المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما يقول إذا دخل السوق - نسيمات من عبق الروضة

[أمل طعمة]

الفصل: ‌ما يقول إذا دخل السوق

‌ما يقول إذا دخل السوق

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

من دخل السوق فقال:

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير: كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة.

وعن بريدة قال: كان رسول الله (إذا دخل السوق قال:

بسم الله، اللهم إني أسألك خير هذا السوق وخير

ما فيها، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها، اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يميناً فاجرة أو صفقة خاسرة.

أصواتٌ متعالية .. لافتاتٌ متضاربة .. أضواءٌ ملفتة .. مئات البضائع المتباينة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ به الأعين .. أشخاص تروح وتجيء .. تتمختر أو تسرع .. وربما تحدّق في الأشخاص أو تسترق

ص: 56

النظرات

وذاك يحلف بالإيمان لينفق سلعته بحلال أو حرام .. وآخر يضرب يداً على يد للحال الذي آل إليه الناس من الكذب أو الخديعة!

كيف يمكن تفادي مساوئ السوق من غمز ولمز، ونظرات وهمسات، وغبنٍ في الأسعار أو شراء مالا يلزم وإسرافٍ فيما لا يحتاج؟

ما هو الدعاء المحمدي لذلك الموقف الحياتي المتكرر؟

(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد)

إنه إقرار بالعبودية لله وتذكير بقدرته ثم تملّكه جل وعلا للناس والأشياء، فهو المالك الحقيقي الذي يستحق المدح والحمد والثناء.

وفي اللغة: ألَهَ بالفتح إِلاهَةً، أي عَبَدَ عِبَادَةً. والتَاليهُ: التعبيد. والتَأَلُّهُ: التَّنَسُّكُ والتَعَبُّدُ. وتقول: أَلِهَ يَالَهُ أَلَهاً، أي تَحَيَّرَ؛ وأصله وَلِهَ يَؤْلَهُ وَلَهاً. وقد ألِهْتُ على فلانٍ، أي اشتدَّ جزعي عليه، مثل ولِهْتُ. (1)

وقيل الإله هو المستحق للعبادة وقيل هو القادر على ما تَحِقُّ به العبادةُ (2). فهو جل جلاله المستحق للعبودية الذي تتحيّر العقول بعظيم

(1) القاموس المحيط. ج1.288

(2)

المخصص. اشتقاق اسم الله عزوجل. ج4. 289

ص: 57

صفاته، والركن الأمين الذي يجزع إليه كل مضطر وتحن إليه القلوب وتُولَه به لروعة خصاله. وهو المالك الحقيقي لكل شيء، فلا تخرج عن سيطرته ذرة تراب أو ذرة هواء، فهو المتصرف في كل شيء، القادر على التحكم به، فالجميع خاضعٌ لحكمه، فلا خوف من أن يُظلم أحدٌ فلا يقتص الله له أو ينصره، ولا نفاذ لخزائنه فلا يقتّر الرزق على أحد من خلقه. فله الحمد الذي أعطاك هذه النّعم ابتداءًَ من قدرة على الروح إلى السوق، مروراً بنعمة المال الذي يمكنك شراء ما تريد، وقدرته جل وعلا على النصرة والمنعة من الظلم وإنزال الرزق.

(يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير)

لماذا يذكّر الدعاء بالموت والحياة؟

إنّ تذكّر قصر الحياة الدنيا وقدرة الله عليه يعصم من الشهوات وخيانة الأعين والإسراف فيما لا ينبغي والحلف بالكذب.

فهو رادعٌ للشهوات وملزم لكثير من الآداب كغض البصر وحفظ اللسان والحلف بغير حق لإنفاق سلعة، أو مانع لشجار وخصام وجدال مرير حول الثمن أو خفضٍ لصوت امرأة أو كبت لضحكة طائشة.

ص: 58

ولأن السوق مرتعٌ لكثير من الشرور والغفلة، كان تذكّر الله والحياة الآخرة والموت وسط الهرج والمرج له من الأجر الكبير (كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة)

إنها مثوبة وأجر عظيم جداً لكلمات قليلة، لكنها تحمل في طياتها معانٍ عميقة.

إن تذكّر الله والموت وسط هذا الزحام بطولة يستحق القائم بها هذا الأجر العظيم، إذ بها سينجو بدينه ويحافظ على قلبه سليماً ومتصلاً بالله، ووقاية للآخرين من أن يصل إليهم شيء من شروره إن نسي مولاه.

فهي حرز أمين وسور مكين، من تعاهده لن يستطيع أعداء قلبه تسوّر محرابه وسيظل في مأمن أمين.

ص: 59