الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: الركعتين بعد العصر
ش: أي هذا باب في بيان حكم صلاة الركعتين بعد العصر. وجه المناسبة بين البابين: من حيث أن كلًا منهما مشتمل على حكم ركعتين في حكمهما خلاف، فافهم.
ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: حدثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود ومسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"ما كان اليوم الذي يكون عندي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صلى ركعتين بعد العصر".
حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا الشيباني، قال: ثنا عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"ركعتان لم يكن النبي عليه السلام يدعهما سرًّا ولا علانية ركعتان قبل الصبح وركعتان بعد العصر".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير، قال: ثنا حفص، عن الشيباني ثم ذكر بإسناده مثله.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا هلال بن يحيى، قال: ثنا أبو عوانة، عن إبراهيم بن محمَّد بن المنتشر، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة قالت:"كان رسول الله عليه السلام لا يدع الركعتين بعد العصر".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا المقدمي، قال: ثنا عباد بن عباد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:"والله ما ترك رسول الله عليه السلام عندي الركعتين بعد العصر قط".
حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا محمَّد بن يحيى بن أبي عمر، قال: ثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:"ما دخل عليّ النبي عليه السلام قط بعد العصر إلا صلى ركعتين".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: ثنا ابن أبي الرجال، عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة نحوه.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الحوضي، قال: ثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن أم موسى قالت: "أتيت عائشة رضي الله عنها فسألتها عن الركعتين بعد العصر
…
" فذكرت عنها مثل ذلك أيضًا.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا إسرائيل، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان رسول الله عليه السلام يصلي صلاة العصر ثم يصلي بعدها ركعتين".
ش: أخرج الحديث من تسع طرق:
الأول: على شرط الشيخين، عن ابن مرزوق، عن وهب بن جرير بن حازم البصري، عن شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن الأسود بن يزيد النخعي وعن مسروق بن الأجدع، كلاهما عن عائشة
…
إلى آخره.
وأخرجه البخاري (1): ثنا محمَّد بن عرعرة، قال: ثنا شعبة، عن أبي البحتري، قال: رأيت الأسود ومسروقًا شهدا على عائشة قالت: "ما كان النبي عليه السلام يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلَّى ركعتين".
وأخرجه مسلم (2): حدثنا ابن المثني وابن بشار، -قال ابن المثنى-: ثنا محمَّد بن جعفر، قال: نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود ومسروق قالا: نشهد على عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "ما كان يومه الذي كان يكون عندي إلا صلاهما رسول الله عليه السلام في بيتي- تعنى الركعتين بعد العصر".
(1)"صحيح البخاري"(1/ 214 رقم 568).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 572 رقم 835).
وأخرجه أبو داود (1): ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن الأسود ومسروق قالا:"نشهد على عائشة أنها قالت: ما من يوم يأتي على النبي عليه السلام إلا صلى بعد العصر ركعتين".
وأخرجه النسائي (2): أنا إسماعيل بن مسعود، عن خالد بن الحارث، عن شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت مسروقًا والأسود قالا: "نشهد على عائشة أنها قالت: كان رسول الله عليه السلام إذا كان عندي بعد العصر صلاهما".
الثاني: عن أحمد بن داود المكي، عن موسي بن إسماعيل المنقري أبي سلمة التبوذكي البصري شيخ البخاري وأبي داود، عن عبد الواحد بن زياد العبدي أبي عبيدة البصري روى له الجماعة، عن سليمان بن أبي سليمان فيروز أبي إسحاق الشيباني الكوفي روى له الجماعة، عن عبد الرحمن بن الأسود النخعي روى له الجماعة، عن أبيه الأسود بن يزيد بن قيس النخعي روى له الجماعة
…
إلى آخره.
وأخرجه البخاري (3): ثنا موسى بن إسماعيل
…
إلى آخره نحو رواية الطحاوي سواء.
وأخرجه مسلم (4): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا علي بن مسهر.
ونا علي بن حجر -واللفظ له- قال: أنا علي بن مسهر، قال: أنا أبو إسحاق الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"صلاتان ما تركهما رسول الله عليه السلام في بيتي قط سرًّا ولا علانية، ركعتين قبل الفجر، وركعتين بعد العصر".
قوله: "ركعتان" أبي صلاتان كما هو مصرح في رواية مسلم، وهذا من قبيل إطلاق اسم الجزء على الكل، ذكرت الركعة وأرادت بها الصلاة التي هي ركعتان.
(1)"سنن أبي داود"(2/ 25 رقم 1279).
(2)
"المجتبى"(1/ 281 رقم 576).
(3)
"صحيح البخاري"(1/ 213 رقم 567).
(4)
"صحيح مسلم"(1/ 572 رقم 835).
قوله: "يدعهما" أي يتركهما.
قوله: "سرًّا" أي في حالة السر.
قوله: "ركعتين قبل الصبح" هكذا هو بالياء علامة النصب في بعض النسخ، وكذا وقع في رواية مسلم، وفي بعض النصح:"ركعتان" بالألف علامة الرفع، وكذا وقع في رواية البخاري، أما وجه الرفع فظاهر تقديره إحداهما ركعتان قبل الصبح والأخرى ركعتان بعد العصر، وأما وجه النصب فعلى أنه بيان من الضمير المنصوب في "يدعهما".
الثالث: إسناده صحيح أيضًا، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمَّد ابن عبد الله بن نمير الخارفي شيخ البخاري ومسلم وأبي داود، عن حفص بن غياث النخعي، عن سليمان الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده": نا علي بن مسهر، قال: أخبرنا أبو إسحاق الشيباني، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة قالت:"صلاتان ما تركهما رسول الله عليه السلام في بيتي قط سرًّا ولا علانية: ركعتين قبل الفجر، وركعتين بعد العصر".
الرابع: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن هلال بن يحيى بن مسلم الرأي البصري أحد أصحاب أبي يوسف، ذكره ابن الجوزي وأثنى عليه، وضعفه ابن حبان، ولكن تضعيفه ساقط؛ لأنه متحمل عليه، وهو أجلّ من ذلك لجلالة قدره وسعة علمه؛ ولذلك لقب بالرأي كما لقب به ربيعة الرأي شيخ مالك.
وهو يروي عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري روى له الجماعة، عن إبراهيم بن محمَّد بن المنتشر الكوفي وثقه ابن حبان، عن أبيه محمَّد بن المنتشر بن الأجدع ابن أخي مسروق بن الأجدع روى له الجماعة، عن مسروق، عن عائشة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): قال: ثنا أبو عوانة، قال: ثنا إبراهيم بن محمَّد بن المنتشر، عن أبيه:"أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين، فقيل له، فقال: لو لم أصلهما إلا أني رأيت مسروقًا يصليهما لكان ثقة، ولكني سألت عائشة، فقالت: كان رسول الله عليه السلام لا يدع ركعتين قبل الفجر وركعتين بعد العصر".
الخامس: إسناده صحيح أيضًا: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمَّد بن عمر بن علي بن مقدم المقدمي أبي عبد الله البصري شيخ الأربعة، عن عباد بن عباد بن المهلب بن أبي صفرة أبي معاوية البصري روى له الجماعة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام، عن عائشة.
وأخرجه مسلم (2): ثنا زهير بن حرب، قال: نا جرير.
وحدثنا ابن نمير، حدثنا أبي، جميعًا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:"ما ترك رسول الله عليه السلام ركعتين بعد العصر عندي قط".
السادس: إسناده على شرط مسلم، عن أحمد بن داود المكي، عن محمَّد بن يحيى ابن أبي عمر العدني أبي عبد الله نزيل مكة، شيخ مسلم والترمذي وابن ماجه، عن سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
وأخرجه العدني في "مسنده": عن سفيان
…
إلى آخره نحوه.
السابع: إسناده صحيح أيضًا على شرط البخاري، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عبد الله بن يوسف التنيسي شيخ البخاري، عن عبد الرحمن بن أبي الرجال الأنصاري المدني، وثقه يحيى القطان وأحمد، وروى له النسائي، عن أبيه أبي الرجال -بالجيم جمع رجل- اسمه محمَّد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حارثة، روى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية المدنية، روى لها الجماعة، عن عائشة.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 133 رقم 7349).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 572 رقم 835).
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا إبراهيم، ثنا عبد الله بن يوسف، نا ابن أبي الرجال، عن أبيه، عن عمرة، عن عائشة قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع ركعتين بعد العصر".
الثامن: إسناده صحيح أيضًا، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن حفص بن عمر الحوضي البصري شيخ البخاري وأبي داود، ونسبته إلى حوض داود محلة ببغداد، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري، عن مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي الفقيه روى له الجماعة، عن أم موسى سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قيل اسمها حبيبة، وقال أبو داود: اسمها فاختة. قال الدارقطني: حديثها مستقيم، وروى لها أبو داود والنسائي وابن ماجه.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا أسود، نا إسرائيل، عن المغيرة، عن أم موسى قالت:"سألت عائشة عن الركعتين بعد العصر فقالت: ما أتاني النبي عليه السلام في يوم إلا صلى بعد العصر ركعتين".
التاسع: على شرط مسلم، عن أبي بكرة بكار، عن عثمان بن عمر بن فارس البصري روى له الجماعة، عن إسرائيل بن يونس السبيعي، عن المقدام بن شريح بن هانئ بن يزيد الحارثي الكوفي روى له الجماعة إلا البخاري، عن أبيه شريح بن هانئ ابن يزيد أبو المقدام الكوفي روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح".
وأخرجه السراج [....](2).
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن جريج، قال: سمعت أبا سعيد الأعمى يحدث، عن رجل يقال له: السائب مولى القارئين، عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه "أنه رآه ركع ركعتين بعد العصر وقال: لا أدعهما بعد ما رأيت النبي عليه السلام يصليهما".
(1)"مسند أحمد"(6/ 109 رقم 24827).
(2)
طمس في "الأصل" وغير موجود في "ك".
ش: أبو بكرة بكار القاضي، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وأبو سعد الأعمى المكي ذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه، روى له ابن ماجه قاله في "التكميل"، عن السائب بن يزيد مولى القارئين وثقه ابن حبان.
والحديث أخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن أبي سعد الأعمى، عن السائب بن يزيد، عن زيد بن خالد:"أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في الركعتين بعد العصر: لا أدعهما بعد ما رأيت رسول الله عليه السلام يصليهما".
ص: فذهب قوم إلى هذا فقالوا: لا بأس أن يصلي الرجل بعد العصر ركعتين، وهما من السنة عندهم، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأسود ومسروقًا وشريحًا وعمرو بن ميمون وعبد الله بن أبي الهذيل وعبد الرحمن بن الأسود والأحنف بن قيس؛ فإنهم ذهبوا إلى الحديث المذكور وقالوا: لا بأس أن يصلي الرجل بعد العصر ركعتين، وحكي ذلك عن علي والزبير وابنه عبد الله وتميم الداري والنعمان بن بشير وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن خالد الجهني وأبي جحيفة وعائشة رضي الله عنهم، وإليه ذهب الشافعي وأحمد [....](2) كانت هاتان الركعتان عما فاته من الركعتين اللتين بعد الظهر.
وفي "المغني" لابن قدامة: وأما قضاء السنن الراتبة بعد العصر فالصحيح جوازه؛ لأن النبي عليه السلام فعله، فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة، وقضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها في حديث عائشة، وهذا مذهب الشافعي.
وقال النووي: الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهي، وإنما تكره ما لا سبب لها، وأن السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها، وهو الصحيح.
(1)"المعجم الكبير"(5/ 228 رقم 5167).
(2)
طمس في "الأصل" وغير موجود في "ك".
وسيجيء الكلام عن ذلك.
ص: وخالفهم أكثر العلماء في ذلك وكرهوهما.
ش: أي خالف القوم المذكورين أكثر العلماء فيما ذهبوا إليه، وكرهوا هاتين الركعتين بعد العصر، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه ومالك وابن سيرين والثوري.
وهو قول الشافعي وأحمد إذا كانتا تطوعًا غير ذات سبب.
وهو مذهب عمر رضي الله عنه، ويحكى ذلك عن عبد الله بن مسعود وأبي سعيد الخدري وعمرو بن عبسة وعبد الله بن عباس ومعاوية وعبد الله بن عمرو رضي الله عنه.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن موسى العبسي، قال: ثنا طلحة بن يحيى، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة:"أن معاوية أرسل إلى أم سلمة يسألها عن الركعتين اللتين ركعهما رسول الله عليه السلام بعد العصر، فقالت: نعم، صلى رسول الله عليه السلام عندي ركعتين بعد العصر، فقلتُ: أُمِرْتَ بهما؟ قال: لا ولكني كنت أصليهما بعد الظهر فشغلت عنهما فصليتهما الآن".
ش: أي احتج أكثر العلماء فيما ذهبوا إليه من كراهة الركعتين بعد العصر بحديث أم سلمة رضي الله عنها.
أخرجه بإسناد صحيح عن علي بن معبد بن شداد العبدي المصري، عن عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العَبْسي -بالباء الموحدة - روى له الجماعة، عن طلحة بن يحيى بن طلحة المدني نزيل الكوفة روى له الجماعة سوى البخاري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبي عبد الله المدني الفقيه الأعمى أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، روى له الجماعة
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده"(1): ثنا ابن نمير، قال: ثنا طلحة بن يحيى،
(1)"مسند أحمد"(6/ 309 رقم 26675).
قال: زعم لي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: "أن معاوية أرسل إلى عائشة يسألها هل صلى النبي عليه السلام بعد العصر شيئًا؟ قالت: أما عندي فلا، ولكن أم سلمة أخبرتني أنه فعل ذلك، فأَرْسِلْ إليها فَاسْألهَا، فأرسل إلى أم سلمة، فقالت: نعم، دخل عليّ بعد العصر فصلى سجدتين، قلت: يا نبي الله أنزل عليك في هاتين السجدتين؟ قال: لا، ولكني صليت الظهر فشُغِلْتُ فاستدركتهما بعد العصر".
وجه استدلال الجمهور بذلك أنه عليه السلام قال: "ما أمرت بهما" لما قالت أم سلمة: أُمِرتَ بهما؟ "ولكنني كنت أصليهما
…
" إلى آخره.
فدل ذلك أنه من خصائصه عليه السلام، والدليل على ذلك ما جاء في رواية أخرج عن أم سلمة قالت:"قلت: يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا" على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
وبهذا يبطل ما قال بعض الشافعية: إن الأصل الاقتداء به عليه السلام وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به، ولا دليل أعظم من هذا، وهنا شيء آخر يلزمهم وهو أنه عليه السلام كان يداوم عليهما، وهم لا يقولون به في الصحيح الأشهر، فإن عورضوا يقولون: هذا من خصائص النبي عليه السلام؟
ثم في الاستدلال بالحديث يقولون: الأصل عدم التخصيص وهذا كما يقال: فلان مثل الظليم (1) يستحمل عند الاستطارة ويستطير عند الاستحمال، وقد قال بعضهم: إنه صلى بعد العصر تبيينًا لأمته أن نهيه عليه السلام عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر على وجه الكراهة لا على التحريم.
وقال بعضهم: الأصل فيه أنه صلاهما يومًا قضاءً لفائت ركعتي الظهر، وكان عليه السلام فعل فعلًا واظب عليه ولم يقطعه فيما بعد.
وقال أكثرهم: إنه مخصوص بذلك، وهذا هو الأشهر كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
(1) الظَّليم: ذكر النعام. انظر "لسان العرب"(12/ 379).
ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن أبي لبيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن:"أن معاوية بن أبي سفيان قال وهو على المنبر لكثير بن الصلت: اذهب إلى عائشة رضي الله عنها فاسألها عن ركعتي النبي عليه السلام بعد العصر، قال أبو سلمة: فقمت معه، وقال ابن عباس رضي الله عنه لعبد الله ابن الحارث: اذهب معه. فجئناها فسألناها، فقالت: لا أدري، سلوا أم سلمة، فسألناها، فقالت: دخل علي النبي عليه السلام فإنه يوم بعد العصر، فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله، ما كنت تصلي هاتين الركعتين؟! فقال: قدم علي وقد من بني تميم -أو جاءتني صدقة- فشغلوني عن ركعتين كنت أصليهما بعد الظهر، وهما هاتان".
حدثنا الحجاج بن عمران بن الفضل البصري، قال: ثنا يوسف بن موسى القطان، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا الوليد بن كثير، قال: حدثني محمَّد بن عمرو بن عطاء، عن عبد الرحمن بن أبي سفيان:"أن معاوية أرسل إلى عائشة يسألها عن السجدتين بعد العصر، فقالت: ليس عندي صلاهما، ولكن أم سلمة حدثتني أنه صلاهما عندها، فأرسل إلي أم سلمة، فقالت: صلاهما رسول الله عليه السلام عندي، لم أره صلاهما قبل ولا بعد، فقلت: يا رسول الله، ما سجدتان رأيتك صليتهما بعد العصر ما صليتهما قبل ولا بعد؟! فقال: هما سجدتان كنت أصليهما بعد الظهر، فقدم عليَّ قلائص من الصدقة، فنسيتهما حتى صليت العصر ثم ذكرتهما، فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس يروني، فصليتهما عندك".
حدثنا عبد الله بن محمَّد بن خشيش، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن ذكوان، عن عائشة، عن أم سلمة رضي الله عنهما:"أن النبي عليه السلام صلى في بيتها ركعتين بعد العصر، فقلت: يا رسول الله، ما هاتان الركعتان؟! فقال: كنت أصليهما بعد الظهر، فجاءني مالٌ فشغلني، فصليتهما الآن".
حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بُكير، أن كريبًا مولى ابن عباس رضي الله عنهما حدثه:"أن ابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة فقالوا: أقرئها السلام منا جميعًا، وسلها عن الركعتين بعد العصر، وقل إنّا أُخْبِرنَا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن رسول الله عليه السلام نهى عنهما؟ قال ابن عباس: وكنت أضرب الناس مع عمر رضي الله عنه عليهما. قال كريبٌ: فدخلت عليها فبلغتها ما أرسلوني به، فقالت: سَلْ أم سلمة. فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها، فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة رضي الله عنها قالت أم سلمة: سمعتُ النبي عليه السلام ينهى عنهما ثم رأيته صلاهما، أما حين صلاهما فإنه صلى العصر، ثم دخل علي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار، فصلاهما، فأرسلت إليه الجارية فقلت: قومي إلى جنبه فقولي: تقول لك أم سلمة: يا رسول الله، ألم أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما؟! فإن أشار بيده فاستأخرى عنه، ففعلت الجارية، فأشار بيده، فاستأخرت عنه، فلما انصرف قال: يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس بالإِسلام من قوم فشغلوني عن الركعتين بعد الظهر فهما هاتان".
قال أبو جعفر رحمه الله: ففي هذه الآثار أو في بعضها: أن عائشة رضي الله عنها لما سُئلت عما حكي عنها مما ذكرناه في الفصل الأول أن النبي عليه السلام لم يكن يأتيها في بيتها بعد العصر إلا صلى ركعتين، أضافت ذلك إلى أم سلمة رضي الله عنها فانتفت بذلك الآثار الأُوَل كلها المروية عن عائشة رضي الله عنها فلما سئلت عن ذلك أم سلمة رضي الله عنها أخبرت أنها قد كانت سمعت النبي عليه السلام ينهى عنهما، ووافقها في ذلك ابن عباس، والمسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن أزهر، إلا أنهم ذكروا ذلك بلاغًا (1) يحيى بن أبي زياد أبي محمَّد البصري، ختن أبي عوانة، شيخ البخاري.
(1) سقط ها هنا ورقة من "الأصل، ك".
عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، عن قتادة، عن أبي العالية الرياحي رُفَيع بن مهران البصري، أدرك الجاهلية وأسلم بعد موت النبي عليه السلام بسنتين روى له الجماعة.
وأخرجه البخاري (1): ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا هشام، عن قتادة
…
إلى آخره نحو رواية الطحاوي، غير أن في لفظه:"حتى تشرق الشمس" موضع "حتى تطلع".
الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري البصري، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود، عن هشيم بن بشير، عن منصور بن زاذان، عن قتادة
…
إلى آخره.
وأخرجه مسلم (2): ثنا داود بن رشيد وإسماعيل بن سالم، جميعًا عن هشيم -قال داود: ثنا هشيم- قال: أنا منصور، عن قتادة، قال: نا أبو العالية، عن ابن عباس قال:"سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله عليه السلام منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان أحبَّهم إليّ - أن رسول الله عليه السلام نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس".
وأخرجه الترمذي (3): عن أحمد بن منيع، عن هشيم
…
إلى آخره نحوه، وقال: حديث حسن صحيح.
الثالث: عن محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم شيخ أبي داود، عن أبان بن يزيد العطار، عن قتادة، عن أبي العالية.
وأخرجه أبو داود (4): ثنا مسلم بن إبراهيم، نا أبان، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس قال: "شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر بن الخطاب -
(1)"صحيح البخاري"(1/ 211 رقم 556).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 566 رقم 826).
(3)
"جامع الترمذي"(1/ 343 رقم 183).
(4)
"سنن أبي داود"(2/ 24 رقم 1276).
وأرضاهم عندي عمر رضي الله عنه أن نبي الله عليه السلام قال: لا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس".
قوله: "شهد عندي رجال" معناه بيَّنوا لي وأعلموني به، قال تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (1) قال الزجاج: معناه: بيّن.
قوله: "مرضيون" صفة للرجال، وأراد بها أنهم عدول مقبول قولهم.
قوله: "وأرضاهم" أفعل من الرضى، وأراد به المبالغة في الثناء على عمر رضي الله عنه وكيف وهو أعدل الناس وأزكاهم بعد النبي عليه السلام وأبي بكر رضي الله عنه.
وقد اختلف العلماء في تأويل نهيه عليه السلام عن الصلاة بعد الصبح والعصر، قال أبو طلحة:"المراد بذلك كل صلاة". ولا يثبت ذلك عنه.
وقال ابن حزم: إن قومًا لم يروا الصلاة أصلًا في هذين الوقتين.
وقال النووي: أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في هذه الأوقات، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها.
وقال أصحابنا (2): لا بأس بأن تُصلَّى في هذين الوقتين الفوائت وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة؛ لأن الكراهة كانت لحق الفرض ليصير الوقت كالمشغول به لا لمعنى في الوقت فلم يظهر في حق الفرائض وفيما وجب بعينه كسجدة التلاوة، وكذا صلاة الجنازة؛ لأنها ليست بموقوفة على فعل للعبد، ولكن يظهر في حق المنذور؛ لأنه تعلق وجوبه بسبب من جهته، وفي حق ركعتي الطواف، وفي الذي شرع فيه ثم أفسده؛ لأن الوجوب لغيره وهو ختم الطواف وصيانة المؤدى.
فإن قيل: شغل الوقت كله تقديري وأداء النفل تحقيقي.
قلت: الفرض التقديري أقوى من النفل الحقيقي، ولا يظهر النهي في حق مثله من الفرض.
(1) سورة آل عمران، آية:[18].
(2)
"الهداية"(1/ 42).
وقال ابن بطال: تواترت الأخبار والأحاديث عن النبي عليه السلام أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وكان عمر رضي الله عنه يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير، فدلّ أن صلاته عليه السلام الركعتين بعد العصر مخصوصة به دون أمته. هكذا قال الماوردي وغيره: إنه من خصوصياته عليه السلام، وقد مرَّ الكلام فيه.
ص: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: ثنا أبو نعيم (ح).
وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قالا: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في دبر كل صلاة ركعتين إلا الفجر والعصر".
ش: هذان إسنادان صحيحان:
أحدهما: عن إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل الكوفي -المعروف بتُرُنْجة، نزيل مصر- عن أبي نعيم الفضل بن دُكين، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن عاصم بن ضمرة السكوني الكوفي، عن علي رضي الله عنه.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا محمَّد بن كثير، أنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاص بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال:"كان رسول الله عليه السلام يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر".
والآخر: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي- وفي بعض النسخ: عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وابن مرزوق يروي عنهما جميعًا.
عن سفيان
…
إلى آخره.
(1)"سنن أبي داود"(1/ 408 رقم 1275).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان
…
إلى آخره نحو رواية أبي داود.
وهذا نص صريح قطعي على أنه لا صلاة بعد صلاتي الفجر والعصر سواء كان لها سبب أو لم يكن.
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسماعيل بن أبي كثير الأنصاري، عن سعد بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله عليه السلام:"أنه نهى عن صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وعن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا المُقدميُّ، قال: ثنا محمَّد بن دينار، قال: ثنا سعد بن أوس، قال: ثنا مِصْدع أبو يحيى، قال: حدثتني عائشة رضي الله عنها -وبيني وبينهما ستر-: "أن رسول الله عليه السلام لم يكن يصلي صلاةً إلا أتبعها ركعتين غير العصر والغداة فإنه كان يجعل الركعتين قبلهما".
ش: هذان إسنادان حسنان جيّدان:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن علي بن معبد بن شداد العَبْدي -صاحب محمَّد بن الحسن الشيباني، وثقه أبو حاتم- عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، روى له الجماعة، عن سعد بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري -أخي يحيى وعبد ربه، روى له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه- عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية روى لها الجماعة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا أبو أسامة وابن نمير، عن سعد بن سعيد، قال: أخبرتني عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "نهى رسول الله عليه السلام عن صلاتين: عن صلاة بعد طلوع الفجر حتلى تطلع الشمس وترتفع؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان وتغيب بين قرني شيطان.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 132 رقم 7339).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 131 رقم 7323).
وعن صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس".
والثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمَّد بن عمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي أبي عبد الله البصري شيخ الأربعة، عن محمَّد بن دينار الأزدي ثم الطاحي أبي بكر البصري، فعن يحيى بن معين: ليس به بأس. وعنه: ضعيف. وقال أبو زرعة: ضعيف. وعنه: لا بأس به. روى له أبو داود والترمذي، عن سعد بن أوس العبسي -ويقال: العدوي- أبي محمَّد الكاتب الكوفي -ويقال: البصري- قال ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: صالح. وقال العجلي: ثقة. روى له الأربعة، عن مِصْدع -بكسر الميم- أبي يحيى المعرقب، روى له الجماعة إلا البخاري.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن سعد -وهو ابن إبراهيم- عن نصر بن عبد الرحمن، عن معاذ بن عفراء:"أنه طاف بعد العصر أو بعد صلاة الصبح ولم يُصَلِّ، فسئل عن ذلك فقال: نهى رسول الله عليه السلام عن صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس".
ش: إسناده صحيح.
ونصر بن عبد الرحمن القرشي الحجازي وثقه ابن حبان، ومعاذ بن عفراء هو معاذ بن الحارث بن رفاعة الأنصاري المعروف بابن عفراء، وهي أمه، وهي عفراء بنت عبيد بن ثعلبة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): نا غندر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن نصر بن عبد الرحمن، عن جده معاذ القرشي:"أنه طاف بالبيت مع معاذ ابن عفراء بعد العصر وبعد الصبح فلم يُصلِّ، فسأله، فقال: قال النبي عليه السلام: لا صلاة بعد صلاتين: بعد الغداة حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 131 رقم 7321).
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: نا أبو داود الطيالسي، قال: نا أبو بكر النهشلي، عن عطية العَوفي، عن أبي سعيد، عن رسول الله عليه السلام أنه نهى عن ذلك، كما ذكر معاذ بن عفراء عن النبي عليه السلام.
حدثنا محمد بن خزيمة، قال: نا حجاج، قال: نا حماد، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي عليه السلام مثله.
حدثنا ابن مرزوق، قال: نا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد، عن النبي عليه السلام مثله.
حدثنا فهد، قال: نا يحيى بن صالح، قال: نا سليمان بن بلال، قال: نا عمرو ابن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي عليه السلام مثله.
ش: هذه أربع طرق:
الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن أبي بكر النهشلي الكوفي،- قيل اسمه عبد الله بن قطاف، وقيل: عبد الله بن معاوية، وقيل: وهب بن قطاف، وقيل: معاوية بن قطاف، روى له مسلم ومن الأربعة غير أبي داود.
عن عطية بن سعد العوفي -بالعين المهملة وبالفاء- الجدلى القيسي أبي الحسن الكوفي، قال أحمد: ضعيف الحديث. وكذا عن النسائي، وعن يحيى: صالح. روى له أبو داود والترمذي والنسائي.
عن أبي سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك.
وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(1).
الثاني: عن محمَّد بن خزيمة بن راشد، عن حجاج بن المنهال الأنماطي، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أبي نضرة -بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة- المنذر بن مالك العبدي العَوَقي -بالقاف- عن أبي سعيد الخدري.
(1)"مسند الطيالسي"(1/ 170 رقم 1226).
وهو إسناد صحيح.
وأخرجه البزار في "مسنده": نا عبد الواحد بن غياث، نا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغيب الشمس، ونهى عن صوم يومين: يوم الفطر ويوم النحر".
الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن عبد الملك بن جريج، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد.
وهو أيضًا إسناد صحيح.
وأخرجه البخاري (1): نا عبد العزيز بن عبد الله، قال: نا إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، قال: أنا عطاء بن يزيد الجندعي، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس".
وأخرجه مسلم أيضًا.
الرابع: أيضًا صحيح: عن فهد بن سليمان، عن يحيى بن صالح الوحاظي شيخ البخاري، عن سليمان بن بلال القرشي التيمي، عن عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي الأموي المكي، عن أبيه يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص المدني، عن أبي سعيد الخدري.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا عفان، نا وهيب، نا عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري قال:"نهى رسول الله عليه السلام، عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى، وعن لبستين: الصماء، وأن يحتبي الرجل في الثوب الواحد، وعن صلاتن في ساعتين: بعد الصبح، وبعد العصر".
(1)"صحيح البخاري"(1/ 212 رقم 561).
(2)
"مسند أحمد"(3/ 96 رقم 11929).
ص: حدثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البَرَقْي، قال: نا عمرو بن أبي سلمة، عن زهير بن محمَّد، قال: أخبرني موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله عليه السلام مثله.
ش: إسناده صحيح، قال ابن يونس: أحمد بن عبد الله ثقة ثبت. وعمرو بن أبي سلمة التنيسي أبو حفص الدمشقي روى له الجماعة، وزهير بن محمَّد التميمي العنبري روى له الجماعة، وموسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي المدني روى له الجماعة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): حدثنا عبيد الله بن موسى، عن موسى ابن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر:"أن النبي عليه السلام نهى عن صلاة: عن صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وعن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس".
ص: حدثنا أبو بكرة، قال: نا عبد الله بن حُمران، قال: أنا شعبة، عن أبي التيّاح الضُّبَعي، قال: أنا حُمران بن أبان قال: "خطبنا معاوية بن أبي سفيان قال: يا أيها الناس، إنكم لتصلون صلاة قد صحبنا رسول الله عليه السلام ما رأيناه يصليها، ولقد نهى عنها، يعني الركعتين بعد العصر".
ش: إسناده صحيح، وأبو بكرة بكار القاضي، وعبد الله بن حمران بن عبد الله القرشي الأموي البصري روى له مسلم وأبو داود والنسائي، وأبو التياح يزيد بن حميد الضُّبَعي البصري روى له الجماعة، وحمران بن أبان المدني مولى عثمان بن عفان روى له الجماعة.
وأخرجه البخاري (2): نا محمَّد بن أبان، قال: نا غُنْدر، قال: نا شعبة، عن أبي التياح، قال: سمعت حمران بن أبان يحدثُ عن معاوية قال: "إنكم لتصلون صلاةً لقد صَحِبْنا رسول الله عليه السلام فما رأيناه
…
" إلى آخره نحوه.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 131 رقم 7328).
(2)
"صحيح البخاري"(1/ 213 رقم 562).
ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن محمَّد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه:"أن رسول الله عليه السلام نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس".
ش: إسناده صحيح على شرط مسلم، وحَبَّان -بفتح الحاء والباء الموحدة المشددة- والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
وأخرجه مسلم (1): ثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه البخاري (2): عن محمَّد بن سلام، عن عبدة، عن عبيد الله، عن خُبَيب، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة نحوه.
فهذا كما رأيت قد أخرج الطحاوي حديث هذا الباب عن ثمانية أنفس من الصحابة رضي الله عنهم وهم: عبد الله بن عباس، وعلي بن أبي طالب وعائشة الصديقة ومعاذ بن عفراء وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر ومعاوية بن أبي سفيان وأبو هريرة.
ولما أخرج الترمذي (3) حديث ابن عباس رضي الله عنهما في هذا الباب قال: وفي الباب عن علي وابن مسعود وأبي سعيد وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر وسمرة بن جندب وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو، ومعاذ بن عفراء، والصنابحي -ولم يسمع من النبي عليه السلام- ويعلى بن أمية ومعاوية وعائشة وكعب بن مرة وأبي أمامة وعمرو بن عبسَة.
قلت: وفي الباب أيضًا عن أنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص وصفوان ابن المعطل وبلال وأبي اليسر وعبد الرحمن بن عوف ورجل من أصحاب
(1)"صحيح مسلم"(1/ 566 رقم 825).
(2)
"صحيح البخاري"(1/ 213 رقم 563).
(3)
"جامع الترمذي"(1/ 344 رقم 183).
النبي عليه السلام وأبي أسيد وقبيصة بن هلب عن أبيه، والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن ابن أزهر رضي الله عنهم.
فحديث ابن مسعود عند البزار (1): عن العباس بن جعفر، عن الوليد بن صالح، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن زرٍّ، عن عبد الله قال:"نُهِي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الفجر -أو بعد صلاة الصبح- حتى تطلع الشمس بنصف النهار- أحسبه قال: في شدة الحر".
وحديث عقبة بن عامر عند مسلم (2): من حديث موسى بن عَلَيّ، عن أبيه، قال: سمعت عقبة بن عامر الجهني: "ثلاث ساعات كان رسول الله عليه السلام ينهانا أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا
…
" الحديث.
وأخرجه الطحاوي أيضًا في باب المواقيت.
وحديث سمرة بن جندب عند ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): نا أبو داود، عن شعبة، عن سماك، قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة، يحدث عن سمرة بن جندب، أن رسول الله عليه السلام قال:"لا تصلوا -أو قال: نهى رسول الله عليه السلام أن يُصلى- بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس؛ فإنها تطلع على قرن أو بين قرني شيطان".
وحديث سلمة بن الأكوع عند أحمد في "مسنده"(4): عن عبد الرحمن بن مهدي، عن زهير، عن يزيد بن خُصَيْفة، عن سلمة بن الأكوع قال:"كنت أسافر مع النبي عليه السلام فما رأيته يصلي بعد العصر ولا بعد الصبح [قط] (5) ".
(1)"مسند البزار"(5/ 219 رقم 1823).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 568 رقم 831).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 131 رقم 7325).
(4)
"مسند أحمد"(4/ 51 رقم 16583).
(5)
في "الأصل، ك": فقط. والمثبث من "مسند أحمد".
وحديث زيد بن ثابت عند الطبراني في "الكبير"(1): من حديث قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت:"أن رسول الله عليه السلام نهى عن الصلاة بعد العصر".
وحديث عبد الله بن عمرو عند ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): نا يزيد بن هارون، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده "أن النبي عليه السلام نهى عن صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس".
وحديث الصنابحي عند مالك في "موطإه"(3): عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله عليه السلام قال:"إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها، ونهى رسول الله عليه السلام عن الصلاة في تلك الساعات".
هذه رواية يحيى عن مالك، وتابعه في قوله "عبد الله الصنابحي" جمهور الرواة، منهم القعنبي وغيره، قاله أبو عمر. قال: وقال فيه مطرف: عن مالك بسنده عن أبي عبد الله الصنابحي، وتابعه إسحاق بن عيسى الطباع وجماعة، وهو الصواب، واسمه عبد الرحمن بن عُسَيْلة، من كبار التابعين ولا صحبة له، قصد النبي عليه السلام فتوفي وهو في الطريق قبل لقائه إياه بأيام يسيرة.
وحديث يعلى بن أمية عند أحمد (4): عن حَيّ بن يعلى بن أمية قال: "رأيت يعلى يصلي قبل أن تطلع الشمس فقال له رجل -أو قيل له-: أنت رجل من أصحاب رسول الله عليه السلام تصلي قبل طلوع الشمس؟! قال يعلى: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: إن الشمس تطلع بين قرني شيطان
…
".
(1)"المعجم الكبير"(5/ 146 رقم 4900).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 131 رقم 7327).
(3)
"موطأ مالك"(1/ 219 رقم 512).
(4)
"مسند أحمد"(4/ 223 رقم 17988).
وحديث كعب بن مرة عند عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن الثوري، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن رجل، عن كعب بن مرة البهزي، قال:"قلت: يا رسول الله، أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر. قال: ثم الصلاة مقبولة حتى يطلع الفجر، ثم لا صلاة حتى تكون الشمس قيد رمح أو رمحين، ثم الصلاة حتى تغرب الشمس".
وحديث أبي أمامة عند الطبراني في "الكبير"(2) من رواية القاسم عنه: "أن رسول الله عليه السلام نهى عن صلاتين
…
" الحديث، وأراد بهما الصلاة بعد العصر وبعد الصبح.
وحديث عمرو بن عَبَسة عند أبي داود (3): "قال: قلت: يا رسول الله، أي الليل أسمع؟
…
" الحديث، وفيه: "ثم أقصر حتى تطلع الشمس وترتفع رمح أو رمحين فإنها تطلع بين قرني شيطان".
وحديث أنس عند أبي يعلى (4) بإسناده الصحيح: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلوا عند طلوع الشمس ولا عند غروبها؛ فإنها تطلع وتغرب على قرن شيطان وصلُّوا بين ذلك ما شئتم".
وحديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد (5): قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "صلاتان لا يصل بعدهما: الصبح حتى تطلع الشمس، والعصر حتى تغرب الشمس".
وحديث صفوان بن المعطل عند ابن ماجه (6): أنه قال: "يا رسول الله
…
"
(1)"مصنف عبد الرزاق"(2/ 425 رقم 3949).
(2)
"المعجم الكبير"(8/ 235 رقم 7917).
(3)
"سنن أبي داود"(2/ 25 رقم 1277).
(4)
"مسند أبي يعلى"(7/ 220 رقم 4216).
(5)
"مسند أحمد"(1/ 171 رقم 1469).
(6)
"سنن ابن ماجه"(1/ 397 رقم 1252).
الحديث، وفيه "إذا صليت الصبح فأمسك عن الصلاة حتى تطلع الشمس
…
" الحديث.
وحديث بلال عند أحمد (1): قال: "لم نكن نُنْهَى عن الصلاة إلا عند طلوع الشمس؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان".
وحديث أبي اليسر عند أحمد (2) والطبراني (3): عن سعيد بن نافع قال: "رآني أبو اليسر الأنصاري صاحب رسول الله عليه السلام وأنا أصلي صلاة الضحى حين طلعت الشمس فعاب عليّ ونهاني وقال: إن رسول الله عليه السلام قال: لا تصلوا حتى ترتفع الشمس؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان".
وحديث عبد الرحمن بن عوف عند الطبراني في "الكبير"(4): قال: "سئل رسول الله عليه السلام: أي الليل أسمع؟
…
" الحديث وفيه: "لا صلاة حتى تكون الشمس قيد رمح أو رمحين، ثم لا صلاة حتى تغيب الشمس".
وحديث رجل من أصحاب النبي عليه السلام عند أحمد (5) وأبي يعلى (6): عن عبد الله ابن رباح، عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام: "أن رسول الله عليه السلام صلى العصر،
(1)"مسند أحمد"(6/ 12 رقم 23933).
(2)
"مسند أحمد"(5/ 216 رقم 93219) ولكن من حديث أبي بشر الأنصاري، وكذا عند الطبراني كما يأتي و"مجمع الزوائد" (2/ 226) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في "الأوسط" إلا أن أبا يعلى قال: "رآني أبو هبيرة
…
" ورجال أحمد ثقات، وقال: رواه البزار ورجاله ثقات وذكر حديث أبي اليسر من طريق سعيد بن نافع أيضًا بنحوه وقال: رواه البزار ورجاله ثقات.
وهو عند أبي يعلى في "مسنده"(3/ 143 رقم 1572) من حديث أبي هبيرة الأنصاري كما قال الهيثمي.
وعند البزار في "مسنده"(6/ 274 رقم 2304) من حديث أبي اليسر بنحوه كما قال الهيثمي.
(3)
"المعجم الكبير"(6/ 323 رقم 6524).
(4)
"المعجم الكبير"(1/ 133 رقم 279).
(5)
"مسند أحمد"(5/ 368 رقم 23170) وزاد في آخره: "فقال رسول الله عليه السلام: أحسن بن الخطاب" وكذا عند أبي يعلى.
(6)
"مسند أبي يعلى"(13/ 107 رقم 7166).
فقام رجل فصلى، فرآه عمر رضي الله عنه فقال له: اجلس فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل
…
".
وحديث أبي أسيد عند الطبراني (1): أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول: "لا صلاة بعد العصر".
وحديث قبيصة بن هلب، عن أبيه عند الطبراني (2) أيضًا: عن النبي عليه السلام: "أنه سئل: هل من ساعة من الدهر تحبسنا عن الصلاة؟ فقال: لا، إلا عند طلوع الشمس وعند غروبها؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان، وتغيب بين قرني شيطان".
وحديث المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر عنده أيضًا، وابن عباس (3) معهما: قالوا: "نهى رسول الله عليه السلام عن الصلاة بعد العصر".
ص: فقد جاءت الآثار عن النبي عليه السلام متواترةً بالنهي عن الصلاة بعد العصر، ثم عمل بذلك أصحابه من بعده، ولا ينبغي لأحد خلاف ذلك فمما روي عن أصحابه في ذلك:
ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن ابن شهاب، عن السائب بن يزيد:"أنه رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب المنكدر في الصلاة بعد العصر".
حدثنا ابن أبي داود، قال: نا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا يزيد بن سنان، قال: نا يحيى بن سعيد القطان، قال: نا الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال:"كان عمر يكره الصلاة بعد العصر، وأنا أكره ما كره عمر رضي الله عنه".
(1)"المعجم الكبير"(19/ 268 رقم 593).
(2)
"المعجم الكبير"(22/ 167 رقم 432).
(3)
"المعجم الكبير"(11/ 413 رقم 12173) من حديث ابن عباس فقط.
حدثنا أبو بكرة، قال: نا يحيى بن حماد، قال: نا أبو عوانة، عن سليمان
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا ابن مرزوق، قال: نا وهب، قال: نا شعبة، عن جبلة بن سحيم، قال: سمعت ابن عمر يقول: "رأيت عمر رضي الله عنه يضرب الرجل إذا رآه يصلي بعد العصر حين ينصرف من صلاته".
حدثنا ابن مرزوق، قال: نا وهب، قال: ثنا شعبة، عن أبي جمرة قال:"سألت ابن عمر عن الصلاة بعد العصر، فقال: رأيت عمر رضي الله عنه يضرب الرجل إذا رأه يصلي بعد العصر".
حدثنا أبو بكرة، قال: نا أبو داود، قال: نا عبيد الله بن إياد بن لقيط، عن إياد، عن البراء بن عازب قال:"بعثني سلمان بن ربيعة بريدًا إلى عمر بن الخطاب في حاجة له، فقدمت عليه فقال لي: لا تصلوا بعد العصر؛ فإني أخاف عليكم أن تتركوها إلى غيرها".
حدثنا أبو بكرة، قال: نا أبو داود، قال: نا شعبة، قال: أنبأني سعد بن إبراهيم، قال: سمعت عبد الله بن رافع بن خديج يحدث عن أبيه قال: "فاتتني ركعتان من العصر فقمت أصليهما فجاء عمر رضي الله عنه ومعه الدرة فلما سلمت قال: ما هذه الصلاة؟ فقلت: فاتتني ركعتان فقمت أقضيهما. فقال: ظننتك تصلي بعد العصر، ولو فعلت ذلك لفعلت بك وفعلت".
حدثنا ابن مرزوق، قال: نا وهب، قال: نا شعبة، عن سعد، عن عبيد الله بن رافع، عن أبيه
…
فذكر مثله.
حدثنا فهد، قال: نا علي بن معبد، قال: نا إسماعيل بن أبي كثير، عن محمَّد بن عمرو، عن عمرو بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل، عن أبي سعيد الخدري أنه قال:"أمرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أضرب مَنْ كان يصلي بعد العصر الركعتين بالدرة".
ش: أي: قد جاءت الأحاديث عن النبي عليه السلام متكاثرة بالنهي عن الصلاة بعد العصر، وأراد بالتواتر معناه اللغوي.
قوله: "ثم عمل بذلك" أي بالنهي عن الصلاة بعد العصر أصحاب النبي عليه السلام وقد ذكر ها هنا جماعة منهم في ضمن الآثار التي رواها عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهم: السائب بن يزيد الكناني المدني ابن أخت النمر، حجَّ مع النبي عليه السلام وهو ابن سبع سنين، وذهبت به خالته إلى النبي عليه السلام وهو مريض فمسح برأسه ودعا له بالبركة، وتوضأ النبي عليه السلام فشرب من وضوئه ونظر إلى خاتم بين كتفيه.
وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر والبراء بن عازب ورافع بن خديج، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنه فإن هؤلاء الصحابة الأجلَّاء كلهم رووا عن عمر رضي الله عنه منع الصلاة بعد العصر، وعملوا به أيضًا، فصار كالإِجماع منهم على ذلك، فحينئذٍ لا يبقى مجال للخلاف فيه، ولو لم يكن النهي فيه مؤكدًا لما ضرب عمر بن الخطاب المنكدر وغيره بالدرة على فعل ذلك، فلا يجوز حينئذٍ التقرب إلى الله بالفعل المنهي عنه.
ثم إنه أخرج الأثر في ذلك عن عمر بن الخطاب من عشر طرق صحاح:
الأول: رجاله كلهم رجال مسلم، عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن السائب بن يزيد الكناني الذي مرَّ ذكره الآن.
وأخرجه مالك في "موطإه"(1).
والمنكدر هو أبي عبد الله والد محمَّد بن المنكدر القرشي التيمي المدني، ولد على عهد النبي عليه السلام ولا تثبت له صحبة.
الثاني: على شرط الشيخين، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي صالح
(1)"موطأ مالك"(1/ 221 رقم 518).
عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث بن سعد، عن عُقَيْل -بضم العين- بن خلاد بن عَقيل -بالفتح- عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن السائب بن يزيد
…
إلى آخره.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن السائب قال:"رأيت عمر بن الخطاب يضرب المنكدر على السجدتين بعد العصر- يعني الركعتين".
وأخرجه عبد الرزاق (2): عن الثوري، عن معمر، عن الزهري، عن السائب بن يزيد قال:"ضرب عمر رضي الله عنه المنكدر إذ رآه سبَّح بعد العصر".
الثالث: على شرطهما أيضًا، عن يزيد بن سنان، عن يحيى بن سعيد القطان، عن سليمان الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن عبد الله.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله:"أن عمر رضي الله عنه كره الصلاة بعد العصر، وأنا أكره ما كره عمر رضي الله عنه".
الرابع: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن يحيى بن حماد بن أبي زياد الشيباني ختن أبي عوانة، عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، عن سليمان الأعمش، عن أبي وائل
…
إلى آخره.
الخامس: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن جبلة ابن سحيم التيمي أبي سُرَيرة الكوفي روى له الجماعة، عن ابن عمر رضي الله عنه، عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 132 رقم 7340).
(2)
"مصنف عبد الرزاق"(2/ 429 رقم 3964).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 132 رقم 7332).
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن ابن فضيل، عن المختار، عن أنس قال:"كان عمر رضي الله عنه يضرب الأيدي على الصلاة بعد العصر".
السادس: عن ابن مرزوق أيضًا، عن وهب بن جرير أيضًا، عن شعبة، عن أبي جمرة -بالجيم والراء المهملة- نصر بن عمران بن عاصم الضُبَعي البصري روى له الجماعة.
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2): عن هشيم أو غيره، قال: أخبرني أبو جمرة قال: "سألت ابن عباس عن الصلاة بعد العصر فقال: صلِّ ما شئت إلى الليل، ولقد رأيت عمر رضي الله عنه يضرب الرجل يراه يصلي بعد العصر".
السابع: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن عبيد الله بن إياد بن لقيط السدوسي أبي السليل الكوفي، روول له البخاري في "الأدب" والباقون سوى ابن ماجه -عن إياد بن لقيط- وهو أبو عبيد الله المذكور، روى له البخاري في "الأدب" والباقون سوى ابن ماجه.
عن البراء بن عازب قال: "بعثني سلمان بن ربيعة" وهو سلمان بن ربيعة بن عمرو بن سهم السهمي أبو عبد الله الباهلي وهو سلمان الخيل ويقال أن له صحبة، وذكره ابن حبان في "الثقات" من التابعين.
قوله: "بَرِيدًا" بفتح الباء الموحدة وهو في الأصل: البغل، ثم سمي الرسول الذي يركبه بريدًا، والمسافة التي بريدًا السكتين بريدًا، والسكة: الموضع الذي كان يسكنه الفيوج المرتَّبون من رباط أو قُبَّة أو بيت أو نحو ذلك، وبُعْد ما بين السكتين فرسخان، وكان يرتب في كل سكة بغال من البريد للرسول.
وفي "العباب": البريد كلمة فارسية أصلها بُريده دُمْ أي محذوف الذنب؛ لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب، فأعربت الكلمة وخففت.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 133 رقم 7342).
(2)
"مصنف عبد الرزاق"(2/ 433 رقم 3947).
قوله: "بعد العصر" أي صلاة العصر.
قوله "فإني أخاف أن تتركوها" أي أخاف أن تتركوا صلاة العصر التي هي الفرض إلى غيرها الذي ليس بفرض.
الثامن: عن أبي بكرة بكار، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الله بن رافع بن خديج، وثقه ابن حبان، وقال الدارقطني: ليس بالقوي.
عن أبيه رافع بن خديج الصحابي
…
إلى آخره.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت عبد الله بن رافع بن خديج، يحدث عن أبيه قال:"رآني عمر رضي الله عنه يومًا وأنا أصلي بعد العصر، فانتظرني حتى صليت، فقال: ما هذه الصلاة؟ فقلت: سبقتني بشيء من الصلاة، فقال عمر رضي الله عنه: لو علمت أنك تصلي بعد العصر لفعلت وفعلت".
التاسع: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عبيد الله بن رافع -وهو بالتصغير- أخو عبد الله بن رافع -بالتكبير- المذكور في السند الماضي، ذكره ابن حبان في الثقات، فالذي بالتكبير كنيته أبو محمَّد، والذي بالتصغير كنيته أبو الفضل.
العاشر: عن فهد بن سليمان، عن علي بن مَعْبد بن شداد العبدي، عن إسماعيل ابن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، عن محمَّد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، روى له الجماعة البخاري مقرونًا بغيره، ومسلم في المتابعات.
عن عمر بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل، وثقه ابن حبان.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 132 رقم 7337).
وأخرجه ابن حبان في ترجمة عمر بن عبد الملك المذكور (1).
ص: حدثنا الحسن بن الحكم الحِبَريُّ، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا مسعود بن سَعْد، عن الحسن بن عبيد الله، عن محمد بن شداد، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن الأشتر قال:"كان خالد بن الوليد رضي الله عنه يضرب الناس على الصلاة بعد العصر".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: أخبرني عامر بن مصعب، عن طاوس:"أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الركعتين بعد العصر، فنهاه عنهما وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (2) الآية".
فهؤلاء أصحاب النبي عليه السلام يَنْهَوْن عنهما، ويَضْرب عمر رضي الله عنه عليهما بحضرة سائر أصحابه على قرب عهدهم من رسول الله عليه السلام لا ينكر ذلك منهم منكر.
ش: هذان إسنادان صحيحان للأثرين.
أحدهما: عن خالد بن الوليد رضي الله عنه، أخرجه عن الحسين بن الحكم بن مسلم الحِبري -بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وفي آخره راء مهملة- نسبته إلى بيع الحبرات عن أبي غسان مالك بن إسماعيل بن درهم شيخ البخاري، عن مسعود بن سعد الجُعْفي وثقه النسائي وغيره، عن الحسن بن عبيد الله بن عروة أبي عروة النخعي الكوفي روى له الجماعة سوى البخاري، عن محمَّد بن شداد الكوفي وثقه ابن حبان، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي الكوفي روى له الجماعة، عن الأشتر وهو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي شاعر فارس، صحب علي بن أبي طالب كثيرًا وروى عنه وعن خالد بن الوليد، واستعمله على مصر، فتوجه إليها ومات في الطريق عند بحر قلزم وقبل الوصول إليها سنة ثمان وثلاثين، قال العجلي: كوفي تابعي ثقة. وروى له النسائي.
(1)"ثقات ابن حبان"(7/ 171 رقم 9510).
(2)
سورة الأحزاب، آية:[36].
والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا محمَّد بن فضيل، عن الحسن بن عبيد الله، عن محمَّد بن شداد، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن الأشتر قال:"كان خالد بن الوليد يضرب الناس على الصلاة بعد العصر".
والآخر: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن عبد الملك بن جريج، عن عامر بن مصعب، عن طاوس، عن ابن عباس.
وأخرجه البيهقي (2) من حديث ابن عيينة، عن هشام بن حجير قال:"كان طاوس يصلي ركعتين بعد العصر، فقال له ابن عباس: اتركهما. قال: إنما نهى رسول الله عليه السلام عنهما أن تُتَّخذ سلمًا، قال ابن عباس: إنه قد نهى عن صلاة بعد العصر، فلا أدري أتعذب عليهما أم تؤجر؛ لأن الله تعالى قال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (3) ".
قوله: "فهؤلاء أصحاب النبي عليه السلام" أشار به إلى ما ذكر من الصحابة في أثر عمر بن الخطاب، وما ذكره من خالد بن الوليد وعبد الله بن عباس مشتملًا غير ما ذكره في ضمن أثر عمر بن الخطاب.
ص: فإن قال قائل: فقد أخبرت أم سلمة أن النبي عليه السلام قد كان نهى عنهما ثم صلاهما بعد ذلك لما تركهما بعد الظهر، فهكذا أقول يصليهما بعد العصر مَنْ تركها بعد الظهر، ولا يصلي أحد بعد العصر شيئًا من التطوع غيرهما.
قيل له: إن رسول الله عليه السلام لما صلاهما حينئذٍ قد نهى أن يقضيهما أحدٌ، وذلك أن علي بن شيبة قد حدثنا، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن ذكوان، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "صلى رسول الله عليه السلام
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 132 رقم 7331).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 453 رقم 4170).
(3)
سورة الأحزاب، آية:[36].
العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله عليه السلام، صليتَ صلاةً لم تكن تُصلِيها؟ قال: قدم مالٌ فشغلني عن ركعتين كنت أركعهما بعد الظهر فصليتها الآن. قلت: يا رسول الله، أفنقضيهما إذا فاتتانا؟ قال: لا".
فنهى رسول الله عليه السلام في هذا الحديث أحدًا أن يصليهما بعد العصر قضاءً عما كان يصليه بعد الظهر.
فدل ذلك على أن حكم غيره فيهما إذا فاتتاه خلاف حكمه، فليس لأحد أن يصليهما بعد العصر ولا أن يتطوع بعد العصر أصلًا.
وهذا هو النظر أيضًا؛ وذلك أن الركعتين بعد الظهر أيضًا ليستا فرضًا، فإذا تُركتا حتى تُصلَّى صلاة العصر، فإن صُلِّيتا بعد ذلك فإنما تطوع بهما مُصلِّيهما في غير وقت تطوع؛ فلذلك نَهَيْنا أحدًا أن يصلي بعد العصر تطوعًا، وجَعلْنا هاتين الركعتين وغيرهما من سائر التطوع في ذلك سواء.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم الله.
ش: تقرير السؤال أن يقال: سلمنا ما ذكرتم من أن الصحابة كانوا ينهون عن هاتين الركعتين بعد العصر، وأن عمر رضي الله عنه كان يضرب الناس على ذلك، ولكن لا نسلِّم مع ذلك إذا كان يُصلّيهما قضاءً عما فاته من ركعتي الظهر، وهو مذهب الشافعي، فإن عنده إذا صلاهما قضاءً عنهما بعد العصر فلا بأس بذلك، وقد ذكرناه فيما مضى.
وتقرير الجواب أن يقال: إن ما ذكرتم إنما يصح إذا لم يكن فيه نهي أيضًا، وقد ورد النهي عن النبي عليه السلام عن قضائهما أيضًا إذا فاتتاه من الظهر، ألا ترى أن أم سلمة رضي الله عنها لما قالت:"قلت: يا رسول الله عليه السلام، أفنقضيهما إذا فاتتانا؟ قال: لا"، فنهى النبي عليه السلام أن يصليهما أحد بعد العصر قضاءً عما كان يصليه بعد الظهر، فعلم من ذلك أن الصلاة التطوع منهي عنها بعد العصر مطلقًا، فإذا صلاهما بعد العصر يكون متطوعًا قضاءً عن تطوع، والتطوع في غير وقت التطوع لا يجوز؛ فيدخل تحت النهي، وهو وجه النظر والقياس أيضًا.
وإسناد حديث أم سلمة هذا صحيح، ورجاله ثقات.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا يزيد، أنا حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس
…
إلى آخره نحوه.
قوله: "أفنقضيهما" الهمزة للاستفهام، والضمير يرجع إلى الركعتين اللتين بعد الظهر.
قوله: "إذا فاتتانا" الضمير المرفوع في "فاتتا" يرجع إلى الركعتين و"نا" ضمير منصوب.
قوله "قال: لا" أي: لا تقضيهما إذا فاتتا، وهذا دليل صريح على أن السنن إذا فاتت عن وقتها لا تُقضى، وأن ما كان عليه السلام يفعله كان مخصوصًا به، والله أعلم.
(1)"مسند أحمد"(6/ 315 رقم 26720).