الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سترُ ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه: بسم الله الذي لا إله إلا هو).
ما يقول إذا خلع ثوبه
إننا مع شعاع نور جديد من الأنوار المحمدية.
إنه أدب رفيع فهو يطلب منا أن نتأدب مع عالم لا نشاهده، إنه عالم الجن فكيف بعالم البشر! فإذاً من البداهة ألا نخلع أمام أحد من البشر، أما عالم الجن فعلّمنا كلمات عند قولهن نُستر أمام أعين الجن:
(بسم الله الذي لا إله إلا هو)
"بسم الله" كي نتذكر أننا نخلع ثيابنا بقدرة الله لا قدرتنا، وبعون الله لا بقوتنا، فلا اغترار بالقدرة ولا القوة. وقد يخطر في بال أحدنا وما هي هذه القوة التي نحتاجها في رفع الثياب لخلعها! ألم ترَ مريضاً لايقوى على ذلك؟ أو كبيراً في السن يطلب تلك المساعدة! إنه صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالحقيقة التي إن نسيناها هلكنا وإن تذكرناها
أفلحنا؛ أن قوتنا مصدرها من الله ولسنا مصدراً لها، بل نحن مجرد مستفيدين ومستعملين لها.
هذه الحقيقة على بديهيتها إلا أنها أول حقيقة ينساها الإنسان، ونسيانه هذا هو سبب شقائه وتجبّره على العباد. ولو كان الإنسان لايتجاهلها أو يتناساها لما وجدتَ جباراً يتجبّر في الأرض أو طاغية يضحك ملء شدقيه أن انتصر على ضحيته.
حقيقةٌ تختفي معها الخصومات ابتداءً من خلافات الأخ مع أخيه، والزوج مع الزوجة، والحماة مع زوجة الابن! والمدير مع موظفيه .... ووصولاً إلى الخلافات بين الشعوب والأمم.
" لا إله إلا هو "
حقيقة شديدة الصلة بالحقيقة السابقة، فلا إله غير الله، لا قوي ولا ناصر ولا معز ولا قادر إلا الله جل جلاله.
وعندما يطلب منا عليه الصلاة والسلام أن لا نخلع ثيابنا إلا ونذكر قدرة الله وعظمته فإنه يُبعدنا عن وسوسة الشياطين ويحفظنا من الجن، ذاك العالم غير المرئي الذي لا ندركه والذي قد يخاف منه
الكثيرون
…
إن قدرة الله فوق كل شيء .. فالدعاء حرز أمين.
كما أنه قد يرسم صورةً لطبيعة علاقاتنا مع هذا العالم " عالم الجن" إذ يجب أن يكون هناك ستر عن أعين الجن، لا أن تكون هناك علاقة بيننا وبينهم، يرون عوراتنا
…
وكأن كشف العورات يجعل المكان مرتعاً للجن ومبعداً للملائكة.
وبعد هذا الأدب الرفيع هل يستطيع أحد أن يظل كاشفاً للعورة في بيته وإن كان وحيداً؟ إنه يطلب منك أن تقول هذه الجملة عند خلعك الثياب ولو للحظة واحدة، لئلا يطّلع أهل الجن على عورتك فهل من المروءة والأدب النبوي أن تظل يومك كاشفاً للعورة بعدما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإن كنت وحيداً؟
إيحاء نبوي لطيف لمنع كشف العورات ولو كنت خالياً بنفسك، أو مع الزوج والزوجة .. كانت عائشة رضي الله عنها تقول: كنا لا نرى منه ولا يرى منا. صورة أنيقة طاهرة في أشد لحظات الشهوة، تُذكر بهدف الزواج وتُبعده عن صورة الشهوة الحيوانية .. صورةٌ تليق ببني آدم الذي كرّمه الله بسجود الملائكة الطاهرة.
وكم نحن بحاجة إلى ذاك التوازن بين الشهوة والهدف، لإعادة تشكيل
هذه الحياة التي نعيشها بعد أن أنهكتها المادية المتكالبة والشهوة الحيوانية التي انطلقت كالحصان الجامح لايملك أحد السيطرة عليه ولا الانتفاع منه، إلا إذا حظي بفارس يروّضه ويرشّد ملكاته.
إنه الذوق المحمدي
…
أدب النبوة
…
يرتفع بنا إلى مستوى يليق بقائل لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.
عصمة أخرى يعصمنا الله بها من آثار كشف العورات التي هي مجلبة للجن ومهيجة للشهوات، وكل هذا يُبعد الإنسان المسلم عن ربه.
إنه صلى الله عليه وسلم يصنع للمسلم بيئته وأجواء بيته التي تساعده في نشر الأجواء الرحمانية الملائكية والتي بدورها تسهّل عليه الطاعات وتبعده عن المعاصي فيكون بذلك قريباً من هدفه لا يحيد عنه قيد أنملة.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:" مَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِيْ عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِيْ فَلَهُ أَجْرُ مِائةِ شَهِيْدٍ". (1) وقال عليه الصلاة والسلام:"مَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِيْ وَثَبَتَ نَجَا، وَمَنْ أَفْرَطَ مَرَقَ، وَمَنْ خَالَفَ هَلَكَ". (2)
(1) الزهد الكبير للبيهقي حديث: 215
(2)
الإبانة الكبرى لابن بطة حديث: 148