المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[المطلب الخامس مراعاة القدرة] - موضوعات خطبة الجمعة

[عبد الرحمن بن معلا اللويحق]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة]

- ‌[المبحث الأول سياق الخطبة وأجزاؤها]

- ‌[المطلب الأول السلام]

- ‌[المطلب الثاني الحمد والثناء]

- ‌[المطلب الثالث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والشهادة له بالرسالة]

- ‌[المطلب الرابع الوصية بتقوى الله تعالى]

- ‌[المطلب الخامس قراءة القرآن الكريم في الخطبة]

- ‌[المطلب السادس الدعاء]

- ‌[المطلب السابع كلام الخطيب مع الناس]

- ‌[المطلب الثامن الترتيب والمولاة بين أجزاء الخطبة]

- ‌[المطلب التاسع ترجيحات لبعض العلماء في حكم أجزاء الخطبة]

- ‌[المبحث الثاني ضوابط وقواعد لموضوعات خطبة الجمعة]

- ‌[المطلب الأول حسن اختيار الموضوع]

- ‌[المطلب الثاني حسن الإعداد]

- ‌[المطلب الثالث وحدة الموضوع وترابطه]

- ‌[المطلب الرابع تخفيف الخطبة وتقصيرها]

- ‌[المطلب الخامس مراعاة القدرة]

- ‌[المطلب السادس مراعاة الأحوال]

- ‌[المطلب السابع حسن النقد وجمال النصح]

- ‌[المطلب الثامن الموازنة بين المتقابلات]

- ‌[المطلب التاسع التثبيت]

- ‌[المطلب العاشر معالجة مشكلات الأمة]

- ‌[الخاتمة]

- ‌[الخطب المنبرية]

- ‌[الفواكه الشهية في الخطب المنبرية]

- ‌[مجموعة خطب الشيخ عبد الرحمن السعدي]

- ‌[خطبة في التحذير من المدارس الأجنبية المنحرفة]

الفصل: ‌[المطلب الخامس مراعاة القدرة]

[المطلب الخامس مراعاة القدرة]

المطلب الخامس

مراعاة القدرة أولا: مراعاة قدرة الخطيب على البيان: إن العلم درجات {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76](1) والله عز وجل قد أمر نبيه أن يسأله أن يزيده علما فقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114](2) وليس الخطيب قادرًا على كل الموضوعات التَي يرد طرحها إما لقلة علمه في الجملة وإما لقلة علمه في موضوع معين، فإذا رأى الخطيب من نفسه ذلك فعليه ألا يتكلم في موضوع هو غير قادر على بيانه وتوضيحه أو غير عالم بجوانبه التي يجب طرحها على الناس.

وحين يوجد ذلك - وهو موجود خصوصا في القرى - فلعل الخطيب أن يستعين بكتاب فيه خطب لعالم موثوق فيِخطب بما فيِه، ولا أن ينشئ كلاما في موضوع لا يحسن هو الكلام فيه والله عز

(1) سورة يوسف آية 76.

(2)

سورة طه آية 114.

ص: 69

وجل يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16](1) هذا إذا لم يكن ثمة قادر على الخطابة، وإلا فالقادر أحق بالخطابة.

ثانيًا: مراعاة قدرة الناس على الفهم: إن الناس تتباين عقولهم، وتختلف فهومهم، فهم على درجات في الفهم، والخطيِب يخاطب أناسا كثرا، فكان واجبا عليه مراعاة قدرة الناس على فهم ما يقول لئلا يصير ذلك القول فتنة لهم، مثال ذلك: تكليم الناس في دقائق العلوم وصعاب المسائل التي لاتصل إليها أفهامهم ولا تدركها عقولهم، كمن يحدث عوام الناس بدقائق المسائل في القضاء والقدر وهي مسائل لا يصلح ذكرها لعوام الناس ولا يدركها إلا خواصهم وقد عد الإمام الشاطبي تكليم الناس في هذه الدقائق من باب البدعة الإضافية فقال:"ومن ذلك التحدث مع العوام بما لا تفهمه ولا تعقل مغزاه فإنه من باب وضع الحكمة في غير موضعها "(2) .

وقد جاء النهي عن ذلك في جملة أحاديث منها:

(1) سورة التغابن آية 16.

(2)

الشاطبى: الاعتصام 1 / 487 وينظر سعيد الغامدي، حقيقة البدعة وأحكامها 2 / 32 -33.

ص: 70

1 -

عن معاوية بن أبي سفيان - رضى الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى عن الأغلوطات» (1) قال الإمام الأوزاعي: " هي صعاب المسائل أو شرار المسائل (2) .

2 -

وعن علي بن أبي طالب - رضى الله عنه - قال: " حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله "(3) .

فنهى عن تحديت الناس بما لا يِعقلون حتى لا يؤدي ذلك إلى تكذيب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد جعل الإمام البخاري هذا الأثر عن علي في ترجمة باب قال فيِه: " باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا "(4) .

3 -

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: " ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبضعهم فتنة "(5) .

(1) رواه أبو داود (3656) وأحمد (5 / 435)(1 / 160) ، والخطيب في الفقه والمتفقه (3 / 11) والبيهقي في المدخل (304) والفسوي والمعرفة والتاريخ (1 / 305) ، والطبراني في الكبير (19 / 326 / 892) .

(2)

رواه أحمد في المسند (5 / 35) والبيهقي المدخل (304) ، ونقله البغوي في شرح السنة (1 / 308) .

(3)

رواه االبخاري (1 / 225) .

(4)

الفتح، (1 / 225) .

(5)

رواه مسلم في مقدمة الصحيح (1 / 76) .

ص: 71

إن تحديت الناس بما لا يعقلون ولا يدركون يؤدي إلى نتائج سيئة منها:

1 -

أن يفهم السامع الكلام على غير وجهه فيفتن بأحد أمرين:

أ - التكذيب بالحق.

ب - العمل بالباطل.

قال ابن وهب رحمه الله في الكلام عن قول ابن مسعود السابق ". . . إلا كان لبعضهم فتنة "، وذلك أن يتأولوه غير تأويله، ويحملوه على غير وجهه " (1) .

وقال الإمام الذهبي: " ينبغي للمحدث ألا يِشهر الأحاديث التي يتشبث بها أعداء السنة من الجهمية. . وأهل الأهواء والأحاديث التي فيها صفات لم تثبت، فإنك لن تحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم، فلا تكتم العلم الذي هو علم ولا تبذله للجهلة الذين يشغبون عليِك أو الذيِن يفهمون منه ما يضرهم"(2) .

وهذه المسألة تتعلق بحالات لأنها الأصل، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " أما أن يكون الكتاب والسنة نهى عن

(1) نقلا عن الشاطبي، الاعتصام (1 / 489) .

(2)

الذهبي، اليسر 10 / 578.

ص: 72

معرفة المسائل التي يِدخل فيما يستحق أن يكون من أصول الدين فهذا لا يكون اللهم إلا أن ننهى عن بعض ذلك في بعض الأحوال مثل مخاطبة شخص بما يعجز عنه فهمه فيضل " (1) وذكر قول ابن مسعود، وقول علي رضي الله عنهما.

2 -

ألا يِفهم السامع شيئًا من المتكلم، وهذا وإن كان أسلم من الأول إلا أنه ينافي مقصود الخطبة بتعليم الناس ما ينفعهم وفهمهم لذلك، فهو لم يعط الحكمة حقها من الصون، ولم يؤد الأمانة والبلاغ (2) .

والخطيِب العالم الرباني يبدأ بالتدرج مع الناس فيربيهم على صغار العلم قبل كباره، ويبدأهم بالأهم قبل المهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير قول الله عز وجل {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] (3) وكونوا ربانيين حكماء فقهاء (4) .

(1) ابن تيمية، الفتاوي 3 / 311.

(2)

ينظر الشاطبي الاعتصام 1 / 487، وعلي محفوظ، هداية المرشدين (8 / 112) .

(3)

سورة آل عمران آية 79.

(4)

رواه البخاري (1 / 160) .

ص: 73

وقال البخاري رحمه الله: " ويقال الرباني الذي يِربي الناس بصغار العلم قبل كباره "، وقال الحافظ بن حجر رحمه الله: والمراد بصغار العلم: ما وضح من مسائله، وبكباره: ما دق منها، وقيل: يعلمهم جزيئاته قبل كليِاته، أو فروعه قبل أصوله أو مقدماته قبل مقاصده " (1) .

وأختم بذكر كلام نفيسِ للإمام الشاطبي رحمه الله متعلق بهذا الموضوع حيِث يقول في بيِان ضابط ما ينشر وما لا ينشر " أنك تعرض مسألتك على الشريِعة فإن صحت في ميزانها فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها، إما على العموم إن كانت مما تقبله العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية "(2) .

(1) ابن حجر، الفتح 1 / 162.

(2)

الشاطي: الموافقات (4 / 191) .

ص: 74