الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجتنبوا معاصيه فالأظهر لا يكفي وإن كان فيه وصية، لأنه لابد من اسم الخطبة عرفا " (1) .
ويظهر مما سبق أن الأفضل أن يأتي الخطيب بوعظ وتذكير يشتمل على تقوى الله ويأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر أو غير ذلك مما يسمى وعظا عرفا، وإنما الخلاف بين العلماء في القدر المجزئ.
[المطلب الخامس قراءة القرآن الكريم في الخطبة]
المطلب الخامس
قراءة القرآن الكريم في الخطبة أولا: حكم قراءة القرآن في الخطبة: دلت الأحاديث على مشروعية قراءة القرآن في الخطبة فمن ذلك:
عن صفوان بن يعلى عن أبيه أنه «سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف: 77] » (2) .
(1) ابن مفلح، المبدع 2 / 158 - 159.
(2)
رواه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة رقم (871) وأبو داود.
وعن عمرة بنت عبد الرحمن عن أخت لها قالت: «أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق: 1] من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يِوم الجمعةَ وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعهَ» ، (1) .
وعن جابر بن سمرة رضى الله عنه، قال:«كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان كان يجلس بينهما يِقرأ القرآن ويِذكر الناس» (3) .
عن ابن جريج عن عبد اللَه بن أبي بكر «إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وهو على المنبر فلما بلغ السجدة التَي فيها نزل فسجد - فسجد الناس معه» (4) . وقد اختَلف الفقهاء
(1) رواه مسلم: كتاب الجمعة: باب تخفيف الصلاة والخطبة رقم (871) .
(2)
رواه أحمد في المسند 6 / 435، ومسلم في الصحيح 2 / 595، والطبراني في المعجم الكبير في 25 / 142، والبيهقي في السنن3 / 211.
(3)
رواه عبد الرزاق والمصنف 3 / 194.
(4)
رواه أبو داود في سننه كتاب الصلاة، باب الخطبة قائما (1 / 276) .
في حكم قراءة القرآن في الخطبة على أقوال عدة: فذهب أبو حنيفة إلى أنها سنة في الخطبة الأولى والثانيةَ.
جاء في بدائع الصنائع في سياق ذكر سنن الخطبة: ويتلو آيِات من القرآن، وكان الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل البخاري يستحب أن يقرأ الخطيب في خطبته:{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عمران: 30] ثم القعدة بين الخطبتين سنة عندنا وكذلك القراءة في الخطبة) (1) .
وهو أيضًا سنة عند المالكية على المشهور عندهم، قال الدسوقي في حاشيتَه: " وعلى المشهور فكل من الحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن مستحب) (2) .
وذهب الشافعيِة على الصحيح من مذهبهم إلى الوجوب.
قال الإمام الشافعي: فلا تتم الخطبتان إلا أن يقرأ في إحداهما آية فأكثر، والذي أحب أن يقرأ بـ (ق) في الخطبةَ الأولى، كما
(1) الكاساني، بدائع الصنائع 1 / 263.
(2)
الدسوقي، حاشيته 1 / 378.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يقصر عنها وما قرأ أجزأه إن شاء الله " الشافعي، الأم 1 / 263.
وقال النووي: " الصحيح المنصوص في الأم تجب في إحداهما أيِتهما شاء. . . والمذهب عند الأصحاب أنها تجب في إحداهما لا بعينها "(1) وفي مذهب الشافعية أوجه أخرى ذكرها النووي في المجموع.
وجعل الحنابلة: القراءة شرطا، قال البهوتي في سياق ذكر شروطه صحة الخطبتيِن: وقراءة آية كاملة لقول جابر: كان صلى الله عليه وسلم يِقرأ آيات ويِذكر الناس ، رواه مسلم " (2) .
وفي الإنصاف للمرداوي: " الصحيح من المذهب أنه يشترط لصحة الخطبتين قراءة آية مطلقا في كل خطبة نص عليه أكثر الأصحاب، لأنها بدل من ركعتين "(3) .
وفي المذهب روايات أخرى ذكرها المرداوى في الإنصاف، وعلى كل حال فالقراءة مشروعة.
(1) النووي المجموع 4 / 5200 وينظر الرملي، نهاية المحتاج 2 / 202، والنووي، روضة الطالبين 2 / 52.
(2)
البهوتي، كشاف القناع 2 / 32.
(3)
المرداوي، الإنصاف، ص / 387.
الأدلة: علل القائلون بأن قَراءة القرآن سنة: بأن الله تعالى أمر بالذكر مطلقًا عن قيد القعدة والقراءة فلا تجعل شرطًا بخبر الواحد، لأنه يصيِر ناسخا لحكم الكتاب، وأنه لا يصلح ناسخا له، ولكن يصلح مكملا له.
وردوا على استدلال الآخرين بالسنة بقولهم: إن قدر ما ثبت بالكتَاب يكون فرضا، وما ثبت بخبر الواحد يِكون سنة عملا بهما بقدر الإمكان (1) .
واستدل القائلون بالوجوب بمجمل الأحاديث السابق ذكرها وعللوا ذلك أيِضا بأن الخطبتين أقيمتا مقام ركعتين، والخطبة فرض، فوجبت فيها القراءة كالصلاة (2) .
ونلاحظ مما سبق أن قراءة القرآن في الخطبة مشروعة عند جميع المذاهب، وإنما ورد الخلاف في درجة هذه المشروعية هل هي سنة أم واجبة، لكن ينبغي على الخطيب أن يقرأ آية فأكثر في الخطبتَين خروجا من الخلاف واحتياطا للعبادة لأن الأمر إذ دار بين الوجوب والاستحباب فالاحتياط الإتيان به، والله أعلم.
ثانيا: مشروعية السجدة إذا قرأ الإمام آية السجدة في الخطبة: عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه (قرأ يوم الجمعة على المنبر
(1) ينظر الكاساني، وبدائع الصنائع1 / 263.
(2)
ينظر البهوتي: الكشاف القناع 2 / 32، ابن مفلح المبدع 2 / 158.
بسورة النمل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيِها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه ولم يسجد عمر رضي الله عنه .
وزاد نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما (إن الله لم يفرض السجود إلا إن شاء)(1) . (لفظ البخاري) .
عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] وهو على المنبر فلما بلغ السجدة التي فيها نزل فسجد فسجد الناس معه» (2) .
عن أبي سعيد الخدري أنه قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يِوما فقرأ صلى الله عليه وسلم فلما مر بالسجدة نزل فسجد وسجدنا معه، وقرأها مرة أخرى، فلما بلغ السجدة تيِسرنا للسجود فلما رآنا قال: إنما هي توبة نبي ولكني أراكم قد استعددتم للسجود فنزل فسجد وسجدنا معه» (3) .
(1) رواه البخاري في الصحيح 2 / 101 والبيهقي في السنن 2 / 231 وعبد الرزاق في المصنف بألفاظ مختلفة 3 / 346 والبيهقي والسنن 2 / 321، 3 / 213.
(2)
رواه عبد الرزاق في المصنف 3 / 194.
(3)
رواه الدارمي في السنن 1 / 282، وابن خزيمة في الصحيح 2 / 355 وابن حبان في الصحيح 4 / 189، 202 والدارقطني في السنن 1 / 408 والحاكم في المستدرك 1 / 284، البيهقي في السنن 2 / 318 وقال: حسن الإسناد صحيح.
وقد اختلف الفقهاء إذا قَرأ الخطيب آيةَ السجدة أثَناء خطبته، فهل ينزل من المنبر ويِسجد سجدة التلاوة أو يستمر في خطبته ولا ينزل ، على أقَوال:
فذهب الحنفية إلى وجوب سجدة التلاوةَ، فإذا قرأ الخطيب آية السجدة فإنه ينزل ويسجد معه السامعون، ويجوز له أن يؤخر ذلك إلى أي وقت شاء، لأنه واجب على التراخي.
جاء في بدائع الصنائع في سياق بيان حكم سجود التلاوةَ داخل الصلاة وخارجها:
فأما خارج الصلاة فإنها تجب على سبيل التراخي في دون الفور عند عامة أهل الأصول، لأن دلائل الوجوب مطلقة عند تعيين الوقت فتجب في جزء من الوقت غير معين، ويتعين ذلك بتعيينه فعلا، وإنما يتضيق عليِه الوجوب في آخر عمره كما في سائر الواجبات الموسعة، وأما في الصلاة فإنها تجب على سبيل التضييق.
وذهب المالكية إلى أنه يكره قراءة آية السجدة أثناء الخطبة، ويكره له السجود إن قرأها.
وعللوا ذلك بأنه يخل بنظامها، جاء في الشرح الكبير:(وإن قرأها في فرض سجد) ولو بوقت نهي، لأنها تابعة حيِنئذ
للفرض. (لا) إن قرأها في خطبة فلا يسجد أي يكره) (1) وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجوز له إن قَرأ السجدة أن ينزل فيسجد وإن أمكن السجود على المنبر سجد عليه، وإن ترك السجود فلا حرج عليه.
جاء في روضة الطالبين: " ولو قرأ آية سجدةَ نزل وسجد، فلو كان المنبر عاليا لو نزل لطال الفصل لم ينزل، لكن يسجد عليه إن أمكنه، وإلا ترك السجود"(2) .
وقال ابن قدامة في المغني " فصل: وإن قرأ السجدة في أثناء الخطبة فإن شاء نزل فسجد، وإن أمكن السجود على المنبر سجد عليه وإن ترك السجود فلا حرج، فعله عمر وتركه"(3) .
ولعل الراجح في هذه المسألة القول الأخير، وهو جواز فعل السجدة وتركها، وقد أخرج مالك أثرًا أن عمر بن الخطاب قرأ سجدة وهو على المنبر يوم الجمعة، فنزل فسجد وسجد الناس معه، ثم قرأها يوم الجمعة الأخرى فتهيأ الناس للسجود، فقال على
(1) الكاساني، بدائع الصنائًع 1 / 180.
(2)
النووي، روضة الطالبين2 / 26 وينظر أيضًا الشربييني مغني المحتاج 1 / 286.
(3)
ابن قدامة، المغني 3 / 180.