الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: القراءة في ركعتي الفجر
ش: أي هذا باب في بيان حكم القراءة في ركعتي الفجر وهما السُنَّه التي قبلها، وجه المناسبة بين البابين من حيث وقوع الاختلاف في كل واحد من الوتر والقراءة في ركعتي الفجر.
ص: قال قوم: لا يقرأ في ركعتي الفجر، وقال آخرون: يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب خاصة.
واحتج الفريقان في ذلك بما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن نافع، عن ابن عمر، أن حفصه أم المؤمنين رضي الله عنه أخبرته:"أن رسول الله عليه السلام كان إذا سكت المؤذن من الأذان لصلاة الصبح -أو النداء بالصبح- صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة".
حدثنا محمَّد بن إدريس المكي، قال: ثنا الحُمَيديّ، قال: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن موسى بن عقبة، عن نافع
…
فذكر بإسناده نحوه.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: أبا بكر بن الأصم وابن علية وبعض الظاهرية؛ فإنهم قالوا: لا قراءة في ركعتي الفجر.
قوله: "وقال آخرون" أي جماعة آخرون، وأراد بهم: مالكًا وعبد الله بن وهب وبعض الشافعية؛ فإنهم قالوا: يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب لا غير.
واحتج كلا الفريقين بحديث حفصة - رضى الله عنها -.
وأخرجه من طريقين صحيحين:
أحدهما: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
وأخرجه البخاري (1): عن عبد الله بن يوسف، أنا مالك
…
إلى آخره نحوه.
ومسلم (2): عن يحيى بن يحيى، عن مالك.
والنسائي (3): عن قتيبة، عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة، عن رسول الله عليه السلام:"أنه كان إذا نودي لصلاة الصبح ركع ركعتين خفيفتين قبل أن يقوم إلى إلصلاة".
والآخر: عن محمَّد بن إدريس المكي، قال: ثنا الحميدي، قال ابن أبي حاتم: صدوق. والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله بن الزبير بن عبد الله بن حميد الحميدي المكي شيخ البخاري.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(4): ثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة بن أبي حازم، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة:"أن النبي عليه السلام كان إذا نودي بصلاة الصبح سجد سجدتين قبل صلاة الصبح يخففهما".
ص: فذهب قوم إلى أن السنة فيهما هي التخفف.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: سعيد بن المسيب والحسن البصري ومحمد بن سيرين وعروة بن الزبير وآخرين؛ فإنهم ذهبوا إلى أن السنة في ركعتي الفجر التخفيف، وهو قول كافة العلماء، وذهب بعضهم [....](5) وظاهر حديث عائشة الاقتصار فيهما على أم القرآن وهو استحباب مالك، وفعله هو وأصحابه، وقد روي عنه استحسان قراءة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فيهما على ما جاء في حديث أبي هريرة، وهو قول الشافعي وأحمد، وذهب الثوري والحسن
(1)"صحيح البخاري"(1/ 223 رقم 593).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 500 رقم 723).
(3)
"المجتبى"(3/ 255 رقم 1773).
(4)
"معجم الطبراني الكبير"(23/ 212 رقم 378).
(5)
طمس في "الأصل" ولم يستدرك في "ك".
وأبو حنيفة إلى أنه يجوز لمن فاته [
…
] (1) من الليل أن يقرأه فيهما وإن طوّل، وذهب قوم إلى لا أنه لا يقرأ فيهما جملة، حكاه الطحاوي.
وذهب النخعي إلى جواز إطالة القراءة فيهما واختاره الطحاوي.
ص: حدثنا أبو أمية، قال: ثنا عبد الله بن حمران، قال: ثنا عبد الحميد بن جعفر، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله عليه السلام يصلي قبل الفجر ركعتين خفيفتين حتى أقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن؟ ".
حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا علي بن مُسْهِر، عن يحيى بن سعيد
…
فذكر بإسناده نحوه.
حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا معاوية بن صالح أن يحيى بن سعيد حدثه أن محمَّد بن عبد الرحمن حدثه عن أمه عمرة، أن عائشة رضي الله عنها قالت:
…
ثم ذكر نحوه.
ش: حديث عائشة هذا أيضًا مما يحتج به من يقول بعدم القراءة في ركعتي الفجر.
وأخرجه من ثلاثة طرق صحاح:
ففي الطريقين الأولين: عن يحيى بن سعيد، عن عمرة.
وفي الطريق الثالث: بينهما محمَّد بن عبد الرحمن وهو ابن عمرة على ما نذكره.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم كالطريق الثالث على ما نبينه إن شاء الله تعالى.
الأول: عن أبي أمية محمَّد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، عن عبد الله بن حمران بن عبد الله بن حمران بن أبان القرشي الأموي البصري، روى له مسلم وأبو داود والنسائي.
عن عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري أبي حفص المدني روى له الجماعة البخاري مستشهدًا.
(1) طمس في "الأصل" ولم يستدرك في "ك".
عن يحيى بن سعيد الأنصاري المدني روى له الجماعة.
عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية روى لها الجماعة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.
وأخرجه البخاري (1): ثنا أحمد بن يونس، ثنا وهب، ثنا يحيى -هو ابن سعيد- عن محمد بن عبد الرحمن، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان النبي عليه السلام يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني لأقول: هل قرأ بأم الكتاب؟ ".
وأخرجه مسلم (2): ثنا محمَّد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى بن سعيد، قال: أخبرني محمَّد بن عبد الرحمن، أنه سمع عمرة تحدث عن عائشة أنها كانت تقول:"كان رسول الله عليه السلام يصلي ركعتي الفجر فيخفف، حتى إني لأقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن؟ ".
وأخرجه أبو داود (3): ثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني، نا زهير بن معاوية، نا يحيى بن سعيد
…
إلى آخره نحو رواية البخاري.
الثاني: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن يوسف بن عدي بن زريق الكوفي شيخ البخاري، عن علي بن مسهر القرشي الكوفي قاضي الموصل روى له الجماعة.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(4): عن يحيى بن سعيد، عن محمَّد بن عبد الرحمن، عن عمرة، عن عائشة قالت:"كان رسول الله عليه السلام إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين فأقول: قرأ فيهما بفاتحة الكتاب؟! ".
الثالث: عن فهد بن سليمان، عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن معاوية
(1)"صحيح البخاري"(1/ 393 رقم 1118).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 551 رقم 724).
(3)
"سنن أبي داود"(2/ 19 رقم 1255).
(4)
"مسند أحمد"(6/ 40 رقم 24171).
ابن صالح بن حدير الحمصي، عن يحيى بن سعيد، عن محمَّد بن عبد الرحمن، عن أمه عمرة وفي الرواية الأخرى عن محمَّد بن عبد الرحمن، عن عمته عمرة.
قلت: عمرة هي بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدينة كانت في حجر عائشة رضي الله عنها، روت عنها وعن رافع بن خديج وعبيد بن رفاعة ومروان بن الحكم وحبيبة بنت سهل وحمنة بنت جحش وأم سلمة.
وأم هشام بنت حارثة بن النعمان هي أختها، روى عنها جماعة كثيرون، منهم: ابنها أبو الرجال -بالجيم- محمَّد بن عبد الرحمن بن حارثة، ومنهم ابن أخيها محمَّد بن عبد الرحمن وهي عمته، وفي كتاب "الكمال في أسماء الرجال": روى عنها ابنها أبو الرجال محمَّد بن عبد الرحمن وأخوها -ويقال: ابن أخيها- محمَّد بن عبد الرحمن، وابن أخيها محمَّد بن عبد الله بن عبد الرحمن وابن أختها أبو بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم.
ص: وقد روي عنها منقطعًا ما فيه أنه قد كان يقرأ فيها غير فاتحة الكتاب.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا هشام، عن محمَّد، أن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفي ما يقرأ فيهما، وذكرت {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ".
فقد ثبت عنه بحديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه شعبة في قراءة فاتحة الكتاب بحديث أبي بكرة هذا قراءة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فثبت بذلك أنه كان يفعل فيهما ما يفعل في سائر الصلوات من القراءة.
ش: ذكر هذا شاهدًا لما ذكره من التأويل في أحاديث عائشة السابقة حيث ذكرت عائشة رضي الله عنها فيه أنه عليه السلام كان يخفي القراءة في ركعتي الفجر، وذكرت سورتين وهما:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ؛ فثبت بحديث شعبة المذكور أنه عليه السلام كان يقرأ الفاتحة في ركعتي الفجر، وبحديث أبي بكرة هذا أنه كان يقرأ في الركعتين السورتين من القرآن وهما {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
{اللَّهُ أَحَدٌ} وفحينئذٍ لم تبق حجة لمن ينفي وجوب القراءة فيهما، وأن الأحاديث المذكورة حجة عليهم.
وقوله: "وقد روي عنها" أبي عن عائشة رضي الله عنها.
قوله: "منقطعًا" حال تقدمت على صاحبها وهو قوله: "ما فيه أنه قد كان يقرأ".
أبي: قد روي عن عائشة الذي فيه أنه عليه السلام قد كان يقرأ فيهما حال كونه منقطعًا.
ورجال هذا الحديث رجال الصحيحين ما خلا أبا بكرة. وهشام هو ابن حسان، ومحمد هو ابن سيرين.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن إدريس، عن هشام، عن محمَّد بن سيرين، عن عائشة رضي الله عنها:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ في ركعتي الفجر {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُسرّ فيهما القراءة".
ص: ثم نظرنا، هل روى غير عائشة عنه في ذلك شيئًا؟ فإذا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا، قال: ثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا عبد الملك بن الوليد بن معدان، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله قال:"ما أُحْصِي ما سمعت رسول الله عليه السلام يقرأ في الركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ".
حدثنا محمَّد بن إسماعيل، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: أنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مجاهد (ح).
وحدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"رمقت النبي عليه السلام أربعًا وعشرين مرةً أو خمسًا وعشرين مرة يقرأ في الركعتين قبل صلاة الغداة وفي الركعتين بعد المغرب بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 50 رقم 6337).
حدثنا لبيع المؤذن، قال: ثنا أسد (ح).
وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سويد بن سعيد، قالا: ثنا مروان بن معاوية، قال: أنا عثمان بن حكيم الأنصاري، قال: أنا سعيد بن يسار، أنه سمع عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما يقول:"كان رسول الله عليه السلام يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} (1) الآية، وفي الثانية {قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} (2) ".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا عبد العزيز بن محمَّد، قال: ثنا عثمان بن عمر بن موسى قال: سمعت أبا الغيث يقول: سمعت أبا هريرة يقول: "سمعت رسول الله عليه السلام يقرأ في السجدتين قبل الفجر في السجدة الأولى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ} (1)، وفي السجدة الثانية {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (3) ".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عثمان بن موسى بن خلف العمّي، قال: ثنا أخي خلف بن موسى، عن أبيه، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله عليه السلام يقرأ في ركعتي (4) يقرءون بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
حدثنا محمَّد بن إبراهيم بن يحيى بن جناد البغدادي، قال: ثنا يحيى بن معين، قال: ثنا عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس الأنصاري، قال: سمعت طلحة بن خراش يحدث، عن جابر بن عبد الله: "أن رجلًا قام فركع ركعتي الفجر فقرأ في الأولى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} حتى انقضت السورة، فقال النبي عليه السلام: هذا عبد آمن بربه، ثم قام فقرأ في الآخرة في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} حتى انقضت السورة،
(1) سورة آل عمران، آية:[136].
(2)
سورة المائدة، آية:[111]، ووقع في "الأصل"، و"ك"، و"شرح معاني الآثار": قل آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون.
(3)
سورة آل عمران، آية:[53].
(4)
طمس في "الأصل" بمقدار ورقة أو أكثر.
فقال رسول الله عليه السلام: هذا عبد قد عرف ربه. فقال طلحة: فإنا أستحب أن أقرأ هاتين السورتين في هاتين الركعتين".
ففي هذه الآثار في بعضها أنه قرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، وفي بعضها أنه قرأ بغير ذلك، وليس في ذلك نفي أن يكون قد قرأ بفاتحة الكتاب مع ما قد قرأ به من ذلك، فقد ثبت بما وصفنا أن تخفيفه ذلك كان تخفيفًا معه قراءة، وثبت بما ذكرنا من قراءته غير فاتحة الكتاب نفي قول من كره أن يُقرأ فيهما غير فاتحة الكتاب، فثبت أنهما كسائر التطوع، وأنه يقرأ فيهما كما يقرأ في التطوع، ولم نجد شيئًا من الصلوات التطوع لا يقرأ فيه بشيء ويقرأ فيه بفاتحة الكتاب خاصةً.
ش: أشار بهذا إلى أن القراءة في ركعتي الفجر رويت عن جماعة من الصحابة كما رويت عن عائشة رضي الله عنهم.
وقد أخرج ذلك عن ستة منهم، وهم: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله.
أما حديث عبد الله بن مسعود: فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ البخاري، عن عبد الملك بن الوليد بن مَعْدان البصري الضبعي قال أبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال ابن عدي: يروي أحاديث لا يتابع عليها، وقال ابن معين: صالح.
وهو يروي عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود.
وأخرجه الترمذي (1): ثنا أبو موسى محمَّد بن المثنى، قال: ثنا بدل بن المُحَبَّر، قال: ثنا عبد الملك بن معدان، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود
…
إلى آخره نحوه.
(1)"جامع الترمذي"(2/ 296 رقم 431).
وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الملك بن معدان، عن عاصم.
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(1) نحوه، ولكن ذكر موضع أبي وائل زر بن حبيش.
وأما حديث عبد الله بن عمر: فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن محمَّد بن خزيمة، عن عبد الله بن رجاء بن عمرو الغداني شيخ البخاري، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن مجاهد بن جبر المكي، عن ابن عمر.
وأخرجه الترمذي (2): ثنا محمود بن غيلان وأبو عمار، قالا: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر قال:"رمقت النبي عليه السلام شهرًا فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ". قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن الإسناد.
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن إسرائيل بن يونس
…
إلى آخره.
وأخرجه النسائي (3): أنا الفضل بن سهل، قال: حدثني أبو الجواب، قال: حدثنا عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر قال:"رمقت النبي عليه السلام عشرين مرةً يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ".
وأخرجه ابن ماجه (4): عن أحمد بن سنان ومحمد بن عبادة الواسطيين، عن أبي أحمد، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن مجاهد، عن ابن عمر
…
فذكر مثله.
(1)"مسند أبي يعلى"(8/ 463 رقم 5049).
(2)
"جامع الترمذي"(2/ 276 رقم 417).
(3)
"المجتبى"(2/ 170 رقم 992).
(4)
"سنن ابن ماجه"(3/ 363 رقم 1149).
وأما حديث عبد الله بن عباس فأخرجه من طريقين صحيحين أيضًا:
الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد بن موسى، عن مروان بن معاوية بن الحارث الكوفي شيخ أحمد بن حنبل، عن عثمان بن حكيم الأنصاري، عن سعيد بن يسار -بالياء آخر الحروف- المدني مولى، ميمونة رضي الله عنها.
وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا أبو خالد الأحمر، عن عثمان بن حكيم، عن سعيد بن يسار، عن ابن عباس قال:"كان رسول الله عليه السلام يقرأ في ركعتي الفجر {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} (2) والتي في آل عمران {إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (3) الآية".
وأخرجه أبو داود (4): عن أحمد بن يونس، عن زهير، عن عثمان بن حكيم
…
إلى آخره.
وأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سويد بن سعيد بن سهل الأنباري شيخ مسلم وابن ماجه، عن مروان بن معاوية، عن عثمان بن حكيم
…
إلى آخره.
وأخرجه النسائي (5): أخبرني عمران بن يزيد، قال: ثنا مروان بن معاوية الفزاري، قال: ثنا عثمان بن حكيم
…
إلى آخره نحو رواية الطحاوي غير أن في لفظه: "في الأولى، منهما الآية التي في البقرة
…
".
وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد ابن منصور شيخ مسلم، عن عبد العزيز بن محمَّد، عن عثمان بن عمر بن موسى
(1)"صحيح مسلم"(1/ 502 رقم 727).
(2)
سورة البقرة، آية:[136].
(3)
سورة آل عمران، آية:[64].
(4)
"سنن أبي داود"(2/ 20 رقم 1259).
(5)
"المجتبى"(2/ 155 رقم 944).
ابن عبيد الله القرشي التيمي، وثقه ابن حبان -واستشهد به البخاري- واحتج به أبو داود.
عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع- مشهور باسمه وكنيته، روى له الجماعة.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا محمَّد بن الصباح، نا عبد العزيز بن محمَّد، عن عثمان بن عمر -يعني ابن موسى- عن أبي الغيث، عن أبي هريرة:"أنه سمع النبي عليه السلام يقرأ في ركعتي الفجر {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا} (2) وفي الركعة الآخرة بهذه الآية {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (3) أو {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} (4) شك الدراوردي".
وأما حديث أنس فأخرجه: عن إبراهيم بن أبي داود، عن عثمان بن موسى بن خلف العمي -لم أقف على ترجمته وحاله- عن أخيه خلف بن موسى العمّي البصري روى له النسائي، عن أبيه موسى بن خلف العمِّي البصري، قال ابن معين: ليس به بأس. وروى له أبو داود.
الثاني: عن قتادة، عن أنس.
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمَّد بن المثنى وعمرو بن علي، قالا: نا خلف ابن موسى بن خلف، حدثني أبي، عن قتادة، عن أنس:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ في ركعتي الفجر {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ".
وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه: عن محمَّد بن إبراهيم بن يحيى بن جنّاد البغدادي البزاز يكنى أبا بكر، قال ابن عقدة: أبو بكر بن جناد عدل ثقة مأمون،
(1)"سنن أبي داود"(2/ 20 رقم 1260).
(2)
سورة آل عمران، آية:[84].
(3)
سورة آل عمران، آية:[53].
(4)
سورة البقرة، آية:[119].
مات بطريق مكة سنة ست وسبعن ومائتين. وفي "التكميل": روى عنه أبو داود في "المراسيل".
وهو يروي عن يحيى بن معين الإمام المشهور، عن يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس الأنصاري الأنيْسي أبي زكرياء المدني، قال أحمد: لم يكن به بأس. ووثقه ابن حبان.
عن طلحة بن خراش -بالخاء المعجمة- الأنصاري المدني، قال النسائي: صالح. وروى له الترمذي وابن ماجه.
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(1) من حديث طلحة بن خراش، عن جابر بن عبد الله: "أن رجلًا قام فركع ركعتي الفجر
…
" إلى آخره نحوه.
قوله: "ركع ركعتي الفجر" أي صلى ركعتي الفجر، أطلق الركوع وأراد به الصلاة، من قبيل ذكر الجزء وإرادة الكل.
قوله: "هذا عبد آمن بربه" إنما قال ذلك عند قراءة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ؛ لأنها تشتمل على نفي العبادة لغير الله تعالى، ونفي التوحيد عن غيره، فهذا هو عين الإيمان؛ ولذلك قال عند قراءة سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}: هذا عبد عرف ربه؛ لأنها تشتمل على صفات الله تعالى، فمن قرأها فقد عرف ربه بالوحدانية والصمدية، وبأن لا والد ولا ولد له، ولا كفء له ولا نظير وأنه فردٌ صمد أحد واحد، تعالى الله وتقدس.
وقوله: "ففي هذه الآثار" أراد بها الأحاديث المذكورة عن هؤلاء الصحابة الستة رضي الله عنهم.
قوله: "في بعضِها" بالجر بدل من قوله: "ففي هذه الآثار" في محل الرفع على الابتداء. وقوله: "ففي هذه الآثار" مقدمًا خبره.
(1)"صحيح ابن حبان"(6/ 213 رقم 2460).
قوله: "فثبت أنهما كسائر التطوع" أبي الصلوات التي يتطوع بها.
ص: ولم نجد شيئًا من التطوع كله كُرِه أن تمد فيه القراءة، بل استحب طول القنوت، رُوي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن ذلك: ما حدثنا به علي بن مَعْبد، قال: ثنا شجاع بن الوليد، قال: ثنا سليمان بن مهران (ح).
وثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا الفرياى، قال: ثنا مالك بن مغول، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال:"أتى رجل رسول الله عليه السلام فقال: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسول الله عليه السلام قال:"أفضل الصلاة طول القنوت".
حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا الحجاج بن محمَّد، عن ابن جريج، قال: حدثني عثمان بن أبي سليمان، عن علي الأزدي، عن عبيد بن عمير، عن عبد الله بن حبشي الخثعمي:"أن النبي عليه السلام سئل: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القيام".
حدثنا محمَّد بن النعمان السقطي، قال: ثنا الحميدي، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت أبا الزبير يحدث، عن جابر، أن النبي عليه السلام قال:"أفضل الصلاة طول القيام".
حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا حبان بن هلال، قال: ثنا سويد أبو حاتم، قال: حدثني عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، عن جده "أن رجلًا سأل النبي عليه السلام: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت".
قال أبو جعفر رحمه الله: سمعت ابن أبي عمران يقول: سمعت ابن سماعة يقول: سمعت محمَّد بن الحسن يقول: بذلك نأخذ، هو أفضل عندنا من كثرة الركوع والسجود مع قلة طول القيام.
ش: لما ذكر أن ركعتي الفجر كسائر التطوعات، وأن القراءة لا بد فيهما كما في غيرهما من التطوعات؛ ذكر أنه لا يوجد قط تطوع يكره فيه مد القراءة أبي تطويلها،
بل يستحب طول القنوت؛ وهو القراءة أو القيام، فالقيام إذا طال لا يخلو عن القراءة الطويلة، والدليل على ذلك أنه قد روي عنه عليه السلام: أن أفضل الصلاة طول القنوت، أي القيام أو القراءة.
وأخرج ذلك عن ثلاثة من الصحابة رضي الله عنهم.
أما حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه فأخرج عنه من أربع طرق صحاح:
الأول: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن شجاع بن الوليد بن قيس السكوني، عن سليمان بن مهران الأعمش، عن أبي سفيان طلحة بن نافع القرشي الواسطي -ويقال المكي- الإسكاف، عن جابر رضي الله عنه.
وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال:"سُئل رسول الله عليه السلام: أيّ الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت".
الثاني: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن محمَّد بن يوسف الفريابي -شيخ البخاري- عن مالك بن مِغْوَل -بكسر الميم وسكون الغين المعجمة- البجلي الكوفي، عن سليمان الأعمش
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا أبو معاوية ويعلى ووكيع، قالوا: ثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال:"سئل رسول الله عليه السلام أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت".
الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن عبد الملك بن جريج المكي، عن أبي الزبير محمَّد بن مسلم بن تدرس المكي، عن جابر.
(1)"صحيح مسلم"(1/ 520 رقم 756).
(2)
"مسند أحمد"(3/ 314 رقم 14408).
وأخرجه مسلم (1): ثنا عبد بن حميد، ثنا أبو عاصم، قال: أنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله عليه السلام: "أفضل الصلاة طول القنوت".
الرابع: عن محمَّد بن النعمان السقطي، عن عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله بن أسامة بن عبد الله بن حميد الحميدي أبي بكر المكي شيخ البخاري، عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير محمَّد بن مسلم المكي، عن جابر.
وأخرجه الحديث في "مسنده": ثنا سفيان -هو ابن عيينة- عن أبي الزبير، عن جابر قال:"قيل للنبي عليه السلام: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت".
وأما حديث عبد الله بن حُبْشي -بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء آخر الحروف.
وأخرجه بإسناد صحيح، عن علي بن معبد بن نوح، عن الحجاج بن محمَّد الأعور المصيصي، عن عبد الملك بن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم المكي روى له مسلم وأبو داود والنسائي، عن علي بن عبد الله البارقي الأزدي روى له الجماعة سوى البخاري، عن عبيد بن عمير بن قتادة أبي عاصم المكي روى له الجماعة.
وأخرجه أبو داود (2): ثنا ابن حنبل -يعني أحمد- نا حجاج
…
إلى آخره نحو رواية الطحاوي، غير أن في لفظه:"سئل: أبي الأعمال أفضل؟ ".
وأما حديث عمير بن قتادة الصحابي: فأخرجه عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي أيضًا، عن حَبَّان -بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- بن هلال البصري روى له الجماعة، عن سويد بن إبراهيم أبي حاتم الجحدري الخياط، ضعفه يحيى والنسائي، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي.
(1)"صحيح مسلم"(1/ 520 رقم 756).
(2)
"سنن أبي داود"(2/ 36 رقم 1325).
عن عبد الله بن عبيد بن عمير أبي هاشم المكي روى له الجماعة سوى البخاري، عن أبيه عبيد بن عمير روى له الجماعة، عن جده عمير بن قتادة بن سعيد الليثي ثم الجندعي، لم يرو عنه غير ابنه عبيد.
وأخرجه الطبراني في الكبير (1): ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل وجعفر بن محمَّد الفريابي والحسين بن إسحاق التستري، قالوا: ثنا حوثرة بن أشرس، ثنا سويد أبو حاتم صاحب الطعام، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، عن جده:"أن رجلًا قال: يا رسول الله عليه السلام، أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، قال: أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل، قال: أي المؤمنين أكمل إيمانًا؟ قال: أحسنهم خلقًا" انتهى.
والمراد من القنوت: القيام وإن كان يأتي بمعاني كثيرة كالطاعة والخشوع والصلاة والدعاء والعبادة والسكوت والقيام وطول السجود والقراءة، فينصرف في كل واحد من هذه المعاني إلى لي ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه.
قوله: "أي الصلاة" أو "أي الأعمال" وارد على حسب اختلاف الأحوال والأشخاص، فإنه قد يقال: خير الأشياء كذا ولا يراد أنه خير جميع الأشياء من جميع الوجوه وفي جميع الأحوال والأشخاص، بل في حال دون حال، والمراد: من أفضل الصلاة أو من أفضل الأعمال: طول القيام، كما يقال: فلان أعقل الأشخاص وأفضلهم، ويراد أنه من أعقلهم ومن أفضلهم.
قوله: "قال أبو جعفر: سمعت ابن أبي عمران
…
" إلى آخره، أشار به إلى أن مذهب أصحابنا أن طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود، وهو مذهب الجمهور، وقد مرَّ الكلام فيه مستقصى.
وابن أبي عمران هو أحمد بن موسى بن عيسى الفقيه البغدادي نزيل مصر، وثقه ابن يونس، وتفقه على محمَّد بن سماعة بن عبيد الله، أحد الثقات الأثبات، وقال
(1)"المعجم الكبير"(17/ 48 رقم 103).
ابن الجوزي: هو من الحفاظ الثقات، وكان يصلي كل يوم مائتي ركعة، وهو من أصحاب أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة رضي الله عنهم.
ص: فلما كان هذا حكم التطوع، وقد جعلت ركعتا الفجر من أشرف التطوع وأكد أمرهما ما لم يؤكد أمر غيرهما من التطوع، وروي فيهما عن النبي عليه السلام ما قد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن محمَّد بن يزيد بن قنفذ، عن ابن سِيلان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "إلا تزكوا ركعتيم الفجر ولو طردتكم الخيل".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، قال: حدثني عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"إن رسول الله عليه السلام لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على الركعتين قبل الفجر".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير، قال: ثنا حفص، عن ابن جريج، عن عطاء
…
فذكر مثله بإسناده.
حدثنا فهد، قال: ثنا يحيى بن عبد الحميد، قال: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة قالت: قال رسول الله عليه السلام: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
فلما كانتا أشرف التطوع كان أولى بهما أن يفعل فيهما أشرف ما يفعل في التطوع.
وقد حدثني ابن أبي عمران، قال: حدثني محمَّد بن شجاع، عن الحسن بن زياد، قال: سمعت أبا حنيفة رحمه الله يقول: "ربما قرأت في ركعتي الفجر جزءين من القرآن".
فبهذا نأخذ، لا بأس أن تطال فيهما القراءة، وهي عندنا أفضل من التقصير؛ لأن ذلك من طول القنوت الذي فضَّله رسول الله عليه السلام في التطوع على غيره.
وقد روي ذلك أيضًا عن إبراهيم:
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عامر (ح).
وحدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قالا: ثنا هشام الدستوائي، قال: ثنا حماد، عن إبراهيم قال:"إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الركعتين اللتين قبل الفجر. قلت لإبراهيم: أطيل القراءة فيهما؟ قال: نعم إن شئت".
ش: جواب "لما" هذه و"لما" الأخرى المعطوفة عليها هو قوله: "كان أصلى بهما أن يفعل فيهما أشرف ما يفعل في التطوع"، و"الواو" في "وقد" جعلت للحال.
قوله: "وروي فيهما" أبي في ركعتي الفجر، وأخرج في فضلهما عن اثنين من الصحابة، وهما: أبو هريرة وعائشة رضي الله عنها.
أما حديث أبي هريرة: فأخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن سليمان الضبي أبي عثمان الواسطي المعروف بسعدويه، شيخ البخاري وأبي داود.
عن خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان الواسطي روى له الجماعة، عن عبد الرحمن بن إسحاق -ويقال: عبد الله بن إسحاق- المدني، روى له الجماعة البخاري مستشهدًا.
عن محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ بن جدعان التيمي المدني روى له الجماعة سوى البخاري، عن ابن سِيلان -بكسر السين المهملة وسكون الياء آخر الحروف- عبد ربه بن سيلان، وقيل: هو جابر بن سيلان، وذكر ابن حبان عبد ربه بن سيلان في "الثقات" وقال: عبد ربه بن سيلان، وهو الذي يقال له عبد ربه الدوسي.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا مسدد، نا خالد، حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن إسحاق المدني- عن ابن زيد، عن ابن سيلان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدعوهما وإن طردتكم الخيل" انتهى.
(1)"سنن أبي داود"(1/ 403 رقم 1258).
وقد اختلف في هذا الحديث، فقال عبد الحق في "أحكامه" بعد أن ذكره من جهة أبي داود: ليس إسناده بالقوي. وقال ابن القطان في "الوهم والإيهام": علته الجهل بحال ابن سيلان، ولا ندري أهو عبد الله بن سيلان أو جابر بن سيلان، فجابر بن سيلان يروي عن ابن مسعود، روى عنه محمَّد بن زيد بن مهاجر كما ذكره ابن أبي حاتم، وذكره الدارقطني فقال: يروي عن أبي هريرة، روى عنه محمَّد بن زيد بن مهاجر وأيًّا كان فهو مجهول لا يعرف، وأيضًا فعبد الرحمن بن إسحاق هو الذي يقال له عباد المقرئ، قال يحيى القطان: سألت عنه بالمدينة فلم أرهم يحمدونه. وقال أحمد: روى أحاديث منكرة.
قلت: أما عبد الله بن سيلان فقد وثقه ابن حبان كما ذكرنا، وأما عبد الرحمن بن إسحاق فقد أخرج له مسلم ووثقه ابن معين واستشهد به البخاري، وإنما لم يعتمده في مذهبه لأنه كان قدريًّا فنفوه من المدينة، فأما رواياته فلا بأس بها.
قوله: "ولو طردتكم الخيل" أي الفرسان، ومنه قوله تعالى:{وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} أي بفرسانك ورجَّالتك، والخيل الخيول أيضًا، قال تعالى:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ} .
فإن قيل: ما جواب لو؟
قلت: محذوف، والتقدير: ولو طردتكم الخيل لا تتركوها، وحُذِفَ لدلالة القرينة عليه.
فإن قيل: على ماذا عطف ولو؟
قلت: على المحذوف، والتقدير: لا تتركوا ركعتي الفجر إن لم تطردكم الخيل وإن طردتكم الخيل، وهذا كلام خارج مخرج المبالغة والمعنى لا تتركونهما ولو فرض أنكم في حالة طرد الخيل.
واستدل به أصحابنا أن الرجل إذا انتهى إلى المسجد، والإمام في صلاة الفجر وهو لم يصلِّ ركعتي الفجر إن خشي أن تفوته ركعة ويدرك الأخرى؛ يصلي ركعتي
الفجر عند باب المسجد ثم يدخل ولا يتركهما، وأما إذا خشي فوت الفرض فحينئذٍ يدخل مع الإِمام ولا يصلي؛ لأن ذوات الجماعة أعظم والوعيد بالترك ألزم بخلاف سنة الظهر حيث يتركها في الحالتين؛ لأنه يمكن أداؤها في الوقت بعد الفرض في القول الصحيح.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن مسدد بن مسرهد شيخ البخاري وأبي داود، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء بن أبي رباح المكي، عن عبيد بن عمير بن قتادة.
وأخرجه مسلم (1): حدثني زهير بن حرب، قال: حدثنا يحيى بن سعيد
…
إلى آخره، غير أن في روايته:"قبل الصبح".
وأخرجه البخاري (2): ثنا بيان بن عمرو، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة قالت:"لم يكن النبي عليه السلام على شيء من النوافل أشد منه تعاهدًا على ركعتي الفجر".
وأخرجه أبو داود (3): ثنا مسدد
…
إلى آخره نحو رواية الطحاوي، غير أن في لفظه "قبل الصبح".
قوله:"تَعَاهُدًا" أي حفظًا ورعاية وملازمة، وبظاهره أخذ الحسن البصري، وقال: إن سنة الصبح واجبة. وعن أشعث: كان الحسن يرى الركعتين قبل الفجر واجبتين.
وقال القرطبي: هذا قول شاذّ لا أصل له، والذي عليه جماعة العلماء أنهما سنة.
وقال ابن رشد في "القواعد": اتفقوا على أنهما سنة.
(1)"صحيح مسلم"(1/ 500 رقم 724).
(2)
"صحيح البخاري"(1/ 393 رقم 1116).
(3)
"سنن أبي داود"(2/ 19 رقم 1254).
الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمَّد بن عبد الله بن نمير الخارفي شيخ البخاري ومسلم، عن حفص بن غياث النخعي الكوفي، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء بن رباح، عن عبيد بن عمير، عن عائشة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"ما رأيت رسول الله عليه السلام يسرع إلى شيء من النوافل إسراعه إلى ركعتي الفجر ولا إلى عتمة".
الثالث: عن فهد بن سليمان، عن يحيى بن سعيد، عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري
…
إلى آخره.
وأخرجه مسلم (2): ثنا محمَّد بن عبيد الغبري، ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة، عن النبي عليه السلام قال:"ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
وأخرجه الترمذي (3): ثنا صالح بن عبد الله الترمذي، قال: ثنا أبو عوانة
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه النسائي (4): أنا هارون بن إسحاق، قال: ثنا عبدة، عن سعيد، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى
…
إلى آخره نحوه.
قوله: "خير من الدنيا" أراد به من شهوات الدنيا وزخارفها وملاذِّها.
وقوله: "وما فيها" أي خير مما في الدنيا، أراد به كل نوع من الأعمال التي ليست بعبادة ولا فيها أجر، أو خير من الأعمال التي من جنسها مما يتقرب به إلى الله تعالى، ولهذا صارت ركعتا الفجر من أشرف التطوعات واستدلت به طائفة في تأكيد منزلة ركعتي الفجر والترغيب في فعلها، ومن ذلك ذهب الحسن البصري إلى وجوبها.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 49 رقم 6323).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 501 رقم 725).
(3)
"جامع الترمذي"(2/ 275 رقم 416).
(4)
"المجتبى"(3/ 252 رقم 1759).
واستدل بعضهم بهذا الحديث على أن ركعتي الفجر أفضل من الوتر، وهو قول الشافعي في القديم، وفي قوله الجديد الوتر أفضل.
وحكى الرافعي قولًا لبعض الشافعية أنهما سواء في الأفضلية.
وحكى الرافعي أيضًا عن أبي إسحاق المروزي أن صلاة الليل أفضل من سنة الفجر.
قلت: لا شك أن الوتر أفضل؛ لأنه ملحق بالفرائض، وسنة الفجر ملحقة بالنوافل وباب النوافل أقصر من باب الفرائض، فافهم.
قوله: "ولقد حدثني ابن أبي عمران
…
" إلى آخره، أشار بهذا الكلام إلى أن مذهب أبي حنيفة استحباب طول القراءة في ركعتي الفجر، وأنه أيضًا مختاره، وأنه أيضًا مختار إبراهيم النخعي، وهو أيضًا مختار سعيد بن جبير والحسن البصري ومجاهد.
أما أنه مختار أبي حنيفة فلما رواه عن أحمد بن أبي عمران الفقيه البغدادي، عن محمَّد بن شجاع البغدادي ابن الثلجي- بالثاء المثلثة، من أصحاب الحسن بن زياد، كان موصوفًا بالزهد والعبادة والتلاوة، مات وهو ساجد في صلاة العصر، وأصحاب الحديث حملوا عليه كثيرًا، وأمره إلى الله تعالى، فلا يخلو عن نوع تحامل.
والحسن بن زياد اللؤلؤي صاحب الإِمام أبي حنيفة كان فقيهًا كبيرًا عائد بالروايات وأقوال الناس، ولكن المحدثين تكلموا فيه كثيرًا، والله أعلم بحاله، والظاهر أنه تحامل وكيف وقد قال يحيى بن آدم: ما رأيت أفقه من الحسن بن زياد الهروي، ولي القضاء ثم استعفى منه، وكان محبًا للسنة واتباعها حتى كان يكسو مماليكه كما يكسو نفسه اتباعًا لقوله عليه السلام:"ألبسوهم مما تلبسون".
و"الحزب": ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة كالورد، والحزب في اللغة: النوبة في ورود الماء.
وأما أنه مختار نفسه فلقد أشار إليه بقوله: "فبهذا نأخذ".
وأما أنه مختار إبراهيم النخعي فلما رواه عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو القيسي العقدي، عن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي.
والثاني: عن محمَّد بن خزيمة، عن مسلم بن إبراهيم الأزدي أبي عمر البصري، شيخ البخاري وأبي داود، عن هشام الدستوائي
…
إلى آخره.
ص: وقد رويت آثار عمن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة فيهما أردت بذكرها الحجة على من قال: لا قراءة فيهما، فمن ذلك:
ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن إبراهيم بن المهاجر، عن إبراهيم النخعي قال:"كان ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ في الركعتين بعد المغرب والركعتين قبل الصبح بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة، عن إبراهيم، عن أصحابه "أنهم كانوا يفعلون ذلك".
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبوداود، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني الأعمش، عن إبراهيم:"أن أصحاب ابن مسعود كانوا يفعلون ذلك".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن العلاء بن المسيب:"أن أبا وائل قرأ في ركعتي الفجر بفاتحة الكتاب وبآية".
حدثنا يونس وفهد، قالا: ثنا عبد الله بن يوسف، عن أبي بكر بن مضر، قال: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عقبة بن سلمة، عن عبد الرحمن بن جبير:"أنه سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقرأ في ركعتي الفجر بأم القرآن لا يزيد معها شيئًا".
ش: أي قد رويت أخبار عن الصحابة والتابعين في القراءة في ركعتي الفجر، أخرج ذلك عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي وائل وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهم.
أما أثر ابن مسعود: فأخرجه عن أبي بكرة بكار، عن أبي داود بن سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن إبراهيم بن المهاجر، عن إبراهيم النخعي.
وهؤلاء كلهم ثقات غير أن إبراهيم لم يسمع من ابن مسعود.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن علية وغندر، عن شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي قال:"كان ابن مسعود يقرأ في الركعتين قبل صلاة الصبح -أو قال: صلاة الغداة- بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} زاد غندر-: وفي الركعتين بعد المغرب".
وأما أثر إبراهيم: فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن أبي بكرة بكار، عن سعيد بن عامر الضبعي البصري عن شعبة بن الحجاج، عن المغيرة بن مقسم، عن إبراهيم، عن أصحابه أي عن أصحاب إبراهيم كأبي وائل والأسود والشعبي وأبي الضحى وآخرين.
والثاني: أيضًا عن أبي بكرة بكار، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم.
وأما أثر أبي وائل: فأخرجه من طريق صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن سفيان الثوري، عن العلاء بن المسيب، عن أبي وائل شقيق بن سلمة.
وأما أثر عبد الله بن عَمرو رضي الله عنهما: فأخرجه عن يونس بن عبد الأعلى وفهد بن سليمان كلاهما، عن عبد الله بن يوسف التنيسي المصري شيخ البخاري، عن بكر بن مضر بن محمَّد المصري روى له الجماعة سوى ابن ماجه، عن جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة المصري روى له الجماعة، عن عقبة بن مسلم التجيبي المصري، وثقه العجلي وابن حبان، وروى له أبو داود والترمذي والنسائي.
عن عبد الرحمن بن جبير المصري المؤذن مولى، نافع بن عمرو، روى له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 50 رقم 6339).