الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد هذه المناقشات الإجمالية في ذكر شبه الأشاعرة والرد عليها، وبيان الأصول والقواعد التي تنقض مذهبهم، ننتقل إلى بعض المناقشات المفصلة في بعض الصفات، مثل: الصفات الاختيارية، والخبرية، وكلام الله، والعلو.
المسألة الثالثة: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية:
من بداية هذه المسألة وإلى نهاية مباحث الرسالة يكون البحث قد دخل مرحلة المناقشات المفصلة لكل صفة، ولكل جانب من جوانب العقيدة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى طول المباحث والمناقشات الواردة في كل مسألة من هذه المسائل، ومن خلال جمع المادة العلمية لكل واحدة منها، وهي طويلة جدا، وقف البحث على مفترق طرق:
- إما تتبع الفروع والمسائل المتفرقة، والأدلة والمناقشات المتعددة. وذلك لكل جانب من جوانب الصفات وقضايا العقيدة الأخرى.
- وإما الاقتصار على بيان الخطوط المجملة، التي توضح منهج شيخ الإسلام في كل واحدة منها. وتأجيل المناقشات التفصيلية إلى بحوث لاحقة.
ولما كان الأمر الأول - على فائدته وأهميته - يقتضي طولا غير عادي في هذه الرسالة، إضافة إلى ضيق الوقت وقصر المدة - فإني رأيت أن أسلك الأمر الثاني. ولعل مما يبرر ذلك أن الفصول السابقة اشتملت على أهم القضايا المتعلقة بموضوع الرسالة، ومنها: منهجه العام في الرد على الأشاعرة، ومنهجه في الرد عليهم في توحيد الألوهية والربوبية، وفي الأسماء، وفي الصفات التي أثبتوها، ثم في حججهم العامة على ما نفوه من الصفات والعلو ومناقشتها، وهذه تحتوي على كثير من المسائل الدقيقة، التي قد لا يفطن لها بعض الناس.
ولذلك كان من الضروري تفصيل القول فيها، أما المسائل الأخرى مثل مسألة: الصفات الاختيارية، والخبرية، وكلام الله، والعلو، والقدر، والإيمان، فهذه واضحة بشكل مجمل، وخلاف الأشاعرة فيها لأهل السنة مما لا يجهله كثير من طلبة العلم، وإن كانت لا تخلو من التفاصيل والدقائق التي يهتم بها من يعني
بهذا الشأن (1) .
هذه تقدمة ضرورية بين يدي ما يأتي من بحوث ومناقشات والله المستعان.
ومسألة الصفات الاختيارية، أو الفعلية، هي التي يسميها المعتزلة والأشاعرة مسألة حلول الحوادث (2) ، وأهم ما يميزها بالنسبة للمذهب الأشعري إجماع متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم عليها، لأنا كانت الأساس الذي قام عليه المذهب الكلابي، ثم الاشعري. وهذا بخلاف الصفات الخبرية، أو العلو، فإن الخلاف فيها قائم بين المتقدمين والمتأخرين.
والصفات الاختيارية هي - كما يقو شيخ الإسلام - "الأمور التي يتصف بها الرب عز وجل، فتقوم بذاته بمشيئته وقدرته، مثل كلامه، وسمعه وبصره، وإرادته، ومحبته، ورضاه، ورحمته، وغضبه، وسخطه، ومثل خلقه، وإحسانه، وعدلة، ومثل استوائه، ومجيئه، وإتيانه، ونزوله، ونحو ذلك من الصفات التي نطق بها الكتاب العزيز والسنة"(3) .
ويمكن عرض منهج شيخ الإسلام في إثباتها والرد على الأشاعرة الذين نفوها من خلال الفروع التالية:
الفرع الأول: مقدمات في بيان الخلاف حول الصفات الاختيارية ومنشئه:
ذكر شيخ الإسلام خلاصة أقوال الطوائف في هذه المسألة فقال: "وأما مسألة قيام الأفعال الاختيارية به: فإن ابن كلاب والأشعري وغيرهما ينفونها، وعلى ذلك بنوا قولهم في مسألة القرآن، وبسبب ذلك وغيره تكلم الناس فيهم في هذا بما هو معروف في كتب أهل العلم، ونسبوهم إلى البدعة وبقايا بعض الإعتزال فيهم.
(1) ولعل الله أن ييسر إبراز كل مسألة من هذه المسئل في بحوث مستقلة، خاصة وأن مادتها العلمية موجودة ومصنفة. والله هو الموفق والمعين.
(2)
انظر: درء التعارض (2/10) .
(3)
مجموع الفتاوى (6/217) .
وشاع النزاع في ذلك بين عامة المنتسبين إلى السنة من أصحاب أحمد وغيرهم. وقد ذكر أبو بكر عبد العزيز في كتاب "الشافي" عن أصحاب أحمد في معنى أن القرآن غير مخلوق قولين، مبنيين على هذا الأصل:
أحدهما: أنه قديم، لا يتعلق بمشيئته وقدرته.
والثاني: أنه لم يزل متكلما إذا شاء.
وكذلك ذكر أبو عبد الله بن حامد قولين.
وممن كان يوافق على نفي ما يقوم به من الأمور المتعلقة بمشيئته وقدرته - كقول ابن كلاب - أبو الحسن التميمي وأتباعه، والقاضي أبو يعلي وأتباعه، كابن عقيل، وأبي والحسن بن الزاغوني وأمثالهم، وإن كان في كلام القاضي ما يوافق هذا تارة، وهذا تارة.
وممن كان يخالفهم في ذلك أبو عبد الله بن حامد، وأبو بكر عبد العزيز وأبو عبد الله بن بطه، وأبو عبد الله بن منده، وأبو نصر السجزي، ويحيى ابن عمار السجستاني، وأبو إسماعيل الأنصاري وأمثالهم.
والنزاع في هذا الأصل بين أصحاب مالك، وبين أصحاب الشافعي، وبين أصحاب أبي حنيفة، وبين أهل الظاهر أيضاً: فداود بن علي صاحب المذهب وأئمتهم على إثبات ذلك، وأبو محمد بن حزم على المبالغة في إنكار ذلك.
وكذلك أهل الكلام: فالهشامية والكرامية على إثبات ذلك، والمعتزلة على نفي ذلك
…
وكذلك المتفلسفة: فحكوا عن أساطينهم - الذين كانوا قبل أرسطو - أنهم كانوا يثبتون ذلك، وهو قول أبي البركات صاحب "المعتبر"، وغيره من متأخريهم، وأما أرسطو وأتباعه - كالفارابي وابن سينا - فينفون ذلك، وقد ذكر أبو عبد الله الرازي عن بعضهم أن إثبات ذلك يلزم جميع الطوائف وإن أنكروه، وقرر ذلك.
وكلام السلف والأئمة، ومن نقل مذهبهم، في هذا الأصل كثير، يوجد في كتب التفسير والأصول
…
" (1) .
ومن خلال هذا العرض المفصل لأقوال الطوائف في هذه المسألة يتبين أن الخلاف فيها ليس مع الأشاعرة فقط، كما أن القائلين بها ليسوا أهل السنة فقط، وإنما وافقهم عليها - ولو بشكل مجمل - كثير من أتباع الطوائف المختلفة.
ومنشأ الخلاف في هذه المسألة من جهتين:
الجهة الأولى: المضافات إلى الله وأنواعها، وقد ذكر شيخ الإسلام أن المضافات إلى الله في الكتاب والسنة ثلاثة أقسام:
أحدها: إضافة الصفة إلى الموصوف، مثل علم الله، وقدرة الله سواء كان إضافة اسمية مثل استخيرك بعلمك، أو بصيغة الفعل مثل {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُم} (البقرة: من الآية187) ، أو الخبر الذي هو جملة أسمية مثل:{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة: من الآية282) .
الثاني: إضافة المخلوقات، مثل: بيت الله، ناقة الله، رسول الله.
الثالث: ما فيه معنى الصفة والفعل، مثل قوله:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} (النساء: من الآية164) وقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يّس:82) وقوله: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَب} (البقرة: من الآية90) وغيرها.
فالقسم الأول: لم يختلف أهل السنة والجماعة في إنه قديم غير مخلوق، وقد خالفهم بعض أهل الكلام في ثبوت الصفات لا في أحكامها.
والقسم الثاني: لا خلاف بين المسلمين في أنه مخلوق.
أما القسم الثالث: وهو ما فيه معنى الصفة والفعل - فالناس فيه على قولين:
(1) انظر: درء التعارض (2/18-20) .
القول الأول: قول المعتزلة، والكلابية، والأشعرية، وغيرهم، أن هذا القسم لا بد أن يلحق بأحد القسمين قبله، فيكون: إما قديما به أزليا، وإما مخلوقا منفصلا عنه. ثم هؤلاء فريقان:
فريق: يرى امتناع قيام الصفات به، وهؤلاء هم المعتزلة، قالوا: القرآن مخلوق، وليس لله مشيئة ولا حب ولا بغض.
وفريق: وهم الصفاتية الذين يرون قيام الصفات به، ويقولون: له مشيئة، وكلام قديم، واختلفوا في حبه وبغضه، وأسفه ورحمته وسخطه ونحو ذلك هل هو بمعنى المشيئة أو صفات أخرى غير المشيئة؟ على قولين.
ثم هؤلاء اختلفوا في الاستواء والنزول والمجيء وغير ذلك من أنواع الأفعال التي هي أنواع جنس الحركة على أحد قولين:
أإما أن يجعلوها من باب النسب والإضافات المحضة، بمعنى أن الله خلق العرش بصفة النحت فصار مستويا عليه، وأنه يكشف الحجب التي بينه وبين خلقه فيصير جائيا إليهم
…
مثل قول الأشعري عن الاستواء إنه فعل فعله في العرش سماه استواء.
ب أو يقول هذه أفعال محضة في المخلوقات من غير إضافة ولا نسبة.
القول الثاني: وهو قول الكرامية وكثير من الحنبلية وأكثر أهل الحديث ومن اتبعهم من الفقهاء والصوفية وجمهور المسلمين وأكثر كلام السلف يدل على هذا القول، وهو: أ، هذه الصفات الفعلية ونحوها، المضافة إلى الله تعالى، قسم ثالث، ليست من المخلوقات المنفصلة عنه، وليست بمنزلة الذات والصفات القديمة الواجبة التي لا تتعلق بها مشيئته لا بأنواعها، ولا بأعيانها.
وقد يقول هؤلاء: إنه يتكلم إذا شاء، ويسكت إذا شاء، ولم يزل متكلما بمعنى إنه لم يزل يتكلم إذا شاء، ويسكت إذا شاء، وكلامه منه ليس مخلوقا، وكذلك يقولون: وإن كان له مشيئة قديمة فهو يريد إذا شاء، ويغضب ويمقت ويقر هؤلاء - أو أكثرهم - بما جاء من النصوص على ظاهره مثله قوله:
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش} (لأعراف: من الآية54) إنه استوى عليه بعد أن لم يكن مستويا عليه، وإنه يدنو إلى عباده ويقرب منهم، وينزل إلى سماء الدنيا ويجيء يوم القيامة بعد أن لم يكن جائياً.
ثم هؤلاء اختلفوا: هل يقال: تحل الحوادث بذاته؟ فمنهم من يطلقه، ومنهم من لا يطلق ذلك إما لعدم ورود الأثر به، أو لا يهام معنى فاسد
…
(1) .
وببيان هذه المسألة العظيمة، مسألة المضاف إلى الله تعالى يتبين كيف وقع كثير من الطوائف في الانحراف في هذا الباب (2) .
الجهة الثانية: التي نشأ بسببها الخلاف في الصفات الفعلية أو الاختيارية هي: أن الخلق هل هو المخلوق أو غيره؟ وبيان ذلك أنه إذا كان من المتفق بين جميع الطوائف أن الله تعالى هو الذي خلق السموات والأرض، كما اتفقوا على أن هذه المخلوقات وجدت مخلوقة منفصلة عنه. إلا أنهم اختلفوا في أنه تعالى لما خلقها هل قامت به صفة الخلق، أو أن الخلق هو نفس المخلوق من غير أن تقوم به صفة؟
وارتباط هذه المسألة بحلول الحوادث أو الصفات الاختيارية واضح جدا؛ لأن من المعلوم أن السموات والأرض أو غيرها من المخلوقات ليست مخلوقة منذ الأزل، بل هي حادثة، فحين خلقها الله لا بد أن تكون قد تجددت له صفة لم تكن موجودة من قبل، فبخلقه للسماء قامت به صفة الخلق لها لأن السماء لم تكن مخلوقة من قبل، ومعنى ذلك حسب تعبير أهل الكلام أن الله حلت به الحوادث التي لم تكن موجودة من قبل.
(1) انظر فيما سبق مجموع الفتاوى (6/144-151) .
(2)
انظر في مسألة المضافات إلى الله. الجواب الصحيح (1/241-245) ، ودرء التعارض (7/263-266)، وشرح الأصفهانية (ص:66-67) - ت مخلوف، وجواب أهل العلم والإيمان - مجموع الفتاوى - (17/150-152) ، ومجموع الفتاوى (9/290-291) .
فالذين يقولون بنفي الصفات الاختيارية ومنع حلول الحوادث أجابوا عن ذلك بأن قالوا إن الخلق هو المخلوق، والفعل هو المفعول، ومعنى ذلك أن صفة الخلق أو الفعل لا تقوم بالله تعالى ويفسرون أفعاله المتعدية مثل قوله:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (الأنعام: من الآية1) وأمثاله أ، ذلك وجد بقدرته من غير أن يكون منه فعل قام بذاتهن بل حاله قبل أن يخلق وبعد ما خلق سواء، لم يتجدد عندهم إلا إضافة نسبة وهي أمر عدمي لا وجودي، كما يقولون في كلامه واستوائه. وهذا قول الأشاعرة (1) .
أما جمهور أهل السنة فيفرقون بينهما ويقولون: الخلق غير المخلوق والفعل غير المفعول، فيثبتون صفة الخلق والفعل قائمة بالله، ويقولون بوجود المخلوق والمفعول المنفصل عن الله تعالى، ويقولون بإثبات الصفات الاختيارية التي تقوم بالله وتتعلق بمشيئته.
وهذا مع أن النصوص المتواترة من الكتاب والسنة قد دلت عليه فقد دل عليه صريح المعقول، "فإنه قد ثبت بالأدلة السمعية والعقلية أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق، محدث، كائن بعد أن لم يكن، وأن الله انفرد بالقدم والأزلية، وقد قال تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} (الفرقان: الآية59، والسجدة: الآية4)، فهو حين خلق السموات ابتداء: إما أن يحصل منه فعل يكون خلقا للسموات والأرض، وأما أن لا يحصل منه فعل، بل وجدت المخلوقات بلا فعل، ومعلوم أنه إذا كان الخالق قبل خلقها، ومع خلقها سواء، وبعده سواء لم يجز تخصي خلقها بوقت دون بلا سبب يوجب التخصيص.
وأيضاً: قحدوث المخلوق بلا سبب حادث ممتنع في بادية العقول، وإذا قيل الإرادة والقدرة خصصت قيل: نسبة الإرادة القديمة إلى جميع الأوقات سواء،
(1) انظر: شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (5/378-379، 528-529) .
وأيضا فلا تعقل إرادة تخصص أ؛ د المتماثلين إلا بسبب يوجب التخصيص، وأيضا فلا بد عند وجود المراد من سبب يقتضي حدوثه، وإلا فلو كان مجرد ما تقدم من الإرادة والقدرة كافيا للزم وجوده قبل ذلك، لأنه مع الإرادة التامة والقدرة التامة يجب وجود المقدور" (1) .
وقد سبق تقرير هذا عند الكلام عن مسألة دليل حدوث الأجسام والتسلسل ومسألة حوادث لا أول لها.
والذين قالوا بأن الخلق هو المخلوق من الأشاعرة وغيرهم - عمدتهم في ذلك: أنه لو كان الخلق غير المخلوق: لكان إما قديما وإما حادثا: فإن كان قديما لزم قدوم المخلوق، وهو محال، وإن كان حادثا لزم أن تقوم به الحوادث، ثم ذلك الخلق يفتقر إلى خلق آخر ويلزم التسلسل وهو باطل.
فأجابهم الجمهور - كل طائفة بحسب أصلها -:
فطائفة قالت: الخلق قديم، وإن كان المخلوق حادثا، وهذه مسألة التكوين التي قال بها الأحناف والماتريدية، وهؤلاء يقولون القول في الخلق كالقول في الإرادة، فإذا كنتم تسلمون أن الإرادة قديمة أزلية، والمراد حادث، فكذلك نحن نقول في الخلق.
وطائفة قالت: بل الخلق حادث في ذاته، ولا يفتقر إلى خلق آخر، بل يحدث بقدرته، وهؤلاء يقولون: إذاكان المخلوق يحصل بقدرته بعد أن لم يكن، والمخلوق منفصل فالمتصل به أولى. وهذا قول الكرامية والهشامية.
وطائفة قالت: هب أنه يفتقر إلى فعل قلبه فلم قلتم إن ذلك ممتنع، وقولكم: هذا تسلسل، ياقل: ليس هذا تسلسلا في الفاعلين والعلل الفاعلة، وإنما هو تسلسل في الآثار، وهو حصول شيء بعد شيء، والسلف على إثباته، فإنهم يقولون إن الله تعالى لم يزل متكلما إذا شاء، وقد قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا
(1) مجموع الفتاوى (6/230-231) .
بِمِثْلِهِ مَدَداً} (الكهف:109) فكلمات الله لا نهاية لها، وهذا تسلسل جائز كالتسلسل في المستقبل لأن نعيم الجنة لا نفاد له (1) . وقد سبق توضيح هذا في مسألة التسلسل،
وأهل السنة يقولون: الخلق والتكوين حادث إذا أراد الله خلق شيء وتكوينه، والله تعالى ذكر وجود أفعاله شيئاً بعد شيء، فهو خلق السموات والأرض، ثم استوى على العرش، وكذا رضاه ومحبته وكلامه وغيرها من الصفات المتعلقة بمشيئته وإرادته (2) .
فهذه الطوائف الثلاث ردت على ما يقوله الأشاعرة من أن الخلق هو المخلوق، وقول الطائفة الثالثة هو قول أهل السنة الموافق للمع والعقل.
الفرع الثاني: الأدلة على إثبات الصفات الاختيارية:
وهي أدلة كثيرة جداً من الكتاب والسنة وأقوال السلف، تدل على اتصاف الله تعالى بهذه الصفات. وقد أفرد لذلك شيخ الإسلام قرابة مجلد كامل من مجلدات درء تعارض العقل والنقل (3)، واشتمل ذلك على:
أأدلة كثيرة من كتاب الله تعالى (4) .
ب وأدلة من الأحاديث الصحيحة (5) .
ت وأدلة من أقوال أئمة السلف وغيرهم (6) .
(1) انظر: مجموع الفتاوى (6/231-232) ، ومنهاج السنة (2/306) - ط دار العروبة المحققة.
(2)
انظر: منهاج السنة - ط دار العروبة - المحققة (2/306-307)، وانظر في موضوع هل الخلق هو المخلوق أو غيره مع بيان الراجح: درء التعارض (1/238-239، 2/264، 4/60، 9/579، 10/22) ، ونقض التأسيس - مخطوط - (3/380) ، ومجموع الفتاوى (6/148-149، 229-230، 16/376-377) ، وشرح حديث النزول - مجموع الفتاوى - (5/528-536) .
(3)
من بداية الجزء الثاني إلى ص:342.
(4)
درء التعارض (2/115) وما بعدها، وانظر: مجموع الفتاوى (6/222-224) .
(5)
المصدر السابق (2/124) وما بعدها.
(6)
المصدر نفسه (2/20-115) .
وهذه الأدلة صريحة في إثبات الصفات الاختيارية القائمة به "كالاستواء إلى السماء، والاستواء على العرش، والقبض، والطي، والإتيان، والمجيء، والنزول، ونحو ذلك، بل والخلق، والإحياء، والإماتة، فإن الله تعالى وصف نفسه بالأفعال اللازمة كالاستواء، وبالأفعال المتعدية كالخلق، والفعل المتعدي مستلزم للفعل اللازم، فإن الفعل لا بد له من فاعل، سواء كان متعديا إلى مفعول، أو لم يكن، والفاعل لا بد له من فعل، سواء كان فعله مقتصرا عليه أو معتديا إلى غيره، والفعل المتعدي إلى غيره لا يتعدى حتى يقوم بفاعله، إذ كان لا بد له من الفاعل، وهذا معلوم سمعا وعقلا:
أما السمع فإن أهل العربية التي نزل بها القرآن، بل وغيرها من اللغات متفقون على أن الإنسان إذا قال:"قام فلان وقعد" وقال: "أكل فلان الطعام وشرب الشراب"، فإنه لا بد أن يكون في الفعل المتعدي إلى المفعول به ما في الفعل اللازم وزيادة، إذ كلتا الجملتين فعلية، وكلاهما فيه فعل وفاعل، والثانية امتازت بزيادة المفعول
…
فقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (الحديد: من الآية4) تضمن فعلين: أولهما متعد إلى المفعول به، والثاني مقتصر لا يتعدى، فإذا كان الثاني - وهو قوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى} - فعلا متعلقا بالفاعل، فقوله:{خَلَقَ} كذلك بلا نزاع بين أهل العربية
…
وأما من جهة العقل: فمن جوز أن يقوم بذات الله تعالى فعل لازم له كالمجيء والاستواء، ونحو ذلك، لم يمكنه أن يمنع قيام فعل يتعلق بالمخلوق كالخلق والبعث والإماته والاحياء، كما أ، من جوز أن تقوم به صفة لا تتعلق بالغير كالحياة، لم يمكنه أ، يمنع قيام الصفة المتعلقة بالغير كالعلم والقدرة والسمع والبصر، ولهذا لم يقل أ؛ د من العقلاء بإثبات أحد الضربين دون الآخر
…
وإذا كان كذلك كان حدوث ما يحدثه الله تعالى من المخلوقات تابعا لما يفعل من أفعاله الاختيارية القائمة بنفسه، وهذه سبب الحدوث، والله تعالى حي قيوم لم يزل موصوفا بأنه يتكلم بما شاء، فعال لما يشاء، وهذا قد قاله العلماء الأكابر من أهل السنة والحديث، ونقلوه عن السلف والأئمة وهو قول طوائف كثيرة
من أهل الكلام والفلسفة المتقدمين والمتأخرين، بل هو قول جمهور المتقدمين من الفلاسفة" (1) .
ولعل هذا النص المطول يوضح خلاصة مذهب السلف، ومنهج شيخ الإسلام في تقريره، ومن أنكره من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم فقولهم متناقض، ولهذا ذكر الرازي أن القول به - وهو ما يسمى بحلول الحوادث - لازم لجميع الطوائف (2) .
الفرع الثالث: أدلة نفاة الصفات الاختيارية ومناقشتها:
لما كان متأخرو الأشعرية حاولوا استقصاء أدلة من سبقهم من نفاة الصفات الاختيارية القائمة بالله تعالى، جعل شيخ الإسلام ردوده منصبة على ما كتبه هؤلاء المتأخرون، مستخدماً منهجه من أدلة أخرى تثبت بطلان مذهب النفاة.
ولما كان الآمدي والرازي هما أبرز المتأخرين الذين كتبوا كتبا مطولة في عقائد الأشاعرة، وصار من بعدهما يعتمد على أقوالهم - ذكر شيخ الإسلام - في مناقشة هذه المسألة - ما ذكراه أبطالا لحجج من سبقهما، أو حججا جديدة أتوا بها.
ويلاحظ هنا أن هذه المسألة قد اتفق على نفيها متقدموا الأشعرية ومتأخروهم، ولكن لما أن المتأخرين أبطلوا أدلة المتقدمين وزيفوها أورد ذلك شيخ الإسلام، فيكون من باب رد المتأخرين على المتقدمين. كما أن شيخ الإسلام في مسألة العلو والاستواء والصفات الخبرية لما كان المتقدمون يثبتونها وينكرها المتأخرون، رد على هؤلاء المتأخرين بأقوال شيوخهم المتقدمين. عكس المسألة التي معنا.
(1) درء التعارض (2/5-3) .
(2)
انظر: المصدر السابق (2/256-237،242)، وانظر في أدلة السلف على إثباث ذلك غير ما سبق: شرح الأصهانية (ص:182-238) - ت العودة، ومجموع الفتاوى (6/225-238، 259-268) ، ودرء التعارض (2/220-222، 291-301) .
ويمكن ذكر نماذج من ردود المتأخرين على نفاة حلول الحوادث. يقول شيخ الإسلام: "وفحول النظار كأبي عبد الله الرازي، وأبي الحسن الآمدي وغيرهما ذكروا حجج النفاة لحلول الحوادث وبينوا فسادها. فذكروا لهم أربع حجج.
إحداها: الحجة المشهورة وهي: أنها لو قامت به لم يخل منها ومن أضدادها، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث.
ومنعوا المقدمة الأولى. والمقدمة الثانية. ذكر الرازي وغيره فسادها" (1) ، كما أن الآمدي قال: "وقد احتج أهل الحق على امتناع قيام الحوادث به بحجج ضعيفة: الأولى
…
" (2) ، وذكر الحجة السابقة ثم زيفها وذكر الاعتراضات عليها، وانظر تعليقات شيخ الإسلام على كلام الآمدي (3) ، حيث قال في آخرها: "وهذه الحجة التي صدر بها الآمدي وزيفها هي الحجة التي اعتمد عليها الكلابية والأشعرية ومن وافقهم من السالمية
…
" (4) .
الثانية: من حجج النفاة "أنه لو كان قابلا لها في الأزل لكان القبول من لوازم ذاته، فكان القبول يستدعي إمكان القبول، ووجود الحوادث في الأزل محال.
وهذه أبطلوها هم بالمعارضة بالقدرة: بأنه قادر على إحداث الحوادث، والقدرة تستدعي إمكان المقدور، ووجود المقدور وهو الحوادث في الأزل محال" (5) .
وقد أورد هذه الحجة الآمدي، وزيفها (6) ، وعلق على ذلك شيخ الإسلام (7) ، كما أوردها الرازي، ورد عليه الأرموي (8) ، كما نقضها شيخ الإسلام من وجوه (9) .
(1) انظر: /جموع الفتاوى (6/247) .
(2)
انظر: درء التعارض (4/27) .
(3)
انظر: المصدر السابق (4/27-40) .
(4)
انظر: درء التعارض (4/40)، وانظر أيضاً: مجموع الفتاوى (6/238-239) .
(5)
انظر: مجموع الفتاوى (6/247) .
(6)
انظر: درء التعارض (4/62-63) .
(7)
النظر: المصدر السابق (63/71) .
(8)
انظر: المصدر نفسه (2/212-216) مع تعليق شيخ الإسلام.
(9)
انظر: مجموع الفتاوى (6/247-249) .
الحجة الثالثة: للنفاة: "أنهم قالوا: لو قامت به الحوادث للزم تغيره والتغير على الله محال.
وأبطلوا هم هذه الحجة - الرازي وغيره - بأن قالوا: ما تريدون بقولكم: لو قامت به تغيرن أتريدون بالتغير نفس قيامها به أم شيئاً آخر؟ فإن أردتم الأول كان المقدم هو الثاني، والملزوم هو اللازم، وهذا لا فائدة منه، فإنه يكون تقدير الكلام: لو قامت به الحوادث لقامت به الحوادث، وهذا كلام لا يفيد، وإن أردتم بالتغير معنى غير ذلك فهو ممنوع، فلا نسلم أنها لو قامت به لزم "تغير" غير حلول الحوادث. فهذا جوابهم" (1) .
وقد أوضح شيخ الإسلام وجه الرد على النفاة ببيان ما في لفظ "التغير" من الإجمال، وأن التغير المعروف في اللغة العربية لا يراد به مجرد كون المحل قامت به الحوادث، ولذلك فالناس لا يقولون للشمس والقمر والكواكب إذا تحركت: إنها تغيرت، ولا يقولون للإنسان إذا تكلم ومشى تغير
…
وإنما يقولون لمن استحال من صفة إلى صفة، كالشمس إذا زال نورها ظاهرا لا يقال تغيرت، فإذا أصفرت قبل تغيرت
…
(2) .
الحجة الرابعة: - للنفاة - وهي مرتبطة بالحجة السابقة، حيث قالوا: حلول الحوادث أفول والخليل قد قال {لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} (الأنعام: من الآية76) ، والآفل هو المتحرك، أو المتغير (3) .
وقد ذكر هذه الحجة - مع التي قبلها - الآمدي وزيفها، انظر كلامه مع تعليق شيخ الإسلام (4) ، كما أن شيخ الإسلام بين الحق في الآية التي استدلوا بها (5) - وقد سبق الكلام حولها عند بحث موضوع دليل حدوث الأجسام -.
(1) مجموع الفتاوى (6/249) .
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (6/249-250) .
(3)
انظر: المصدر السابق (6/252) .
(4)
انظر: درء التعارض (4/71-82) .
(5)
انظر: مجموع الفتاوى (6/253-257) ، وشرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (5/542-551) ، ودرء التعارض (2/216-222) .
فهذه أهم حجج النفاة لحلول الحوادث بين الأشاعرة أنفسهم فسادها وهي فاسدة في نفس الأمر، لأنها مصادمة لأدلة الكتاب والسنة والمعقول.
ولكن إذا كان كل من الرازي والآمدي قد أبطلا حجج النفاة فهل رجعا إلى الحق وقالا بقول أهل السنة الذي قال فيه الرازي: إنه لازم لجميع الطوائف؟.
والجواب أنهما لما أبطلا الحجج كلها اعتمدا على حجة واحدة وهي "حجة الكمال والنقصان"، وخلاصتها: أن هذه الصفات "إن كانت صفات نقص وجب تنزيه الرب عنها، وإن كانت صفات كمال فقد كان فاقدا لها قبل حدوثها وعدم الكمال نقص، فيلزم أن يكون ناقصا، وتنزيهه عن النقص واجب الإجماع"(1) .
وقد رد شيخ الإسلام على هذه الحجة - في أماكن متعددة من كتبه - من وجوه عديدة: ومنها:
1-
"أن يقال القول في أفعاله القائمة به الحادثة بمشيئته وقدرته كالقول في أفعاله التي هي المفعولات المنفصلة التي يحدثها بمشيئته وقدرته، فإن القائلين بقدم العالم أوردوا عليهم هذا السؤال فقالوا: الفعل إن كان صفة كمال لزم عدم الكمال له في الأزل، وإن كان صفة نقص لزم اتصافه بالنقائض. فأجابوهم بأنه ليس صفة نقص ولا كمال"(2) .
وهذا نقض لحجتهم وإلزام لا محيد لهم عنه، لأن كلا من الأمرين حادث بقدرته ومشيئته، فحكمها بالنسبة للكمال والنقصان واحد.
2-
أن يقال: "إذا عرض على العقل الصريح ذات يمكنها أن تتكلم بقدرتها وتفعل ما تشاء بنفسها، وذات لا يمكنها أن تتكلم بمشيئتها ولا تتصرف بنفسها البتة، بل هي بمنزلة الزمن الذي لا يمكنه فعل يقوم به باختياره، قضى
(1) مجموع الفتاوى (6/241)، وانظر: درء التعارض (2/210-211، 4/3، 82) ، والرسالة الأكملية - مجموع الفتاوى (6/105) .
(2)
درء التعارض (4/3)، وانظر أيضاً: الأكملية - مجموع الفتاوى (6/105) ، ومجموع الفتاوى (6/242) .
العقل الصريح أن هذه الذات أكمل، وحينئذ فأنتم الذين وصفتم الرب بصفة النقص، والكمال في اتصافه بهذه الصفات، لا في نفي اتصافه بها" (1) .
3-
أن يقال: "الأفعال التي حدثت بعد أن لم تكن، لم يكن وجودها قبل وجوده كمالا، ولا عدمها نقصا، فإن النقص إنما يكون إذا عدم ما يصلح وجوده، وما به يحصل الكمال، وينبغي وجوده، ونحو ذلك، والرب تعالى حكيم في أفعاله، وهو المقدم والمؤخر، فما قدمه كان الكمال في تقديمه، وما أخره كان الكمال في تأخيره، كما أن ما خصصه بما خصصه به من الصفات فقد فعله على وجه الحكمة وإن لم نعلم نحن تفاصيل ذلك، واعتبر ذلك بما يحدثه من المحدثات"(2) . ومثال ذلك تكليم الله لموسى عليه السلام ونداؤه له: "فنداؤه حين ناداه صفة كمال ولو ناداه قبل أن يجيئ لكان ذلك نقصا، فكل منها كمال حين وجوده ليس بكمال قبل وجوده
…
" (3) .
وقد ذكر شيخ الإسلام أوجها أخرى عديدة (4) .
الفرع الرابع: الصفات الاختيارية تفصيلا:
لم يكتف شيخ الإسلام بالمناقشات المجملة حول الصفات الاختيارية القائمة بالله تعالى (5) ، وإنما ناقشها صفة، صفة، ويمكن الإشارة إلى بعض هذه الصفات، ومجمل منجهه فيها.
(1) مجموع الفتاوى (6/242)، وانظر: درء التعارض (4/7-10) .
(2)
درء التعارض (4/10) .
(3)
مجموع الفتاوى (6/241) .
(4)
انظر: درء التعارض (4/3-18، 84-96) ، ومجموع الفتاوى (6/241-242) .
(5)
انظر في مسألة الصفات الفعلية القائمة بالله - المسماة حلول الحوادث - غير ما سبق: منهاج السنة (1/298) - وما بعدها (2/195-197، 298) وما بعدها ط دار العروبة المحققة، ونقض التأسيس - مطبوع - (1/303) ، وجامع الرسائل (1/159-160)، والتسعينية (ص:97، 198-201) ، والصفدية (1/128-130) ، والرسالة الأكملية - مجموع الفتاوى (6/86)، وشرح الأصفهانية (ص:62-63، 68) ت مخلوف، وشرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (5/537-539)، والرد على المنطقيين (ص:231-232) ، والاستقامة (1/183) ، ودرء التعارض (6/310-311، 8/286، 9/253-254) ، ومجموع الفتاوى (5/194-217، 6/8،18،229، 233، 250-251، 268-283، 12/315-319، 16/372-374، 393، 406-407) ، ومسألة الأحرف - مجموع الفتاوى (12/94) .
وأهم هذه الصفات:
أولا: صفة الاستواء:
هذه الصفة يرد بحثها في موضعين:
أفي هذا الموضع، وهو الصفات الاختيارية القائمة بالله تعالى، لأنه تعالى استوى على العرش بعد خلقه، فهو متعلق بمشيئته وإرادته.
ب وفي موضوع "العلو"، لأن من أهم أدلة العلو الاستواء على العرش. ويلاحظ أن العلو من الصفات العقلية المعلومة بالعقل والسمع. أما الاستواء فهو من الصفات المعلومة بالسمع فقط (1) .وبهذا يكون الاستواء جزءا من أدلة العلو السمعية.
ولذلك فإن الأشاعرة تأولوا الاستواء بأحد تأويلين:
أ) بالاستيلاء، وهذا تأويل نفاة العلو من متأخري الأشاعرة.
ب) أو بأنه فعل فعله الله في العرش سماه استواء، وهذا قول الأشعري وكثير من أصحابه الذين يثبتون العلو ولكن ينفون قيام الصفات الفعلية به. وقولهم هذا ليس خاصا بالاستواء، بل يشمل جميع الصفات الدالة على هذا المعنى كالنزول والمجيء والإتيان. ومعنى الاستواء عند هؤلاء أن الله "يحدث في العرض قربا فيصير مستويا عليه من غير أن يقوم به نفسه فعل اختياري، سواء قالوا: الفعل هو المفعول أو لم يقولوا، وكذلك النزول
…
" (2) . وهذا سبب أصلهم في منع حلول الحوادث، ومعنى هذا القول أن الاستواء أو النزول أو المجيء ليس
(1) انظر: مجموع الفتاوى (5/121-122) ، وشرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (5/523) ، ونقض التأسيس - مخطوط - (1/29، 3/271) .
(2)
شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (5/437) .
إلا نسبة وإضافة بين المخلوق والخالق من غير صفة فعل تقوم بالخالق نفسه (1) .
ومذهب السلف وأئمة السنة أن هذه الصفات الفعلية تقوم بذات الله تعالى كما دلت عليها النصوص.
فمتقدموا الأشاعرة أثبتوا الاستواء دالا على العلو فقط ولذا جعلوه من صفات الذات. ولم يثبتوه صفة فعل تقوم بالله. أما متأخروهم فقد نفوا دلالته على الأمرين (2) .
ومنهج شيخ الإسلام في تقرير هذه الصفة - الاستواء - والرد على متأوليها، وهو كما يلي - باختصار -:
1-
بين أدلة إثبات صفة الاستواء لله وأقوال السلف في معناه، وأنه مخالف لأقوال هؤلاء المتأولين. وقد أكثر شيخ الإسلام من النقول عن الأئمة - على اختلاف طبقاتهم وبلدانهم - التي يثبتون فيها صفة الاستواء لله تعالى ويردوهن على من تأوله بالاستيلاء أو غيره.
وغالب هذه النقول ذكرها شيخ الإسلام في إثبات صفة العلو لله تعالى ولعل الإشارة إليها هنا - مع ذكر مصادرها - يغني عن إعادته هناك (3) .
2-
الرد على من أول استوى بمعنى استولى من عدة وجوه (4) .
(1) انظر في مذهب الأشاعرة ومخالفتهم لمذهب السلف في ذلك: التبيان في نزول القرآن - مجموع الفتاوى (12/250-251) ، ودرء التعارض (6/321-322) ، ومجموع الفتاوى (16/393-395) ، ومنهاج السنة (2/513) ط دار العروبة المحققة والاستقامة (1/162) ، وشرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (5/386) ، ونقض التأسيس - مطبوع (1/565، 2/206، 316) .
(2)
انظر: مجموع الفتاوى (16/395-397) .
(3)
أهم هذه النقول ما ذكره في نقض التأسيس - مخطوط - (1/15،102-121) ، ودرء التعارض (6/191-267)، وانظر أيضاً: الدرء (2/20-21، 6/115-119) ، مجموع الفتاوى (5/310-314، 6/398-399)، والتسعينية (ص:122،127-131) ، شرح حديثا لنزول (5/518-522) .
(4)
انظر: مجموع الفتاوى (5/144-149) حيث أبطل تأويله من اثني عشر وجها، وانظر أيضا: التدمرية (ص:81-84) - المحققة، ودرء التعارض (1/278-279) ، ونقض التأسيس - مخطوط - (2/238-240) ، والفتوى الحموية - مجموع الفتاوى (5/29-41) ، ومجموع الفتاوى (16/395-403) ، وتفسير سورة الاخلاص - مجموع الفتاوى - (17/347-379.
3-
الرد على متأخري الأشعرية بأقوال متقدميهم الذين أثبتوا الاستواء وردوا على من تأوله بالاستيلاء (1) .
4-
بقى مما يتعلق بالاستواء مسألتان:
إحداهما: هل يلزم من إثبات الاستواء على العرش أن يكون الله جسما؟ وقد أجاب شيخ الإسلام عن ذلك بأن مثبتي الاستواء اختلفوا:
- فمنهم من يقول: هو فوق العرش وليس بجسم، وهذا قول بن كلام والأشعرية القدماء.
- ومنهم من يقول: هو فوق العرش ولا أقول هو جسم ولا ليس بجسم، ثم من هؤلاء من يسكت عن هذا النفي والإثبات، ومنهم من يستفصل عن المراد بالجسم، فإن فسر بما ينزه الرب عنه نفاه، وإن فسر بما يتصف الرب به أثبته (2) .
وشيخ الإسلام يرجح هذا القول الأخير الذي هو الاستفصال ما هو منهجه عموما مثل هذه المسائل.
والمسألة الثانية: مسألة "الحد"، وهل يقال إن استواء الله تعالى على العرشي بحد، أو بغير حد، وهذه مرتبطة بالمسألة السابقة، وقد أورد شيخ الإسلام الخلاف في ذلك بين مثبتي الاستواء؛ وأن منهم من قال بالحد، ومنهم من منع إطلاقه. وإن كان الذي ورد في عامة كتب السلف إطلاق الحد لبيان بينونة الله عن خلقه والرد على الجهمية والحلولية وغيرهم.
(1) انظر: مجموع الفتاوى (5/317-320، 16/91) ، ونقض التأسيس - مخطوط - (1/82-84، 2/102-103، 182-184) ، ونقض التأسيس - مطبوع - (2/9-10) ، ودرء التعارض (6/193-207) .
(2)
انظر: شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (5/418-419) ، ونقض التأسيس - مطبوع - (1/396-397، 2/62-63، 106-111) ، ودرء التعارض (4/209-211، 6/289-290) .
وقد ذكر شيخ الإسلام في معرض رده على الرازي لما اعترض بأنه يلزم من إثبات العلو والاستواء لله إثبات الحد والنهاية وأن هذا تجسيم - ذكر أن الكلام في هذه الحجة في مقامين:
المقام الأول: "قول من يقول: هو فوق العرش وليس له حد ولا مقدار ولا هو جسم، كما يقول ذلك كثير من الصفاتية، من الكلابية، وأئمة الأشعرية وقدمائهم، ومن وافقهم من الفقهاء والطوائف الأربعة وغيرهم، وأهل الحديث والصوفية، وغير هؤلاء. وهم أمم لا يحصيهم إلا الله، ومن هؤلاء أبو حاتم ابن حبان، وأبو سفيان الخطابي، البستيان
…
" (1) والقاضي أبو يعلي كان ينكر الحد ثم رجع إلى الإقرار به (2) . وممن نفي الحد أبو نصر السجزي (3) .
فهؤلاء الذين ينفون الحد والمقدار والجسم ونحو ذلك من الصفاتية الذين يثبتون الاستواء على العرش يقولون إذا كان هو نفسه فوق العرش لا يلزم أن يوصف بالحد أو تناهي المقدار (4) .
والمقام الثاني: "كلام من لا ينفي هذه الأمور التي يحتج بها عليه نفاة العلو على العرش.. بل قد يثبتها أو يثبت بعضها لفظا أو معنى، أو لا يتعرض لها بنفي ولا إثبات، وهذا المقام هو الذي يتكلم فيه سلف الأمة وأئمتها، وجماهير أهل الحديثن وطوائف من أهل الكلام والصوفية وغيرهم. وكلام هؤلاء أسد في العقل والدين، حيث ائتموا بما في الكتاب والسنة، وأقروا بفطرة الله التي فطر عليها عباده، فلم يغيروا، وجعلوا كتب الله التي بعث بها رسله هي الأصل في الكلام، وأما الكلام في المجمل والمتشابه الذي يتكلم فيه النفاة، ففصلوا مجمله،
(1) نقض التأسيس - مطبوع - (2/169) .
(2)
انظر: المصدر السابق (2/171) وما بعدها وقارن بإبطال التأويلات للقاضي أبي يعلى - مخطوط - (ص:315) وما بعدها.
(3)
انظر: نقض التأسيس - مطبوع - (1/446)، وكلام السجزي في كتاب الرد على من أنكر من الحرف والصوت - (ص:157-158) ط على الآلة الكاتبة.
(4)
انظر: نقض التأسيس - مطبوع - (2/174-175) .
ولم يوافقوهم على لفظ مجمل قد يتضمن نفي معنى حق، ولا وافقوهم أيضاً على نفي المعاني التي دل عليها القرآن والعقل، وإن شنع النفاة على من يثبت ذلك، أو زعموا أن ذلك يقدح في أدلتهم وأصولهم" (1) .
وقد أثبت الحد الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة كما ذكر ذلك الدارمي في نقضه على المريسي، والقاضي أبو يعلي في إبطال التأويلات، والخلال في كتاب السنة، والهروي في ذم الكلام. وغيرهم (2) .
وهم لما أثبتوا "الحد" قالوا: له حد لا يعلمه إلا هو، كما بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه، وهذا الذي قصده الإمام أحمد لما قال: "نحن نؤمن بالله عز وجل على عرشه كيف شاء، وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد
…
" (3) وإلا فهو قد قال في رواية أخرى عنه: لله تعالى حد لا يعلمه إلا هو (4) . فما نفاه الإمام أحمد قصد به الصفة التي يعلمها الخلق، وما أثبته قصد به ما يتميز به عن عباده، ويبين به عنهم، وهذا هو الذي قصده بقوله: له حد لا يعلمه إلا الله وهو الذي قصده من أطلق هذا من السلف. وقد أخطأ من ظن من الحنابلة أو غيرهم أن للإمام أحمد في ذلك روايتين، بل كلامه متسق غير متناقض وكل رواية موافقة للأخرى (5) .
وقد اعترض "الخطابي" على إثبات "الحد" بأن صفة "الحد" لم ترد في الكتاب والسنة، ولكن شيخ الإسلام رد عليه من وجوه وبين أن السلف لم يقصدوا بذلك الصفة مطلقا، ولم يقولوا: له صفة هي "الحد"، والحد إنما هو ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره، والسلف قصدوا بذلك الرد
(1) نقض التأسيس - مطبوع - (2/180) .
(2)
انظر: نقض التأسيس - مطبوع - (1/426-440) ، حيث نقل نصوص كلامهم، وقارن بالنقض على المريسي للدارمي (ص:381) وما بعدها - ضمن عقائد السلف، وإبطال التأويلات (316-317) .
(3)
نقض التأسيس - مخطوط - (2/163) .
(4)
انظر: نقض التأسيس - مطبوع - (1/430) وما بعدها.
(5)
انظر: المصدر السابق (1/433-438، 2/163، 174) .
على الجهمية الذين قالوا: ليس له حد، وقصدوا بذلك أنه لا يبياين المخلوقات ولا يكون فوق العالم لأن ذلك مستلزم للحد، فلم استفصل الأمر على أئمة السلف بذكر هذا اللازم وقيل لهم: بحد قالوا: بحد. ومقصودهم واضح جداً (1) .
هذه ملامح من منهج شيخ الإسلام في تقرير هذه الصفة والرد على من تأولها.
ثانياً: صفة "النزل":
القول في هذه الصفة كالقول في صفة الاستواء وغيرها من الصفات الفعلية، ومذهب الأشاعرة فيها واحد، ومعنى النزول عندهم: أن الله يخلق أعراضا في بعض المخلوقات يسميها نزولا، وهذا بناء على أصلهم في نفي قيام الحوادث به (2) ، وبعضهم يقول في النزول إنه من صفات الذات وإنه أزلي كما يقولون أيضا مثل ذلك في الاستواء والمجيء والغضب والفرح والضحك ونحوها (3) . فالقول في صفة النزول كالقول في صفة الاستواء.
السلف رحمهم الله تعالى أثبتوا هذه الصفة كما وردت، وردوا على من تأولها بنزول أمره أو رحمته أو ملك أو غير ذلك. وأقوالهم في ذلك مشهورة متواترة (4) .
ومن الأمور المتعلقة بصفة النزول:
1-
بطلان قول من تأوله بنزول رحمته أو أمره أو ملك أو غير ذلك، وقد ذكر شيخ الإسلام في إبطال هذه التأويلات وجوها عديدة (5) .
(1) انظر نقض التأسيس - مطبوع - (1/441-446) .
(2)
انظر: شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى - (5/386) .
(3)
انظر: المصدر السابق (5/410-411) .
(4)
انظر: المصدر نفسه (5/322،374-375،378-395) ، ومنهاج السنة (2/511-513) ط دار العروبة المحققة.
(5)
انظر: شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى - (5/369-373، 415-418) .
2-
ومما يتعلق بالنزول والمجيء والإتيان وغيرها مسألة "الحركة" وهل يوصف الله بها أم لا؟، وقد ساق شيخ الإسلام الخلاف في ذلك فقال: "واختلف أصحاب أحمد وغيرهم من المنتسبين إلى السنة والحديث في النزول والإتيان والمجيء وغير ذلك، هل يقال: إنه بحركة وانتقال، أم يقال: بغير حركة وانتقال، أم يمسك عن الإثبات والنفي؟ على ثلاثة أقوال ذكرها القاضي أبو يعلى في كتاب: اختلاف الروايتين والوجهين:
فالأول: قول أبي عبد الله بن حامد وغيره.
والثاني: قول أبي الحسن التميمي وأهل بيته.
والثالث: قول أبي عبد الله بن بطة وغيره.
ثم هؤلاء فيهم من يقف عن إثبات اللفظ مع الموافقة على المعنى وهو قول كثير منهم كما ذكر ذلك أبو عمر بن [عبد البر](1) وغيره.
ومنهم من يمسك عن إثبات المعنى مع اللفظ، وهم في المعنى منهم من يتصوره مجملا، ومنهم من يتصوره مفصلا إما مع الإصابة أو مع الخطأ
…
" (2) .
وخلاصة مذهب أئمة السلف في إطلاق لفظ "الحركة"، مع اتفاق الجميع على إثبات المعنى الذي دلت عليه هذه النصوص - أنهم على ثلاثة أقوال:
- منهم من يصرح بلفظ الحركة. وممن نقل مذهب الأئمة المتقدمين والمتأخرين حرب الكرماني، والدارمي الذي قال: إن الحركة من لوازم الحياة، وذكر حرب أنه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور.
(1) في المطبوعة من شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى [عبد الرحمن] ولعل الصواب ما أثبت، وانظر: ما يرجع هذا في (5/575، وكلام ابن عبد البر في التمهيد (7/136-137) .
(2)
شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى - (5/402) .
- وطائفة أخرى من أئمة السلف كنعيم بن حماد، والبخاري، وأبي بكر ابن خزيمة، وابن عبد البر، وغيرهم، يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء، ويسمعون ذلك فعلا، ولكن من هؤلاء من يمنع إطلاق لفظ الحركة لكونه لم يؤثر (1) .
وقد رجح شيخ الإسلام أن المأثور عن الإمام أحمد "إنكار نفي ذلك ولم يثبت عنه إثبات لفظ الحركة، وإن أثبت أنواعا قد يدرجها المثبت من جنس الحركة، فإنه لما سمع شخصا يروي حديث النزول، ويقول: ينزل بغير حركة ولا انتقال، ولا بغير حال، أنكر أحمد ذلك، وقال: قل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كان أغير على ربه منك"(2) .
أما العقيدة التي كتبها حرب بن إسماعيل - وفيها تصريحه بالحركة - فقد قال عنها شيخ الإسلام: "ليست هذه العقيدة ثابتة عن الإمام أحمد بألفاظها، فإني تأملت لها ثلاثة أسانيد مظلمة برجال مجاهيل، والألفاظ هي ألفاظ حرب ابن إسماعيل، لا ألفاظ الإمام أحمد
…
" (3) .
ولعل ما يرجحه شيخ الإسلام في ذلك ما قاله في مثل هذه الألفاظ: "والأحسن في هذا الباب مراعاة ألفاظ النصوص"(4) .
3-
ومن المسائل المتعلقة بالنزول: هل يخلو من العرش أم لا؟ وقد ذكر شيخ الإسلام أن في ذلك ثلاثة أقوال:
- طائفة ممن يدعي السنة يظن خلو العرش منه، وقد صنف أبو القاسم عبد الرحمن ابن أبي عبد الله بن محمد ابن منده (5) في ذلك كتابا.
- وطائفة تقف، لا تقول يخلو، ولا لا يخلو، وتنكر على من يقول ذلك.
(1) انظر: درء التعارض (2/7-8) .
(2)
الاستقامة (1/72-73) .
(3)
المصدر السابق (1/73) .
(4)
مجموع الفتاوى (16/423) ، وانظر في موضوع "الحركة" والأقوال فيه - شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى - (5/426،565-575) ، ومجموع الفتاوى (6/11،8/21-29) ، والدرء (4/25) .
(5)
والده أبو عبد الله ابن منده الإمام المشهور.
وهذا قول الحافظ عبد الغني المقدسي.
- والصواب: قول جمهور السلف إنه ينزل ولا يخلو منه العرش (1) . وقد رد شيخ الإسلام على قول عبد الرحمن ابن منده وأطال في ذلك (2) . كما أبطل قول من زعم أنه يكون تحت العرش (3) .
4-
كما أجاب شيخ الإسلام على اعتراض من اعترض على النزول باختلاف الليل والنهار والبلدان والفصول في التقدم والتأخر والطول والقصر، وبين أن الكلام في ذلك وفي غيره - مثل مسألة خلو العرش منه - مبنية على قياس خاطيء وهو تشبيه الله بخلقه، وهذا باطل لأن القول في الصفات كالقول في الذات فكما أنه لله ذاتا لا تشبه ذوات المخلوقين فكذلك له صفات لا تشبه صفات المخلوقين (4) .
ثالثا: الإتيان والمجيء:
وهذا أيضاً من الصفات الثابتة لله تعالى كما يليق بجلاله، وقد رد شيخ الإسلام على الرازي الذي تأولهما بإتيان أمره أو إتيان ملك، أو غير ذلك من التأويلات (5) .
كما سبق - في مبحث التأويل - بيان بطلان ما نسب إلى الإمام أحمد من تأويل هذه الصفة.
رابعاً: اللقاء والقرب والدنو:
والمقصود قرب العبد من ربه، أو قرب الله من عباده ودنوه منهم، وهذه الصفات حكمها حكم ما سبق من صفات النزول والمجيء والإتيان فمن يثبت هذه
(1) مجموع الفتاوى (5/31-132) .
(2)
انظر: شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (5/380-396) ، وانظر أيضا (5/366-368،375-385،414-415،459-460) .
(3)
انظر: درء التعارض (7/7) ، وشرح حديث النزول - مجموع الفتاوى - (5/418) وما بعدها، (467-480) ، ونقض التأسيس - مطبوع - (2/228-230) .
(4)
انظر: شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى - (5/418) وما بعدها، (467-480) ، ونقض التأسيس - مطبوع - (2/228-230) .
(5)
انظر نقض التأسيس - مخطوط - (3/86-87، 177-188) ، ومجموع الفتاوى (16/409)، وفي "الهرولة" انظر: نقض التأسيس - مخطوط - (3/91-93) .
أثبت تلك، ومن يتأول هذه يتأول تلك كما هو مذهب جمهور الأشاعرة. وقد رد شيخ الإسلام على الرازي وغيره في تأويلهم لهذه الصفات (1) .
خامساً: الغضب، والضحك، والغيرة، والجود، والفرح، والبغض، والسخط، والمقت، والحب والرضا، والرحمة:
والأشاعرة يتأولون هذه الصفات: إما بالإرادة، أو بقولهم إنها أزلية، وكل ذلك بناء على أصلهم في مسألة حلول الحوادث، ومذهب السلف أن هذه الصفات كغيرها من الصفات يثبت ما ورد منها، ولا يجوز تأويل شيء منها، وأهل السنة يثبتونها كما يليق بجلال الله وعظمته من غير تشبيه بصفات المخلوقين ومن غير تكييف ولا تحريف ولا تعطيل.
وقد رد شيخ الإسلام على من تأول هذه الصفات من الأشاعرة وغيرهم (2) .
(1) انظر في ذلك: نقض التأسيس - مخطوط - (2/170-197، 3/52-77) ، ومجموع الفتاوى (5/134، 6/7-21) ، وشرح حديث النزول - مجموع الفتاوى - (5/460-467،510) ، وفي اللقاء انظر نقض التأسيس - مخطوط - (2/100-127) ، ومجموع الفتاوى (6/471-475) .
(2)
انظر: العقيدة الواسطية - مجموع الفتاوى (3/138-139) ، وجواب أهل العلم والإيمان - مجموع الفتاوى - (17/158) ، ومجموع الفتاوى (5/134) ، ونقض التأسيس - مخطوط - (2/14-15)، وانظر: حول صفة "الغضب" الرسالة الأكملية - مجموع الفتاوى (6/119) ، ودرء التعارض (4/92) ، وفي صفة "الضحك" نقض التأسيس - مخطوط - (3/188-192) ، والرسالة الأكملية - مجموع الفتاوى - (6/121-122) ، وفي صفة "العجب" الرسالة الأكملية - مجموع الفتاوى - (6/123-124) ، ونقض التأسيس - مخطوط - (3/192) ، وفي صفة "الغيرة" نقض التأسيس - مخطوط - (2/11-20) ، وفي صفة "الجود" نقض التأسيس - مطبوع - (1/186-197) ، وفي صفة "الرحمة" الرسالة الأكملية - مجموع الفتاوى (6/117-118) ، وفي صفة "المحبة" درء التعارض (6/62-66،72-77) ، منهاج السنة (2/35-37،42) ط مكتبة الرياض الحديثة، (3/98) طبولاق، الاستقامة (1/215،431) ، جامع الرسائل (2/237)، النبوات (ص:68-69،97،105-109) ط دار الكتب العلمية، شرح الأصفهانية (ص:11-12) - ت مخلوف، التحفة العراقية - مجموع الفتاوى - (10/66-75) ، قاعدة في المعجزات والكرامات - مجموع الفتاوى - (11/357-362) ، جواب أهل العلم والإيمان - مجموع الفتاوى - (17/51) .