الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المطلب الثاني الحمد والثناء]
المطلب الثاني
الحمد والثناء دلت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم المنقول فيها خطبه على أنه كان يبدأ بالحمد والثناء على الله سبحانه وتعالى، فمن ذلك:
عن جابر بن عبد اللَه رضي الله عنهما قال: " كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يِوم الجمعة يحمد اللَه ويثني عليه ثم يِقول على إثر ذلك وقد علا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم ( «بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين إصبعية السبابة والوسطى» )(1) .
وفي لفظ عنه أنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، ويحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول:«من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وخير الحديث كتاب الله» (2) .
(1) رواه مسلم في الصحيح (767) في الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة، والنسائي (8813 1 - 189) في العيدين باب الخطبة، وابن ماجة في السنن 1 / 17 وابن خزيمة في الصحيح 3 / 143.
(2)
رواه مسلم (868) في الجمعة - باب تخفيف الصلاة والخطبة.
وما روي عن الحكم بن حزن الكلفي قال: «وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلت عليِه، فقلت: يا رسول الله، زرناك فادع لنا بخير، فأمر بنا أو أمر لنا بشيء من التمر والشأن إذ ذاك دون، فأقمنا بها أيامًا شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام متوكئًا على عصى أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفِيفات طيباتَ مباركات، ثم قال» : «أيها الناس إنكم لن تطيقوا، أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا» (1) .
وقد كان الواصفون لخطبة الرسول صلى الله عليه وسلم يذكرون سياق الخطبة بقولهم: ثم قال بعد الحمد لله والثناء.
وقد ساق البخاري جملة من تلك الأحاديِث في صحيحه: كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبةَ بعد الثناء: أما بعد، فذكر حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما في ذكر الكسوف قالت:«فخطب الناس وحمد الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد. . .» الحديث (2) .
(1) رواد أبو داود 1 / 287 رقم 1096، كتاب الصلاة، باب الرجل يخطب على قوس.
(2)
رواه البخاري كتاب الجمعة باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد (402) .
وذكر حديث عمرو بن تغلب في قصة المال الذي وزع على الناس فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم رجالًا وترك رجالًا فبلغه أن الذين ترك عتبوا، قال:«فحمد الله ثم أثنى عليه ثم ساق الحديث» ، وذكر أحاديث أخرى في خطبة عليه الصلاة والسلام يدل على أنه لم يترك التحميد والتهليل والثناء على الله عز وجل بما هو أهله صدر كل خطبه من خطبه الجمعة وغيرها (1) .
بل إن الأمر ورد بالحمد والثناء في الخطبة، فقال عليه الصلاة والسلام في حديث أبى هريرة رضي الله عنه:«كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أبتر» (2) . وفي رواية (أقطع) وفي رواية (أجذم) وفي الحديث «كل خطبة ليس فيها شهادة كاليد الجذ ماء» ) (3) .
وهذه الأحاديث دالة على مشروعية الحمد والثناء والتَشهد، ولكن العلماء اختلفوا في درجة هذه المشروعية.
ففي المذهب الحنفي: يختلف القول في ذلك.
(1) انظر هذه الأحاديث في البخاري كتاب الجمعة باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد (452) .
(2)
الحديث رواه أبو داود باب الهدي في الكلام من كتاب الأدب (2 / 560) بلفظ أجذم، وابن ماجة في كتاب النكاح باب في خطبة النكاح (1 / 160) وأحمد في المسند (2 / 259) .
(3)
أخرجه الإمام أحمد في المسند 2 / 302 تحقيق أحمد شاكر وأبو داود 13 / 185 مع عون المعبود والبخاري في التاريخ الكبير 4 / 229 وابن حبان في موارد الضمان ص 152، 489، والترمذي في سننه 2 / 179، وقال: حديث حسن غريب، والبيهقي والسنن 3 / 209.
فعند الإمام أبي حنيفة الحمد سنة، فلو حمد أو هلل أو سبح كفاه ذلك وأما عند أبي يوسف ومحمد فالتَحميِد واجب (1) .
ففي المبسوط: " وإذا خطب بتسبيحة واحدة أو بتهليل أو بتحميد أجزأه في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما اللَه تعالى:(لا يجزؤه حتى يكون كلامًا يسمى خطبة)(2) وفي تبيين الحقائق (وقال أبو يوسف ومحمد لابد من ذكر طويل يسمى خطبةَ وأقله قدر التشهد إلى قوله (عبده ورسوله) يثني بها على الله تعالى ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويِدعو للمسلمين) (3) .
وعند المالكية: يختلف القول أيضا، فالمشهور من المذهب أنه مندوب، ففي حاشية الدسوقي:(وعلى المشهور فكل من الحمد والصلاة على النبي والقرآن مستحب)(4) وقال بعضهم إنه شرط لصحة الخطبة فقد نقل في حاشية الدسوقي عن بعض العلماء المالكية قولهم (أقل الخطبة حمد الله والصلاة والسلام على
(1) انظر السرخسي، المبسوط 2 / 30 والزيلعي، وتبين الحقائق 1 / 220.
(2)
السرخسي، المبسوط 2 / 30.
(3)
الزيلعي تبين الحقائق 1 / 220.
(4)
الدسوقي، الحاشية 1 / 378.
النبي صلى الله عليه وسلم وتحذير وتبشير وقرآن) . وقال: (إن ذلك مقابل المشهور في المذهب وهو القول بأن الحمد مندوب)(1) .
وجعل الشافعيةَ التحميد ركنا وبعضهم يسميه فرضا.
ففي المذهب: " وفرضها أربعة أشياء أحدها: أن يحمد الله تعالى (2) .
وفي روضة الطالبين: " وأركان الخطبةَ خمسة أحدها: يحمد الله تَعالى، ويتعيِن لفظ الحمد (3) .
ومنهم من قال إنه شرط لصحة الخطبة وهو قول الحنابلةَ (4) ففي كشاف القناع: "ومن شرط صحة كل منهما أي الخطبتين. . . (حمد الله) بلفظ الحمد لله فلا يجزئ غيره لحدثِ أبي هريرة مرفوعا (كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد دنَه فهو أجذم) رواه أبو داود، ورواه جماعة مرسلا وروى أبو داود عن ابن مسعود قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشهد قال: الحمد لله)(5) .
(1) الدسوقي: الحاشية 1 378 وينظر أيضا الدردير، الشرح الصغر 1 / 499، والخطاب، مواهب الجليل 2 / 165 ومحمد عليش، شرح منح الخليل 3 256 - 261.
(2)
نقلا عن النووي، المجموع 4 / 516.
(3)
النووي، روضة الطالبين 2 / 24 وينظر الرملي نهاية المحتاج 2 / 300 والشربيني، مغني المحتاج 1 م 285.
(4)
ينظر ابن قدامة، المغني 3 / 173 والمرداوي، والإنصاف 2 / 387 وابن مفلح المبدع 2 / 285.
(5)
البهوتي، كشاف القناع 1 / 285.
وظاهر من هذه الأقوال أنه ليس أحد من العلماء إلا ويجد التحميد وما يتبعه من التشهد مشروعاُ في الخطبة وإن كانوا اختلفوا في درجة المشروعية.
وأما صيغة الحمد فقد أوجب العلماء صيغة الحمد دون غيرها من صيغ التعظيم والثناء ففي مغني المحتاج: "ولفظهما أي: الحمد والصلاة، متعين للاتباع، ولأنه الذي مضى عليه الناس في عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا، فلا يجزئ الشكر والثناء، ولا إله إلا الله، ولا العظمة والجلال والمدح نحو ذلك، ولا يتعين لفظ الحمد بل يجزئه بحمد الله أو أحمد الله أو لله الحمد أو الله أحمد"(1) .
وفي الإنصاف: "ومن شرط صحتهما حمد الله بلا نزاع فيقول: الحمد لله بهذا اللفظ قطع به الأصحاب منهم المجد في شرحه وابن تيمية وابن حمدان وغيرهم قال في النكث: لم أجد فيه خالفاً (2) .
(1) لشرير، معي المحتاج 1 / 285.
(2)
المرداوي، الإنصاف 2 / 287.