى كرم، ووافق على أن يستقبل بعثة بريطانية فى كابل. وبعد أشهر قلائل شبت فتنة فى كابل انتهت بذبح أعضاء هذه البعثة التى كان يرأسها السير لويس كافانيارى - Sir Louis Ca vagnan. وأدى ذلك إلى قيام الحرب من جديد، فاستولى روبرنس على كابل مرة أخرى، ولكن جيشاً قبلياً يقوده محمد جان والملآ مشك عالم حاصره فيها؟ وهزم هذا الجيش فخلع يعقوب خان ونفى من الهند، وعرض الحكم على عبد الرحمن فقامت فى قندهار حكومة مستقلة. وسار قسم من الجيش فى قندهار إلى كابل بقيادة ستيورات تمهيدا للجلاء عن البلاد. فلما اخترق منازل الغلزائى هاجمته قوة كبيرة من
أهل هذه القبيلة، ولم تنزل بها الهزيمة إلا بعد قتال مستيشى. وما إن نودى بعبد الرحمن أميراً حتى كان ابن من أبناء شير على هو أيوب قد استكمل جمع جيش فى هراة، وسار به إلى قندهار، وهزم قوة إنكليزية هندية صغيرة عند "مَيْوَند" وحاصر قندهار. فأسرع روبرتس من كابل وهزم أيوب. وبعد ذلك انسحب الجيش البريطانى وولى عبد الرحمن على البلاد كلها بما فيها قندهار سنة 1297 هـ (1880 م). وقد حافظ عبد الرحمن على وحدة أفغانستان واستقلالها على الرغم من المشاكل التى صادفته فى الداخل والخارج فلما أدركته المنية فى 15 جمادى الآخرة سنة 1319 هـ (أول أكتوبر سنة 1. 9 ام) سلم ابنه حبيب الله سلطانا لا ينازعه فيه منازع. وبعد اعتلاء حبيب الله العرش بقليل عقدت معاهدة بين الروس والبريطانيين أزالت المخاوف من أن تضم دولة منهما أراضى من أفغانستان أو تتدخل فى شئونها. وفى سنة 1323 هـ (1905 م) أيد الأمير المعاهدة التى سبق أن عقدها أبوه مع حكومة الهند البريطانية، تلك المعاهدة التى كفلت لهذه الحكومة الإشراف على العلاقات الخارجية لأفغانستان نظير إعانة سنوية قدرها ثمانية عشر "لخّ" من الروبيات (160.000 جنيه انكليزى). أما فى الداخل فلم يعكر شئ تقريبا صفو السلام والأمن، وحقق التعليم بعض التقدم. والتزمت أفغانستان أثناء الحرب العالمية الأولى سياسة الحياد. وفى 18 جمادى الأولى سنة 1337 هـ (20 فبراير سنة 1919 م) أطلق الرصاص على حبيب الله خان فى معسكره بقلعة كوش فى لغمان. ونادى أخوه نصر الله بنفسه خليفة له، ولكن الابن الثالث للأمير الراحل أمان الله اعتقله وسجنه، وكان أمان الله قد حصل على تأييد الجيش.
ولم يلبث أمان الله خان أن فتح باب العداوات مع الهند البريطانية، ولكنه سعى بعد شهر فقط إلى عقد هدنة، واعترف رسمياً باستقلال أفغانستان فى معهدة راولبندى فى 11 ذى القعدة سنة 1337 هـ (8 أغسطس سنة 19918 م)، وعقدت معاهدات جديدة مع
الاتحاد السوفيتى وبريطانيا العظمى سنة 19921 م، على أن التوتر استمر على الحد الشمالى حتى سنة 1922 م، وعلى الحدود الجنوبية الشرقية حتى سنة 1924 م. وفى سنة 1922 م صدر دستور فى جمعية وطنية (لوه جركا) أعقبه سنة 1924 م قانون ادارى، وتلت ذلك سنة 1924 م إجراءات لتوفير التعليم العالى للمرأة. ولما شبت نار فتنة فى خوست بزعامة الملأ عبدالكريم ألغيت الإجراءات الأخيرة وعدلت قوانين التجنيد فى مجلس وطنى آخر (يولية سنة 1924 م) وأخمدت الفتنة آخر الأمر. على أن الملك أمان الله الذى اتخذ لقب الملك فى ديسمبر سنة 1926 م، قد دعا فى جمعية وطنية ثالثة بعد عودته من رحلة فى الهند وأوروبا والاتحاد السوفيتى وتركية (من ديسمبر سنة 19927 م إلى يولية سنة 19928 م)، إلى اصدار دستور آخر، وإعلان برنامج للإصلاحات الاجتماعية والتعليمية. ونشأ من ذلك قيام سلسلة من الفتن القبلية خرج خلالها قاطع طريق تاجيكى اسمه باججه سقاو -ثم لقب من بعد بحبيب الله خان- من كوه دامن واستولى على كابل فى يناير 1929 م، وفر أمان الله إلى قندهار وباءت محاولاته لاستعادة كابل بالهزيمة على يد أنصار حبيب الله من الغلزائية فى أبريل - مايو سنة 1929 م، وفى هذه الأثناء كانت هراة قد احتلها تاجيكى آخر يدعى عبد الرحمن.
وهناك تبنى قضية المحمدزائية فرع بعيد من فروع القبيلة انحدر من باينده خان يتزعمه قائد جيش سابق كان يعيش فى الأسر وهو نادر خان (ابن محمد يوسف خان بن يحيى خان بن سلطان محمد خان أخى دوست محمد). واستطاع نادرخان بعد عدة محاولات فاشلة أن يجند سراً جيشاً من الوزيرية والمسحودية استولى بقيادة أخيه شاه ولى خان على مدينة كابل حيث تودى بنادر خان ملكاً ولقِّب بنادر شاه فى اليوم الثانى عشر من جمادى الأولى
سنة 1348 هـ (16 أكتوبر سنة 1929 م). وسلَّم حبيب الله وقتل. واقتضى نشر لواء الأمن وتهدئة الخواطر فى البلاد سنتين أخريين، وظل السخط يسرى بين مؤيدى أما الله السابقين، وكان أكثرهم نشاطاً أسرة جرحى فى لوغر. وقد أدى إعدام زعيمها إلى قيام نزاع دموى اغتيل أثناءه الملك نادر شاه فى قصر دلكشا فى 20 رجب سنة 1352 هـ (8 نوفمبر سنة 1933 م). ونودى بابنه محمد ظاهر الذى كان فى سن التاسعة عشرة خليفة له على يد إخوة نادر شاه الذى ظل أكبرهم سردار محمد هاشم خان يمارس الوصاية الفعلية على العرش حتى سنة 1946 م. وقد أخمدت بشدة عدة فتن قبلية اشتعلت فى الأعوام التالية، ونفذ فى دأب برنامج فعال للتطور العسكرى والتعليمى والاقتصادى. وفى سنة 1934 م. دخلت أفغانستان هيئة الأمم وأبرمت سنة 1937 م ميثاق سعد آباد مع تركية والعراق وإيران، وأجريت مفاوضات سنة 1936 م لعقد اتفاق تجارى مع الاتحاد السوفيتى. والتزمت أفغانستان فى الحرب العالمية الثانية الحياد الدقيق مرة أخري وسويت المنازعات الباقية على الحدود سنة 1947 م، فسويت مسألة الحد الشمالى مع الاتحاد السوفيتى، وسوى النزاع مع إيران على نهر هلمند بالتحكيم الأمريكى. على انه حدث منذ قيام باكستان فى السنة نفسها أن ظلت مشكلة قبائل "الحد الشمالى الغرب" المتمردة التى استمرت قرنا تعكر صفو العلاقات بين أفغانستان والهند البريطانية - تفسد الصلات كذلك بين الدولتين الإسلاميتين.
خورشيد [لونكويرث ديمز وجب Dames-Gibb]