الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: القراءة في صلاة الليل
ش: أي هذا باب في بيان حكم القراءة في صلاة الليل هل يُجْهر بها أوْ يُخافَتْ؟ والمناسبة بين البابين اشتمال كل منهما على صلاة يتنفل بها.
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا ابن أبي الزناد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"كان النبي عليه السلام يصلي من الليل فتسمع قراءته من وراء الحُجَر وهو في البيت".
ش: إسناده صحيح، وابن أبي الزناد -بالنون- هو عبد الرحمن بن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، وعمرو بن أبي عمرو -واسمه ميسرة- مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب القرشي أبو عثمان المدني روى له الجماعة.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا محمَّد بن جعفر الوركاني، نا ابن أبي الزناد، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"كانت قراءة رسول الله عليه السلام على قدر [ما]، (2) يسمعه مَنْ في الحجرة وهو في البيت".
ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن هلال بن خباب، عن يحيى بن جَعْدة، عن جدته أم هانئ قالت:"كنت أسمع صوت النبي عليه السلام في جوف الليل وأنا نائمة على عريشي، وهو يُصلّي يُرجّع بالقرآن".
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا مِسعرٌ، عن أبي العلاء، عن يحيى بن جعدة قال: قالت أم هانئ: "إني كنت لأسمع صوت النبي عليه السلام وأنا على عريشي".
(1)"سنن أبي داود"(2/ 37 رقم 1327).
(2)
في "الأصل، ك": مَنْ، وضبطها المؤلف في "الأصل" بالشكل، والمثبت من "سنن أبي داود".
ش: هذا إسنادان:
أحدهما: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن أسد السنة، عن قيس بن الربيع الأسدي الكوفي، فيه مقال، فعن يحيى: ضعيف لا يكتب حديثه. وعنه: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث. وعن عفان: ثقة. وثقه الثوري وشعبة وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.
عن هلال بن خباب العبدي أبي العلاء البصري وثقه ابن حبان، وقال: يخطئ ويخالف. وروى له الأربعة.
عن يحيى بن جعدة بن هبيرة، قال أبو حاتم والنسائي: ثقة. روى له الأربعة الترمذي في "الشمائل".
عن أم هانئ بنت أبي طالب أخت علي رضي الله عنها، واسمها فاختة، وهي جدّة يحيى بن جعدة أم أبيه.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا الحسين بن إسحاق التستري، نا يحيى الحماني، نا قيس بن الربيع، عن هلال بن خبَّاب، عن يحيئ بن جعدة، عن أم هانئ قالت:"كنت أسمع قراءة النبي عليه السلام يُرجّع بها في جوف الليل وأنا متكئة على عريشي".
والآخر: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن مسعر بن كدام، عن أبي العلاء هلال بن خباب العبدي، عن يحيى بن جعدة
…
إلى آخره.
وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا أبو معاوية، نا مسعر، عن أبي العلاء العبدي، عن جعدة بن هبيرة، عن أم هانئ قالت:"كنت أسمع قراءة رسول الله عليه السلام وأنا علي عريشي".
(1)"المعجم الكبير"(22/ 411 رقم 999).
(2)
"مسند أحمد"(6/ 424 رقم 27422).
وأخرجه النسائى (1): عن الدَّوْرقي، عن وكيع، عن مسعر
…
إلى آخره نحوه.
و"العريش": السرير.
و"الترجيع": ترديد القراءة، وقيل: هو تقارب ضروب الحركات في الصوت.
ص: فذهب قوم إلى أن القراءة في صلاة الليل هكذا هي، وكرهوا المخافتة فيها.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعلقمة وعكرمة؛ فإنهم استحبوا جهر القراءة في صلاة الليل وكرهوا المخافتة فيها.
وقال ابن قدامة: ويستحب أن يقرأ جزأه من القرآن في تهجده، وهو مخير بين الجهر بالقراءة والإسرار بها إلا أنه إن كان الجهر أنشط له في القراءة أو بحضرته من يسمع قراءته أو ينتفع بها فالجهر أفضل، وإن كان قريبًا منه مَنْ يتهجد أو من يَسْتَضِرّ برفع صوته فالإسرار أولي، وإن لم يكن لا هذا ولا هذا فليفعل ما شاء.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: إن شاء خافت وإن شاء رفع. واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود، قال: حدثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن المبارك، عن عمران بن زائدة بن نشيط، عن أبيه، عن أبي خالد الوالبي، عن أبي هريرة قال:"كانت قراءة النبي عليه السلام بالليل يرفع طورًا ويخفض طورًا".
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسدٌ، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن عمران بن زائدة (ح).
وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمَّد بن عبيد الله بن نمير، قال: ثنا حفص بن غياث، عن عمران
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، عن عمران بن زائدة، عن أبيه، عن أبي خالد عن النبي عليه السلام مثله، ولم يذكر أبا هريرة.
(1)"المجتبى"(2/ 2/ 178 رقم 1013).
فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يخبر عن النبي عليه السلام أنه كان يرفع صوته في قراءته بالليل طورًا ويخفض طورًا، فدل ذلك على أن للمصلي في الليل أن يرفع إن أحبَّ ويخفض إنْ أحبّ، وقد يجوز أن يكون ما ذكرت أم هانئ وابن عباس رضي الله عنه مِنْ رفع رسول الله عليه السلام صوته بالقراءة في صلاته بالليل هو رفعٌ قد كان يفعل بِعَقبِهِ الخفض، فحديث ابن عباس وأم هانئ لا ينفي الخفض، وحديث أبي هريرة يبيِّن أن للمصلي أن يخفض إن أحب ويرفع إن أحبّ، فهو أولى من هذه الأحاديث، وبه يقول أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جمهور العلماء من الأئمة الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أصحابهم؛ فقالوا: هو مخير بين المخافتة ورفع الصوت بها، واحتجوا في ذلك بحديث أبي هريرة، فإن حديثه يخبر بالتخيير.
قوله: "وقد يجوز أن يكون ما ذكرت أم هانئ
…
" إلى آخره إشارة إلى بيان وجه التوفيق بين حديث أبي هريرة، وحديثي أم هانئ وابن عباس؛ لأن بينهما مخالفة بحسب الظاهر، ووجه ذلك أن يقال: يجوز أن يكون رفع الصوت بالقراءة المذكور في حديثهما هو الرفع الذي كان عليه السلام يَخفِض عُقَيْبَه، فتكون أم هانئ وابن عباس قد حكيا ما كان منه عليه السلام من رفع الصوت بالقراءة فقط، وهو لا ينافي الخفض، وحديث أبي هريرة يُخبر بالرفع والخفض؛ ففيه زيادة على ذلك، والأخذ به أولى، فافهم.
ثم إنه أخرج حديث أبي هريرة من أربع طرق.
الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلُّسي، عن يوسف بن عدي بن زريق الكوفي شيخ البخاري، عن عبد الله بن المبارك العالم الزاهد المشهور، عن عمران ابن زائدة بن نشيط الكوفي، وثقه يحيى والنسائي، وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.
عن أبيه زائدة بن نشيط الكوفي، وثقه ابن حبان وروى له هؤلاء.
عن أبي خالد الوالبي واسمه هرمز ويقال: هرِم الكوفي قال أبو حاتم: صالح الحديث. وروى له هؤلاء أيضًا، ونسبته إلى والبة بن الحارث، بطن من بني أسد.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا محمَّد بن بكار بن الريان، نا عبد الله بن المبارك
…
إلى آخره نحو رواية الطحاوي.
الثاني: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى، عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن عمران بن زائدة
…
إلى آخره.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): من حديث عيسى بن يونس، عن عمران ابن زائدة بن نشيط، عن أبيه، عن أبي خالد الوالبي قال:"كان أبو هريرة إذا قام من الليل رفع طورًا وخفض طورًا، وكان يذكر أن النبي عليه السلام كان يفعل ذلك".
الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود، عن محمَّد بن عبد الله بن نمير الهمداني شيخ البخاري ومسلم وأبي داود وابن ماجه، عن حفص بن غياث، عن عمران بن زائدة
…
إلى آخره.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): عن حفص بن غياث
…
إلى آخره نحوه.
وكذا أخرجه أحمد في "مسنده"(4).
الرابع: مُرْسل: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عمران
…
إلى آخره.
(1)"سنن أبي داود"(2/ 37 رقم 1328).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(3/ 12 رقم 4487).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 322 رقم 3680).
(4)
"مسند أحمد"(6/ 167 رقم 25383).
وأخرجه البيهقي (1) نحوه مرسلًا: من حديث وكيع، عن عمران بن زائدة، عن أبي خالد، عن النبي عليه السلام.
قوله: "يرفع طورًا" انتصاب "طورًا" على المصدرية من غير لفظة فعله، يقال: فَعَلَ هذا طورًا، وطَوْرى، وأطوارًا، كما يقال: فعل مرةً، ومرتين، ومرات، ومرارًا، ومعنى يرفع طورًا: يرفع صوته بالقراءة مرةً ويخفضه مرةً أخرى.
(1)"سنن البيهقي"(3/ 12 رقم 4487).