المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانية: الاستثناء في الإيمان: - موقف ابن تيمية من الأشاعرة - جـ ٣

[عبد الرحمن بن صالح المحمود]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالث: موقفه في الرد عليهم تفصيلا

- ‌مقدمة:

- ‌المبحث الأول: في توحيد الربوبية والألوهية

- ‌أولا: أول واجب على المكلف:

- ‌ثانيا: التوحيد عند الأشاعرة وحقيقة التوحيد الدي دعت إليه الرسل:

- ‌ثالثا: توحيد الربوبية:

- ‌المبحث الثاني: في الأسماء والصفات

- ‌مقدمة:

- ‌أولا: أسماء الله تعالى:

- ‌ثانيا: الصفات التي أثبتها الأشاعرة:

- ‌ثالثاً: الصفات التي نفوها أو أولوها:

- ‌المسألة الأولى: حجج الأشاعرة العامة على ما نفوه من الصفات والعلو، ومناقشتها:

- ‌أولاً: أدلتهم وحججهم العقلية:

- ‌ثانياً: موقفهم من أدلة السمع المثبتة للصفات:

- ‌ثانياً: مناقشة موقفهم من أدلة السمع المثبتة للصفات:

- ‌الفرع الأول: معنى المتشابه، وهل الصفات أو بعضها منه

- ‌الفرع الثاني: التأويل والمجاز:

- ‌الفرع الثالث: هل مذهب السلف هو التفويض

- ‌المسألة الثانية: القواعد العامة في ردود شيخ الإسلام على الأشاعرة فيما نفوه من الصفات:

- ‌المسألة الثالثة: الرد عليهم في نفيهم للصفات الاختيارية:

- ‌المسألة الرابعة: الصفات الخبرية:

- ‌المسألة الخامسة: العلو:

- ‌المسألة السادسة: كلام الله:

- ‌المبحث الثالث: في القضاء والقدر

- ‌مقدمة:

- ‌الفرع الأول: المسائل المتعلقة بالقدر:

- ‌الفرع الثاني: أفعال العباد ومسألة "الكسب

- ‌المبحث الرابع: الإيمان

- ‌أولاً: الأقوال في الإيمان

- ‌ثانياً: مقدمات في عرض أصل الخلاف في الإيمان:

- ‌ثالثاً: ردود شي الإسلام على جمهور الأشاعرة في الإيمان:

- ‌المسألة الأولى: هل الإيمان التصدق فقط

- ‌المسألة الثانية: أدلة دخول الأعمال في مسمى الإيمان والرد على المرجئة:

- ‌المسألة الثانية: الاستثناء في الإيمان:

- ‌المبحث الخامس: مسائل متفرقة

- ‌أولاً: الرؤية:

- ‌ثانياً: النبوات والمعجزات:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌المسألة الثانية: الاستثناء في الإيمان:

والثاني: قول من يقول: إن الأعمال في الأصل ليست من الإيمان، فإن أصل الإيمان هو ما في القلب، ولكن الأعمال لازمة له، فمن لم يعمل انتفى إيمانه، لأن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم. ثم إنها صارت في عرف الشارع جزاءا من الإيمان (1) .

وبما سبق يتبين أن الأعمال داخلة في الإيمان خلافا للمرجئة.

‌المسألة الثانية: الاستثناء في الإيمان:

وهو قول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الله (2) . والأقوال فيه ثلاثة:

1-

قول من يحرمه، وهم الجهمية والمرجئة وغيرهم الذين يجعلون الإيمان شيئاً واحدا يعلمه الإنسان من نفسه. ومن استثنى فقد شك، وسموا المستثنين الشكاكة.

2-

قول من يوجبه، ولهم فيه مأخذان:

أحدهما: مأخذ الكلابية والأشعرية، الذين يقولون بالموافاة، وهو أن الإيمان هو ما مات عليه الإنسان، وكذلك الكفر هو ما مات عليه الإنسان، أما قبل ذلك فلا عبرة به.

فعند هؤلاء بالنسبة لما مضى من إيمان الإنسان لا يجوز له أن يستثنى فيه، ثم لما رأوا المشهور عن أهل الحديث الاستثناء في الإيمان، جعلوا الاستثناء في المستقبل لأنه هو الذي يشك فيه الإنسان فأوجبوه لهذا.

ودعم هذا من مذهبهم منع حلول الحوادث بذات الله، ومن ثم قالوا إن الحب والرضا، والسخط والغضب ونحو ذلك صفات أزلية قديمة. قالوا: والله يحب في أزله من كان كافرا إذا علم أنه يموت مؤمنا، ويبغض في أزله من كان مؤمنا إذا علم أنه يموت كافراً.

(1) انظر: الإيمان (ص:190) .

(2)

أما الاستثناء في الإسلام وقول الإنسان: أنا مسلم إن شاء الله، فالمشهور عن أهل الحديث أنه لا يستثنى فيه، وهو المشهور عن الإمام أحمد. وروى عنه الاستثناء فيه. انظر: الفرقان بين الحق والباطل - مجموع الفتاوى - (13/43)، والإيمان (ص:239، 243) ط الكتب الإسلامي.

ص: 1370

ومن ثم ربطوا مسألة الاستثناء في هذا القول، وأوجبوه، بناء على أن الإنسان لا يعلم على أي شيء يموت (1) .

وهم متناقضون في هذا لأنهم يقولون إن الإيمان هو التصديق، ثم يقولون إن الإيمان في الشرع هو ما يوافي به العبد ربه، وأوجبوا الاستثناء لذلك، فهذا عدول منهم عن الإيمان في اللغة إلى معنى آخر، فهلا فعلوا ذلك في الأعمال؟ (2) .

والأشاعرة يحتجون لقولهم في الموافاة بما روى عن ابن مسعود لما قيل له: إن قوما يقولون: إنا مؤمنون؟ فقال: أفلا سألتموهم أفي الجنة هم؟ فلما سألوا أحدهم قال: الله أعلم، قال ابن مسعود: فهلا وكلت الأولى كما وكلت الثانية؟ (3) .

السلف رحمهم الله كأحمد وغيره، لم يكن مقصودهم الموافاة، وإنما كان مقصدوهم ن الإيمان المطلق يتضمن فعل جميع المأمورات، وهذا لا يضمنه الإنسان.

أما قول ابن مسعود فواضح لأنه "لم يكن يخفى عليه أن الجنة لا تكون إلا لمن مات مؤمنا، وأن الإنسان لا يعلم ماذا يموت، فإن ابن مسعود أجل قدرا من هذا، وإنما أراد: سلوه هل هو في الجنة إن مات على هذه الحال؟ كأنه قال: سلون أيكون من أهل الجنة على هذه الحال؟ فلما قال: الله ورسوله أعلم. قال: أفلا وكلت الأولى كما وكلت الثانية. يقول: هذا التوقف يدل على أنك لا تشهد لنفسك بفعل الواجبات وترك المحرمات، فإنه من شهد لنفسه بذلك شهد أنه من أهل الجنة إن مات على ذلك"(4) .

(1) انظر: الإيمان (ص:410-411) .

(2)

انظر: المصدر السابق (ص:137-138) .

(3)

انظر: المصدر نفسه (ص:399) .

(4)

انظر: المصدر نفسه (ص:400) .

ص: 1371

وقد تدرج الأمر بهؤلاء الذين يوجبون الاستثناء باعتبار الموافاة، أن صار بعض أتباعهم المتأخرين يستثنون في كل شيء فيقول الواحد منهم: هذا ثوب إن شاء الله، وهذا حبل إن شاء الله، وهذا حبل إن شاء الله، وإذا ما اعترض عليهم بأن هذا لا شك فيه، قالوا: إن الله قادر على أن يغبره (1) .

هذا هو المأخذ الأول لمن يوجب الاستثناء، وهو مأخذ الكلابية (2) ، وهو مخالف لما عليه السلف.

المأخذ الثاني: لمن أوجب الاستثناء، وهو مأخذ عامة السلف الذين كانوا يستثنون، وإن جوزوا ترك الاستثناء بمعنى آخر، فهؤلاء يقولون: إن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به عبده كله، وترك المحرمات كلها، فإذا قال الرجل: أنا مؤمن بهذا الاعتبار، فقد شهد لنفسه بأنه من الأبرار المتقين، القائمين بفعل جميع ما أمروا به، وترك كل ما نهوا عنه، فيكون من أولياء الله، وهذا من تزكية الإنسان لنفسه

" (3) .

3-

القول الثالث: من يجوز الأمرين باعتبارين؛ فإن أراد المستثنى الشك في أصل إيمانه منع من الاستثناء، وهذا مما لا خلاف فيه. وإن أراد به اعتبارات أخرى:

- مثل أنه لم يقم بجميع ما وجب عليه ولم يترك جميع ما نهى عنه.

- ومثل: عدم علمه بالعاقبة، لأنه لا يدري على ما يموت عليه.

- ومثل أن يستثنى خوفا من تزكية النفس.

فهذا جائز (4) ، وهو الذي دلت عليه الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف (5) .

(1) انظر: الإيمان (ص:413) .

(2)

انظر أيضاً: مجموع الفتاوى (3/289) ، والاستقامة (1/150) ، والإيمان الأوسط - مجموع الفتاوى - (7/509-510) .

(3)

انظر: الإيمان (ص:426) .

(4)

مجموع الفتاوى (8/427) .

(5)

انظر: الإيمان (ص:430) ، وما بعدها.

ص: 1372

هذه خلاصة الأقوال في الاستثناء (1) . ومنه يتبين رجحان ما عليه أئمة السنة، وضعف مأخذ الكلابية، وتناقضهم فيه، وغاية ما يدل عليه مأخذهم جواز الاستثناء، ولذلك سماه شيخ الإسلام وجها حسنا (2) .

أما مسألة زيادة الإيمان ونقصانه فقد منع منه المرجئة، وفسروا ما ورد من زيادة الإيمان بتجدد أمثاله، وهو قول باطل ترده النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة وأقوال السلف (3) .

وكذلك مسألة الإسلام والإيمان، أخطأ الأشاعرة حين جعلوا الإيمان خصلة من خصال الإسلام. ورد عليهم شيخ الإسلام وبين تناقضهم (4) . والأقوال في ذلك ثلاثة:

1-

أن الإسلام هو الإيمان (5) .

2-

الإسلام الكلمة والإيمان والعمل (6) .

3-

التحقيق والتفصيل، وأن الإيمان والإسلام كالشهادتين، إذا اجتمعا افترقا، فصار الإيمان الأعمال الباطنة، والإسلام الأعمال الظاهرة، وإذا افترقا اجتمعا، فيدخل الإيمان في الإسلام إذا ذكر مفردا، كما يدخل الإسلام في الإيمان إذا ذكر مفردا، والأصل في الفرق بينهما وبيان درجاتهما مع الإحسان حديث جبريل المشهور (7) .

(1) انظر: الإيمان (ص:410) ، ومجموع الفتاوى (7/681) ، والفرقان بين الحق والباطل - مجموع الفتاوى - (13/40-47) .

(2)

انظر: الاستقامة (1/150) .

(3)

انظر: الإيمان (ص:139، 211-224، 383، 390-391) ، والإيمان الأوسط - مجموع الفتاوى - (7/562-574) ، ومجموع الفتاوى (6/479-480) ، والفرقان بين الحق والباطل - ومجموع الفتاوى (13/51-55) .

(4)

انظر: قول الباقلاني ومناقشته في الإيمان (ص:147-151) .

(5)

انظر: الإيمان (ص:227-229) .

(6)

انظر: المصدر السابق (ص:245) .

(7)

انظر: المصدر نفسه (ص:246-271)، وانظر أيضاً (ص:301-347، 359) .

ص: 1373

أما حكم مرتكب الجريمة فإن جمهور الأشاعرة موافقون لأهل السنة في أن صاحبها تحت مشيئة الله إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له (1) ، وإن كان قد مال منهم من مال - كالباقلاني - إلى التوقف في حال أهل الكبائر حيث جوزوا أن لا يدخل النار أحد من أهل التوحيد، وهذا مخالف لما عليه السلف من القول بالوعيد المجمل، وأنه قد تواترت النصوص الدالة على أنه لا بد أن ينفذ الوعيد في بعض العصاة، لكن أهل التوحيد منهم لا يخلدون في النار (2) .

(1) انظر: الإيمان (ص: 338) .

(2)

انظر: مجموع الفتاوى (16/196-197)، وانظر: التسعينية (ص:269-270) .

ص: 1374