الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المطلب الثالث الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والشهادة له بالرسالة]
المطلب الثالث
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والشهادة له بالرسالة لقد رفع الله ذكر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فما من عبادة تفتقر إلى ذكر الله عز وجل كالأذان إلا كان مشروعًا أن يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم يقول تَعالى: {ورفعنا لك ذكرك} [الشرح: 4](1) .
وقد أمر الله عز وجل عباده بالصلاة على نبيه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56](2) .
والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كانت مشروعة بكل حال إلا أن مشروعيتها تتأكد يوم الجمعة.
فعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « (من أفضل أيامكم يِوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيِه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي. . .) » (3) .
(1) سورة الشرح آية 4.
(2)
سورة الأحزاب آية 56.
(3)
رواه أحمد 4 / 8 وأبو داود 3 / 370 والنسائي 3 / 91 والدارمي1 / 369 وابن خزيمة 3 / 118.
وقد اختلف فقهاء المذاهب في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذهب أبو حنيفةَ إلى القول بسنية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبةَ، وهذا القول هو المشهور في المذهب المالكي.
جاء في بدائع الصنائع: وأما سنن الخطبة فمنها. . ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم (1) .
وقال الدردير في الشرح الكبير: " وندب ثناء على اللَه وصلاة على نبيه (2) . وذهب الشافعية إلى أنه فرض أو ركن، ففي مغني المحتاج في بيِان أركان الخطبة: والثاني الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم "(3) .
والمذهب عن الحنابلة أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة شرط ففي الإنصاف في بيان شروط الخطبة: (ومن شرط صحتها حمد الله. . . والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب. . . وقيل لا يشترط ذكره (4) .
(1) الكاساني: بدائع الصنائع، 1 / 363 وينتظر أيضا عابدين، حاشيته 2 / 369، حاشيته2 / 149.
(2)
الدردير، الشرح الكبير 1 / 873، وينتظر أيضا العدوي، حاشيته على الخرشي 2 / 78.
(3)
الشربيني، مغني المحتاج 1 / 285.
(4)
المرداوي، الإنصاف 2 / 387.
وقال ابن قدامة: "ويحتمل أن لا تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (1) .
الأدلة: ويستدل أصحاب الأقوال الثلاثة القائلون بالوجوب أو أنه شرط أو أنه ركن بجملة أدلة منها:
قوله سبحانه: {ورفعنا لك ذكرك} [الشرح: 4](2) روي عن مجاهد في تفسير الآية أنه قال: (لا أذكر إلا ذكرت أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله) .
قال ابن قدامة: وإذا وجب ذكر الله وجب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، لما روي في تفسير قوله تعالي:{ألم نشرح لك صدرك} [الشرح: 1](3) . {ورفعنا لك ذكرك} [الشرح: 4](4) . قال: (لا أذكر إلا ذكرت معي) ولأنه موضع وجب فيه ذكر الله تعالي والثناء عليه فوجبت فيه
(1) ابن قدامة، المغني 3 م 174.
(2)
سورة الشرح آية 4.
(3)
سورة الشرح آية 1.
(4)
سورة الشرح أية 4.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كالأذان والتشهد) ((1) .
وقال الشربيني: لأنها عبادة افتقرت إلى ذكر الله فافتقرت إلي ذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم، كالأذان والصلاة) (2) .
وما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالي: «وجعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي» (3) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا فيه ربهم ولم يصلوا على نبيهم صلى الله عليه وسلم إلا كان ترة عليهم يوم القيامة إن شاء أخذهم الله وإن شاء عفا عنهم) » (4) .
وأما الذين قالوا بعدم الوجوب أو الاشتراط فعللوا ذلك: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك في خطبه، وعمالا بالأصل (5) .
(1) ابن قدامة المغني 3 / 173 - 174.
(2)
الشربيني، مغني المحتاج 1 / 285.
(3)
رواه البيهقي في دلائل النبوة.
(4)
سنن البيهقي 3 / 210 كتاب الجمعة باب يستدل له على وجوب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة.
(5)
ينظر البهوتي، كشاف القناع 2 / 32.
قال ابن قدامة: (ويحتمل أن لا تجب الصلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر ذلك في خطبه، وعملا بالأصل)(1) .
صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: وأما صيغةَ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال العلماء: إنها متعينة، ففي مغني المحَتاج " ولفظهما أي الحمد والصلاة متعين للاتباع، ولأنه الذي مضى عليه الناس في عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا (2) .
ولا يتعين لفظ اللهم صلى على محمد، بل يجزئ أصلي أو نصلي على محمد، أو أحمد أو الرسول أو النبي أو العاقب أو الحاضر أو الناشر أو النذير، ولا يكفي رحم الله محمدًا أو صلى الله عليه وسلم وصلى الله على جبريل ونحو ذلك " المرجع السابق 1 / 285.
والذي أراه أن يأخذ الخطيب بأفضل الصيغ في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الصيغة الواردة في الإبراهيميةَ.
مسألة: هل يِلزم مع الصلاة على النبي الشهادة له بالرسالة؟
(1) ابن قدامة، المغني 3 / 174.
(2)
الشربيني، مغني المحتاج 1 / 285) .
اختلف العلماء في ذلك:
قال بعضهم: يجب ذكره بالصلاة عليه.
وقال بعضهم: يجب ذكره إما بالصلاة وإما بالتشهد، قال شيخ الإسلام وهو اختيِار جدي أبي البركات (1) .
قال المرداوي: فالواجب عنده - يعني المجد - ذكر الرسول لا لفظ الصلاة (2) .
وقد صوب شيخ الإسلام أن ذكره بالتشهد هو الواجب ثم يتَبع ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فقال: "والصواب أن ذكره بالتشهد هو الواجب لدلالة هذا الحديث، ولأن الشهادة إيِمان به، والصلاة عليه دعاء له، وأيِن هذا من هذا، والتشهد في الصلاة لابد فيه من الشهادة له في الأول والأخير، وأما الصلاة عليه فشرعتَ مع الدعاء (3) .
ولعل قَول ابن تيِمية رحمه الله أرجع الأقوال، فإن الأحاديث الواردة فيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في خطبةَ
(1) ينظر ابن تيمية الفتاوى 22 / 391. وينظر في نسبة القول إليه والإنصاف 3 / 387) .
(2)
المرداوي، الإنصاف 3 / 387.
(3)
ابن تيمية، الفتاوى 33 / 391 وينظر ذكر هذه الأقوال والنقل عن شيخ الإسلام المرداوي والإنصاف 3 / 387، وابن المفلح المبدع 2 / 158.
الحاجة ونحوها يرد فيها لفظ الشهادةَ ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لابد من الصلاة والسلام عليه إذا ذكر، فالشهادة هي الأصل والصلاة تَبع فإن الشهادة بها يصير الإنسان مسلمًا وهي الأصل، وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« (ليس كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء) » (1) ويشهد لذلك ما رواه أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصمها فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئًا» (2) .
(1) ينظر ابن تيمية، الفتاوى 22 / 390، وقد سبق تخرجه.
(2)
سنن أبي داود كتاب الصلاة، باب الرجل يخطب على قوس 1 / 287.