الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يقول إذا أراد سفراً
في سنن أبي داوود عن قزعة: قال: قال لي ابن عمر رضي الله عنهما: تعال أودعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)) حديث حسن.
قال الإمام الخطابي: الأمانة هنا: أهله ومن يخلّفه وماله الذي عند يد أمينة، قال: وذكر الدين هنا لأن السفر مظنة المشقة فربما كان سبباً لإهمال بعض أمور الدين.
أيدٍ تلوح
…
ودموع تنسكب
…
ويصعب الفراق لأحبة لهم في القلب مستودع ومكان.
نحن مع مشهد الفراق .... غياب من نحب .... البطل هنا هو المودَّع فكيف نذكِّره بالحال السليمة الواجب أن يكون عليها خلال سفره؟ السفر قطعة من العذاب كما يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ففيه من المشقات وإن كثرت وسائل المواصلات وتطورت لكنه يبقى كما
قال الحبيب قطعة من العذاب، فإن لم يكن فيه شيء فحسب فراق من نحب أن يكون مؤلماً ومعذباً للإنسان.
(أستودع) في اللغة اسْتَوْدَعْتُهُ وَديعَةً، إذا استحفظته إيَّاها (1).
أستودع فلاناً وديعة: أستحفظه إياها.
والمكان الذي تحفظ فيه الأشياء الزائدة يدعى مستودعات. (2)
(أستودع) عند من؟ عند الخازن الأمين الله جل وعلا، مالك السموات والأرض، وهو معكم أينما كنتم
…
(إنني معكما أسمع وأرى)(3)
إنه هو جل جلاله القادر القوي الذي لا يموت
…
الأول والآخر، ومن كان الله وكيله فهو حسبه.
ماذا نستودع عنده؟ ماهي الوديعة؟ نسأله أن يحفظ علينا ديننا وأهلنا وأواخر أعمالنا.
يحفظها من ماذا؟ من كل سوء أو شرّ يطالها فينقص ديننا أو ننسى ربنا أو ينقص عملنا الصالح. أن يحفظ أهلنا في غيابنا فهو الحاضر في كل مكان
…
القائم على كل العباد
…
الرحيم بخلقه.
(1) الصحاح في اللغة. ج2. 272
(2)
معحم لغة الفقهاء. ج1. 427
(3)
سورة طه: 46
لماذا هذا الدعاء بالذات؟
إن أخوف ما يخاف رب العائلة وهو يفارق أهله أن يحدث مكروه لأهله أو يحتاجون إلى شيء فلا يطالونه، فمن سيكون الأمين والحفيظ عليهم؟
إنها كلمات تسكب في قلب ربّ العائلة أمناً وسكينة وطمأنينة يحتاجها في سفره كي لا يزداد عناء فوق عناء، ولكي ترفعه إلى مقام التوكل على الله والثقة به (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)(1)
أما الشطر الثاني من الدعاء فهو تذكير للمسافر بعدم التغافل عن واجبه اتجاه ربه وعدم إهمال واجباته تجاه دينه فإن من حفظ الله بسره حفظه في أهله وماله .... (ومن يتق الله يُكفِّر عنه سيئاته ويُعظم له أجراً)(2).
أدب نبوي رفيع وزاد الطريق يحمل الأمن والأمان والسكينة والسلام في حقيبة كل مسافر. وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر
(1) سورة الطلاق: 3
(2)
سورة الطلاق: 5
كبّر ثلاثاً ثم قال: "سُبْحَانَ الَّذِيْ سَخَّرَ لَنْاَ هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِيْنَ وَإِنَّا إِلَىْ رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُوْنَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِيْ سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَىْ وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَىْ، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاِطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِيْ السَّفَرِ وَالْخَلِيْفَةُ فِيْ الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّيْ أَعُوْذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوْءِ الْمُنْقَلَبِ فِيْ الْمَالِ وَالأَهْلِ." وإذا رجع قالهن وزاد فيهن:"آيبُوْنَ تَائِبُوْنَ عَابِدُوْنَ لِرَبِّنَا حَامِدُوْنَ"(1).
إنها أنوار محمدية تذكّر كل مسلم بالبرّ والتقوى في سفره، إنها تحجز من لم يُختم على قلبه بعد، ومن دَاخَل قلبه ذرة من إيمان.
سلسلة عظيمة من الأذكار لو تعاهدها المسلم لارتقى وكان في كل أحواله مع الله سليم الصدر، نقي القلب، محفوظاً في حلّه وترحاله.
(1) صحيح مسلم حديث: 2469.