الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المطلب الرابع الوصية بتقوى الله تعالى]
المطلب الرابع
الوصية بتقوى الله تعالى إن المسلم في حاجةَ دومًا إلى التذكير والإرشاد، ولذلك أمر الله سبحانه رسوله الكريم بتذكير الناس ليِنتفعوا، قَال تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55](1) ولعل من المقاصد الشرعية للخطبة يوم الجمعة الموعظة وجمع المسلمين في مكان واحد كل أسبوع ليسمعوا كلام الله فتَحيا قلوبهم بالإيِمان وتندفع نفوسهم إلى الخير.
والوصيِة بتقوى الله عز وجل مشروعة في الخطبة عند المذاهب الفقهية دل على ذلك جملة نصوص منها:
1 -
ما جاء في سنن أبي داود: عن جابر بن سمرة قال: «كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان كان يجلس بينهما يقرأ القرآن ويذكر الناس» (2) .
2 -
وفي لفظ آخر: عن جابر بن سمرة قال: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدًا وخطبته قصدًا يِقرأ
(1) سورة الذاريات آية 55.
(2)
سنن أبى داود كتاب الصلاة باب الخطبة قائما 1 / 286.
آيِاتَ من القرآن ويذكر الناس» (1) ولأن المقصود من الخطبة هو الوعظ والتذكير (2) .
ولكن الفقهاء اختلفوا في حكمها على قولين:
- فذهب أبو حنيفة إلى أن الوعظ والتذكير سنة، وهو المشهور في المذهب المالكي جاء في بدائع الصنائع في سياق ذكر سنن الخطبةَ:"ويعظ ويذكر "(3) .
وجاء في الشرح الكبير (وندب ثناء على الله وصلاة على نبيه وأمر بتقوى ودعاء بمغفرة وقَراءة شيء من القران)(4) .
أما الشافعية فالوصية بتقوى الله عندهم ركن أو فرض وجعلها الحنابلةَ شرطا.
- ففي المجموع: ساق النووي أركان الخطبة فقال: "الثالث: الوصية بتقوى الله تعالى "(5) .
وجاء في الإنصاف: (والوصية
(1) سنن أبي داود كتاب الصلاة باب الرجل يخطب على القوس 1 / 288.
(2)
ينظر البهوتي، كشاف القناع 20 / 32.
(3)
الكاساني بدائع الصنائع 1 / 263.
(4)
الدردير، الشرح الكبير 1 / 178.
(5)
النووي المجموع 4 / 519.
بتقى الله) يعني يشترط في الخطبتين الوصية بتقوى الله، وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير (1) .
وهل هي واجبة في الخطبة الأولى أو الثانية:
اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: يرى الحنفية أن الوعظ والتذكير المسنون في الخطبة الأولى ، وفي الخطبة الثانية يحل دعاء للمؤمنين والمؤمنات محله ولا يعظ في الثانية.
جاء في حاشية بن عابدين في سياق ذكر سنن الخطبة: (والعظة والتذكير والقراءة قال في التجنيس: والثانية كالأولى إلا أنه يدعو للمسلمين مكان الوعظ)(2) .
أما الشافعية فيرون أن الوصية بتقوى الله تعالى ركن في الخطبتين بمعنى أنه لابد من الوعظ والتذكير في كلتا الخطبتين وهذا هو المذهب عند الحنابلة إلا أنهم يرونها شرطا.
قال صاحب مغني المحتاج بعد ذكر ثلاثة أركان من أركان الخطبة، وهي الحمد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوصية بتقوى الله، قال:(وهذه الثلاثة) الأركان المذكورة
(1) المرداوي الإنصاف 2 / 388.
(2)
ابن عابدين حاشية على الدار المختار 2 / 149.
(أركان في) كل من (الخطبتين) لاتباع السلف والخلف، ولأن كل خطبة منفصلة عن الأخرى (1) .
وجاء في المبدع في سياق ذكر شروط صحة الخطبتين: (والوصية بتقوى الله تعالى، أنه المقصود)(2) .
وقيل: الوصية بتقوى الله شرط في الخطبة الثانية فقط، وهو راوية عند الحنابلة ، قال المرداوي:" وهو ظاهر كلام الخرقي فإنه قال في الثانية: ولم يقل في الأولى ووعظ "(3) .
صيغة الوصية بتقوى الله: يرى الشافعية على الصحيح في مذهبهم أنه لا يتعين لفظ الوصية بتقوى الله إنما الواجب على الخطيب أن يأتي بما يدل على الموعظة طويلا كان أو قصيرا كأطيعوا الله وراقبوه.
جاء في روضة الطالبين: " وهل يتعين لفظ الوصية قال إمام الحرمين: ولا خلاف أنه لا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها، فإن ذلك قد يتواصى به منكر الشرائع بل لا بد من
(1) الشربيني، مغني المحتاج 1 / 286.
(2)
ابن مفلح، المبدع 2 / 25.
(3)
المرداوي، الإنصاف 2 / 288.
الحمل على طاعة الله عز وجل والمنع من المعاصي، ولا يجب في الموعظة كلام طويل بل لو قال: أطيعوا الله كفى (1) .
وهناك وجه آخر عند الشافعيةَ: أنه يتَعين لفظ الوصية بتقوى الله قياسا على الحمد والصلاة (2) .
وقال النووي بعد ذكر هذا الوجه: "وهذا ضعيف أو باطل، لأن لفظ الحمد والصلاة تعبدنا به في مواضع، وأما لفظ الوصيِة فلم يرد نص بالأمر به ولا بتعينه "(3) .
وعند الحنابلة أيضا لا يتعين لفظ الوصية بتقوى الله، وأقلها: اتَقوا الله، وأطيعوا الله، ونحوه (4) .
وذكر بعض الحنابلة أن الوعظ لابد أن يشتمل على ما يحرك القلوب ويدفعها إلى الخير. جاء في المبدع: " وذكر أبو المعالي والشيخ تَقي الدين: ولا يكفي ذكر الموت وذم الدنيا، ولا بد أن يحرك القلوب ويبعث بها إلى الخير، فلو اقتصر على أطيعوا الله
(1) "النووي، روضة الطالبين 2 / 25.
(2)
ينظر المرجع السابق 2 / 25، والشربيني، مغني المحتاج 1 / 285.
(3)
النووي المجموع 4 / 52.
(4)
ينظر البهوتي، كشاف القناع 2 / 32.