الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستخارة
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول:
إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل:
اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاقدُره لي ويسرّه لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه واقدُر لي الخير حيث كان ثم رضّني به. قال: ويسميّ حاجته.
مطرق الرأس، شارد الذهن، متعب البال، عينٌ ذابلة، رأس ثقيل، أفكار مزدحمة ..
هذا حال الحائر في اتخاذ قراره حول أمر ما، إنه محتار في قبول هذا الأمر أم لا، أو في اختيار البديل أو ذاك، وبينما هو في زحمة أفكاره يتذكر دعاء الاستخارة الذي كان رسول الله الله صلى الله عليه وسلم يعلّمه لأصحابه كما علمهم سورة الفاتحة، وذلك لأهميتها وحاجتها للمسلم في حياته.
فما هو الحال السليم في هذا الموقف العصيب؟
تذكّر لاسم الله العليم الذي فاق علمه كل شيء، للأول والآخر، للظاهر والباطن، للعليم الخبير الذي يعلم ما تخفي الأنفس والصدور .. يعلم ما كان وما قد يكن وما هو كائن .. محيط بكل شيء .. حفي خبير.
إن تذكّر صفاته العظيمة جل جلاله لكفيل بإضفاء شعور الأمن والأمان والسكينة والهدوء .. فهو يعلم إن استخرته وأنخت عند أعتابه، وأعلنت افتقارك إليه، والتبرؤ من حولك وقوتك إلى قوته جل جلاله وعلمه الواسع، إنه يعلم ما يصلح لك، فكيف لا تهدأ سريرتك بعد ذلك؟ وكيف لا تقر عينك إن علمت ذلك علم اليقين؟
(اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: عاجل أمري وآجله - فاقدُره لي ويسرّه لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري)
وكأنه صلى الله عليه وسلم يسرّب لنا معلومة عظيمة حول المعيار الذي يجب أن يكون نصب أعيننا عندما نوازن بين البدائل. فليس معيار اختيار البديل الأول عن الثاني معيار أيهما أحب إليّ أو أفضلهما منزلة ومكانة ووجاهةً في الدنيا .. ليست كل هذه المعايير الدنيوية ذات الأفق المحدود. بل معيار الخيرية في الدين والمعاش في الدنيا، ثم عاقبة ونتائج الأمر القريبة منها والبعيدة.
إنه صلى الله عليه وسلم يقول لك انتبه إلى نتائج البدائل القريبة والبعيدة، وليكن معيار التفضيل لديك في أيّ البدائل نتائجه بالنسبة لدينك ومعاشك (أي حياتك المعاشة التي تحتاجها، وليست للتفاخر والتباهي بل التي تحتاجها فيما يُقيم عودك ويعيّشك بخير) أفضل؟
إنه درس في مهارات اتخاذ القرار .. فقد حدد الله صلى الله عليه وسلم الهدف الذي ينبغي أن يتوفر فيه البديل المناسب، ثم جعل مهارة اعتبار النتائج القريبة وبعيدة المدى أساساً في تحديد البديل المناسب. وجعل من معيار الدين
وصلاح المعيشة المعيارين الأساسيين في اختيار القرار الملائم. وإن أهم مهارة في اتخاذ القرار هي مهارة اعتبار النتائج القريبة والبعيدة مع اعتبار مهارة معالجة الأفكار أي دراستها سلبياً وإيجابياً.
صلى الله على معلم البشرية الذي لم يدرس في المدارس والجامعات ليتعلم مهارات اتخاذ القرار، إنما علّمها ربه عز وعلا، الذي أحاط بكل شيء علماً، وعنده علم الأول والآخر، والظاهر والباطن .. سبحانه وتعالى.