المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: جمع السور في ركعة - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٥

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: جمع السور في ركعة

‌ص: باب: جمع السور في ركعة

ش: أي هذا باب في بيان حكم جمع السور من القرآن في ركعة واحدة، والمناسبة بين البابين ظاهرة.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي العالية، قال: أخبرني مَنْ سمع النبي عليه السلام يقول: "لكل سورة ركعة".

ش: إسناده صحيح، وعاصم هو ابن سليمان الأحول. وأبو العالية الرياحي اسمه رُفَيْع بن مهران البصري، أدرك الجاهلية وأسلم بعد موت النبي عليه السلام بسنتين، روى له الجماعة، وجهالة الصحابي لا تضر صحة الإسناد.

وأخرج نحوه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا عبدة، عن عاصم، عن أبي العالية، قال: حدثني من سمع رسول الله عليه السلام يقول: "أعط كل سورة حظها من الركوع والسجود".

فهذا يدل على أن المصلي لا ينبغي له أن يزيد في كل ركعة من صلاته على سورة واحدة مع فاتحة الكتاب كما ذهب إليه جماعة من السلف، ويمكن أن يكون قوله:"لكل سورة ركعة" من باب القلب من قولهم: عرضت الحوض على الناقة، والمعنى: لكل ركعة سورة واحدة لا يُزاد عليها.

ص: حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: أنا عاصم الأحول، عن أبي العالية، قال: قال رسول الله عليه السلام: "لكل سورة ركعة. قال: فذكرت ذلك لابن سيرين، فقال: أَسَمَّى لك مَنْ حَدَّثه؟ قلت: لا. قال: أفلا تسأله، فسألته، فقلت: من حدثك؟ فقال: إني لأَعْلمُ مَنْ حدثني وفي أيّ مكانٍ حدثني، وقد كنت أُصَلِّي بين عشرين حتى بلغني هذا الحديث".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 324 رقم 3710).

ص: 435

ش: هذا مرسل، ورجاله ثقات، وعبد الرحمن بن زياد هو الثقفي الرصاصي، وثقه أبو حاتم.

قوله: "قال: فذكرت ذلك لابن سيرين" القائل هو عاصم الأحول، وابن سيرين هو محمَّد بن سيرين.

قوله: "فقال: أسمَّى لك" أي قال ابن سيرين: والهمزة للاستفهام.

قوله: "قال: أفلا تسأله؟ " أي: قال ابن سيرين لعاصم: أفلا تسأل أبا العالية عمن حدثه بهذا الحديث.

قوله: "كنت أصلي بين عشرين"(1).

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا فقالوا: لا ينبغي للرجل أن يزيد في كل ركعة من صلاته على سورة مع فاتحة الكتاب، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الشعبي وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ورفيع بن مهران وآخرين، فإنهم ذهبوا إلى هذا الحديث، وقالوا: لا ينبغي للمصلي أن يزيد في كل ركعة من صلاته على سورة واحدة مع فاتحة الكتاب، واحتجوا فيما ذهبوا إليه بهذا الحديث، ويحكى ذل ذلك عن زيد بن خالد الجهني.

ص: وبما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، قال: سمعتُ ابْنَ لَبِبية قال: "قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: إني قرأت المفصل في ركعة -أو قال: في ليلة- فقال ابن عمر: إن الله تبارك وتعالى لو شاء لأنزله جملةً واحدةً، ولكن فَصّله لتُعْطَى كل سورة حظها من الركوع والسجود".

ش: أي: واحتجوا أيضًا بما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(1) بيَّض له المؤلف في "الأصل، ك".

ص: 436

أخرجه عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء العامري روى له الجماعة البخاري في غير الصحيح، عن عبد الرحمن بن نافع بن لبيبة الحجازي، وثقه ابن حبان، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" وسكت عنه، وقال: عبد الرحمن بن نافع بن لبيبة الطائفي.

والأثر أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن ابن لبيبة قال:"قلت لابن عمر -أو قال غيري-: إني قرأت المفصل في ركعة، قال: أفعلتموها؟! إن الله لو شاء أنزله جملة واحدة؛ فأعطوا كل سورة حظها من الركوع والسجود".

والمفصل السُّبْع السابع، سُمِّي به لكثرة فصوله، وهو من سورة "محمَّد"، وقيل: من "الفتح"، وقيل: من "قاف" إلى آخر القرآن.

قوله: "تبارك" تفاعل من البركة، ومعناه تعاظم.

قوله: "ولكن فصَّله" أي فَرَّقَه، وأراد به أنه أنزله مفرَّقًا.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس للرجل أن يقرأ في الركعة الواحدة ما بدا له من السور.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: سعيد بن جبير وعطاء ابن أبي رباح وعلقمة وسُوَيْد بن غفلة وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد؛ فإنهم قالوا: لا بأس للمصلي أن يجمع بين السورتين أو السور في ركعة واحدة، ويروى ذلك عن عثمان بن عفان وحذيفة وابن عمر وتميم الداريّ رضي الله عنهم.

وذكر في "المبسوط": إذا قرأ سورة واحدةً في ركعتين اختلف المشايخ فيه، والأصح أنه لا يُكرَه، ولكن ينبغي أن لا يفعل، ولو فعل لا بأس به.

(1)"مصنف عبد الرزاق"(2/ 149 رقم 2855).

ص: 437

وكذا لو قرأ بوسط السورة أو آخر سورة أجزأ، والأفضل أن يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة كاملة في المكتوبة، وإن جمع بين السورتين في ركعة واحدة لا ينبغي أن يفعل، ولو فعل لا بأس به.

وذكر في "الخلاصة": وإن قرأ في ركعة سورة وفي ركعة أخرى سورة فوق تلك السورة أو فعل ذلك في ركعة فهو مكروه، وهذه كلها في الفرائض، أما النوافل لا يكره فيها شيء من ذلك.

ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: أنا كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: "أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْرن السُوَرَ؟ قالت: المفصل".

ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث عائشة رضي الله عنها.

أخرجه بإسناد صحيح على شرط مسلم: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عثمان بن عمر بن فارس البصري، عن كهمس بن الحسن التميمي البصري، عن عبد الله بن شقيق العُقيلي البصري.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، قال: ثنا كهمس، عن عبد الله ابن شقيق العقيلي، قال: قلت لعائشة: "كان رسول الله عليه السلام يجمع بين السور في ركعة؟ قالت: نعم، المفصل".

قوله: "أكان" الهمزة فيه للاستفهام.

قوله: "يَقْرن" من قولهم: قَرَنْتُ البعيرَيْن أَقْرْنُهُما قَرْنًا إذا جمعتهما في حبل واحد، وقَرَنْتُ الشيء بالشيء وصلتُه، واقْتَرَنَ الشيء بغيره، والقِرَان أن تقرن بين تمرتين تأكلهما.

قوله: "المفصل" بالنصب أي: نعم يقرن المفصَّل، وقد ذكرنا أنه السُّبع السابع.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 323 رقم 3702).

ص: 438

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا هشام بن عبد الملك، قال: ثنا أبو عوانة، عن حصين، قال: أخبرني إبراهيم، عن نهيك بن سنان السُلَمي، أنه أتى عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه فقال:"قرأت المفصَّل الليلة في ركعة. فقال: أهذًّا مثل هذِّ الشعر؟! أوَ نثرًا مثل نثر الدقل؟! وإنما فُصِّل لتفصلوه، لقد علمنا النظائر التي كان رسول الله عليه السلام يقرأ؛ عشرين سورة: الرحمن والنجم على تأليف ابن مسعود كل سورتين في ركعة، وذكر الدخان وعم يتساءلون في ركعة، فقلت لإبراهيم: أرأيت ما دون ذلك كيف أصنع؟ قال: ربما قرأت أربعًا في ركعةً".

ش: إِسناده صحيح، وهشام بن عبد الملك هو أبو الوليد الطيالسي شيخ البخاري وأبي داود، وأبو عوانة اسمه الوضاح اليشكري، وحُصن -بضم الحاء- ابن عبد الرحمن السلمي روى له الجماعة، وإبراهيم هو النخعي، ونهيك بن سنان السلمي، وثقه ابن حبان.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، قال: ثنا الأعمش، عن أبي وائل قال:"جاء رجل من بني بجيلة يقال له: نهيك بن سنان إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال: يا أبا عبد الرحمن، كيف تقرأ هذا الحرف؟ ألفًا تجده أم ياء؟ "من ماء غير ياسن"؟ {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} (2)؟ قال: فقال لي عبد الله: وكل القرآن أَحْصَيتَ غير هذا؟ قال: فقال: إني لأقرأ المفصّل في ركعة، قال: هذًّا كهذِّ الشعر؟! إن قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن القرآن إذا وقع في القلب فرسخ؛ نفع، إن أفضل الصلاة الركوع والسجود. قال: وقال عبد الله: إني لأعرف النظائر التي كان يقرأ بهن رسول الله عليه السلام".

وأخرجه مسلم في "صحيحه"(3) عن ابن أبي شيبة.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 256 رقم 8727).

(2)

سورة محمَّد، آية:[15].

(3)

"صحيح مسلم"(1/ 565 رقم 822).

ص: 439

قوله: "أهذًّا" الألف فيه للاستفهام أي: أتهذّ هذًّا كهذّ الشعر، والهَذّ: سرعة القراءة أي: أسرعة كسرعة من يسرع في قراءة الشعر.

وقال النووي: الهذّ -بتشديد الذال- هو شدة الإسراع والإفراط في العجلة، ففيه النهي عن الهذِّ، والحث على الترسل والتدبر، وبه قال جمهور العلماء.

قال القاضي: وأباحت طائفة قليلة الهذّ، وقال: في مثل هذّ الشعر معناه في تحفظه وروايته لا في إنشاده وترنّمه.

قوله: "أوَ نثرًا" عطف على قوله: "أهذَّا"، وانتصاب "أهذًّا" على المصدرية.

قوله: "مثل نثر الدقل" الدَّقَل -بفتح الدال والقاف، وفي آخره لام- ثمر الدَّوْم وهو يشبه النخل وله حب كبير وفيه نوى كبير عليه لحيمة عَفِصَةٌ تؤكل رطبة، فإذا يَبس صار شبه الليف. وقيل: الدقل أردأ التمر، والبَرْني أجوده، وتراه ليبسه وردائته لا يجتمع ويكون منثورًا، وقيل: شبهه بتساقط الرطب اليابس من العِذْق إذا هُزّ.

قوله: "وإنما فُصِّل" على صيغة المجهول أي: وإنما فُصِّل المفصَّل وهو السُّبع السابع، يعني أكثر فصوله لتفصلوه؛ أراد به لتفرقوه وتتأنوا في قراءته وتراعوا الترسل والترتيب ولا تسرعوا فيه.

قوله: "النظائر" جمع نظيرة وهي السُوَر التي يشبه بعضها بعضًا في الطول والقصر.

قوله: "عشرين سورةً" بدل من قوله "النظائر" وليس هو بمفعول لقوله: "يقرأ" وإنما مفعول "يقرأ" محذوف تقديره: التي كان رسول الله عليه السلام يقرأها.

قوله: "الرحمن والنجم" بيان لقوله "النظائر"؛ لأن كلًا منهما تشبه الأخرى في مقدار الطول والقصر؛ لأن سورة الرحمن ست وسبعون آية وسورة النجم ثنتان وستون آية، وهي قريبة من سورة الرحمن نظيرة لها.

ص: 440

قوله: "على تأليف ابن مسعود" أراد أن سورة النجم كانت بحذاء سورة الرحمن في مصحف ابن مسعود، بخلاف مصحف عثمان الذي هو المشهور اليوم.

قوله: "كل سورتين في ركعة" مفعول لمحذوف تقديره: كان عليه السلام يقرأ كل سورتين من النظائر التي هي عشرون سورة؛ في كل ركعة واحدة من الصلاة، ويجوز أن يكون مفعولًا لـ "يقرأ" الظاهر، فلا يحتاج إلى تقدير "يقرأ" أخرى، فافهم.

قوله: "وذكر الدخان وعم يتساعلون" هذا أيضًا على تأليف ابن مسعود، فسورة الدخان سبع أو تسع وخمسون آية، وسورة عم يتساءلون أربعون أو إحدى وأربعون آية، وهما متقاربان في المقدار.

قوله: "فقلت لأبراهيم" القائل هو حصين بن عبد الرحمن السلمي.

قوله: "ما دون ذلك" إشارة إلى ما ذكر من السور المذكورة، وذَكَرَ الضمير باعتبار المذكور.

قوله: "أربعًا" أي أربع سور في ركعة واحدة، وهي السورة التي هي أقصر في المقدار من السور المذكورة، أعني: الرحمن والنجم والدخان وعم يتساءلون.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب (ح).

وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قالا: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي وائل:"أن رجلًا قال لعبد الله: إني قرأت المفصل في ركعة فقال: هذًّا كهذِّ الشعر، لقد عرفت النظائر التي كان رسول الله عليه السلام" يقرن بينهن".

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، قال: أنا سيّارُ، عن أبي وائل، عن عبد الله مثله غير أنه قال:"كان رسول الله عليه السلام يقرن بين سورتين في كل ركعة".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود (ح).

وحدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان، قالا: ثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود، قالا: "جاء رجل إلى عبد الله فقال: إني قرأت المفصل في

ص: 441

ركعة، فقال: نثرًا كنثر الدَّقَل أو هذًّا كهذِّ الشعر؟! لكن رسول الله عليه السلام لم يكن يفعل ما فعلت، كان يَقرنُ بين سورتين، في كل ركعة سورتين في ركعة؛ النجم والرحمن في ركعة، عشرين سورة في عشر ركعات".

ش: هذه خمس طرق أخرى وهي أيضًا صحيحة:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير بن حازم، عن شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن مرة، عن أبي وائل شقيق بن سلمة: "أن رجلًا قال لعبد الله ابن مسعود

".

وأخرجه البخاري (1): ثنا آدم، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا وائل قال: "جاء رجل إلى ابن مسعود، فقال: قرأت المفصل الليلة في ركعة، فقال: هذًّا كهذّ الشعر؟! لقد عرفت النظائر التي كان النبي عليه السلام يقرن بينهن، فذكر عشرين سورةً من المفصل؛ سورتين في كل ركعة".

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة

إلى آخره.

وأخرجه مسلم (2): ثنا محمَّد بن مثنى وابن بشار، قال ابن مثنى: نا محمَّد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، أنه سمع أبا وائل يحدث "أن رجلًا جاء إلى ابن مسعود فقال: "إني قرأت المفصل

" إلى آخره نحو رواية البخاري.

الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشر، عن سَيّار -بفتح السين المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخره راء مهملة- العَنزي الواسطي ويقال: البصري، عن أبي وائل شقيق بن سلمة.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): نا هشيم، أنا سيّار، عن أبي وائل قال: "جاء رجل

(1)"صحيح البخاري"(1/ 269 رقم 742).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 563 رقم 822).

(3)

"مسند أحمد"(1/ 427 رقم 4062).

ص: 442

إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني قرأت البارحة المفصل في ركعة، فقال عبد الله: أنثرًا كنَثْر الدَّقَل وهذًّا كهذّ الشعر؟! إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله عليه السلام يقرن بينهن سورتين في كل ركعة".

الرابع: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن علقمة بن قيس والأسود بن يزيد النخعيين، قالا: "جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود

" إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا يحيى بن آدم، نا زهير، عن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد وعلقمة، عن عبد الله أن رجلًا أتاه فقال:"قرأت المفصل في ركعة، فقال: بل هذَذْتَ كهذِّ الشعر أو كنثر الدَّقَل، لكن رسول الله عليه السلام لم يفعل كما فعلت، كان يقرأ النظائر {الرَّحْمَنِ} والنجم في ركعة"، قال: فذكر أبو إسحاق عشر ركعات بعشرين سورة على تأليف عبد الله، آخرهن:{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} و {وَالْكِتَابِ} .

قوله: "في كل ركعة" متعلق بقوله: "كان يقرن".

قوله: "سورتين في ركعة" منصوب بفعل محذوف تقديره: يقرن بين سورتين في ركعة.

قوله: "النجم والرحمن" بيان عن السورتين فلذلك انتصبا.

قوله: "في ركعة" بدون حرف العطف، حال من النجم و {الرَّحْمَنِ} أي كائنين في ركعة واحدة.

قوله: "عشرين سورة" بالنصب في كثير من النسخ، وفي بعضها "عشرون" بالرفع، والظاهر أن الرفع هو الصحيح، أما النصب فعلى عامل مقدر تقديره: يقرأ عشرين سورة في عشر ركعات، في كل ركعة سورتان، وأما وجه الرفع فعلى الابتداء وخبره قوله:"في عشر ركعات"، فعلى التقديرين حذف العاطف؛

ص: 443

لأنها جملة بيانية وتفسيرية، فمثل هذه الجملة لا يفصل بينها وبين ما قبلها بحرف العطف؛ لأن العطف ينبئ عن معنى المغايرة، فافهم.

الخامس: عن فهد بن سليمان، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق

إلى آخره.

وأخرجه أبو داود (1): نا عباد بن موسى، نا إسماعيل بن جعفر، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود، قالا:"أتي ابن مسعود رجل فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذًّا كهذِّ الشعر ونثرًا كنثر الدَّقَل؟! لكن النبي عليه السلام كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة {الرَّحْمَنِ} والنجم في ركعة، و {اقْتَرَبَتِ}، والنجم في ركعة، و {الطُّورَ} و {فَالْحَامِلَاتِ} في ركعة، و {إِذَا وَقَعَتِ} و {ن} في ركعة، و {سَأَلَ سَائِلٌ} و {وَالنَّاشِطَاتِ} في ركعة، و {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} و {عَبَسَ} في ركعة، و {قُمْ} و {قُمْ} في ركعة، و {هَلْ أَتَى} و {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} في ركعة، و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} و {فَالْعَاصِفَاتِ} في ركعة، و {وَالْكِتَابِ} و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} وفي ركعة".

قلت: رواية أبي داود هذه كالتفسير لرواية الطحاوي.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: أنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن سَعْد بن عُبَيدة، عن المُستورد بن الأحنف، عن صلة، عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه قال:"صليت إلى جنب النبي عليه السلام ذات ليلة فاستفتح سورة البقرة فلما فرغ منها استفتح سورة آل عمران، وكان إذا أتى على آيه فيها ذكر الجنة أو النار وقف فسأل أو تعوَّذ أو قال كلامًا هذا معناه".

ش: إسناده صحيح ورجاله كلهم رجال الصحيح ما خلا أبا بكرة بكار، وأبو عمر الضرير حفص بن عمر الحَوْضي البصري شيخ البخاري وأبي داود، قال أحمد: ثبت ثبت متقن؛ لا يؤخذ عليه حرف واحد.

(1)"سنن أبي داود"(2/ 56 رقم 1396).

ص: 444

وأبو عوانة الوضاح، والأعمش هو سليمان بن مهران، وصلة بن زفر العَبْسي الكوفي.

وأخرجه النسائي (1): أخبرني محمَّد بن آدم، عن حفص بن غياث، عن العلاء ابن المسيب، عن عمرو بن مرة، عن طلحة بن يزيد، عن حذيفة والأعمش، عن سعد بن عُبَيدة، عن المستورد بن الأحنف، عن صلة بن زفر، عن حذيفة "أن النبي عليه السلام

قرأ البقرة، وآل عمران، والنساء في ركعة لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استجار".

وأخرجه أبو داود (2): نا حفص بن عمر، نا شعبة، قال: قلت لسليمان: أدعو في الصلاة إذا مررت بآية تخوّف؟ فحدثني عن سعد بن عبيدة، عن مستورد، عن صلة بن زفر، عن حذيفة:"أنه صلى مع رسول الله عليه السلام فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى. وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل، ولا بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوذ".

وأخرجه ابن ماجه (3) والترمذي (4) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن حذيفة هذا الحديث من غير هذا الوجه "أنه صلى [بالليل مع النبي]عليه السلام (5) " فذكر الحديث.

ويستفاد منه: جواز قراءة السورتين أو أكثر في ركعة واحدة من غير كراهة، واستحباب سؤال المصلي الرحمة من الله عند مروره بآية رحمة، واستحباب تعوذه من النار ومن عذاب الله عند مروره بآية النار أو العذاب.

وقال أصحابنا: هذا محمول على التطوع.

(1)"المجتبى"(2/ 177 رقم 1009).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 230 رقم 871).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 287 رقم 888).

(4)

"جامع الترمذي"(2/ 48 رقم 262).

(5)

في "الأصل، ك": بالنبي، والمثبت من "جامع الترمذي".

ص: 445

وقال صاحب "المحيط": من صلى منفردًا تطوعًا فمر بذكر النار فاستعاذ أو بذكر الجنة فسأل؛ جاز ويستحب لما روى حذيفة

الحديث، وإن كان إمامًا يكره له ولمن خلفه، أما الإِمام فلأنه يؤدي إلى تطويل الصلاة والتثقيل على القوم، وأما المؤتم فلأنه مأمور بالسكوت والاستماع، وإن كان منفردًا يصلي المكتوبة يكره أيضًا خلافًا للشافعي؛ لأن الاشتغال بالدعاء يقطع نظم القرآن وأنه مكروه، ولكن تركنا هذا في التطوع بالنّص.

ص: ففي هذه الآثار أن النبي عليه السلام كان يقرن بين السورتين في ركعة، فقد خالف هذا ما روى أبو العالية، وهو أولى؛ لاستقامة طريقه وصحة مجيئه، فأما قول ابن مسعود رضي الله عنه بعد ذلك:"إنما سمي المفصل لتُفصّلوه" فإن ذلك لم يذكره عن النبي عليه السلام، وقد يحتمل أن يكون ذلك من رأيه، فإن كان ذلك من رأيه فقد خالفه في ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ لأنه كان يختم القرآن في ركعة، وسنذكره في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى.

ش: أي ففي هذه الأحاديث المذكورة آنفًا عن عائشة وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه عليه السلام كان يقرن بين السورتين في ركعة واحدة في الصلاة، ففعله هذا يخالف ما رواه أبو العالية رفيع بن مهران، عمن سمع النبي عليه السلام يقول:"لكل سورة ركعة" على ما مر في أول الباب.

فإذا ثبتت المخالفة بين هذه الآثار وبين أثر أبي العالية؛ تركنا أثر أبي العالية وصرنا إلى تلك الآثار؛ لترجحها عليه بقوة الصحة واستقامة الطريق، يظهر لك ذلك إذا نظرت في طرقها وأحوال رواتها، وقد علم أن التعارض بين الأثرين إنما يعتبر إذا تساويا في الصحة وقوة الطريق، وإلا فالمرجوح كالمعدوم بالنسبة إلى الراجح.

قوله: "فأما قول ابن مسعود بعد ذلك

" إلى آخره، جواب عن سؤال مقدر تقريره أن يقال: كيف تستدلون على مدّعاكم بحديث ابن مسعود؟! وقد قال: "إنما سُمّي المفصل لتفصلوه" بمعنى: لتجعلوا كل سورة في ركعة؟

ص: 446

وتقرير الجواب: أن ابن مسعود لم يذكر هذا القول عن النبي عليه السلام ولا أسنده إليه، فيحتمل أن يكون ذلك من رأيه واجتهاده، فإذا كان كذلك فقد عارضه في ذلك فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه فإنه كان يختم القرآن في ركعة واحدة على ما سيجيء مسندًا في آخر الباب، فإذا كان معارضًا بفعل عثمان لم تبق به حجة ولا اعتراض متوجه، فافهم.

ص: وقد روي عن النبي عليه السلام "أنه قرأ في ركعةٍ من صلاة الصبح ببعض سورة".

حدثنا بذلك ابن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا ابن جريج (ح).

وحدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن جريج، عن محمَّد بن عباد بن جعفر، عن أبي سلمة بن سفيان، عن عبد الله بن السائب، قال:"حضرت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم غداة الفتح صلاةُ الصبح، فاستفتح بسورة المؤمن، فلما أتى على ذكر موسى وعيسى صلى الله عليهما أو موسى وهارون عليهما السلام أخذته سعلة فركع".

فإن قال قائل: إنما فعل ذلك للسعلة التي عرضت له.

قيل له: فإنه قد روي عنه أنه كان يقرأ في ركعتي الفجر بآيتين من القرآن، قد ذكرنا ذلك في باب "القراءة في ركعتي الفجر".

وقد حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر، عن رجل، عن جَسرة بنت دجاجة قالت: سمعت أبا ذر قال: "جعل رسول الله عليه السلام يقرأ آية من كتاب الله عز وجل، بها يركع، وبها يسجد، وبها يدعو".

حدثنا عبد العزيز بن معاوية، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن قدامة بن عبد الله، عن جسرة بنت دجاجة، عن أبي ذر:"أن النبي عليه السلام قام بأية حتى أصبح {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} (1) ".

(1) سورة المائدة، آية:[118].

ص: 447

حدثنا عبد الله بن محمَّد بن خُشَيش، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثني قدامة بن عبد الله، قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة، أنها سمعت أبا ذر يحدث عن النبي عليه السلام مثله.

فهذا دليل على أنه لا بأس بقراءة بعض سورة في ركعة، وقد ثبت أنه لا بأس بقراءة السورة في الركعة؛ لما قد ذكرنا مما جاء في ذلك عن النبي عليه السلام، وقد جاء عن النبي عليه السلام أنه قال:"أفضل الصلاة طول القيام" وذلك أيضًا ينفي ما ذكر أبو العالية؛ لأنه يوجب أن الأفضل من الصلوات ما أطيلت القراءة فيه، وذلك لا يكون إلا بالجمع بين السور الكثيرة في ركعة، وهذا كله قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أشار بهذا الكلام إلى منع ما قاله أهل المقالة الأولى من تعيين سورة واحدة لكل ركعة، وتأكيد لصحة ما قاله أهل المقالة الثانية من جواز القران بين السورتين أو أكثر في ركعة واحدة بلا كراهة؛ وذلك لأنه قد روي عن النبي عليه السلام أنه قرأ في ركعة من صلاة الصبح ببعض سورة واحدة، فلو كانت لكل ركعة سورة واحدة لما فعل النبي عليه السلام ذلك، وحيث فعل ذلك دل على صحة ما ذكره أهل المقالة الثانية.

قوله: "فإن قال قائل

" إلى آخره اعتراض من جهة أهل المقالة الأولى، تقريره أن يقال: لا نسلم أن حديث عبد الله بن السائب يدل على ما ذكرتم؛ لأن اقتصاره عليه السلام على بعض سورة المؤمن إنما كان لأجل السَعْلة التي عرضت له لا لأجل ما ذكرتم.

وتقرير الجواب: أنه قد روي عن النبي عليه السلام أنه كان يقرأ في ركعتي الفجر بآيتين من القرآن، فهذا يدل على اقتصاره على بعض السورة من غير علة، وقد ذكر ذلك الحديث في باب "القراءة في ركعتي الفجر"، وهو ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "كان رسول الله عليه السلام يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ

ص: 448

وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} (1) الآية، وفي الثانية:{آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (2)" وكذلك روي عن أبي هريرة مثله، وقد مر هناك مستقصى، ثم إنه أكد كلامه ذلك أيضًا بحديث أيضًا ذر الغفاري حيث قال: "فهذا دليل علي أنه لا بأس بقراءة بعض سورة في ركعه"، وهو أيضًا تأييد للجواب المذكور عن الاعتراض المذكور.

قوله: "وذلك ينفي أيضًا" أي قوله عليه السلام: "أفضل الصلاة طول القيام"، أيضًا ينفي ما رواه أبو العالية رفيع بن مهران، وهذا ظاهر؛ لأن هذا الحديث يقتضي طول القراءة لطول القيام، وذلك لا يكون إلا بالجمع بين السورتين أو سور كثيرة، وحديث أبي العالية يقتضي الاقتصار على سورة واحدة في ركعة، وبينهما تعارض ظاهرًا، ولكن الحديث الأول أقوى وأصح إسنادًا، وقد ذكرنا في باب "القراءة في ركعتي الفجر" أن مسلمًا أخرجه، فلا يُعارض بحديث أدنى منه في الصحة والقوة؛ لما ذكرنا.

ثم إنه أخرج حديث عبد الله بن السائب المخزومي الصحابى رضي الله عنه بإسناد صحيح من طريقين رجالهما ثقات.

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عثمان بن عمر بن فارس البصري، عن عبد الملك بن جريج، عن محمد بن عباد بن جعفر المكي، عن أبي سلمة بن سفيان، واسمه عبد الله بن سفيان القرشي المخزومي، مشهور بكنيته روى له مسلم وآخرون.

وأخرجه مسلم (3): حدثني هارون بن عبد الله، قال: نا حجاج بن محمَّد، عن ابن جريج.

وحدثني محمَّد بن رافع -وتقاربا في اللفظ- قال: نا عبد الرزاق، قال: أنا ابن جريج، قال: سمعت محمَّد بن جعفر بن عباد بن جعفر يقول: أخبرني

(1) سورة البقرة، آية:[136].

(2)

سورة آل عمران، آية:[52].

(3)

"صحيح مسلم"(1/ 336 رقم 455).

ص: 449

أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن المسيب العابدي، عن عبد الله بن السائب قال:"صلى لنا رسول الله عليه السلام الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى عليهم السلام -محمَّد بن عباد شك أو اختلفوا عليه- أخذت النبي عليه السلام سعلة فركع، وعبد الله بن السائب حاضر ذلك".

وفي حديث عبد الرزاق: "فحذف فركع".

وفي حديثه: "وعبد الله بن عمرو"، ولم يقل: ابن العاص.

الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن ابن جريج

إلى آخره.

وأخرجه أبو داود (1): نا الحسن بن علي، نا عبد الرزاق وأبو عاصم، قالا: أنا ابن جريج قال: سمعت محمَّد بن عباد بن جعفر يقول: أخبرني أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن المسيب العابدي وعبد الله بن عمرو، عن عبد الله بن السائب قال:"صلى بنا رسول الله عليه السلام الصبح بمكة، فاستفتح سورة المؤمنين حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر موسى وعيسى -ابن عباد شك أو اختلفوا- أخذت النبي عليه السلام سعلة فحذف فركع، وعبد الله بن السائب حاضر لذلك".

وأخرجه النسائي (2) وابن ماجه (3) أيضًا.

قوله: "غداة الفتح" أي: فتح مكة، وفي رواية الطبراني:"يوم الفتح".

قوله: "أخذته سَعْلة" بفتح السين وسكون العين المهملتين، وهي مرة من السعال، وفي رواية ابن ماجه:"أو قال: شهقة" وفي رواية: "شرقة".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 175 رقم 649).

(2)

"المجتبى"(2/ 176 رقم 1007).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 269 رقم 820).

ص: 450

ويستفاد منه:

استحباب القراءة الطويلة في صلاة الصبح ولكن على قدر حال الجماعة.

وجواز قطع القراءة، وهذا لا خلاف فيه ولا كراهة إن كان القطع لعذر، وإن لم يكن لعذر فلا كراهة أيضًا، وهذا مذهب الجمهور، وعن مالك في المشهور كراهته.

وجواز القراءة ببعض السورة.

وأخرج حديث أبي ذر الغفاري واسمه جندب بن جنادة من ثلاث طرق:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي، عن سليمان ابن حيان -بالياء آخر الحروف- وكنيته أبو خالد الأحمر، عن رجل وهو مجهول، ويمكن أن يكون هذا فُليتا العامري، كما قد جاء هكذا في رواية أحمد في "مسنده" على ما نذكره الآن، وقد قيل: اسمه قدامة بن عبد الرحمن أو عبد الله.

وهذا الرجل يروي عن جسرة بنت دجاجة العامرية الكوفية، قال العجلي: تابعية ثقة.

روى لها أبو داود والنسائي وابن ماجه، وجَسْرَة -بفتح الجيم وسكون السين المهملة- وقال الشيخ تقي الدين في "الإِمام": ورأيت في كتاب "الوهم والإيهام" لابن القطان المقرَّر عليه دِجَاجة -بكسر الدال- وعليها صحّ، بخلاف واحدة الدَّجاج.

قلت: ذكر الصغاني أن الدَّجاج -بفتح الدال- أفصح من كسرها، فيفهم من ذلك أن الكسر لغة فيه ولكن الفصحي الفتح.

والحديث أخرجه أحمد في "مسنده"(1) بأتم منه: ثنا محمَّد بن فضيل، حدثني فليت العامري، عن جسرة العامرية، عن أبي ذر قال: "صلى رسول الله عليه السلام ليلةً فقرأ بآية حتى أصبح، يركع بها ويسجد بها {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ

(1)"مسند أحمد"(5/ 149 رقم 21366).

ص: 451

فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1) فلما أصبح قلت: يا رسول الله، ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت، تركع بها وتسجد بها؟ قال: إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئًا".

الثاني: عن عبد العزيز بن معاوية القرشي العتابي، قال الدارقطني: لا بأس به عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري وأبي داود، عن يحيى بن سعيد القطان، عن قدامة بن عبد الله بن عبدة ويقال: ابن عبد البكري أبو رَوْح الكوفي، قيل: إنه فليت العامري؛ ذكره ابن حبان في "الثقات" وروى له النسائي وابن ماجه.

وأخرجه النسائي (1): أنا نوح بن حبيب، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا قدامة بن عبد الله، قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت أبا ذر يقول: "قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا أصبح بآية، والآية: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1) ".

الثالث: عن عبد الله بن محمَّد بن خُشَيْش، بضم الخاء المعجمة وبشينين معجمتين بينهما ياء آخر الحروف ساكنة.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا محمَّد بن فضيل، حدثني فليت العامري

إلى آخره، وقد ذكرناه عن قريب.

ص: وقد رَوَيْنا عن ابن عمر رضي الله عنهما خلاف ما روينا عنه في الفصل الأول.

حدثنا ابن مرزوق، قال: حدثنا أبو عامر، قال: ثنا داود بن قيس، عن نافع قال:"كان ابن عمر رضي الله عنهما يجمع بين السورتين في الركعة الواحدة من صلاة المغرب".

(1) سورة المائدة، آية:[118].

(2)

"مسند أحمد"(5/ 149 رقم 21366).

ص: 452

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن عبيد الله بن عُمَر، وموسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر:"أنه كان يقرأ بالسورتين والثلاث في ركعة واحدة".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال: ثنا إسماعيل، عن محمَّد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر مثله وزاد:"وكان يقسم السورة الطويلة في الركعتين من المكتوبة".

ش: أراد بهذا الجواب عما رواه أهل المقالة الأولى -فيما ذهبوا إليه- عن ابن عمر من حديث يعلى بن عطاء، عن ابن لبيبة قال: "قال رجل لابن عمر

" إلى آخره.

وقد أخرجه في معرض استدلالهم وهو معنى قوله في الفصل الأول.

بيان ذلك أن يقال: إن الذي احتج به أهل المقالة الأولى فيما قالوا من كراهة الجمع بين السورتين أو السور في ركعة واحدة بما روي عن ابن عمر رضي الله عنه يعارضه ما رواه عنه نافع: "أنه كان يجمع بين السورتين في الركعة الواحدة من صلاة المغرب".

فإذًا سقط احتجاجهم بما رواه يعلى بن عطاء، وقد ذكرنا غير مرة أن الحديثين إذا تعارضا ظاهرًا يكون الحكم لأصحهما إسنادًا، ولا شك أن ما رواه نافع أعلى إسنادا وأصح طريقًا مما رواه يعلى بن عطاء ولئن سلمنا تساويهما في الصحة فإنهم إذا احتجوا على خصمهم برواية يعلى بن عطاء، فخصمهم يحتجون عليهم برواية نافع، وفي هذا أيضًا ردٌّ لما قال بعض أصحابنا الحنفية من كراهة الجمع بين السورتين أو أكثر في ركعة من الفرائض؛ فافهم.

ثم إنه أخرج ما روي عن ابن عمر في ذلك من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، عن داود بن قيس الفراء الدباغ روى له الجماعة البخاري مستشهدًا، عن نافع مولى ابن عمر.

ص: 453

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث الوليد بن كثير عن نافع "أن ابن عمر كان يجمع بين السورتين والثلاث من المفصل في السجدة الواحدة من الصلاة المكتوبة".

وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه"(2): عن ابن جريج، قال: أخبرني نافع: "أن ابن عمر كان يقرأ في ركعة الثلاث سور في بعض ذلك".

وأخرج (3) عن معمر، عن أيوب، عن نافع:"أن ابن عمر كان يقرأ بالسورتين والثلاث في ركعة".

وأخرج (4) عن داود بن قيس قال: سمعت رجاء بن حيوة يسأل نافعًا: "هل كان ابن عمر يجمع بين سورتين في ركعة؟ قال: نعم، وسور".

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن خطاب بن عثمان الطائي الفوزي أبي عمر الحمصي شيخ البخاري، عن إسماعيل بن عياش بن سليم الشامي الحمصي غاية في الشاميين واختلط عن المدنيين، قاله دحيم، وروى له الأربعة، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العمري المدني، روى له الجماعة، وعن موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي أبي محمَّد المدني روى له الجماعة، كلاهما عن نافع.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(5): ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر:"أنه كان يقرن بين السورتين في ركعة واحدة من الصلاة المكتوبة".

الثالث: عن ابن أبي داود أيضًا، عن خطاب بن عثمان أيضًا، عن إسماعيل

(1)"سنن البيهقي"(2/ 60 رقم 2295).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 148 رقم 2846).

(3)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 148 رقم 2847).

(4)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 148 رقم 2848).

(5)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 323 رقم 3694).

ص: 454

ابن عياش أيضًا، عن محمَّد بن إسحاق المدني صاحب السيرة المشهور، إمام ثقة لكنه مدلس.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): مقتصرًا على تلك الزيادة التي ذكرها ابن أبي داود في روايته هذه، وقال: ثنا عبدة، عن محمَّد بن إسحاق، عن نافع عن ابن عمر:"أنه كان يقسم السورة في الركعتين".

ص: وقد روي في ذلك أيضًا عن عمر وغيره ما يدل على هذا المعنى.

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:"صلى بنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمكة الفجر، فقرأ في الركعة الأول بسورة يوسف حتى بلغ: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} (2) ثم ركع".

ش: أي: قد روي فيما ذكرنا من عدم كراهة قراءة بعض السورة في الركعة الواحدة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد ذكر الأثر المذكور في باب "الوقت الذي يصلى فيه الفجر".

وأبو الأحوص سلام بن سليم، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي.

قوله: "ما يدل" في محل الرفع؛ لاستناد قوله: "وقد روي" إليه، مفعول ناب عن الفاعل.

وأراد بقوله: "على هذا المعنى" قوله: "فهذا دليل على أنه لا بأس بقراءة بعض السورة

" إلى آخره.

ص: حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا زهير، عن أبي إسحاق حدثه، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: "صليت مع عبد الله العشاء

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 325 رقم 3717).

(2)

سورة يوسف، آية:[84].

ص: 455

الآخرة، فافتتح الأنفال حتى انتهى إلى {نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} (1) ثم ركع".

ش: إسناده صحيح، وعمرو بن خالد بن فروخ الجزري الحراني شيخ البخاري، وزهير هو ابن معاوية بن حُديج أحد أصحاب أبي حنيفة روى له الجماعة، وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي، وعبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي أبو بكر الكوفي روى له الجماعة، وعبد الله هو ابن مسعود.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2): عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد:"أن ابن مسعود صلى بهم العشاء فقرأ بأربعين من الأنفال، ثم قرأ في الثانية بسورة من المفصل".

ص: حدثنا رَوحٌ، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال:"حججت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ في الركعة الآخرة من المغرب {أَلَمْ تَرَ} و {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} ".

ش: هذا بعينه هو الإسناد الأول غير أن موضع عبد الرحمن بن يزيد: عمرو بن ميمون الكوفي الأَوْدي أدرك الجاهلية ولم يلق النبي عليه السلام، وروى له الجماعة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال:"صلى بنا عمر بن الخطاب صلاة المغرب فقرأ في الركعة الأولى {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} وفي الركعة الثانية {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} و {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} ".

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(4) أيضًا.

وفيه ردٌّ صريح على من يكره من أصحابنا الجمع بين السورتين في ركعة من الفرض.

(1) سورة الأنفال، آية:[40].

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 103 رقم 2668).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 314 رقم 3593).

(4)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 109 رقم 2697).

ص: 456

ص: حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا زهير ابن معاوية، عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين قال:"كان تميم الداريّ رضي الله عنه يحيي الليل كله بالقرآن كله في ركعةٍ".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا الضحى يُحدِّث، عن مسروق، قال:"قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري، لقد رأيته قام ذات ليلة حتى أصبح -أو كاد أن يصبح- يقرأ آيةً يركع بها ويسجد ويبكي؛ {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} (1) الآية".

ش: هذان طريقان رجالهما ثقات، وعبد الرحمن بن زياد هو الرصاصي الثقفي، وابن سيرين هو محمَّد، وأبو داود سليمان بن داود الطيالسي، وأبو الضحى مسلم بن صُبَيْح -بضم الصاد- الكوفي روى له الجماعة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن ابن سيرين:"أن تميمًا الداريّ كان يقرأ القرآن كله في ركعة".

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الحِماني، قال: ثنا إسحاق بن سعيد، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما:"أنه قرأ القرآن في ركعة".

ش: الحماني هو يحيى بن عبد الحميد أبو زكرياء الكوفي، فقال يحيى: صدوق ثقة (3). وقيل: إنه أول من صنف المسند، وإسحاق بن سعيد بن عمرو بن العاص بن أمية ثقة من رجال الصحيحين، وأبوه سعيد بن عمرو روى له الجماعة سوى الترمذي.

(1) سورة الجاثية، آية:[21].

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 323 رقم 3691).

(3)

قد ذكرنا غير مرة أن الجمهور على تضعيفه. وقال الذهبي في "المغني في الضعفاء": حافظ منكر الحديث، وقد وثقه ابن معين وغيره، وقال أحمد بن حنبل: كان يكذب جهارًا، وقال النسائي: ضعيف.

ص: 457

ص: حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن حمادٍ، عن سعيد بن جبير "أنه قرأ القرآن في ركعة، في البيت- يعني الكعبة".

ش: إسناده صحيح، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وحماد هو ابن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن الثوري وأبي حنيفة، عن حماد، عن سعيد بن جبير قال:"سمعته يقرأ القرآن في جوف الكعبة في ركعة، وقرأ في الركعة الأخرى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ".

ص: حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يوسف، قال: ثنا أبو الأحوص، عن المغيرة، عن إبراهيم قال:"أمّنا في صلاة المغرب، فوصل سورة الفيل ولإيلاف قريش في ركعة".

ش: إسناده صحيح أيضًا، ويوسف هو ابن عدي بن زريق شيخ البخاري، وأبو الأحوص اسمه سلام بن سليم الكوفي، والمغيرة بن مقسم الضبّى الكوفي الفقيه الأعمى روى له الجماعة، وإبراهيم هو النخعي.

ص: وهذا الذي ذكرنا مع تواتر الرواية فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثرة من ذهب إليه من بعده من أصحابه وتابعيهم هو النظر؛ لأنا قد رأينا فاتحة الكتاب تقرأ هي وسورة غيرها في ركعة ولا يكون بذلك بأس، ولا تجب لفاتحة الكتاب -لأنها سورة- ركعة، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك ما سواها من السور لا يجب أيضًا لكل سورة فيه ركعة، وهذا مذهب أبي حنيفة وأيضًا يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أشار به إلى ما ذكره في هذا الباب من الأحاديث عن النبي عليه السلام والآثار من الصحابة والتابعين، من عدم كراهة قراءة بعض السورة في الركعة الواحدة وعدم كراهة الجمع بين السورتين أو أكثر في ركعة واحدة، سواء كانت في مكتوبة أو نفل،

ثم قال: هذا مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد.

(1)"مصنف عبد الرزاق"(2/ 148 رقم 2850).

ص: 458

والعجب من بعض المتأخرين ذكروا في كتبهم أن الجمع بين السورتين في ركعة واحدة مكروه، ونسبوا ذلك إلى مذهب أبي حنيفة وصاحبيه، وبعضهم ينسب ذلك إلى محمَّد، وهذا كلام صادر عن غير صحة ولا استناد على دليل، والحق ما ذكره الإِمام الطحاوي، فإنه أعلم الناس بمذاهب العلماء ولا سيما بمذهب أبي حنيفة.

قوله: "هو النظر" أي القياس، وجه ذلك: أن المصلي يجمع في ركعة واحدة بين سورة الفاتحة وسورة أخرى في أي صلاة كانت، وهذا غير مكروه بلا خلاف، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك إذا جمع بين سورتين غير الفاتحة أو بين سُوَر كثيرة.

ص: 459